| |
مشروع خريطة الطريق
الأمازيغية: من أجل وعي جديد بمتطلبات المرحلة أمازيغيا
بقلم: أنغير بوبكر
1 ـ ملاحظات أساسية:
ـ صياغة خريطة الطريق الأمازيغية بشكل متكامل تتطلب عملا جماعيا منظما يشارك فيه كل
من يعتقد أن الأمازيغية يمكن أن تلعب دورا ما في الحياة العامة بكل تفاصيلها
ومستوياتها.
ـ مشروع خريطة الطريق الأمازيغية هو تساؤلات ونقط نظام ومقترحات أكثر منها إجابات
لأنه ببساطة شديدة الإجابات تتطلب عدة تشريحية مخبرية وعملية لا ندعي امتلاكها بشكل
كامل ويقيني.
ـ الوعي الجديد بمتطلبات المرحلة نسبي ومتطور لأن ما نعتقده اليوم إدراكا سياسيا
بالتطورات العملية السياسية ببلادنا قد يكون بناء على إرهاصات ومؤشرات قد لا تكون
علمية بالشكل المطلوب، وقد يفندها تطور سياسي أو اقتصادي في اليوم الموالي. لذلك
فالوعي الجديد قد يكون وعيا قديما يتجدد وهو ما يعني الدوران في حلقة مغلقة.
ـ الخطوط العامة لمشروع خريطة الطريق الأمازيغية التي تؤسس لوعي جديد لتعامل
الأمازيغيين مع ما يحيط بهم لا تتغيى خلق إجماع حول قضايا، وهو طرح مميت، فالإجماع
الفكري والسياسي دليل علة وسقم أكثر منه مؤشر استقرار كما تظن بعض الأنظمة، كما أن
التهوين والعدمية في التعامل مع الموضوع دليل جمود عقائدي وسياسي وهي أعراض موت
إكلينيكي للفكر ولحامله. فالمقاربة لا تتوخى الإجماع السقيم ولا النقد اللئيم.
2 ـ لماذا خريطة الطريق الأمازيغية؟
خريطة الطريق الأمازيغية تبدو لي على الأقل ضرورية في المرحلة الراهنة لعدة أسباب
موضوعية أجملها مختصرة في أربعة تحديات مطروحة على الفعل الديموقراطي الأمازيغي من
أجل المساهمة الفعلية والمجدية في إحداث التحولات الضرورية في بلادنا التي تسعى إلى
الالتحاق بركب الدول الديمقراطية وارساء أسس بناء دولة المواطنة وحقوق الإنسان.
أو بمعنى مختصر ما هي التحديات الكبرى التي لا يمكن للفعل الأمازيغي أن يتطور
ويساهم في خلق وعي جديد بدونها؟
ـ التحدي الأول: تنظيم الفعل وتقويته وحفظ مناعته
ـ التحدي الثاني: إرساء خطاب نضالي تاريخي بتحليل علمي رصين وبعمق استراتيجي.
ـ التحدي الثالث: تكوين تحالفات وتنسيقات والانضمام إلى جبهات مع ضرورة التمييز بين
الاستراتيجي منها والتكتيكي.
ـ التحدي الرابع: التثقيف والتكوين السياسي والفكري للفاعلين في الحقل الأمازيغي.
هذه التحديات ليست هي الوحيدة التي يمكن أن تكون ضرورية للرقي بالوعي الأمازيغي
وإبلائه المكانة النضالية والديمقراطية التي يستحقها من أجل المساهمة في دمقرطة
الدولة والمجتمع، لكن تبقى التحديات الأربعة المذكورة أساسية وهي بداية الطريق.
مشروع خريطة الطريق الأمازيغية مقاربة للنضال الأمازيغي وفق العناوين التالية:
التنظيم ـ الخطاب والمرجعية ـ الممارسة والتنفيذ ـ التكوين والتثقيف وآليات
المراجعة والنقد.
