|
|
إغرم أو قصر أيت عمر أبراهيم كتنظيم اجتماعي وبنية سكنية أمازيغية بقلم: أحمد زرير (أسيف ندادس) مدخل: يبدو أنه يمكن الكشف عن مواد تاريخية مهمة، ويمكن استثمارها في أي موضوع يتناول تاريخ المجتمعات الإفريقية، عمرانيا واجتماعيا وسياسيا، في إطار تنظيمات قبلية وعشائرية، تتشارك في بعض السمات الأساسية لحياة الإنسان الأمازيغي. إذن نحن سنختار موضوعا محددا من حيث الزمان والمكان للدراسة الاجتماعية والعمرانية من منظور تاريخي يعتمد بالأساس على الآثار والتراث، وخصوصا إذا كان لهذا الموضوع ثقل كبير في صنع أحداث تاريخية، أرخت لظهور مظاهر عمرانية وبنيات اجتماعية، اتخذت أشكالا هندسية مختلفة ومتعددة الوظائف ومتشابهة التنظيمات إلى حد كبير حسب الامتداد الجغرافي. تفاديا منا لأي لبس أو غموض في موضوعنا هذا، ولعدم الخلط بين المفاهيم الذي لا زال مطروحا إلى يومنا هذا، نرى أنه من الضروري استحضار نظريات دراسة تطور ديناميكية المجتمعات الإفريقية، كنظرية «المجتمع الانقسامي» كمدخل أساسي لتحديد بعض التنظيمات القبلية للمجتمع الأمازيغي (الاتحادية، اللف، القبيلة، السلالات، الفخذة، العائلات...) ثم تعريف ألأشكال العمرانية وبعض البنيات الاجتماعية ونعتقد أن السبب يعود إلى تعريف كل شخص على حدة حسب ما يعرف من تاريخ عن تاريخ منطقته وحسب المصطلح الذي ورثه عن أجداده والغاية التاريخية، ومن خلال هذه التعاريف سنحاول الإجابة عن أسئلة تراود كل دارس للتاريخ المادي التقليدي مثلا: لماذا نطلق على موقع معين مصطلح قصر وآخر مصطلح قصبة؟ أكثر من هذا ارتأينا من أجل تقريب المتلقي لواقع المجتمعات الأمازيغية القديمة بصفة عامة أخذ نماذج حية بأصالتها ومعاصرتها كـإغرم-ن-أيت عمر إبراهيم، كقبيلة حافظت على عمران قصرها وتنظيماته الاجتماعية، إنه مادة تاريخية مهمة وحية، إلا أنها وللأسف الشديد، مادة تتعرض للضياع بفعل أثر الطبيعة، إذ لم يتم الاهتمام بها والمحافظة ورد الاعتبار لها، هذا الأخير يقع بعالية وادي دادس، بأيت سدرات-ن-غيل بإقليم ورزازات دائرة بومالن دادس على السفح الجنوبي للأطلس الكبير الأوسط. 1ـ محاولة تحديد مفهوم القصر: تنتمي عالية وادي دادس إلى وحدة جغرافية متميزة ومتجانسة إلى حد كبير، يمكن تحديدها بدقة في المنطقة الجبلية شبه الصحراوية، الأمر الذي طبع تاريخها بوحدة تحمل فروقات خاصة وبارزة مع مناطق مجاورة ومتفاعلة معها، تتجلى هذه الوحدة في العمران والسكن الاجتماعي للمجال، وهو مجال معقد تابع لضرورات الجغرافيا والتاريخ وحيثيات الثقافة، ومن هنا فهو محطة تراكم معارف بالمحاولة والخطأ تارة وبكثير من التبصرات تارة أخرى.. حتى الوصول إلى تنظيم ملائم ومطابق يصعب تغييره دون تكلفة اجتماعية، إذ لا يمكن أن نغير بسرعة ما لم ينشأ بسرعة. نحن إذن في مجال القصر «إغرم» بالمعنى العادي للكلمة، كوحدة أساسية لها تخصصات عدة بالنسبة لمنطقتنا الجبلية. أ ـ في الاشتقاق: يتضمن لفظ القصر عربيا دلالات غنية مترادفة أحيانا ومتناقضة أحيانا أخرى، ويفسر التناقض بدلالات سوسيولوجية ثرية، فالقصر غاية، غاية البدوي؟ والقصر حبس لأن الغاية حبس(1).. القصر بداية النهاية في الدائرة الخلدونية إذ هو مرغوب ومأمول لكن يتبعه خوف لاشعوري، أما في الأمازيغية فـ»إغرم» مرتبط بالبناء والحضارة التي تمنح الراحة والسكون والرفاه، وإذا حذفنا الراء حصلنا على «Ighm» إقامة «Axam» كما الدار «Taddart» ليس اشتقاقها عربيا كما يظن بل من «Addur» الدوام والحياة(2). ب ـ في التعريف: اختلفت التعاريف التي حاول الباحثون إنشاءها حول القصر، حسب الزاوية التي ينظر كل باحث إليه وقد تأثرت أساسا بمجموعة من المحددات الرئيسية منها المكونات (أدوات، البناء، المعمار، الهيئة والشكل..) والتاريخ والوظيفة (الأمن..) والمناخ والأنواع، وحتى نلم بالخصائص العامة للقصر سندرج هذه التعاريف. ـ «إغرم»»Ighrm» مصطلح أمازيغي واسع الانتشار إذ نجد استعماله في مجال جغرافي يشمل مناطق تمتد جنوب الأطلس الكبير والجنوب الشرقي إلى الريف. وإذا كان استعماله عند بعض القبائل يتخذ صيغة المؤنث «تغرمت»»Tighrmt»، ويطلق حينئذ على المنزل الكبير ذي الغرف المتعددة، المتكون أحيانا من عدة طبقات يخصص بعضها لخزن المواد... أما صيغة المذكر إغرم فيحيط معناه الشاسع بالقرية المحصنة التي يطلق عليها اسم القصر المنتشرة خاصة على طول أودية درعة، تودغة، غريس، دادس... تمتاز هذه التجمعات ببنيانها المتراص المتجمع المحصن بسور أو سورين لا يفتحهما على الخارج سوى باب رئيسي كبير يقوم بحراسته حارس دائم.. ومن أشهر القرى التي بقي مصطلح إغرم عالقا بها قرية «إغرم أمزدار» بقبائل أيت عطا بصاغرو و»إغرم العلام» بناحية بني ملال(3). يتضح من التعريف تأكيد صاحبه على الفرق بين القصر وتغرمت، وبين بذلك الشكل والهيئة العمرانية والوظيفة الدفاعية للقصر (السور) إلا أنه يهمل خصائص أخرى كبيرة سنحصل عليها من التعاريف الأخرى. ـ «القصر هو ثمرة توازن سوسيواقتصادي موجودة في الواحات.. ولقد ظهر القصر نتيجة لذلك الإسهام الثقافي والحضاري، الذي أفرزته جماعات بشرية ذات أصول عريقة وجغرافية مختلفة في نهاية المطاف بواحة درعة»(4). يؤكد التعريف أن القصرأفرزته الضروريات الاقتصادية وإستراتيجية المكان سواء الجغرافية أو المناخية دون أن يحدد شكل بناء القصر لأن السكن في الواحات الجنوبية على جنبات الوديان درعة، دادس، تودغة... ينقسم إلى نمطين من البناء من جهة نجد القصبات الأميرية، ومن جهة أخرى نجد القصور المحصنة أو الغير المحصنة وهي الأكثر انتشارا في عالية دادس. ـ «عندما تلتصق الدور بعضها ببعض تشكل قصرا «إغرم» تصغيره تغرمت وجمعه «تغرماتين» «Tighrmatin» ويتخذ القصر شكل مربع محصن بسور.. ينتهي عند الزوايا