|
العرب
والتاريخ
أبو
أحمد مصطفى
* العربي
مغرم بالعودة
الى الماضي
والاستمتاع
بقصصه
واساطيره،
ويخشى
الالتفات الى
الحاضر،
ويفزع من
التطلع الى
المستقبل.
وحالة كهذه
تستدعي من
علماء
الاجتماع
والسياسة ان
يولوها
اهتمامهم
دراسة
وتحليلا. ليس
مستغربا ان
يلجأ المرء
في حالات
اليأس
والاحباط
والخواء
الفكري الى
ما يثير في
نفسه الشعور
بالفخر
والاعتزاز
بانتمائه،
والاعتقاد
بأنه خير من
على الارض،
وإن كان ذلك
الانتماء
والاعتقاد
منقوصا
ووهميا. إن
ثقافة الماضي
الجامدة التي
تسيطر على
العقل العربي
وتقوده منذ
اكثر من عشرة
قرون، لا
يمكن ان تكون
قادرة على
تجاوز مراحل
التخلف التي
تراكمت فوق
ارضيتها
وعاثت فسادا
في العقل
والسلوك
العربيين. والمتتبع
للواقع
العربي لن
يخطئ في
مشاهدة حالة
التخلف
المروع التي
تسيطر على
جوانب الحياة
فيه،
اجتماعيا
وسياسيا
وفكريا. وقد
يكون تكرارا
لحديث سابق
أن المشاهد
للواقع
العربي يفزع
من الكم
المخيف من
الكتب
واللقاءات
الفضائية
التي تحث
المجتمع على
المزيد من
التفكر
والتدبر في
حياة السلف
الصالح، لا
للاستفادة من
عبره ولكن
لتقليده
بعيدا عن
ظروف الزمان
والمكان.
محزن ان
يحاول
الكثيرون
إلقاء تبعة
الفجوة التي
تفصلنا علميا
واجتماعيا
وسياسيا عن
الغرب، وحتى
عن شرق آسيا،
على
الاستعمار
القديم
والجديد، وأن
يقنعوا
العامة بأن
عدم تمسك
الامة بأصول
الدين هو
الذي دفعها
الى هذا
القعر.. وحتى
الكوارث
الطبيعية
التي حلت بنا
هي ـ في نظرهم
ـ عقاب لعدم
اتباع حرفية
التعاليم..
ولا أحد يجرؤ
على المجادلة
والحوار،
وإلا اصابه
رصاص التكفير
والالحاد،
وفي الحد
الادنى، تلصق
به تهمة
العلمانية مع
الجهل المطبق
لحقيقة
محتواها. البحث
في اسباب
تقدم الغرب
واستمرار
التخلف الذي
نعاني منه
يدفعنا الى
دراسة الفرق
بين
العقليتين
العربية
والغربية.
يلاحظ ان
الاولى تركز
على الماضي
وتعيش فيه،
وتتمنى ان
تعود اليه،
وتتشبث بكل
ما يرتبط به
من طقوس
وعادات
وأوهام. اما
العقلية
الغربية فلم
تعد مشغولة
بهذه
الامور، ولا
تعيرها اهمية
في تحقيق ما
تصبو اليه
المجتمعات
وتتطلع اليه
العامة، بل
تركت تلك
الامور الى
قلة من
المنشغلين
بها
والمنتفعين
منها، ولكن
هؤلاء لا
يدعون
القداسة
ويمنعونها من
الآخرين.
ونحن نسمع عن
المحاكمات
التي تجريها
المؤسسات
الدينية في
الغرب للعديد
من القائمين
عليها ولا
يعيبها ذلك
فتلك فطرة
بشرية لا
تدعي
المثالية
والعصمة. الغربي
يرى ان روح
الدين اهم من
نصوصه، وان
الدين هو
واجب شخصي لا
يفرضه نفر
يدعون
امتلاكهم
لحقيقته ولم
يمنحهم احد
حق ملاحقة
الآخرين بحسب
تفاسيرهم
لنصه الثابت.
إن المجتمعات
الغربية بما
بلغته من
تقدم علمي
وتطور مؤسسي
لم تصل
اليهما عبر
الحديث عن
الماضي، بل
عبر السعي
لتغليب
الظروف
الحاضرة
والاستفادة
من ازمات
الماضي
واختناقاته
التاريخية،
بما يدفع
المجتمع الى
حالة من
الحراك
الدائم بعيدا
عن جمود النص
والتشبث
بحرفيته. إذا
ما نظرنا الى
المجتمع
العربي
باعتباره
وحدة واحدة
لغة وتاريخا
وتأخرا،
فإننا نجد
انه لم يعش
تراكما
معرفيا او
مؤسسيا، بل
حالات متكررة
من الصراع
والتنافس
السلبي ونفي
الآخر وادعاء
امتلاك
التفويض
الإلهي. إن
التخلف لا
يمكن ان يكون
نتاج مرحلة
قصيرة ولا
يمكن ان يكون
نتيجة سيطرة
استعمارية
انتهت قبل
اكثر من نصف
قرن، يجب ان
نعترف انه
نتيجة عقم في
التفكير وعدم
تدبر في
احداث الماضي
ونتائجها. إن
عقيدة الخوف
من فتح ملفات
الماضي
ومناقشتها
والتعرف الى
اسباب الهزات
التي احدثت
شروخا ليس من
اليسير اخفاء
ملامحها، ان
هذه العقيدة
لا يمكن إلا
ان تساهم في
غرس المزيد
من العقد
والنتوءات
والجراح. المجتمع
الذي يعيش في
حالة من
الرعب
الداخلي
والتهرب من
بحث اسبابه
والتعرف الى
ثقافات
الآخرين
والانفتاح
عليهم، لن
يتصالح مع
ذاته ولن
يقدم عملا
ايجابيا
للأجيال. المجتمع
الذي يعيش في
حالة من
التكتم
والانغلاق
ونفي الآخرين
والاندفاع
نحو تحميل
الغير
مسؤولية
نكباته، لا
يمكن له ان
يخرج من حالة
التقوقع ومن
شبكة
العنكبوت
التي حاكها
حول جسده
بسلبيته
وادعاءاته
واوهامه. المجتمعات
التي
تجاوزتنا في
كل الميادين
لا تخجل ولا
تستحي من نشر
عريها امام
الآخرين، ولا
يضيرها ذلك،
بل على العكس
انها بهذا
الفعل تبذل
جهدا للتخلي
عن عقد
الماضي
ورواسبه،
وترفع عن
كاهلها العبء
النفسي الذي
يشل حركته،
ليعاود
الظهور بصور
مختلفة تعيد
افراز
الماضي،
وتكتم
الأنفاس، ولا
تدع لأحد
فرصة التفكير
في الحاضر او
المستقبل. *
دبلوماسي
عربي ـ خاص بـ«الشرق
الأوسط»
(عن يومية "الشرق
الأوسط" ليوم
27/10/2002) |
|