3 ـ خريطة الطريق الأمازيغية: رؤية نقدية تحليلية للتحديات الأربعة:
ـ التنظيم: الحركة الأمازيغية إلى حد الآن لا تزال تتميز بالسمات التالية ولا تنفرد
بها:
ـ التشرذم والانقسام في صفوفها: المتتبع للحقل الأمازيغي سيستنتج بغير عناء أن
الحركة الأمازيغية المكونة أساسا من العمل الجمعوي، والتي تعززت بتأسيس حزب أمازيغي
تتميز بتناقض وجهات النظر بين مكوناتها في قضايا عديدة ولأسباب تبدو أحيانا شخصية
وذاتية ضيقة أكثر منها اختلاف مرجعيات أو رهانات. ففشل تجربة التنسيق الوطني بين
الجمعيات الأمازيغية وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية زادا التناقضات
استفحالا انعكس بشكل أو بآخر على الأداء الجمعوي والطلابي الأمازيغي وبخر آمالا
ومهد لموجة اليأس التي بدأت تدب في الجسم النضالي الأمازيغي.
ـ الزعماتية والشخصانية: ما تزال الحركة الأمازيغية مرتبطة «بالرموز»، أي أن رأي
الزعيم والرئيس دائما على صواب ورأي غيره خطأ يستوجب التصويب في أحسن الأحوال أو
الإقصاء في أكثر الحالات، لذلك ترتبط الجمعيات الأمازيغية في المغرب بأسماء رؤسائها
وقد زكت الدولة نفس التوجه بتعينها معظم رؤساء الجمعيات الأمازيغية «المعتدلة»
أعضاء في المجلس الإداري للمعهد الملكي ممثلين شكليا أنفسهم فيما هم اختيروا فعليا
لأنهم رؤساء لجمعياتهم. هذه التربية التنظيمية انعكست بشكل سلبي على أداء الفعل
الأمازيغي وساهمت في انشقاق الحركة وتشظيها وبث روح الانتهازية في صفوفها.
ـ مخالفة القوانين الأساسية والداخلية للجمعيات:
عادة ما تلصق ممارسة خرق القانون بالدولة ويبقى معيبا الحديث عن خرق للمجتمع المدني
للقانون. لكن واقع الحال يؤكد أن من بين المؤشرات الخطيرة التي بدأت تنخر الجسم
الأمازيغي، وهي بنت شرعية للتربية التنظيمية الغير السليمة. خرق معظم الجمعيات
الأمازيغية للقوانين الداخلية والأساسية التي شرعتها بنفسها من قبيل احترام عدد
محدد من ولايات الرئيس أو احترام مواعيد المؤتمرات أو بقاء الرئيس أكثر من عشرين
عاما أو غيرها من الممارسات التي هي بعيدة عن الحداثة والديموقراطية في حدودها
الدنيا.