ببرج وبابه محصن.. أما «إغرم» المنتج فهو متكون من ساحة مركزية تحيط بها غرف السكن، والقرية المحصنة هذه قصور يسكنها الأمازيغ، لكنه يمكن أن نتحدث أيضا عن قرى غير محصنة»(5). يؤكد هذا التعريف على الوظيفة الدفاعية للقصر كما هو في جل التعاريف الأخرى، وشكل القصر ليس بالضرورة أن يكون مربعا، وأهمل الدور التنظيمي الاجتماعي للقصر الذي يشكل اللبنة الأساسية لتحديد هذا التجمع السكاني. وإذا كنا لا نغفل الوظيفة الدفاعية للقصر فإننا لا نلغي الوظائف الأخرى، التنظيم والسكن أساسا، لأن القصر لا ينشأ دائما مرة واحدة، إذ هو إما مجموعة قصور صغيرة تتفق لتبني قصرا دفاعيا كبيرا في مرحلة إحساس بالخطر (قصور الواحات الصحراوية، تافيلالت..) أو هو بنيات تفتتت فأصبحت قصور، أيت سدرات-ن-غيل ودادس، أحسن مثال بالنسبة لهذا الشكل الأخير، لأنه لم يتخذ الوظيفة الدفاعية بالدرجة الأولى أساس وجوده، هذا ما وجب علينا مراعاة المكان تاريخيا وإيكولوجيا، حيث إنه متى كان المكان محل أطماع قوية أو سهلا مكشوفا أو محور الطرق التجارية، اتخذ القصر الوظيفة الدفاعية ويتوفر القصر بذلك على أسوار من التراب المدكوك «التابوت» Ttabout، أما عندما يوجد القصر ضمن أحصنة طبيعية للدفاع كالجبال والوديان، والإنتاج كافيا (الزراعة، المراعي) اتخذ القصر شكله الاستقراري الطبيعي، ودون أن نغفل حده الأدنى من الدفاعية المتمثلة في أبراج المراقبة خارج القصر على التلال المجاورة. كخلاصة لهذه التعاريف وما توصل إليه كل من R.Montagne (6)و D.J.Meunié (7)في تعريفهم وتحديدهم لقصور الواحات الجنوبية الصحراوية والشبه الصحراوية، يمكن القول إن القصر هو تجمع سكاني كبير يخضع لتنظيم اجتماعي محكم، وهو وحدة اجتماعية كبيرة تسمى «تقبيلت Taqbilt» وهو معمار محلي تقليدي ذو بنية معمارية تكاد تكون واحدة، حيث الدور متلاصقة بعضها ببعض فرضته ضرورات المناخ والمجال والتاريخ من أجل الاستقرار، ثم الدفاع والمواجهة، والزراعة والتجارة، يحيطه سور قد يكون مزدوجا أو ينعدم، ويتوفر على باب رئيسي والكل يسكن بداخله دون تمييز قد يكون الاختلاف داخل الأزقة أو التوزيع حسب «إغسان» الأفخاذ... 2ـ البنية السكنية والاجتماعية للقصر: منذ الستينات، حاول سوسيولوجيون وأنتروبولوجيون وكذا مؤرخون وجغرافيون، دراسة المجتمعات الإفريقية عامة والمغاربية خاصة من خلال نماذج تم إعدادها في الأشكال التنظيمية للقبيلة، كمؤسسة مرتبطة بالمجتمع والفرد، لأن المجتمعات تنتقل وتتطور تدريجيا عبر التطور التاريخي، وهي فكرة سماها الباحثون الفرنسيون الانقسامية (8)، حيث إن أغلبية المجتمعات المغاربية تتكون من مجموعات تتسم بنفس الخصائص، كل مجموعة تسمى عشيرة ويكون المجتمع بمثابة تجمع لعدد من العشائر، وتشكل كل عشيرة «قسمة اجتماعية» داخل المجتمع الشمولي، لذا نتحدث عن مجتمع انقسامي أو بمعنى آخر قبيلة انفصلت عن قبيلة أخرى والواقع أن هناك قرابة دم تجمع بين جل أفراد العشيرة، ما يخلق بينهم شعورا بأواصر القرابة، وتشكل هذه الأخيرة بنية اجتماعية أساسية لدى المجتمع السدراتي مثلا، بحكم أن القبيلة أو القصر الواحد هي أهم وحدة عائلية اجتماعية-سياسية، في نظامه الداخلي. وبين مرافقه السكنية والاجتماعية المختلفة. a.