|
|
الأمازيغية بين القانون التنظيمي والتدابير الحكومية بقلم: أحمد عصيد خلال النقاش الذي أثارته دفاتر تحمّلات القنوات التلفزية والإذاعية، وكذا استعمال إحدى النائبات البرلمانيات للغة الأمازيغية في طرح سؤال شفوي بالبرلمان، اعتبر البعض أنّ التدابير التي اتخذها وزير الاتصال لإقرار موقع جديد للأمازيغية في المشهد السمعي البصري، وكذا مبادرة النائبة البرلمانية، إجراءات سابقة لأوانها، لأنه كان عليهما انتظار صدور القانون التنظيمي الذي ينصّ عليه الدستور، باعتباره الإطار المرجعي الذي سيحدّد كيفيات إدراج الأمازيغية في كل قطاعات الحياة العامة، والواقع أنه ليس هناك أكثر خطأ من هذا الموقف، للأسباب الآتية: 1) لأن وزير الاتصال ملزم بإيجاد وضعية للأمازيغية في دفاتر التحمّلات الجديدة، ولا يمكن له إجراء تغييرات إيجابية لصالح العربية والدارجة والحسانية مثلا واستثناء الأمازيغية إلى حين صدور القانون التنظيمي، بل لو ارتكب هذا الخطأ لاتهم بالعنصرية وبتكريس سياسة الميز اللغوي والثقافي وبخرق الدستور، ولن يكون انتظار القانون التنظيمي عذرا مقبولا لا لدى الحركة الأمازيغية ولا لدى المعارضة البرلمانية. كما أنّ النائبة البرلمانية محقة من الناحية القانونية في استعمال إحدى اللغتين الرسميتين تحت قبة البرلمان، وليس هناك أي مانع يمنعها من القيام بذلك، يؤكد ذلك أنّ العُذر الذي كان يقدّمه الذين يعترضون على التكلم بالأمازيغية في البرلمان هو ضرورة استعمال اللغة الرسمية للبلاد والتي هي العربية آنذاك. 2) لأن القانون التنظيمي قد يتأخر صدوره لسنوات، وفي هذه الحالة لا يمكن تأجيل ملف الأمازيغية في القطاعات المختلفة، لأن ذلك يتناقض مع وضعيتها القانونية بوصفها لغة رسمية للبلاد، كما أن من شأن هذا التأخير توتير الأجواء وتصعيد الاحتقان الاجتماعي في هذا الموضوع، والمغرب في غنى عن ذلك في الظروف الحالية.3) أنّ التدابير الحكومية التي ستتخذ في موضوع الأمازيغية في هذا القطاع أو ذاك ـ والتي ينبغي أن تكون متقدمة عما سبق ـ لن تكون نهائية، بل هي تدابير مرحلية في انتظار صدور القانون التنظيمي الذي سيحدّد بشكل حاسم وضعية هذه اللغة داخل المؤسسات، وهذا يعني أن الأخطاء التي يمكن أن ترتكب من طرف المسؤولين الحكوميين، ينبغي تداركها في القانون التنظيمي. فرغم الإيجابيات التي جاءت بها دفاتر تحملات القنوات التلفزية والإذاعية الحالية مثلا، إلا أنها مقارنة بمطالب الفاعلين الأمازيغيين، وبما ينصّ عليه الدستور ما زالت لم ترق إلى مستوى تحقيق المساواة المطلوبة بين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية. 4) أنّ عدم اتخاد الإجراءات المناسبة من طرف الحكومة في انتظار القانون التنظيمي قد يؤدي إلى إجهاض العديد من الأوراش التي انطلقت من قبل بشكل متعثر، وخاصة في التعليم والإعلام، وهو ما يتعارض مع روح المرحلة التي حملت بفضل حركة الشارع المغربي الكثير من الآمال والطموحات الجديدة في التغيير. 5) أن النقاش العمومي حول التدابير الحكومية يمكن أن يفيد في تدقيق القانون التنظيمي وتدارك الأخطاء والثغرات. وقد يقول قائل، ولكن ماذا لو جاء القانون التنظيمي بما يتعارض مع الإجراءات والتدابير الحكومية ؟ والجواب على هذا السؤال واضح: فالقرارات الإيجابية التي تتخذ من طرف الحكومة تصبح حقوقا مكتسبة، يتمّ التأكيد عليها في القانون التنظيمي، بينما الثغرات والأخطاء والنقائص ينبغي تداركها وفق منطوق الدستور وروحه، فوضعية ترسيم اللغتين العربية والأمازيغية في الدستور بالصيغة التي جاءت بها تفيد المساواة بين اللغتين، حيث لم يتمّ إيراد أية صيغة تفيد المفاضلة المعيارية بينهما، مما يجعل القانون التنظيمي ملزما بالحرص على ضمان المساواة بين اللغتين في القيمة والوظائف، مع توفير الإمكانيات المطلوبة لندارك الفارق الزمني ووضعية التهميش التي عانت منها الامازيغية على مدى النصف قرن الأخير من الاستقلال، وتدقيق أجندة ومراحل إدراج الأمازيغية في كل قطاعات الحياة العامة. |
|