ـ الخطاب والمرجعية :
تعتبر مرجعية إية حركة بمثابة الموجه والبوصلة النظرية التي يتم من خلالها،
واحتراما لها، صياغة خطاب يحمل بين طياته الأبعاد الاستراتيجية والتكتيكية في علاقة
أية حركة بالمحيط الداخلي والخارجي، إي بمجموع القوى الفاعلة والمؤثرة والمتواجدة
معها في علاقة تفاعل وتماس كيفما كانت سمة هذا التفاعل سلبا أو إيجابا، اتفاقا أو
اختلافا. فهل تملك الحركة الأمازيغية بالمغرب مرجعية محددة يمكن الركون إليها ويمكن
بمقتضاها نقد ممارساتها أو تقييم درجة تدحرج خطابها وسط الناس ومستوى تأثيره في
اختياراتهم وقناعاتهم؟
في الحقيقة يمكن رصد تمظهرات خطاب مرجعي متناثر هنا وهناك في طية هذا التصريح وفي
ذاك المقال لكن من الاستعصاء بمكان الحديث عن بناء مرجعي متماسك واضح الأهداف
والمنطلقات النظرية لدى الحركة الأمازيغية بالمغرب، مما ينعكس مباشرة على طبيعة
وكيفية تدبيرها للنضال الأمازيغي، ودرء لظلم لا نستطيع تحمل وزره لابد أن نؤكد على
أن الحركة الأمازيغية في مجملها حركة تتبنى المشروع الحداثي الديموقراطي وهو بكل
تأكيد تمظهر أو مؤشر من مؤشرات مرجعية قيد التبلور في أحسن الحالات أو في دائرة
التفكير على الأقل. لكن الخطاب الحداثي الديموقراطي رغم أهميته كإعلان نية مبادئ لا
يعني الشيء الكثير في المعمار النظري المتماسك، لذلك فخلط والتباس كبير أن نقول بأن
من يدعي حقا أو بهتانا بأنه يتبنى الخطاب الحداثي والديموقراطي فذلك يعفيه من إرساء
مرجعيته النظرية التي يمكن بواسطتها أن نحكم على صدقيته مستقبلا وتكون إنارة
للأجيال المقبلة لتنقيحها ونقدها وتطويرها أو إلغائها إن لم تعد الحاجة الموضوعية
لها قائمة.
فهل يمكن التأسيس اليوم للفكر النهضوي بدون الرجوع مرجعيا، دراسة وتقييما واستخلاصا
إلى الرواد محمد عبده والكواكبي والطهطاوي ورشيد رضا وطه حسين وعلي عبدالرازق
وقبلهم بكثير رواد التراث من ابن رشد ومحي الدين بن عربي ومسكويه وأبي حيان
التوحيدي وابن حزم الأندلسي وغيرهم؟ أو نقد وتقييم الفكرة القومية العربية بدون
الالتجاء إلى مشيل عفلق وقسطنطين زريق وآخرين كما أنه من المستحيل بناء فكر ماركسي
نهضوي بدون الاستعانة بخبرة وتجارب المفكرين والفلاسفة والسياسيين السابقين أمثال
ماركس، انجلز، لينين، ماو، لوكاتش، التوسير، بولانتزاس، مهدي عامل، سمير أمين...
والائحة الطويلة من الذين لهم إسهامات نظرية وخبرة في الممارسة لا يمكن تجاهلها في
إي نهوض ماركسي يتوخاه أحد ما أو حركة معينة؟ كذلك نفس الشيء يمكن أن ينطبق على
الحركة الأمازيغية بالمغرب. فعدم خندقتها ضمن اصطفاف مرجعي ما يجعلها لا يمكن أن
تستفيد وتفيد؟ لكن قائلا من حقه أن يقول إن الحركة الأمازيغية تستلهم رؤاها من
التراث الإنساني وهي غير معنية بخطابات مرجعية أبانت عن فشلها وأنها تحتفظ لنفسها
بالاستقلالية عن التجاذبات وتعطي لنضالها طابعا حقوقيا لا غبار على صدقيته لدى
الجميع، ودليله على ذلك أن جميع المطالب حقوقية كالحق في الإعلام والتعليم والدسترة
ولا يوجد تصور لكيفية توزيع الثروة ولا لطبيعة النظامين الاقتصادي والسياسي ولا
لإيديولوجية ثقافية مميزة ولا حديث عن تحالفات تكتيكية أو استراتيجية. ما يهمنا هو
فقط، حسب القائل والعهدة عليه، أن الحركة الأمازيغية حركة مطلبية حقوقية هدفها
الدفاع عن الأمازيغية باعتبارها مسؤولية وطنية. والوطنية تعبير عن حرية التنقل بين
المواقع، إي كل من يدافع عن الأمازيغية في الوطن الكريم فهو في صالح الأمازيغية.
هذه التخريجة الحقوقية للإفلات من سؤال المرجعية يبين تهافتها على مستويين، أحدهما
نظري والثاني عملي.