التنظيم الاجتماعي: من أجل التوضيح والتحليل، لا بد من الانطلاق من الوحدة الموحدة الجغرافية «أيت سدرات» وهي ما يسمى تاريخيا واجتماعيا «اتحادية ايت سدرات»(من أفروخ إلى تاسافت). والمقصود بهذا «أيت سدرات ن درى و ن واسيف و ن إغيل» أنها اتحادية تجادل فيها الكثير من الباحثين والمؤرخين، حول وجودها تاريخيا، ووهمية إحداثها على الواقع. إلا أنه بعد إلغاء منصب الشيخ العام «الشيخ العام Amghar-N-Imgharn» كان من أسباب حل هذه الاتحادية، وحسب الرواية الشفهية لمسني المنطقة، وخاصة استجوابي لـ»خوي موح حمو» من أيت همو، صيف 2005، أن «أخناناس»من قرية أيت يونس هو الشيخ العام آنذاك، وكلف شخصا يدعى «بوتحمارت» من قرية «إيمزودار»بقيادة ورعي قطعان أيت سدرات، جميعها إلى منطقة Ikaln-N-Izughat بـ مجدﮔ Mejedag بالأطلس الكبير الأوسط، وهو مجال للرعي، نشبت حوله صراعات بين أيت سدرات وأيت عطا، ويضيف المستجوب أن بوتحمارت باع المراعي لأيت عطا، قيل إن ثمن البيع هو «إشويرا إعمرن-س-الحسني» (الحسني عملة من ذهب)، لكنه خدع من طرف أعطا، حيث قام بوضع التبن في الأسفل وقليل من الحسني في الأعلى، وهذا الحل تم سنة 1818 م، وطرفا الحل هما إشحيحن وأيت ساون، هذا حسب ما اطلع عليه الباحث «الحسين دمامي»(9) في وثيقة مؤرخة بتاريخ 1229 هـ/1813 م، أطلعه عليها الحاج العمراني من زاوية باعمران بـدادس، والذي أكد له أنها أبرمت لإنهاء الاتحادية، إضافة إلا ما قدمه شارل دوفوكو (10)من معلومات وأخبار حول وجود «الشيخ العام» عند أيت سدرات، أثناء مروره بمنطقة دادس . المجتمع السدراتي إذن اتسم تاريخيا بوحدة متجانسة من أجل الحصانة والدفاع، لحماية الوحدة الجغرافية (المراعي، الأراضي الزراعية...)، وبفعالية التنظيم السياسي والاجتماعي الداخلي، ويتم هذا كله تحت حكم مركزي «الشيخ العام» أو وسطاء (الصلحاء، إكرامن) للحفاظ على فعالية هذا التنظيم، وأواصر القرابة والنسب، الذي تمثل فيه السلالة الأبوية أساسا يعتمد عليه التنظيم الاجتماعي، إلا أنه ورغم هذه الوحدة فالمجتمع السدراتي ينقسم إلى لفوف، واللف تعني بالعربية «الإحاطة بالشيء واحتوائه، واللف هو أكبر مجموعة تحيط الفرد»(11)، وحسب روبير مونطاني هو «تقسيم ثنائي منتظم يضمن استقرار الوضع داخل القبيلة»، ولفوف أيت سدرات-ن-غيل هي: أيت زولي- أيت محلي- أيت ملوان، هذا الاخير ينتمي إليه قصر ايت عمر أبراهيم، هذه اللفوف تشكل تحالفا لقبائل ينقسم اللف إليها بدوره، تنتسب لجد مشترك