|
|
افتتاحية: هل الأمازيغية ملك لكل المغاربة أم أن كل المغاربة ملك للأمازيغية؟ بقلم: محمد بودهان
منذ بدايات الحركة الأمازيغية، وهي تستعمل، للتعبير عن مطالبها، تعابير ومفاهيم محتشمة خوفا من تهمة "تهديد الوحدة الوطنية" التي ألصقتها بها أسطورة "الظهير البربري". وهكذا نجد أن "ميثاق أكادير" (05/08/1991)، الذي اعتبر تطورا نوعيا في مسار الحركة الأمازيغية، أبدع مقولة "الوحدة في التنوع" لطمأنة الآخر، الخصم الأمازيغوفوبي، بتذكيره أن كل ما تطالب به الأمازيغية هو أن يعترف بها كأحد مكونات التنوع اللغوي والثقافي الذي يتميز به المغرب، وبالتالي فلا علاقة لها إطلاقا بالتفرقة والانقسام. والدليل على ذلك أن هذا التنوع يمارس داخل الوحدة (الوحدة في التنوع) التي تؤطره وتراقبه وتضع له حدودا يقف عندها وتحدد له سقفا لا يتجاوزه. وقد سبق أن حللنا مدلول ومرامي ونتائج مبدأ "الوحدة في التنوع"، وأبرزنا على الخصوص أنه يعني أن الأمازيغية هي مجرد أحد العناصر المكونة للتنوع في إطار الثابت الوحدوي الذي تمثله الهوية العربية الإسلامية. لهذا دعونا إلى تصحيح هذا المبدأ الذي لا يخدم الهوية الأمازيغية بعكس العبارة على الشكل التالي: "التنوع في الوحدة"، حيث تتشكل مكونات التنوع من كل العناصر الدخيلة والوافدة (العربية، الفرنسية، الإسلام...). أما الوحدة فتمثلها الأمازيغية كوعاء هوياتي ثابت يحدده الموطن الجغرافي وليس الانتماء العرقي. (انظر مقالبنا: "من الوحدة في التنوع إلى التنوع في الوحدة" بالعدد 106 من "تاويزا"، شهر فبراير 2006). ومع توسع الحركة الأمازيغية وتنامي الوعي بالهوية الأمازيغية، طرحت هذه الحركة، وخصوصا جمعية البحث والتبادل الثقافي، شعارا جديدا هو: "الأمازيغية قضية وطنية"، الذي سيصبح أحد المبادئ الخاصة بالحركة الأمازيغية. فلماذا وما معنى "الأمازيغية قضية وطنية"؟ نلاحظ، كما في شعار "الوحدة في التنوع"، أن هاجس الآخر، الخصم الأمازيغوفوبي الذي صنعته أسطورة "الظهير البربري"، حاضر خلف صياغة هذا الشعار/المبدأ الجديد: الأمازيغية ليست تيارا عرقيا يهدد الوحدة الوطنية بالتقسيم الإثني والعنصري لفئات المجتمع المغربي كما في "الظهير البربري". والدليل على ذلك أن هذه الأمازيغية ليست قضية تخص مجموعة عرقية بعينها، بل هي قضية تخص كل المغاربة بلا استثناء، مهما كانت انتماءاتهم العرقية، وسواء كانوا أمازيغيين أو عربا. أي أن الأمازيغية "قضية وطنية" وليست قضية الأمازيغيين وحدهم. يجب أن نعترف أن في هذا الشعار ـ الأمازيغية قضية وطنية ـ تحايلا ذكيا من طرف النشطاء الأمازيغيين أصحاب هذا الشعار، لأنهم برفعهم لهذا لشعار "الأمازيغية قصية وطنية"، يضربون عصفورين بحجر واحد: أولا: إبعاد تهمة التقسيم والتفرقة التي ألصقتها أكذوبة "الظهير البربري" بالأمازيغية. ثانيا: محاولة استمالة الجهات المعروفة بعدائها للأمازيغية، كالأحزاب القومية والبعثية المتياسرة والتيارات الإسلاموية، بجعل المنتمين إليها معنيين هم أيضا بالأمازيغية