|
|
قراءة في الفيلم الأمازيغي تعنيف الأنثى للأنثى (فيلم "تودرت نوموتل"* نموذجا) بقلم: لحسن ملواني محـــــــور الـــــــــفيلم " حمو" مسؤول مُنَصَّب على قرية للفصل في التظلمات التي تنشأ بين سكانها فيلجأ على الجور والحيف والمحسوبية والارتشاء مناصرا قضايا البعض على البعض استنادا إلى أهوائه ومصالحه الشخصية ليفقد هيبته شيئا فشيئا حتى يفقد سلطته على أهل تلك القرية، فيعيش مسكينا معدما متشردا هو وأسرته إلى أن يتم الإحسان إليه من قبل ابنته التي طردها من بيته بإيعاز من امرأته الثانية التي تزوجها بعد تطليقها - ظلما وعدوانا - من زوجها الذي تحبه ويحبها. تعنيف الأثى للأنثى الفيلم لا بأس به إخراجا وسينريوها وهو يصور أحداثا تتسم بواقعية الشأن اليومي للإنسان الأمازيغي ومواجهته لأعباء الحياة. ورغم تعدد مشاهده وأحداثه فإن الغالب عليه والمؤثر فيه يتعلق بحال المرأة التي جسدت الأنثى المقهورة المعرضة للتعذيب من بداية الفيلم حتى آخره. يعرض الفيلم ببساطة فضاء بسيطا للفصل في قضايا سكان قرية أمازيغية على يد مسؤول لا يقدر جسامة المسؤولية التي على عاتقه، فصار يصدر الأوامر بلا ضوابط معقولة إلى درجة فقدانه المصداقية حتى من قبل حارسيه اللذين اضطرا للاستقالة من خدمته. ومن أشنع أحكامه تطليق امرأة تدعى " تَوْعَداتْ" من زوجها رغم حبها له، وبذلك تحمل عداء لا يفارقه ضد "حمو" ، والمؤسف أن ابنته البريئة المتخلقة "تورغة" هي التي ستشقى تحت لهيب تعذيب المرأة البديلة عن أمها في كل وقت وحين. الفيلم يقدم ملمحا -عبر تنويعات مختلفة- للأنثى في مواجهة العنف بكل أشكاله (المادي والمعنوي). ونعرض لمظاهر ذلك عبر الفيلم باستعراض موجز للمشاهد المجسدة لذلك: -الترحيب بالمرأة الجديدة التي حلت محل الزوجة المتوفاة ، ودعوة المسؤول ابنته بالحرص على احترامها، فتنظر المرأة إلى المسكينة نظرات التوعد بالانتقام القادم. -اختيار "تَوعَداتْ" لخادمة تناسبها في مؤامراتها وخبثها إزاء الطفلة اليتيمة. -بداية فصول التعذيب على الطفلة "تورغة" : صراخ ، أنين ، عقاب بلا مبرر ، بكاء مؤثر خارج وداخل البيت.. مع التوعد بتشديد العذاب في حالة إيصال الوقائع إلى أبيها المسؤول "حمو". - اتفاق مبدئي على التخلص من اليتيمة "تورغة" بين "توعدات" وخادمتها والوسيلة تشريبها سم وبيض الأفعى في الحليب، فإما الموت وإما الحمل بجملة أفاع تنمو بأحشائها. -محاولة " توعدات " استعداء "حمو" على ابنته لكن محاولتها انتهت بالفشل. -"توعدات" تسلم الحليب المسموم بيض أفعى فتشربه كاملا لتسقط توا، وحين أغشي عليها ألقمتها بقية البيض الذي أتت به خادمتها ومعاونتها في حطتها الانتقامية. -دخول "حمو" فتواجهه امرأته "تعدات" بفضيحة غير منتظرة خاصة وأنه يعلم تَقْوى واستقامة ابنته الوحيدة، فَتُلمِّح له بإشاراتها الساخرة بحمل ابنته حملا غير شرعي، فصارت منتفخة البطن فينهال عليها "حمو" لكما وصفعا