يشتق منه اسم القبيلة على العموم، لها مجالها وحدودها الخاصة ما نعني به «القصر»، وينقسم لف أيت ملوان إلى خمس قبائل: أيت همو- أيت بن حمو- أيت حمو اسعيد- أيت سعيد أداود- أيت عمر أبراهيم، والقبيلة هي الإطار الذي يتحدد فيه النظام الاجتماعي والقانوني الذي يحدد مختلف العلاقات التي تجمع بين العناصر المشكلة لها، وفيها تنشأ التحالفات الداخلية والخارجية، بناء على مصالح جوهرية وبناء على حقوق ثقافية وإنسانية. ولقد أكد محدد معالم النموذج الانقسامي «Evans-Pritchard»أن القبيلة هي«أوسع مجموعة يشعر أعضاؤها بواجب التكتل من أجل الغزو والدفاع»(13)، لأن القبيلة الفرعية بدورها تنقسم إلى سلالات وبيوت، وهي حسب هذا الأخير وحدات قاعدية، أي سلالات صغيرة أو عائلات موسعة، وهي ما يسمى في علم الاجتماع بالبنية المورفولوجية للقبيلة «Ighssan» وهي العائلة التي ينتمي أفرادها إلى أكبر تجمع للسلالات، أو بنية النسب المجزأة، حيث يعرف إفنس- الفخذة بـ«مجموع الإخوة الأحياء أو الأموات على السواء الذين تربط بينهم علاقة نسب، لأنهم ينحدرون (بصورة فعلية أو وهمية) من جد واحد، عبر سلسلة الأنجال الذكور»(14)، وقد سجلنا أن أفخاذ قصر أيت عمر أبراهيم كما هو عند جميع القبائل الأمازيغية، تتفاوت كل حسب امتلاكه للسلطة «أمغار» أو امتلاكها للأراضي الزراعية أو توفرها على عدد كبير من قطعان الماشية (Tarhhalt)، ويمكن للفخذة الواحدة أن تحتل رقعة جغرافية واحدة داخل القصر حيث تتركب وتترتب منازل العائلات المشكلة لها، ويمكنها أيضا أن تتفرق عائلات الفخذ داخل القصر، ورغم هذا التفاوت والاختلاف داخل القصر الواحد، فإنه تسود أشكال التضامن الاجتماعي والمساواة أمام القوانين والأعراف، والتعايش السلمي وللاتحاد ضد العدو الخارجي، دون أن نغض الطرف عن بعض علاقات النزاع والصراع. وفخذات قصر أيت عمر أبراهيم مع بعض العائلات هي: §أيت خيوسف: أيت لعجين، أيت موحا، (دمجوا ضمن عائلتهم بعض الحرالطين، أيت حدوش)... §أيت الصغير: أيت زرير، أيت حمدوش... §ايت سعد أعلي: أيت موح أيوسف،أيت أختوش ... §أيت الصيني :أيت زايد، أيت كسو... على الرغم إذن من حضور ثقل القصر كبنية اجتماعية في التاريخ الاجتماعي للمجتمع السدراتي، فإنه بصفة خاصة والبنية القبلية بصفة عامة، عرف عملية تفكيك من الإرث القبلي، واندثار علاقات وبنيات مختلفة تستحق رد الاعتبار، كالدراسة المعمقة والهادفة. b.مرافق القصر: يضم القصر مجموعة من المرافق الاجتماعية، لها ضرورات وخصائص، ووظائف مختلفة، فرضت نفسها على القصر ليتخذ وظيفته السكنية والتنظيمية والاجتماعية، منها ما هو إيكولوجي، ومنها ما هو تاريخي، دون أن ننسى ما هو تنظيم سياسي، إنها مرافق تعتبر نقطة تلاقي القصور الأمازيغية، سواء منها قصور الواحات الصحراوية، والمناطق الشبه الصحراوية الجبلية: i.