كقضية وطنية تهم الجميع. وقد عقدت، لهذا الغرض، جمعية البحث والتبادل الثقافي سلسلة من الاجتماعات مع هذه الجهات المعروفة بمعارضتها التقليدية لكل اعتراف بالأمازيغية. لكن تحايل المناوئين للأمازيغية، من خلال فهمهم أو تأويلهم الخاصين لشعار "الأمازيغية قضية وطنية"، لم يكن أقل ذكاء، في الاتجاه الأمازيغوفوبي، من تحايل مبدعي الشعار. فالأمازيغية كقضية وطنية، لا تعني عند معارضيها، ضرورة تنمية الأمازيغية والاعتراف بها والدفاع عنها من قبل الجميع، بل تعني بالنسبة لهم، الحق في اتخاذ مواقف معارضة ورافضة للأمازيغية ما دامت "قضية وطنية" تهم كذلك غير الأمازيغيين. فمن حق كل مغربي إذن أن يقول رأيه فيها ولو كان مخالفا لرأي الأمازيغيين المدافعين عن هذه "القضية الوطنية". وبهذا المنطق، واعتمادا على هذا التأويل لما هو "قضية وطنية"، شنت الجهات الأمازيغوفوبية هجومات عنيفة في الصحافة الوطنية على الحركة الأمازيغية مستعملة ترسانة "الظهير البربري" (التفرقة، الانفصال، معاداة اللغة العربية والإسلام، طرد العرب من المغرب...إلخ)، متظاهرة بالدفاع عن الأمازيغية كتراث وأهازيج وفلكلور، رافضة كل ما يتجاوز ذلك، كالمطالبة بتدريسها أو دسترتها أو استعمالها في الإدارة والقضاء. إنها، بالنسبة للأمازيغوفوبيين، "قضية وطنية" بهذا المعنى، أي الحق في منعها ومحاربتها ورفض الاعتراف بها، مثل الاستعمار الذي كان "قضية وطنية" بهذا المعنى نفسه، حيث كان مطلوبا من كل المغاربة محاربته وتحرير البلاد منه. إلا أن هذا الشعار، وبفضل ما خلقه من نقاشات حول الأمازيغية، جعل من هذه الأخيرة "قضية وطنية" بالمعنى الإيجابي المفيد لها حقا، وذلك من خلال التعريف بها والسماح للكثير من المغاربة باكتشاف، ولأول مرة، وخصوصا بعد اعتقال ومحاكمة نشطاء جمعية تيليلي في ماي 1994، أن هناك قضية تسمى الأمازيغية تطرح مجموعة من الأسئلة والإشكاليات زعزعت الكثير من المسلمات حول اللغة والهوية والثقافة والتاريخ بالمغرب. هذا المفهوم/الشعار ـ "الأمازيغية قضية وطنية" ـ ستتبناه، في الظاهر، الجهات الرسمية بعد أن غيرت صيغته الأصلية إلى صيغة أخرى بالشكل الذي يجعل الصيغة الجديدة تتضمن مفهوم "القضية الوطنية" وتتجاوزه في نفس الوقت، تمهيدا لسحب "القضية" نهائيا من أصحابها الأمازيغيين. هذه الصيغة الجديدة هي: "الأمازيغية ملك لكل المغاربة بدون استثناء"، التي وردت في خطاب أجدير المنشئ للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يوم 17 أكتوبر 2001. فلماذا وما معنى "الأمازيغية ملك لكل المغاربة بدون استثناء"؟ أ ـ أن تكون الأمازيغية "ملكا لكل المغاربة بدون استثناء"، فهذا يعني أن لا حق للأمازيغيين في احتكار ملفها ولا الاستئثار بقضيتها، لأنها ملك مشترك ومشاع لا ينبغي لأية فئة الدفاع عنها كملك خاص لها وبها. هذا "الشعار" الجديد يمهد، كما أشرت، لسحب الأمازيغية من الأمازيغيين بدعوى أنها ملك للجميع. وقد تجسد هذا السحب بالفعل في إحداث منشأة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية التابعة للمخزن العروبي الذي أصبح هو المشرف المباشر على ملف الأمازيغية. وفي الحقيقة، اعتبار الأمازيغية "ملكا لكل المغاربة بدون استثناء"، هو أن لا تكون ملكا لأحد منهم، بل ملكا للمخزن وحده. ب ـ إلا أن أخطر ما في هذا المفهوم المخزني الجديد للأمازيغية ـ ملك لكل المغاربة بدون استثناء ـ هو تحويلها إلى "مِلك" لتخضع لما يخضع له كل مِلك إذ يمكن استعماله بالطريقة التي نريد، أو الانتفاع به حسب الفائدة التي ننتظرها منه، أو التصرف فيه بالتفويت أو التنازل والتخلي عنه. وبالفعل، فمنذ أن أعلنت السلطة أن "الأمازيغية مِلك لكل المغاربة بدون استثناء"، أصبحت هي التي تحدد أوجه وغايات وحدود استعمال الأمازيغية في المدرسة وفي الإعلام وفي الفضاء الاجتماعي... وهي التي تحدد كذلك أوجه الانتفاع السياسي بالأمازيغية كداعمة لشرعية السلطة العروبية، وخادمة لـ"عروبة" المغرب وملحقة بها وتابعة لها لا غير. أما حق التصرف فيها كمِلك ـ وهذا هو الخطير ـ ، فيسمح بالتنازل عنها أو تعريبها وإفراغ محتواها الأمازيغي أو حتى تدميرها وإفنائها. وهذا هو مضمون "السياسة البربرية الجديدة" المتمثلة في استعمال الأمازيغية والانتفاع بها والتصرف (الحقوق القانونية المرتبطة بالمِلك!) فيها في الحدود التي لا تتعارض مع "عروبة" المغرب، ولا تمس السلطة العروبية التي تحكمه. ج ـ بما أن المغرب، على المستوى الرسمي، هو بلد "عربي" وجزء من المغرب "العربي"، أي من مغرب العرب، كما أوضح ذلك الأستاذ ميمون أمسبريذ في تحليله لهذه العبارة العنصرية (انظر مقاله: "المهجرون الأمازيغيون في السياسة الثقافية للحكومة المغربية" بالعدد 130 من "تاويزا")، فمعنى أن "الأمازيغية مِلك لكل المغاربة بدون استثناء"، هو أنها مِلك للعرب. وهذا ما تسعى "السياسة البربرية الجديدة" إلى تطبيقه من خلال التعامل مع الأمازيغية كثقافة ملحقة بالثقافة العربية "الأم"، تغني "التنوع" الثقافي الذي يعرفه "العالم العربي" منذ أن "أنعمت" "الفتوحات" العربية على شعوب كثيرة بالدخول إلى الحظيرة العربية! د ـ تحويل الأمازيغية إلى مِلك لكل المغاربة بدون استثناء، يرمي إلى منعها من أن تتحول إلى مطالب سياسية. وبما أن الأمازيغية هي قضية سياسية أصلا وجوهرا، فإن منع تسييسها يعني بكل بساطة منع الأمازيغية، لأن الأمازيغية إما أن تكون سياسيا أو لا تكون. وقد كان خطاب أجدير واضحا كل الوضوح بهذا الخصوص عندما جاء فيه، مباشرة بعد عبارة "مِلك لكل المغاربة بدون استثناء": "وعلى أنه لا يمكن اتخاذ الأمازيغية مطية لخدمة أغراض سياسية كيفما كانت طبيعتها". وليس غريبا أن وزير الداخلية، في الدعوى التي رفعها ضد الحزب المغربي الأمازيغي، أورد في مقاله نفس النص الذي يمنع تسييس الأمازيغية، المقتطف من خطاب أجدير مع كتابته بالنبط العريض، ليعتمده كوسيلة رئيسية لتبرير مطالبته بحل الحزب (انظر مقال دعوى وزير الداخلية ضد حزب الدغرني، صفحة 2). نلاحظ إذن أن التعامل مع الأمازيغية كـ"مِلك لكل