النظري: الحقوقي هو في النهاية تعبير إيديولوجي لمرجعية مستترة ودليلنا على ذلك أن
الإعلانات والمواثيق الدولية المرجعية تمت صياغتها من قبل دول وهيئات لها تصور
سياسي واقتصادي وثقافي ارتضت أن تكون هذه المواثيق ركيزة لتنظيم العلاقات داخل هذه
البلدان أو فيما بينها، أي بمعنى أدق الحقوقي ثمرة نضال وتفكير وخبرة المنظومة
الدولتية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وإذا كان الأمر كذلك وهو بالفعل كذلك فكيف
يكون المولود خارج طبيعة الوالد؟ كما أن الحقوق تختلف أهميتها باختلاف المنظومة
السياسية. وتوضيحا لهذه الفكرة نستقي مثال حق الملكية: فهو عند الليبرالية حق لا
غبار عليه و من أعمدتها، فيما يعتبر عند الماركسية باطلا يكرس التوزيع الغير العادل
للثروات و تعمل على إسقاطه، وغيرها من الأمثلة التي تبين خضوع الحقوقي وانصياعه
لمرجعيات حسب الظروف والمعطيات. لذلك ما تعتبره الحركة الأمازيغية حقا تابتا في
ترسيم الأمازيغية في الدستور على سبيل المثال قد يكون على الصعيد الحقوقي واضحا
وناصعا إلا أن تدخل السياسي بمصلحته ورهاناته وتخوفاته يحول الحق باطلا أو، في أحسن
الأحوال الحق مؤجلا. لذلك فنظريا اعتبار الأمازيغية مسؤولية وطنية ـ وهو شعار إحدى
الجمعيات الأمازيغية في أحد مؤتمراتها ـ لا يعني سوى أن الحركة الأمازيغية عليها أن
تعيد صياغة الأمازيغية التي تريد والحقوق المرتبطة بها.
العملي: الحركة الأمازيغية تموج بالمنخرطين والمنتمين سياسيا، لذلك يسعى هؤلاء
النشطاء المشتركون بين الحركة والتنظيمات السياسية إلى احترام البعد الحقوقي الصرف
للأمازيغية لتوقير الانتماء السياسي. ودليلنا هو أن معظم النشطاء المشتركين ساهموا
في تحييد الحركة الأمازيغية وتقييدها لكن لم يؤثروا في المقابل على توجهات أحزابهم
أو تعبيراتهم السياسية المختلفة. ويظهر ذلك جليا على سبيل المثال في دستور 1996 حيث
صوتت معظم الأحزاب التي ينتمي اليها النشطاء الأمازيغ على الدستور فيما قاطعته
الحركة الأمازيغية فتم تغليب شطر من الانتماء على شطر آخر. وبشكل واضح فهناك جمعيات
أمازيغية كثيرة موجهة ومسيرة بتوجيهات أحزاب وقوى سياسية.أما شعار «الأمازيغية
مسؤولية وطنية» ومسؤولية الجميع فمعناه العملي المباشر الأمازيغية رهن حقوق
الأمازيغية بما اتفقت عليه مختلف القوى السياسية، إي انتظار إجماع وطني لن يتحقق
أبدا إلا بتدخل قوي وفاعل من قبل مؤسسات مطاعة ومهيبة كما هو حال هذا التطور الذي
عرفته الحقوق الأمازيغية التي انتقلت من مرحلة الإنكار إلى مرحلة الاعتراف الجزئي
بفعل تدخل المؤسسة الملكية التي كان تدخلها محل انتقاد غير معلن من طرف معظم القوى
السياسية التي اعتبرت المبادرة الملكية في الموضوع غير منتظرة ومتجاوزة لطرح
الأحزاب، وهو ما انعكس فيما بعد بعرقلة مجموعة من المؤسسات الحكومية لمساعي المعهد
الملكي في تدريس الأمازيغية مثلا.