الباب الرئيسي: يتوفر القصر على باب واحد رئيسي، كما يمكن أن نجد أبوابا ثانوية تنفتح على الطرق المؤدية للبساتين، يكون الباب الرئيسي كبيرا وضخما، مادته من خشب الصفصاف تشد ألواحه بخشب المشمش والجوز المتين، وقفله عبارة عن قطعة خشب سميكة، مثبتة في الباب بإحكام، تصل بينه وبين حفرة الجدران عند إغلاقه(15) يتكلف بفتحه وإغلاقه سكان القصر بالتناوب، ويسمى «Adwwab» الشخص الذي يغلقه بعد صلاة العشاء ويفتحه عند طلوع الفجر و Adwwab هو أعلم الناس بأهل القصر وأصدقائهم من الزبناء والضيوف والأقارب والغرباء، كما أنه يؤدي وظيفة رعاية وحراسة «عجل» القصر. ii.أرحبي Imi-n-ighrm هو الساحة التي توجد أمام المدخل الرئيسي للقصر لها وظائف متعددة: التجمعات القبلية، اختيار شيخ القبيلة، الاحتفال بالمواسم والأعراس، فيها تنزل القوافل التجارية Itggarn،والمسافرون وفيها يربط ثور القبيلة Aàejliy-n-teqbilt، المخصص للنسل تساهم في ثمنه كل العائلات المكونة للقصر، وعندما يتقدم في السن يذبح في إحدى المناسبات الدينية ويوزع عليها حسب مساهمتها، ثم تجمع مساهمات جديدة لشراء ثور آخر. iii.تحنوت - ن - تقبيلت: دار القبيلة وتلحق عادة بأرحبي كما تقام بالقرب من المسجد استحدثت أصلا لاستقبال الغرباء وعابري السبيل، وكانت تعتبر على الخصوص نزلا لرسل المخزن وأعيان الكلاوي لجمع اللوازم الجبائية أو لتبليغ السكان بأوامر مثل الكلفت laklaft. iv.لعلو:leàlu هي بمثابة أزقة وممرات رئيسية تربط بين المنازل تتفرع عنها ممرات ثانوية تربط بمنزل أسرة ما مباشرة، وجلها تحمل أسماء الأسر التي يمر الطريق تحت سقف منزلها، لأن جزءا منها يكون مسقفا بالأخشاب والأحجار(16) وغالبا ما يوجد داخل القصر لعلو مشهور باتساعه توضع فيه إزركان Izrgan، وهي رحى من حجر تستعمل في طحن الحبوب والذرة والشعير، تضعها الأسر الميسورة، تستفيد منها كل ساكنة القصر، يمكن أن يبلغ عددها ثلاثة. v.المسجد: مكان مقدس لأداء الصلاة وتعليم القرآن لأبناء القصر «Imhdarn»، تعين فيه القبيلة الإمام»الطالب-ن-تقبيلت» مقابل أجرة سنوية تسمى laoda، ويسمى هذا التعيين محليا الشرط، ومن مكونات المسجد «Axrbic» مكان خاص لتسخين الماء للوضوء بالحطب، و lmaqssert المكان الشاسع للصلاة، ثم Talimamt، مكان مخصص للإمام. vi.البئر الجماعي: يوجد دائما بجانب المسجد تستفيد منه كل الأسر، يكون الاكتظاظ عليه في الصباح الباكر، والمساء قبل غروب الشمس ماؤه يستعمل فقط للمنزل، أما المواشي والتصبين فيتم استعمال ماء السواقي القريبة أو الوادي، عادة يكون للبئر حارس لمراقبته من لامبالاة الأطفال، وهناك قصور تتوفر على بئر ثانٍ يكون في ملك الأسر أو العظام الميسورة. vii.تانصريت:Tansriyt غرفة تجتمع فيها القبيلة للتداول والتشاور في أمورها الخاصة وهي أيضا للسهر، يسهر فيها الرجال وحتى الأجانب (اليهود) خلال دورتهم التجارية، الكل يشارك بحطبه في النار التي تقاد للتدفئة وتسمى «Asarg»، غالبا ما توجد هذه الغرفة وسط القصر. viii.