|
|
تاريخ مقرصن بقلم: محمد مغوتي لابن خلدون كلام موزون عن التاريخ في «المقدمة» يقول فيه: «إن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال. وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال. وتتنافس فيه الملوك والأقيال. ويتساوى في فهمه العلماء والجهال...». التاريخ إذن هو سجل الزمن لحياة الشعوب والأشخاص والأمم. لكنه يمثل الذاكرة الحية لشعوب الأرض، فاسترجاع المحطات التاريخية الكبرى عادة دأبت عليها كل أمم الدنيا، وتعارفت عليها الإنسانية منذ أن بدأ الوعي يزداد بقيمة الماضي في الحضارة البشرية. غير أن تاريخ المغرب الأمازيغي ومعه كل تاريخ شمال إفريقيا يبدو محفوظا في أرشيف التعتيم والإهمال. واختزال تاريخ المغرب الطويل في اثني عشر قرنا يجعل من حدث تأسيس مدينة فاس بداية عهدنا بالحضارة. وفي هذا التوجه تكريس للدونية وانتقاص من قيمة الهوية الأمازيغية للمغاربة وارتماء في أحضان العروبة التي جاءتنا بالفتح المبين، وخلصتنا من براثن البربرية المتوحشة، وكان ذلك إيذانا بانفتاح أبواب الحضارة أمامنا على مصراعيها!!!... هكذا يقولون ويرددون. يربط أغلب الدارسين المتخصصين بداية التقويم الأمازيغي بحدث انتصار القائد «شيشنق»( شيشونغ) على الفراعنة في فترة حكم الملك رمسيس الثاني. وفي هذا الارتباط دليل واضح على تعلق الأمازيغيين بالأرض. وما يعزز هذا الاستنتاج هو الطقوس والعادات التي ما زالت العائلات الأمازيغية محافظة عليها في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، أو مايعرف ب «حاكوز «، حيث تجتمع الأسر حول موائد تتزين بأطعمة من المنتوج الزراعي المحلي على الأرجح (الكسكس – أفرفور...). كما أن يوم الثالث عشر من يناير الذي يصادف أول أيام السنة الأمازيغية، يصطلح على تسميته بين الفلاحين برأس السنة الفلاحية. وهذه التسمية تؤكد أن التقويم الأمازيغي يرتبط بالأرض ارتباطا وثيقا. وذلك لأنها مصدر العيش الأساسي للسكان. المفارقة في المغرب الأمازيغي أن الذاكرة الشعبية ما زالت تسترجع هويتها عبر المحافظة على العادات والطقوس القديمة في إحياء رأس السنة كل عام، بينما الدولة المغربية، وفي خضم الإيغال في مخاصمة التاريخ العام للمغاربة وتكريس البعد الأحادي للهوية المغربية عبر سياسة تعريبية شاملة للإنسان والأرض والتاريخ، تصر على عدم الاكتراث لهذا الحدث وكأنه ليس شأنا مغربيا.فما الضير في الإقرار بالجذور الحقيقية للمغاربة؟. ولماذا لا يتم إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية؟ والواقع أن استمرارنا في طرح مثل هذه الأسئلة حتى الآن خير دليل على أكذوبة التعدد الهوياتي التي يحاول المنافحون عن العروبة تسويقها. لأنه لو سلمنا جدلا بهذه التعددية، فينبغي أن تتكرس على أرض الواقع. فكيف يتحدثون عن غنى وتعدد روافد الهوية المغربية في الوقت الذي يتم فيه الاحتفال بكل ما هو عربي، بينما لا تحضر الأمازيغية إلا كديكور خلفي للبهرجة والفولكلور؟. إن الأمازيغية هوية ثابتة في وجداننا وليست مجرد أهازيج شعبية ترددها النساء في أقاصي الجبال، وتعرض للفرجة والترويح عن النفس في المناسبات. لذلك ينبغي أن تمنح المكانة التي تستحقها. والدولة معنية بهذه المسألة ومسؤولة عنها، لأن الإرادة السياسية وحدها كفيلة برد الاعتبار لإرثنا الهوياتي الذي يحاول بعض منظري الايديولوجيا الشرقانية تصنيفه( عبثا) باعتباره مجرد أحد الروافد المتعددة للشخصية المغربية، وهو تصنيف يقدم الأمازيغية كهوية ثانوية، لكنه يجعلنا في نفس الوقت عربا من الدرجة الثانية بالنسبة لأهل نجد والشام. لكن منطق التاريخ يعلن بصوت مرتفع يتردد في كل ربوع المغرب وشمال أفريقيا: لقد كنا هنا منذ أكثر من 2960 سنة. ومع هذا الصوت سيظل الصدى يمزق السكون الذي يخيم علينا. وسنظل مع إطلالة كل سنة جديدة نردد مع نبض قلوبنا: أسكاس أماينو. (محمد مغوتي، قاسيطة في: 07/01/2010)
|
|