المغاربة بدون استثناء"، يعني، كما سبقت الإشارة، أن لا أحد من هؤلاء المغاربة يملكها، ولا حق له في الدفاع عنها واعتبارها على الخصوص كقضية أمازيغية. والمقصود من هؤلاء المغاربة الذين يمنع عليهم امتلاك الأمازيغية هم الأمازيغيون طبعا. فهذا المفهوم، إذن، (الأمازيغية مِلك لكل المغاربة بدون استثناء) لا يخدم الأمازيغية إطلاقا، بل يعطي الحق لأي كان، كما شرحنا سابقا، بالتنازل عنها أو استعمالها بالوجه الذي لا يساهم في تنميتها والحفاظ عليها، أو التصرف فيها بطريقة قد تقضي نهائيا على الهوية الأمازيغية. في الحقيقة، عندما نتأمل ونحلل علاقة الأمازيغية بالمغاربة، نستنج بسهولة أنها ليست مِلكا لهم، عكس ما جاء في خطاب أجدير، بل، على الضد من ذلك، هم مِلك لها. كيف ذلك؟ من المعروف أن الإنسان لا يختار هويته، لأن الذي يمنحه انتماءه الهوياتي هي الأرض التي عاش فيها أجداده وآباؤه، بغض النظر عن أصولهم العرقية والإثنية. وهكذا فكل من يعيش بالبلاد الأمازيغية (كالمغرب) على وجه الدوام والاستقرار، يصبح أمازيغيا يحمل هوية البلد الذي ينتمي إليه ويعيش فوق ترابه. وبالتالي يصبح مِلكا للأمازيغية تتصرف فيه هي بجعله أمازيغيا ينتمي إلى الأرض الأمازيغية التي انتمى إليها أجداده وآباؤه. فنحن، كمغاربة، مِلك إذن للأمازيغية وليست مِلكا لنا نفعل بها ما يحلو لنا مثل التنازل عنها أو التنكر لها. وهذه قاعدة عامة تنطبق على كل الشعوب والبلدان، وليست مقصورة على المغرب والمغاربة. فالمواطن الفرنسي مثلا مِلك للهوية الفرنسية التي جعلت انتماءه فرنسيا، حتى ولو كان ذا أصول أجنبية مثل الرئيس ساركوزي الذي أصبح مِلكا لهذه الهوية الفرنسية بمجرد ما هاجر آباؤه من هنغاريا، موطنهم الأصلي، ليستقروا بصفة نهائية بالأرض الفرنسية. فالهوية الفرنسية هي التي تصرفت في الرئيس ساركوزي كمِلك لها بتحويله من هنغاري الهوية، كما كان في الأصل، إلى صاحب انتماء هوياتي فرنسي. وعلى هذا الأساس ـ أساس كون الشعوب مِلكا لهوية الأرض لتي تمنحهم انتماءهم لتلك الأرض ـ ينبغي التعامل مع الأمازيغية كهوية لكل المغاربة بدون استثناء، لكن ليست مِلكا لهم بالمعنى الذي جاء في خطاب أجدير، والذي قد يبرر حق التصرف فيها بالإقصاء والتنازل والتشويه والحصار والتعريب بهدف محاربتها والقضاء عليها. وبجدر التذكير أن الاستعمار هو الذي يعتبر هويات الشعوب المستعمَرة وأراضيهم التي استولى عليها مِلكا له يتصرف فيها بفرض هويته الأجنبية عليها لتبرير استعماره واحتلاله. ولهذه الأسباب التي شرحناها، نرفض أن تكون الأمازيغية مِلكا لكل المغاربة لأنهم ليسوا مستعمِرين للمغرب، ليسعوا بالتالي إلى التصرف في هويته الأمازيغية المستعمَرة باستبدالها بهويتهم الأجنبية. بل هم الذين يشكلون مِلكا لها كما شرحنا وأوضحنا. لندافع إذن عن الأمازيغية كمالكة لكل المغاربة بدون استثناء ـ وليس كملك لهم ـ من خلال منحهم انتماءهم الأمازيغي المستمد من الأرض الأمازيغية التي يعيشون فيها وليس من أصولهم العرقية. |
|