|
|
"اثنا
عشر قرنا من التاريخ فقط"...
أو الإصرار على الفضيحة...
بقلم: زيان مصطفى، ابن الأطلس ـ الرباط تجوب هذه الأيام ربوع المغرب قافلة غريبة من نوعها سماها حكامنا، الذين أبانوا عن شكل جديد من الهرطقة الثقافية، «قافلة التاريخ» لتروج لشعار بائس محتواه أن «عمر المملكة السعيدة في المغرب هو أثني عشر قرنا من الزمن... فقط»... وهو ما يجعل المرء يتساءل عما أصاب نخبة العروبيين في هذا البلد حتى يصروا على هذه الفضيحة التاريخية الجديدة، والتي تأتي في سياق الكذب على أمية شعب ضربت عليه الذلة والمسكنة، إمعانا من أولائك الهراطقة في سياسة «ولو طارت معزة» المجبول عليها جنس الذين لسان حالهم يقول: «ما أضيع يوما مر بهم من غير أن يضيفوا كذبة أخرى لذاكرة النسيان» إمعانا في مسخ هويتنا وماضينا العريق... إنهم إنما يتحدثون عن «تاريخهم القزم» المشوه وليس عن «ماضينا العريق» الممتد في عمق الأزمنة السحيقة... «إتاريخ» الذي هو في الأصل كلمة أمازيغية تعني «الكتابة والتدوين» ليس مفترضا فيه أن يكون دائما صادقا في تناول أحداث وأحوال تمر بها الأمم... بل، ومذ أصبح فنا عربيا، أمسى في أغلبه شهادة زور في حق ماضي (آمزروي) الأمم التي ابتليت بهم، وتعبير صارخ عن خلفياتهم الأتوبية وعن نواميسهم اللاحضارية... فمجرد قراءة عنوان «قافلة التشويه» وكيف يختزل وجود المغاربة في فترة الوجود العربي بهذا البلد الذي فاته أن يظل طيبا، تكفي أن نفهم أن ما وراءها لوبي عروبي أندلسي وندالي يتهيأ للإجهاز على بقية باقية من صمود الشعب المغربي ضد هيمنة واستلاب الوافدين على كرمه بما أوتوا من جحود ونكران للجميل ولسان حاله قول الشاعر «إن أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد»... والواقع أن الحديث عن «غلاظ القفا» هؤلاء كمن يتناول «الأقرع الذي أينما ضربته يسيل دمه»... فتاريخهم عبارة عن حالة خاصة تجد أصلها في الفكر الأسيوي «الكونفوشي والمغولي» الذي بايع الاستبداد معتبرا سلطة القمع عطية إلهية مع ما أضافوا له من «جاهلية شبه الجزيرة» ومن «دسائس العقلية الأندلسية» ومن مستحدثات وضلالات بغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وفاس التي هي بيت القصيد في قضيتنا... فهي اليوم تلك العروس المحاطة بالنكافات بما جد من «عكارها» والمحمولة على «عمارية» «قافلة عبو والريح» التي ستحل ثقيلة بما أنفق عليها من مليارات على ستة عشرة مدينة بائسة لو نطقت حجارتها لتفجرت في وجه هذا الحيف العنصري الذي يمارس في «مغرب اليوم» بين مناطقه ورعاياه بدليل ما يجري من «تفشيش» البعض حتى التخمة وضرب وتجويع البقية في تحدٍّ سافر لمثل الحضارة ولقيم حقوق البشر... نعم، عنوان «اثنا عشر قرنا من التاريخ»، عفوا أيتها الحقيقة لأنك تعرفين أنها «اثنا عشر قرنا من كتابة الكذب والزور»، يحيل على «فاس اللي جات فالراس» والبدء كان من الاسم ذاته حين قالوا إن «مولاهم إدريس» حين بدأ يحفر –مسكين (...)