في سبيل بناء خطاب أمازيغي ذي مرجعية محددة لابد أن تكون الحركة الأمازيغية مستعدة
في الخوض في قضايا نظرية لكي تبلور معالم كبرى للمشروع المجتمعي التي تروم المساهمة
في تشييده، ومن هذه القضايا التي لا تملك الحركة بدا من مناقشتها وإعطاء الموقف
منها: - العولمة-التراث- الهوية- التعدد الثقافي والايديولوجي- الدين- النظام
السياسي- النظام الاقتصادي.. وهذه عناوين ملزمة الحركة الأمازيغية بالخوض فيها وهي
ورشات مفتوحة بقدر ما يغني فتحها الحركة الأمازيغية يفيد كذلك الحركة الفكرية
والنضالية ببلادنا. فالنقاش الفكري والسجال الإيديولوجي دليل عافية في المجتمع ومن
بوادر وجود صناعة فكرية مزدهرة ستساهم في إرساء البنى التحتية للفكر العقلاني.
ـ الممارسة:
الحركة الأمازيغية في ممارساتها النضالية مطالبة بتحديد مواقفها على صعيد الممارسة
من العناوين التالية:
ـ الحركات الإسلامية
ـ اليسار
ـ الملكية
قد يستغرب البعض ـ وذلك حقه ـ أن تكون الحركة الإسلامية موضوعا خلافيا من حيث كيفية
التعامل معها على صعيد الممارسة، استغراب مصدره أن الحركة الأمازيغية حركة
ديموقراطية حداثية فيما الحركة الإسلامية مشروعها ينعت اتباعا وتقليدا توارثته
الأجيال والأجيال بحركة ظلامية رجعية، فكيف نجمع بين الشيء ونقيضه في ممارسة ما؟ إن
ما ينعت بالقطائع الإيديولوجية بين المشاريع المجتمعية على شاكلة مشروع متكامل مكان
مشروع آخر متكامل يحتاج إلى تدقيق سياسي على صعيد الممارسة. فإدعاء حركة ما امتلاك
مشروع جاهز ناجز تستطيع إسقاطه على واقع مادي متحرك وديناميكي زعم نرجيسي لا يقيم
للوقائع المادية التي ينوي تغييرها أي اعتبار، بل هو ادعاء لاهوتي أصولي يمتلك
ناصية الحقيقة والهداية وهو من بين مسببات ما وصله واقعنا وفكرنا من انتكاسات
متتالية واستمرار تراكم الهزائم الفكرية والسياسية التي لم تكن سوى نتيجة للنفي
والإقصاء المتبادل من طرف أصحاب المشاريع الفكرية والسياسية لبعضهم البعض. اختصارا
أن دعوتنا للأخذ بدور الحركة الإسلامية بعين الاعتبار في ممارسة الحركة الأمازيغية
يستهدف في نظري أمرين:
ـ الاعتصام بأخلاق النسبية والموضوعية، أي أن نرى الحركة في التاريخ تحليلا ودراسة
كما هي لا كما نشتهيها. فالحركة الإسلامية معطى موضوعي واضح جلي لا يمكن إنكار
دورها في التاريخ بإقصائها بل بنقد برامجها والتعامل مع الأفضل لديها وإدخالها في
عملية تحويلية صراعية للاستفادة منها. والتاريخ في النهاية سينصف كل توجه أو مشروع
مجتمعي استطاع أن يصمد ويجابه الواقع الصعب العنيد، والانخراط فيما قصده الدكتور
بلقزيز في كتابه «نهاية الداعية»( الطبعة الاولى 2000 صفحة 51 ) عندما قال ما يلي:
«أول طقوس التزام النسبية ـ والموضوعية ـ في التفكير،التخلي عن التعصب المرضي
للأفكار التي يكونها المرء لنفسه ويتشرنق فيها، محولا إياها إلى مطلقات يقينية، فمن
هذه النزعة الإيمانية تنشأ النرجيسية الثقافية ويتغذى مديح النفس المرضي، بحسبانهما
تعبيرا عن الشعور بالإشباع المعرفي، والاستغناء عما يفيض عن حاجة النفس من القيم
الرمزية! كما أن التحلي بأخلاقيات الحوار، وبنهج المناظرة العلمية، سبيل سالك نحو
بناء فكر نقدي بناء متحرر من العدوانية السادية... وعلى ذلك فالتحرر الذاتي يبدأ من
إخضاع الأفكار إلى محكمة المعرفة والواقع، وتأسيس الحوار، والمخاطبة، والنقد على
معطيات التحكيمين: المعرفي والواقعي».