المنازل داخل القصر: دور متلاصقة بعضها بالبعض، كلها مبنية بـ Ttabut، لا تتجاوز اثنان إلى ثلاثة طوابق تفصلها الأزقة، يكون توزيع الأسر حسب الوحدة الاجتماعية (إغصان)، أما فيما يخص منازل الحراطين، تكون منعزلة عن سكان الأحرار، كما نجد أسرا ثرية تتوفر على القصبات داخل القصر. ix.إرنارن:Irnarn ساحات تتعرض للشمس منذ شروقها إلى غروبها، يوضع فيها القمح، بعد حصادها حتى تكون يابسة وصالحة للدرس ويوجد وسط كل بيدر جذع من خشب الصفصاف، تربط فيها الدواب أثناء عملية الدرس، لكل أسرة داخل القصر بيدرها. x.مواد البناء: أولا يتم اختيار المكان الجغرافي والإستراتيجي، عادة ما يكون موقعا فوق تلال مشرفة للوادي، وقريبا من القصور الأخرى، هذا كله يدخل في الجانب الأمني، أما المواد فهي التراب المدكوك، التابوت أو الطوب، بعد خلطه مع بعض المواد كالتبن، والخشب (سعف النخيل وجذوعه في الواحات الصحراوية، القصب وجذوع الصفصاف والدفلة في المناطق الجبلية)، الحجارة والحصى، الجبس والقرميد القليل ما عدا في المساجد والأضرحة والقصبات، الحجارة الكلسية كالأساس، إضافة إلى الزخرفة التي توجد على سقوف المنازل والباب الرئيسي والقصبات... xi.رسم تخطيطي لقصر أيت عمر أبراهيم: I.الباب الرئيسي II. أرحبي III. البئر الجماعي IV. قصبة أيت لعجين V. منازل الحراطين (أيت حدوش) 1: لعلو-ن-أيت اتنبارك وتوجد بداخله Izrgan. 2: لعلو-ن-بن يشو. 3: باب ثانوي يربط مباشرة بالمسجد وقصبة أيت لعجين وهو بمثابة ممر جانبي للغرباء عن القصر إلى المسجد، وممر لرسل المخزن وأعيان الكلاوي وبالمدني إلى ألعجين بعد تعيينه منصب الشيخ على أيت سدرات نغيل. (4)،(5)،(6)،(7)، أبواب تربط بالبساتين والواد. خلاصـة: إن اختيار الحيز الجغرافي للقصر لم يأت بديهيا وليس إفرازا للحس الساذج والمتخيل، بل خلاصة لكل متطلبات الاستقرار، وبناء مجتمع ذي وحدة تنظيمية تضم داخله عددا من الأسر تتفاعل داخله اجتماعيا وسياسيا، إنها متطلبات أدركها الإنسان الأمازيغي عبر فترات زمنية عرفت فيها أبعاد القصر عدة تطورات بتطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما أن التحول الحاصل في بنية القصر بأيت سدرات-ن-إغيل بصفة خاصة وحوض دادس بصفة عامة، مقارنة مع قصور الواحات الصحراوية، فرضته طبوغرافية المكان وقدم التعمير، ونوعية الأنشطة البشرية في كل منطقة. وعموما فهذا النمط المعماري التقليدي أصبح مهجورا، وهذه التنظيمات الاجتماعية أصبحت تتلاشى وتتراجع، وبدأ يظهر السكن خارج القصر، يختلف من حيث الشكل ومواد البناء عن السكن داخل القصر، هذه الاعتبارات الاجتماعية والديمغرافية والطبيعية نلخصها في ما يلي: «النمو الديمغرافي والحاجيات الجديدة للسكن هي الآليات المتحكمة في انفجار