- و جد فأسا من ذهب فسماها «فاس». وهو تفسير سخيف يحيلنا على ذلك النوع من الفقهاء الذين لحقنا بهم حتى ثمانينات القرن العشرين وربما لا تزال منهم بقية من حولنا ينكرون على الناس أن يقولوا إن الأمريكان وصلوا للقمر ويفسرون أن الأمريكان إنما رماهم الله في أرض خلاء فتشابه عليهم الأمر بما هم فيه من كفر وعمى بصيرة... وللحقيقة نذكر أن «فاس» اسم طبيعي يعني اليمين أو الشرق وعني به «شرق الوادي» الذي كان يخترق أراضي مغراوة (آيت إمغراون) أو (آيت إمغارن) الذين يعني اسمهم هذا أحد الأمرين... أولهما أن يكون المكان ملتقى لشيوخ القبائل «إمغارن جمع أمغار» للتشاور حول شؤون المنطقة وعقد أعراف السلم والحرب بينهم... ثانيهما أن يكون المكان وهو ملتقى طريق الحرير وطريق الصحراء عبارة عن ديار استقبال للوافدين وللقوافل بما يفسر خيار إقامة الأدارسة بها كمكان كرسه العرف الأمازيغي كمنطقة «محايدة» بين مجالات القبائل... فتقنيا توجد فاس في حفرة وهو أمر يناقض فن بناء مدن الإقامة... وأما قصة المولى إدريس الأصغر الذي شيدت له فاس فيحيلنا الاسم الذي أطلق على القبيلة التي تكفلت به بعد مقتل والده وهو «أوربة» على حقيقة أن هذا الاسم المحرف كان أصله «آيث أوربا» أي «أصحاب الطفل»... وهو ما يعني أن تربية إدريس كانت ضمن إطار متفق عليه بين قبائل يبدو أنها اختارت مكانا يتوسطها لتبني لذلك الطفل «المبارك» مدينته المستقبلية عند الضفة المقابلة ل»جنان السبيل» حيث كانوا مجتمعين... وأما المدن التي كانت تمثل السيادة القبلية آنذاك والتي على فاس أن تستحي من عراقتها وهي تتحدث عن التاريخ فهي: - وليلي التي يحيل اسمها الأمازيغي ككل مدن المغرب التي لا تزال أسماؤها صارخة بهويتها على نبات «الدفلة» الذي ينمو عند ضفاف واديها... وليلي التي كانت ملجأ أولا لإدريس، والتي لا يزال سر خرابها يطرح العديد من التساؤلات... وقد كانت عاصمة بنيت لتراقب جهة سهول الغرب ومقدمة الريف... وعاش بها قدماء ملوك الأمازيغ أمثال جوبا الأول والثاني وبوكوس وغيرهم... ولئن حكمت الأقدار بخراب وليلي كما خربت مدن كثيرة سواء بسبب الغزاة عبر العصور أو حتى بيد أهل الأرض أنفسهم ضمن سياسة الأرض المحروقة كما طبقتها «تيهيا» ملكة الأوراس إبان غزو العرب... فهل يرضى إدريس الأول أن يكون بدأ التاريخ من فاس؟... - أما صفرو أو بتعبير أدق «آسفرو» التي حاولوا تفسيرها تارة برومانيتها وتارة بمحاولة إلصاقها بالصفرية أو كل ما يقاربها لديهم من أسماء فهي أقدم من «قرية فاس» بزمن طويل ولا يعلم أحد اليوم كيف يحدد تاريخ إنشائها كالعديد من مدننا العريقة كما شهد بذلك المولى إدريس الذي سكن قلعة صفرو وتملى بشلالها قبل أن تبنى فاس... اسمها يعني وظيفتها لأنها مدينة كانت تراقب سهول سايس بين «سوق الجور» وتاهلا حيث إن «آسفرو» أو «بوفرو» يطلق على المواقع التي توفر منظرا عاما للمناطق المحيطة... فهل شهادة إدريس الثاني تعني أن التاريخ المغربي بدأ في فاس؟... - أما ثالث القلاع فهي تازة التي كانت الباب الشرقي ل»موورثان» القديمة أجمل بلد في عالم ذلك الزمن... واسمها يحيل على سيقان «تازة» التي تنمو لنبات الحلفاء وتستعمل لنسج حيطان الخيام لدى الرحل... تازة ليست مجرد عمران علينا أن نبحث فيه لندلل على عراقة دور المكان ولعبه دورا تاريخيا خطيرا على اعتبار أنه كان ومنذ الأزل نقطة هامة على طريق الشرق منذ عصر الحرير الممتدة حتى الصين إلى عصور تعاقب الغزاة حيث لعبت تازة دورها في مراقبة الباب الشرقية للمغرب... فلتتذكر فاس و هي تتوسط هذه المدن الثلاث أن أمر بنائها وإعالتها كمركز محايد كان تحت السيادة القبلية لأمازيغ الأطلس والريف الذين حافظوا على «آربا» علما أن مؤرخيهم زادوها