ـ الاستفادة من قدراتها التنظيمية لتكوين تحالفات قوية معها من أجل تحقيق بعض مطالب
الحركة الأمازيغية، لاسيما أن الحركة الإسلامية نفسها محتاجة إلى من يسندها في
مواجهة ضغوطات الداخل والخارج. ولعل جاحد يجحد فيقول بأن هذا الموقف هو انبطاحي
واستسلامي لأن الحركة الإسلامية هي عدو من بين الأعداء فكيف نتحالف معها؟ بغض النظر
عن صحة مقولة العدو والصديق في السياسة، فردنا ينبني على حقائق موضوعية تتمثل في ما
يلي:
ـ القوى الكبرى في العالم اليوم الأكثر عداء للإسلاميين عدلت مواقفها اتجاههم، بل
إن الولايات المتحدة نفسها التي كانت ضحية الإرهاب، والذي اتهم فيه بعض فصائل
الاسلاميين، إي القاعدة، اتبعت في السنوات الأخيرة، عبر سفارتها وعبر مراكز
أبحاثها، حوارات وندوات شارك فيها الاسلاميون بفعالية، بل أعطت الضوء الأخضر
أمريكيا لعدد من الدول الإسلامية بالسماح لها بالترخيص للأحزاب الإسلامية
وبمشاركتها في الحكومات، ولعل الإدارة الأمريكية فطنت أخيرا بأن إشراك الاسلاميين
في الحكم قد يكون خير امتحان لبرامجهم السياسية ولصدقية ممارستهم السياسية، كما أن
التجربة اللبنانية شاهد على تعامل سياسي مع الاسلاميين حيث مثل حزب الله اللبناني
في الندوة النيابية وفي الحكومة ولم تعترض أية من القوى الدولية والمحلية على ذلك،
بل إن القرار 1959 المتعلق بلبنان نص على نزع سلاح حزب الله مع تشجيع انخراطه في
العملية السياسية، مع العلم أن حزب الله يوجد ضمن تحالف سياسي يشمل حتى
الاشتراكيين.
ـ عادة ما ينم إقصاء الاسلاميين من حقهم في الممارسة السياسية ـ بدعوى عدائهم
للديموقراطية وأن لا ديموقراطية مع أعداء الديموقراطية ـ عن تخوف غير مشروع لدى
الكثيريين والذين لا ينطلق غالبهم من عشق أو إيمان بالديموقراطية، وإنما هو إقصاء
سياسي لتوجه عارم يكتسح المجتمع بفعل تبيان زيف شعارات كبرى رفعها بعض أدعياء
الديموقراطية وحقوق الإنسان وفشلت في امتحان الواقع والممارسة. الحركة الأمازيغية
لا ينبغي أن تنطلي عليها هذه الخديعة وأن تركب مركب الإقصاء وتبريره إن هي أرادت أن
تعالج المجتمع معالجة علمية بعيدا عن الاعتبارات الايديولوجية، فثمة أمران يجب
التفريق بينهما: الحقيقة العلمية والادعاء الإيديولوجي.