القصر بالواحات الجنوبية، بحيث أصبح السلم والأمان مضمونا ولا حاجة لدى سكان القصر في العيش وسط الجماعة في مجال ضيق»(17)،لقد هجرت القصور بعد 4 إلى 8 أجيال من الساكنة جراء تآكل أجزائها السفلى بفعل العوامل الطبيعية (الأمطار، الثلوج، الرطوبة...) وتساقط الجدران أو هدمها من طرف الإنسان لتوسيع المجال الحضري والتمدين. الـهـوامش: (1)ابن منظور، «لسان العرب» مجلد 5، دار لسان العرب صادر ببيروت، ص.96.100.104. (2)بن محمد القسطاني «الواحات المغربية قبل الاستعمار غريس نموذجا»ص.29. (3)عبد العزيز توري (وزارة الشؤون الثقافية) معلمة المغرب الأقصى، جزء2، مادة «إغرم»ص.534. (4)Bounar abd elhadi «les organisation d’un milieu des oasis présahariennes (la vallée de daraa et le pays de ouarzazat)»livre I. page 23. (5)بن محمد القسطاني المرجع نفسه ص.34 نقلا عن: Adam André sociologie et ethnographie du Maroc école Marocain administrateur, ed Française, dacty lagraphié p.18. (6)R.Mantagne «les berbères et le makhzen dans le sud de Maroc» ed. Felix Alcan, Paris 1930. (7)D.J.Meunié «architecture et habitat du dades» Maroc présaharién librairie Klinc Ksiek, Paris 1962. (8)Durkhein (e) «de la division du travail social « (1893) Paris, P.U.F. (9)الحسين دمامي، جريدة Tawiza العدد39 يوليوز 2000 «تجربة إنشاء محكمة عرفية إبان الحماية الفرنسية بقبيلة أيت سدرات الجبل». (10)Charle de foucould «Ma connaissance du Maroc « p.184.société d’édition géographique, Paris 1939. (11)Durkhein (e) opcit. (12)استطاعت أيت سدرات نغيل إدماج ضمن قبائلها الكبرى، قبيلة أيت توخسين في إطار ما يسمى في علاقة التضامن «الذبيحة Tigharssi» لدى فهي لا تدخل ضمن لفوف أيت سدرات.(13)Evans pritchard «the Nuer (1937) tard les Nuer.» Paris gallimard,1987 (14)Evans pritchard . opcit. (*) أيت: من الكلمات الأمازيغية المستعملة بكثرة في تحديد أسماء الناس، أفرادا أو جماعات على أساس فكرة الإنتماء أو العلاقة. (15)نوع هذه الأبواب يسمى «ذو العطف الواحد» ظهر بالمغرب وبالأندلس، وبعد نزوح عائلات أندلسية إلى المغرب سنة 1492 م. واستقرارها بالحواضر (الرباط-سلا...) أثر واضح في ظهور أشكال وتغييرات في الباب الأصلي، حيث نجد أبوابا ذات فتحات مقوسة ترتكز على عمودين يعلى كل واحد منهما تاج حجري منحوت...(انظر عبد العزيز توري المرجع نفسه). (16) خلال القرن 13م. ظهر قسم مكشوف من لعلي الدهاليز بمثابة تطور حقيقي يهدف إلى تقوية الدفاع إذ يمكن رمي المهاجمين من الأعلى في حالة اختراقهم للباب واجتيازهم للقسم الأول من المدخل (عبد العزيز توري، نفسه). (17)Abdelah hamdaoui «Evolution de l’habitat dans la vallée de daraa» 1970. in R.O.M N°18.
|
|