التاء فأصبحت «أوربة» علما أنها بالكامل «أيت أوربا» أي «أصحاب الطفل «.... من ربوه حتى كبر وصيروه سلطانا... وأنها بناء على ذلك لا يليق بها أن تتبجح بأنها بداية التاريخ في هذا البلد... ونترك فاس بعد أن نتمنى أعياد ميلاد سعيدة... ولنتحدث عن مفهوم الدولة المغربية والملكية كجوهر لها لنذكر أصحاب «قافلة التاريخ» أنهم يزورون ذلك التاريخ و هم يقصون الفترة التي تجعل من المغرب أعرق ملكية في العالم، كانت منذ ما قبل «تاريخهم وما به يعلمون» ديمقراطية تستحق اعتراف ملكيات العالم لها بالعمادة عراقة وبالمثالية سياسة... ولفهم حقيقة الملكية في تامزغا القديمة علينا الرجوع آلاف القرون قبل أن يوجد الفراعنة والفينيق والإغريق وبالأحرى أن يوجد العرب... تسعفنا في ذلك كلمة «آجليد» التي كانت هي الوحيدة التي كانت تستعمل لتعني أن هناك نظاما أو مفهوما لدولة... «أجليد» كلمة مركبة من ثلاث كلمات جذرية «آج» و»آل» و»إيد» وتعني مجتمعة أحد الأمرين: - الأول: «الذي جعل إلى أن يذهب» أي «المبايع إلى أن يموت»... - الثاني: «الذي ينظم ويقود المسير» أي المسؤول عن قيادة الحرب العامة المتكونة من ألوية قبلية إذ لم يكن هناك جيش نظامي بالمفهوم الكلاسيكي... ويتجلى من ذلك أن الملكية خيار أمازيغي ضارب في القدم وأنها بنيت على أساس ديمقراطي لا علاقة له لا بالعرق ولا بالعنصر ولا بالوراثة... «أجليد» كان هو ذلك الرجل الحكيم، الصادق، العادل، البطل الذي يذيع صيته بين القبائل فترقيه بالإجماع إلى مصاف القائد عند الحرب يجتمع من حوله فرسان القبائل للدفاع عن الوطن... وإلى مصاف المشرع عند السلم يجتمع من حوله «حكماء القوم من «رؤساء القبائل وإمغارن» فيسير الشورى ويشارك كحكم في إبداع «الأعراف» التي توحد الأحكام والتقاليد على أوسع مجال بين القبائل المنضوية في قضايا المجتمع من أحوال شخصية وسياسية واقتصادية... إن الملكيات الأمازيغية القديمة كانت ملكيات شعبية وديمقراطية ويمكن نعت نظمها بأنها كانت «جمهوريات الملوك» إذ أن الفارق الوحيد بينها وبين «النظم الجمهورية» هو أن الرئيس المنتخب (أجليد) هنا يكون له الولاء مدى الحياة... وشتان بين هذا والملكية في آسيا وأوربا التي تجعل من الملك سلطة مطلقة ومالكا حقيقيا لرقاب وخيرات ومصائر الأوطان بشكل يجعلها مجرد ديكتاتوريات ستنتج شعوبا مستعبدة ومعوقة في فكرها السياسي بتسليمها لشرعية الاستبداد ولمبدأ تفاوت الأعراق في السمو والكرامة والشرف في حين أن القول بتنزيل السلطة من السماء على البعض فكرة «كونفوشية» تافهة... إن الذين يتبارون على تزوير تاريخنا وإقناعنا بما لا يقبله إلا السفهاء يسجلون مرة أخرى أنهم إنما هم «مداح» انتهازيون خبزيون يتاجرون بشرف الأمة المغربية. ونقول لهم إن التاريخ الحقيقي لهذا البلد له صدى أكبر من أن تعتم عليه ترهات أبواقهم وهو قادر على فضح حقيقة أكاذيب حضارات المشارقة وتفنيد عقل الميتافيزيقا ومنطق الأتوبيا التي ترهن الشعوب بين مخالب الاستلاب... وذلك الصدى الذي ستستعيد به الإنسانية صفاء الرؤية وتعيد به المفهوم الحقيقي للأشياء كامن في تلك اللغة الحقيقية التي حان الوقت ليسترد أهلها نواميسها ويستميتوا من أجلها لأنها جوهر وجودهم... وهي اللغة الأمازيغية... لغة أمة آدم التي تعرف عن أعدائها أكثر مما يعرفون عن أنفسهم.... (إب ن آثل-آس)
|
|