|
|
افتتاحية: على هامش ذكرى «الظهير البربري»: 16 ماي 1930 ـ 16 ماي 2012«الظهير البربري» والقضية الأمازيغية بقلم: محمد بودهان كثيرا ما يقول ويكتب المناوئون للمطالب الأمازيغية بأن المغاربة عاشوا دائما في انسجام ووئام، كشعب واحد موحّد لا تمييز بين مكوناته على أساس الانتماء العرقي إلى العنصر الأمازيغي أو العربي، إلى أن أصدرت فرنسا «الظهير البربري» الذي حاول الفصل بين العرب والأمازيغ على أساس عرقي وعنصري... ليخلصوا إلى أن القضية الأمازيغية برمتها ليست إلا قضية مفتعلة ترجع جذورها إلى هذا «الظهير البربري» العنصري الذي حاربه المغاربة جميعا عربا وأمازيغيين. هذا صحيح، وصحيح جدا. فالقضية الأمازيغية ترجع جذورها بالفعل إلى «الظهير البربري»، في صيغته الأسطورية الافترائية، الذي ربط الأمازيغية بالاستعمار والتجزئة والتفرقة، ومحاربة الإسلام واللغة العربية. وهو ما كان وراء الإقصاء، السياسي والهوياتي واللغوي والثقافي، الذي عانت منه الأمازيغية طيلة أزيد من نصف قرن بعد الاستقلال. اليوم، هناك قضية أمازيغية، تتبناها وتدافع عنها حركة أمازيغية، تطالب يرفع الظلم الذي ألحقه «الظهير البربري» ـ وليس ظهير 16 ماي 1930 ـ بالأمازيغية، ووضع حد للإقصاء الذي طالها جراء هذا «الظهير البربري»، وتبرئتها مما عزاه لها من تهم التفرقة والعنصرية والانفصال، وفضح الكذّابين وأكاذيبهم التي لُفّقت للأمازيغية وجعلت منها «شيطانا رجيما» يستعاذ منه بقراءة «اللطيف» في المساجد، وتصحيح التاريخ الزائف والكاذب الذي روّجه هذا «الظهير البربري» حول الأمازيغية والأمازيغيين... نلاحظ إذن أن كل المطالب التي تخص رد الاعتبار للأمازيغية، والتي تشكل موضوع القضية الأمازيغية، ترتبط، بشكل أو آخر، بـ»الظهير البربري» الذي هو مبتدأ هذه القضية (معه بدأ إقصاء وشيطنة الأمازيغية) ومنتهاها (تبرئة الأمازيغية من كل ما ألصقه بها هذا الظهير من تهم وشرور). الخلاصة إذن أن ربط القضية الأمازيغية بـ»الظهير البربري»، كما يؤكد تلامذة صانعي هذا الظهير، صحيح مائة في المائة. ولكن ليس الظهير الفرنسي السلطاني (ظهير 16 ماي 1930)، كما يريدون أن يوهموا بذلك، وإنما «الظهير البربري» الحقيقي، أي الظهير/الأسطورة الذي اختلقه أصحاب «اللطيف». لنتصور أن «الظهير البربري»، بكل حمولته العنصرية والأمازيغوفوبية، لم يوجد، وإنما فقط ظهير 16 ماي 1930؛ وأن الأعراف الأمازيغية استمرت بعد الاستقلال، نتيجة لغياب هذا «الظهير البربري»، حاضرة في القوانين المغربية بعد تعديلها وتكييفها مع الزمان (العصر) والمكان (الجهات)؛ وأن دولة الاستقلال حافظت على تدريس اللغة الأمازيغية ونمّته وطوّرته لتجعل من هذه الأخيرة لغة رسمية بجانب العربية؛ واعترفت بالهوية الأمازيغية كمكوّن أول وأساسي (لنبقى، تماشيا مع السياق، في هذا المستوى العامّي الخاطئ لتصور الهوية على شكل مكونات متعددة) لهوية المغرب والمغاربة... فهل كان ستظهر قضية أمازيغية وتنشأ حركة أمازيغية تدافع عن هذه القضية؟ لا نعتقد ذلك، بناء على أن انتفاء الأسباب يتضمن انتفاء ما تؤدي إليه من نتائج... ولاستمر المغاربة طبعا في وئامهم وانسجامهم و»انصهراهم» كشعب واحد موحد مثلما كانوا قبل «الظهير البربري»، كما يحلو لتلامذة أصحاب «اللطيف» أن يقولوا، اليوم، من منطلق معارضتهم للمطالب الأمازيغية. هكذا يكون «الظهير البربري» هو الذي خلق فعلا وحقا القضية الأمازيغية. وبما أن رجال «الحركة الوطنية»، ومؤسسيها من أصحاب «اللطيف»، هم الذين خلقوا هذا الظهير، فالنتيجة أن هذه «الحركة الوطنية» هي التي خلقت، كعلاقة سببية، القضية الأمازيغية التي يحاربها اليوم أتباع هذه «الحركة الوطنية» وتلامذتها المتشبعون بفكرها الأمازيغوفوبي. فلو كانوا منطقيين في استدلالهم ومواقفهم، لألقوا باللوم على أصحاب «اللطيف» الذين كانوا السبب في ظهور القضية الأمازيغية، وليس على الحركة الأمازيغية التي تدافع عن هذه القضية العادلة، وتناضل من أجل تحرير الأمازيغية من «الظهير البربري» الذي يأسرها كرهينة لأسطورته وأكاذيبه، وهو الظهير، الأسطوري الكاذب، الذي خلقته «الحركة الوطنية» نفسها، كما قلنا. إذا كان أتباع «الحركة الوطنية»، المناوئون للمطالب الأمازيغية، يدّعون أن القضية الأمازيغية ذات مضامين عنصرية تعمل على تأجيج الصراع العرقي بين الأمازيغيين والعرب المغاربة، فذلك لأن «الظهير البربري» هو الذي أعطى للأمازيغية هذا المضمون العرقي والعنصري، وذلك عندما حاربتها وشيطنتها «الحركة الوطنية»، الخالقة لهذا الظهير، بمبررات عنصرية وأمازيغوفبية، وأقصتها بعد الاستقلال كهوية للمغرب، مختزلة هذا الأخير في انتماء عرقي تلخصه العبارة العنصرية «المغرب العربي»، مع كل ما يتضمنه هذا الإقصاء العنصري للأمازيغية من نتائج، تتمثل في التبعية الهوياتية والثقافية واللغوية للمشرق العربي، واحتقار كل ما هو مغربي أصيل، لأن هذا الأصيل يعني الأمازيغية ويرتبط بها ويحيل عليها. وعندما تطالب اليوم الحركة الأمازيغية بالاعتراف بالأمازيغية ورد الاعتبار لها والنهوض بها، فإنها تطالب في الحقيقة يوضع حد للمعاملة العرقية والعنصرية مع الأمازيغية من طرف حاملي الفكر الأمازيغوفوبي «للحركة الوطنية»، الذين يعتبرون أنفسهم «عربا» من واجبهم معارضة المطالب الأمازيغية استمرارا لمعارضة نفس «الحركة الوطنية»، مرجعهم الفكري والإيديولوجي والأمازيغوفوبي، «للظهير البربري» الذي هو في الحقيقة ظهيرها الذي أوجدته واختلقته هي نفسها. ولأن «الظهير البربري» أسطورة، فإن «حقائقه»، كما في كل الأساطير، مقلوبة ومعكوسة كما شرحنا في الكتاب: يقولون إن القضية الأمازيغية خلقها «الظهير البربري»، مع أنهم هم الذين خلقوا هذا الظهير، وبالتالي فهم الخالقون الحقيقيون للقضية الأمازيغية. وعندما تطالب الحركة الأمازيغية برد الاعتبار للأمازيغية، يتهم نشطاؤها بأنهم «عنصريون». وهنا يطرح السؤال: من هو العنصري الحقيقي، من أقصى الأمازيغية وحاربها ومنعها، أم الذي يطالب بالاعتراف بها ورد الاعتبار لها؟ ونظرا لحجم الإقصاء، السياسي والهوياتي واللغوي والثقافي والتاريخي، الذي كانت الأمازيغية ضحية له بسبب «الظهير البربري» الذي اختلقته «الحركة الوطنية»، فإن الحركة الأمازيغية سوف لن تقف عند المطالبة بالنهوض بالأمازيغية كلغة وثقافة ومكون هوياتي فحسب، كما في «السياسة البربرية الجديدة»، بل ستناضل من أجل الاعتراف السياسي الكامل بالأمازيغية كهوية للدولة وللسلطة بالمغرب، تبعا للهوية الأمازيغية لأرض هذا المغرب. وهذا يعني أن السلطة السياسية يجب أن تٌمارس باسم الانتماء الأمازيغي إلى الأرض الأمازيغية ـ وليس إلى العرق الأمازيغي ـ،عكس ما هو قائم اليوم حيث تمارس هذه السلطة باسم الانتماء إلى العرق العربي نتيجة لاعتبار المغرب دولة عربية. وفي هذا إقصاء سياسي ـ وليس لغويا أو ثقافيا ـ للأمازيغية. وهذا الإقصاء السياسي هو مصدر وسبب كل الإقصاءات الأخرى، اللغوية والثقافية والهوياتية. (من كتاب "«الظهير البربري»: حقيقة أم أسطورة"، سيصدر قريبا).
|
|