التلفزة المغربية تقدم
الإسلام كدين إرهاب وانتقام
بقلم: محمد بودهان
كلما حدث أن شاهدت التلفزة المغربية إلا وحمدت الله على عدم
تتبعي لبرامجها وفقراتها. أقصد برامج وفقرات القناتين الأولى والثانية. أما القنوات
الأخرى ـ سمعت أن هناك قنوات فضائية مغربية أخرى ـ فلا أعرف مواقعها ولا الأقمار
التي تبث منها، ولم يسبق لي أن شاهدت برامجها إطلاقا.
إحدى هذه المرات التي شاهدت فيها القناة الأولى كان يوم السبت 3 شتمبر 2005 على
الساعة 9.45 دقيقة. كانت تبث برنامجا دينيا حول موضوع الإسراء والمعراج وأهمية
الصلاة ـ حسب ما فهمت لأنني لم أشاهد البرنامج كاملا منذ بدايته ـ على شكل أسئلة
يطرحها مقدم البرنامج على شخصين، أحدهما أستاذ جامعي والثاني سيدة تعمل طبيبة وفي
نفس الوقت واعظة بالمجلس العلمي.
من بين الأسئلة التي طرحها: كيف نحسس أطفالها بأهمية الصلاة وبدورها الكبير في
الإسلام؟ أجابت السيدة، الواعظة بالمجلس العلمي: "علينا أن نجالسهم ونحكي لهم مثلا
عما رآه الرسول (ص) أثناء الإسراء والمعراج عندما شاهد أقواما
تهشم رؤوسهم وتفتت
جماجمهم ـ هكذا قالت ـ. ولما سأل جبريل عنهم أجابه بأن هؤلاء كانوا يتكاسلون في
صلواتهم".
أناس تهشم رؤوسهم وتفتت جماجمهم! هل هناك من رعب وإرهاب أكثر من هذا المشهد؟ والذي
يصبح رعبين وإرهابين عندما نحكيه لأطفال أبرياء ونقدمه لهم كحقائق مقدسة ومطلقة لا
يرقى إليها شك ولا تقبل نقاشا. الخطير ليس أننا نقدم للأطفال ـ وللمشاهدين ـ إلها
بصفات بشرية ومشاعر إنسانية تتجسد في الانتقام والتعذيب، بل الخطير هو شكل هذا
الانتقام والتعذيب الذي يتمثل في تهميش رؤوس وتفتيت جماجم من "تكاسلوا في صلواتهم".
ماذا ستكون مشاعر هذا الطفل إزاء أبيه الذي "يتكاسل في الصلاة"؟ سيتصور أن رأس أبيه
سيهشم وأن جمجمته ستفتت لا ريب في ذلك! إنه مشهد لا يطاق بالنسبة لهذا الطفل وهو
يشاهد/يتخيل جمجمة أبيه تفتت
وتهشم!
إلا أن الأخطر في كل هذا أن هذا العقاب "الإلهي"
المهشِّم للرؤوس والمفتت للجماجم قد
يبرر الأعمال الإرهابية التي تقوم بها المجموعات الإسلاموية باسم الله والإسلام،
والتي لا تجد حرجا في قطع الرؤوس وتفجير الأجساد والجماجم للأبرياء الذين يخالفونهم
الرأي. فالذي سيفهمه الأطفال المعنيون بالموضوع، بل كل المشاهدين، هو: إذا كان الله
نفسه "تهشم الرؤوس ويفتت الجماجم"، فما بالك لا يقوم بذلك جنوده "الجهاديون" في
الدنيا، هؤلاء الذين يسميهم الغرب بـ"الإرهابيين"؟ إنهم في الحقيقة "إلهيون" وليسوا
إرهابيين، لأنهم يحملون بعض صفات الذات الإلهية نفسها، خصوصا ما يتعلق بـ"تهميش
الرؤوس وتفتيت الجماجم". فمثل هذا الكلام، على شاشة التلفزة، ليس تبريرا، بشكل غير
مباشر، للأفعال الإرهابية فحسب، بل هو تحريض عليها للتقرب من الله، بل والتماهي معه
والتشبه به.
أهذا هو الإسلام الذي نقول عنه بأنه دين الرحمة والتسامح؟
إن تقديم مثل هذه البرامج على قناة عمومية يشاهدها الملايين عمل يتناقض مع ما أعلن
عنه المغرب من إجراءات لمحاربة التطرف الديني، إذ كيف نحارب التطرف الديني ونحن
نستعمل وسائل الإعلام العمومية لنشره وترسيخه؟
ثم كيف يجوز للسلطة أن تسمح لأقلية معينة من مواطنيها بأن يقدموا تصورهم الخاص
للإسلام على قناة عمومية؟ لماذا لا تسمح لأصحاب الرأي المخالف بتقديم تصورهم كذلك؟
إنه انحياز سافر إلى أصحاب التصور المتزمت والمتخلف للدين. إنه نصب على المغاربة
الذين يمولون هذه التلفزة بضرائبهم لتستعمل في نشر رأي خاص لأقلية خاصة، حول الدين
والإسلام.
|