أما عما نراه في علاقة الحركة الأمازيغية واليسار المغربي فإننا نرى اليسار هو
الحضن الطبيعي للحركة وأن نجاح اليسار المغربي في بلورة ما يطرحه من شعارات هو نجاح
للحركة الأمازيغية والشعب المغربي قاطبة. لكن ثمة عملا كبيرا ينتظر اليسار ليكون في
مستوى تطلعات الحركة الأمازيغية والشعب المغربي، فاستمرار سيطرة الفكر القومي
العروبي المتحجر لدى فصائل كبيرة منه وعدم قيامه بمراجعات فكرية وسياسية توصله إلى
فهم أدق بمتطلبات استنهاض الفعل الجماهيري ليحمل عبء المرحلة وانعدام وحدته وتشرذم
قواه بفعل سيطرة الحلقية والارتدوكسية والنرجيسية وادعاء امتلاك نهائي للحقائق، كل
هذه الملاحظات الأولية والسريعة تجعل مهمة التنسيق مع اليسار مزدوجة: فهي مهمة
اقتسام المسؤولية وتكاملها في الدفاع عن حقوق المواطنين وتأطيرهم ومهمة أخرى هي
استئناف عمل نقدي لتصورات اليسار وممارساته. فالحركة الأمازيغية مطالبة بدعم جهود
تطوير اليسار بالمغرب ووحدته كما هي مسؤولية بشكل من الأشكال عن تطوير مواقفه تجاه
الأمازيغية، والتي للأسف الشديد تبدو أكثر تخلفا من مواقف بعض القوى المحسوبة على
اليمين.
الموقف من المؤسسة الملكية هو موقف مباشر من أهم صناع القرار السياسي بالمغرب. لذلك
يجب أن يتسم هذا الموقف بالبرغماتية السياسية المطلوبة، أي التعامل مع المبادرات
الملكية تعاملا ايجابيا مع اعتبارها أول الغيث، وتفعيل قوى الضغط المحيطة مع
ديبلوماسية أمازيغية داخلية فعالة يمكن عبرها استقطاب دعم المؤسسة الملكية إلى جانب
المطالب المشروعة للأمازيغيين. فالملكية حريصة على إعطائها ضمانات بخصوص أفق
ورهانات كل حركة مطلبية لتختار التعامل معها بالتعامل المناسب. وهنا تلعب لعبة
المستشارين السياسيين للملك الدور الحاسم في تدبير الملفات واقتراح الحلول، ومادام
المحيط الملكي خاليا من مناصري الأمازيغية فالسلام على الأمازيغية إلى يوم يبعثون.
مشكك في هذا القول بل ناقد له يقول بأن الحقوق تنتزع ولا تعطى وأن الملكية تحكم
بمشروعية تقليدية مستمدة من اختصاصات الملك وفق الفصل 19 من الدستور، فكيف سنتعامل
إيجابا ونحن حركة حداثية ديموقراطية مع مؤسسة تقليدية؟
ظاهر هذا الانتقاد جيد ومنسجم لكنه على حد تقديري المتواضع يجهل أو يتجاهل التاريخ،
فالخطأ الكبير الذي وقع فيه الأمازيغ في تاريخ المغرب يتمثل في مقاومتهم للاستعمار
الفرنسي والاسباني بقوة السلاح وبالتضحيات الكبيرة إلا أن أحزاب ما يسمى بالحركة
الوطنية وخاصة حزب الاستقلال هي التي وقعت ايكس ليبان وتفاوضت مع المستعمر وتفاوضت
مع الملكية ففازت بحكم المغرب سياسيا واقتصاديا، فهل قدر أن يكون نصيب الأمازيغ
دائما الصراع مع المستعمر والآن الصراع مع الملكية؟ أم أنه آن الأمازيغ أن لا
يدخلوا معارك مجانية يستفيد منها الآخرون بل الأحرى أن يساهموا في حكم المغرب
وتدبير صراعتهم بالتي هي أحسن. كذلك ما اقترحه اليوم في مشروع خريطة الطريق
الأمازيغية وهو التحالف مع الملكية فيما هو في صالح الأمازيغية وعدم الانجرار في
المعارك التي لا طائل من ورائها.
