|
صيحة ضمير أرقام لحليمي... بقلم: رشيد نجيب سيفاو لعل الكثيرين منكم لا يزالون يتذكرون ذلك المشهد التاريخي، مشهد السيد المندوب السامي في التخطيط الاتحادي أحمد لحليمي العلمي ـ وهذا هو اسمه الكامل الذي تظهر ثلاثيته أنه سليل عائلة أندلسية- وهو يقدم التقرير العام حول عملية إحصاء السكان لسنة 2004 أمام الملك محمد السادس. لم يتمالك السيد لحليمي نفسه وقتذاك، وهو يتلو تقريره في وضعية يمكن أن تكون مادة دسمة للمحللين النفسيين، وهي وضعية لم تستطع حتى كاميرات القناة الأولى إخفاءها هذه المرة. ربما لأنها استوعبت الدرس حينما استقبل الملك أعضاء المجلس الإداري الأول لمعهد الأمازيغية ولم تبث الصور حينها حتى لا يكتشف الجمهور "كيف سلم الأمازيغيون على الملك". عبر تلك الوضعية غير العادية، فهم المتتبعون أن السيد المندوب لم يقل الحقيقة كاملة، وأنه حتما أخفى شيئا ما. وفطن النشطاء في صفوف الحركة الأمازيغية أنه قد يكون منزعجا من الإحصائيات الخاصة بالشعب الأمازيغي بالمغرب. وفعلا لقد حدثت المفاجأة التي لطالما تخوف منها كل دعاة القومية العربية بالمغرب. فحسب النتائج الرسمية التي أسفر عنها الإحصاء العام للسكان المشار إليه، يشكل الأمازيغ ما يقارب 75 بالمائة من سكان المغرب، أي أنهم يشكلون الأغلبية. وهو رقم نشر بالبوابة الرسمية للمغرب www.maroc.ma. إلا أن السلطات سرعان ما تنكرت لهذا الاكتشاف الديمغرافي بعد أيام قليلة فقط، وبالمقابل أعلنت مجددا أن الأمازيغ لا يشكلون سوى 28.4 في المائة من سكان المغرب القانونيين. فما هو يا ترى السر الكامن وراء هذا الانقلاب الرقمي الذي جعل المسؤولين يعلنون أن الأمازيغ يشكلون الأغلبية ثم بعد ذلك، أقلية فقط؟ لم يفطن ربما القيمون على هذا الجهاز إلى "ما وراء الرقم". لأنه حينما يتعلق الأمر بإحصاء معين، لا ينبغي النظر إلى الرقم المحصل عليه هكذا مجردا دون تحليل يفسره ويعلق عليه. ومعنى هذا أنه حينما نقول إن الأمازيغ يشكلون الأغلبية ضمن الساكنة المغربية، وفي المقابل نلاحظ واقعيا أن هؤلاء محرومون من كل شيء، ولا يتمتعون بحقوقهم في جميع مناحي الحياة، فهذا يعني أنهم أغلبية مهمشة ومقصية. وهذا شيء يشكل كارثة عظمى بالنسبة للمسؤولين، خصوصا وأن الأمر تزامن مع انعقاد أشغال الدورة السادسة والثلاثين للجنة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والتي شهدت مناقشة التقرير المغربي الرسمي المقدم إليها. أما حين يتم التراجع عن الرقم المعبر عن أغلبية الأمازيغ لصالح الرقم الذي يشير إلى كونهم أقلية إثنية، فهذا كذلك يمثل كارثة أعظم بالنسبة لهؤلاء المسؤولين، لأن عليهم أن يقبلوا بالوضع المترتب عن ذلك وإعمال مقتضيات القوانين الدولية التي تعطي عناية خاصة لأوضاع الأقليات عبر العالم مع اتخاذ إجراءات صارمة لحمايتها، كما أقرت تشريعات قانونية مشددة وغاية في التعقيد بالنسبة للدول التي تفرط في حقوق أقلياتها. ما وقع الآن هو أن الدولة المغربية تعتبر الأمازيغ أقلية. وهذا ما نجده كذلك مجسدا في التقرير الأخير لمنظمة ترانسبارنسي ( الشفافية!) المغربية. وتبعا لهذا عليها أن تخضعنا لمقتضيات القانون الدولي في هذا الصدد. فهل تملك الشجاعة لفعل ذلك؟
|
|