وعضا، ولم يكن يعلم أن ما ببطنها ليس سوى بيض وسموم الأفاعي. -يتبرأ الأب "حمو" من ابنته الوحيدة اليتيمة وقد أشرفت على الزواج فيأمر أحد حراسه قصد قتلها بعيدا عن القرية، وقد توعده بالقتل إن لم ينفذ أمره. -في صحراء يطلق الحارس سراح الفتاة على ألا تعود إلى الدوار حتى لا يفتضح أمره فينفذ في حقه الإعدام. -تتجه "تورغة" إلى وجهة مجهولة تشرب من الماء الراكد وتتغذى بالأعشاب، وقد كان المشهد مؤثرا تصاحبه موسيقى شجية بكلمات لها علاقة بالظلم والغدر والعداء. -صياد ببندقية يدعى "إثري" يجد "تورغة" نائمة بأسمالها ومنظرها المقرف الوسخ، فيسائلها أمن جنس الجن أم الإنس هي لتحكي له قصتها فيصحبها إلى منزله وهي مريضة تشكو من المغص والجوع... -تَنَاوُل تورغة دواء من تركيب وتهييء "إثري" قرب ساقية وتتساقط من فمها مجموعة من الأفاعي المختلفة الأحجام متجهة نحو الماء. -تأزم حال "حمو " وبيعه أملاكه فصار معدما فقيرا لا شأن له. فتقاسي "تورغة" وتعاني من الفقر والجوع وصارت تعيش في فضاء متسخ تشكو من القمل والأدران والعراء. -"تورغة" المحكوم عليها بالقتل تَفِدُ على "حْمُّو" وأسرته الفقيرة مصطحبة معها زوجها "إتري " ، وحين يكتشف " حمو " بأنها ابنته يتأثر شديدا ويهرع إلى امرأته "تعدات" لينتقم منها متهما إياها بالغدر والاحتيال والكذب لكن ابنته تفرض عليه تطليقها كي تعود إلى زوجها الذي طلقت منه طلاقا إجباريا . تعليق على أحداث الفيـلم هذه المشاهد التي تشكل معظم المحطات المكونة لنسيج الفيلم تقدم ملمحا انتقاديا ينتظر التصحيح لكل من الرجل والمرأة على أن تركيزنا على المرأة يجعلنا نحصر تعليقنا على الفيلم في قضية تعنيف المرأة للمرأة ويظهر ذلك في كون "تعدات" جعلت الانتقام من "تورغة البريئة " جسرا للانتقام من أبيها "حمو " الذي تسبب في التفريق بينها وبين زوجها، ورغم تحقيق حلمها في أخذ الثأر من الظالم فإن العقاب الذي تحملته "تورغة" والذي كاد أن يسفر على قتلها عقاب مجاني لم يخدم قضيتها كثيرا. علاوة على ذلك ، فالخادمة التي ساعدت "توعدات" على الانتقام لم تفكر في تحويل هذا الأخير نحو "حمو" الظالم وإنما زادتها تحفيزا ورغبة في تنفيذ اعتدائها الجهنمي في حق اليتيمة البريئة. وبالتأمل فيما آلت إليه أحداث الفيلم نجد أن "توعدات" أنثى انتقمت من أنثى بمساعدة أنثى لتكون في الأخير منتقمة من نفسها حين تشردت وتجردت من نعيم زوجها الثاني. الفيلم بأحداثه وبمشاهده المحببة للبيئة المغربية الأمازيغية يقدم نقدا اجتماعيا مفيدا على الرغم من بساطة تمظهراته الفنية التي يتميز بها الفيلم الأمازيغي عموما، ولعل هذه البساطة علاوة على واقعية الحدث هي السبب في اكتسابه شعبية لافتة بين الأمازيغيين المقبلين على استهلاكه أكثر مقارنة بالأفلام العربية وغيرها. هامش : فيلم " تودرت نوموتل "أول فيلم أمازيغي زيان – تقديم تماوالت فيزيون – بطولة بهيجة المكي -إخراج حسن أجلا.
|
|