هذه الأفكار المتعلقة بالعلاقات الايجابية مع اليسار والملكية والاسلاميين بالمغرب
قد لا ترضي الكثيرين، إلا أنني، وبتواضع شديد، أرى أن تكون على الأقل محور تدقيق
وتشاور ونقد به تستقيم الأفكار وعبره يتطور الصراع في المجتمع ليعطي الأفضل في
الممارسة ويجنب الحركة الأمازيغية أخطاء سابقة وقعت فيها حركات أكبر منها وأجدر،
فهذه الأفكار بخلاصة شديدة استفزاز للوعي الأمازيغي ودعوة جادة للنقاش والمحاورة
على قاعدة أن الحقيقة والموضوعية نسبيتان.
ـ المفاهيم التي من الضروري مراجعتها وتدقيقها
يرتكز خطاب الحركة الأمازيغية اليوم على عدة مفاهيم ومقولات مشتركة تحتاج إلى تدقيق
وتصويب، وسنتطرق إليها بعجالة كبيرة لأن المجال لا يسمح لأكثر من ذلك.
ـ العلمانية: قلما تجد ناشطا أمازيغيا لا يدافع عن العلمانية ويجعل منها محور نضال
الحركة الأمازيغية إلى حدود أن البعض دائما ما يربط بينهما ويقول بأن الأمازيغية
غير ممكنة إلا بالعلمانية. إلا أن النقاش حول هذا المفهوم قلما نجد من بين أنصاره
من الأمازيغ من يؤصل له، كما أن الحركة الأمازيغية بتبنيها لهذا المفهوم ألا تعلن
حربا على نفسها باعتبار أن الأمازيغ هم أكثر المغاربة تدينا؟
ـ تامازغا: عادة ما يستعمل الأمازيغ مفردة تامازغا للدلالة جغرافيا على أماكن تواجد
الأمازيغ بالعالم. إلا أن هذا المفهوم هو ذو دلالة عرقية شبيه بالوطن العربي الذي
ننتقده لأنه يحمل شحنة عرقية. فكيف نرفض الوطن العربي ونقبل بالوطن الأمازيغي؟
هناك كذلك مفاهيم أخرى نرى ضرورة التدقيق فيها ومراجعتها كالشعوب الأصلية والأعراف
الأمازيغية واسطرة بعض الشخصيات التاريخية وبعض الإحداث التاريخية.
خاتمة:
هناك من الأسئلة والإشكالات المطروحة في هذه الورقة المتواضعة ما يبدو أن طرحها
والخوض فيها من الأمور التي لا داعي لها لان نشطاء الحركة الأمازيغية قد حسموا
اختياراتهم «الصحيحة»، وأن الجواب عن هذه الأسئلة مضيعة للوقت وأنه لا يجب بتاتا
حسب رأيهم وضع بعض المفاهيم وبعض الممارسات موضع النقد والتشكيك لأنها من الثوابت
واليقينيات من قبيل الحق المطلق والشر المطلق. لكني اخترت أن أعاكس هذه اليقينيات
وأرمي حجرة صغيرة في بركة آسنة متجمدة من التقاليد والأعراف الثقافية والمفاهيمية
والسياسية. فرغبتنا في دولة الحق والقانون لا يوازيها إلا تحرير للوعي الأمازيغي من
التقليد والتوارث والاستنساخ، أي مقاربة المواضيع والتوجهات لا يجب أن تكون محسومة
وفق الهوى والاتباع، وإنما وفق الإبداع والنقد والتجربة المتواصلة والتي مهما غنيت
واتسعت لابد أن تتحلى بالتواضع والقابلية للتجديد والتطوير والتكييف.
(أنغير بوبكر ounghirboubaker@yahoo.fr )
|