رد على مقال: "المسألة
الأمازيغية" للأستاذ بلال التليدي في كتابه: "حوار مع العلمانيين بالمغرب"
بقلم: بحاج عسّو
الدارس المتجرد من كل زيغ إيديولوجي، والمتحلي بالعلمية في
التحليل والتركيب لا بد وأن يكشف أن جوهر الخلاف بين الحركة الأمازيغية وما يدعى
بتيار الإسلام السياسي لا يكمن في الدين نفسه كمعتقد وطقوس تعبدية يمارسها الأغلبية
الساحقة من المغاربة.
فالحركة الأمازيغية لا تتبرأ من الدين كطقوس وشعائر تعبدية كما يذهب صاحب كتاب "حوار
مع العلمانيين بالمغرب" في فصل "المسألة الأمازيغية" حيث يقول: "وإذا كان التيار
الإسلامي يجعل من الإسلام كمعتقد ودين المشكل الحقيقي للهوية المغربية، فإن الطرح
العلماني يسعى من منطلق تاريخي للبحث عن هوية للمغرب قبل دخول الإسلام إليه، تلك
الهوية التي لن تحدد طبعا إلا داخل الفضاء اللغوي والثقافي الذي كان المغاربة
يعيشون تحت سقفه".
أساس التناقض الحاصل بين الرؤيتين ـ إحداهما علمية والأخرى نصية ـ أن الإسلاميين
يتبنون الدين كإيديولوجيا ونمط للتفكير، يسيسون الإسلام و يحملون النص ما لا يطيق.
فموطن الخلل هو أنهم يرجعون لتفسير كل شيء إلى النص ـ غير مبالين بكل ما تنتجه
الإنسانية من ثقافة وحضارة عبر الأزمان ـ في غياب تام لأدوات العقل النقدي.
بينما تذهب النخبة الأمازيغية المستندة إلى العلوم الإنسانية الكونية كالسوسيولوجيا
والإنتروبولوجيا، التاريخ، اللسانيــات... إلى أن الذين جـــزء من مكونات الهويــة
الوطنيــة وليس الهوية كلها.
لبس آخر وارد في المقال نود أن نرفعه هو أن "الطرح العلماني بالمغرب":
ـ لا يتبنى بجميع تلاوينه منطق البحث عن الهوية الأمازيغية للمغرب في تاريخه، حيث
يذهب الكثير منهم إلى رفض أمازيغية المغرب، وهذا أمر معروف لا يحتاج إلى الاستدلال
بحجج أو شواهد.
ـ الواقع أن الإحالة على الجذور الأمازيغية للمغرب، تؤكد عكس ما يذهب إليه صاحبنا
من "أن الأمازيغية لم تكن مشروعــا مجتمعيا". إن ماضي المغرب هـــو تاريــخ
إمبراطوريات و مماليك، "أكليد" عرفه المغرب منذ ما يزيد على أربعين قرنا.
ونستشهد هنا بأمثلة معروفة: يوبا، يوكرين، ماسينيا، أبو قس، Thihia. ومن يجهل أن
العالم الأمازيغي يؤرخ لانتصار الملك على الفراعنة لــزمن يمتــد على 2955 سنة.
فالأمازيغ الأحرار قاوموا كل الغزاة كما يؤكــد على ذلك صاحبنا "أن المغرب خضع
لأنواع كثيرة من الاستعمار، لقيت مقاومة عنيفة من الأمازيغ الأحرار". فعلى ما ستكون
المقاومة؟ إن لم يكن محورها، سبل العيش، نمطه، نظم الحياة...
فهل سنتصور قيام مملكة دون مشروع مجتمعي؟ هل سنتصور تعاقب الاستقرار بالمغرب لما
يزيد عن أربعين قرنا دون أن تكون حضارة؟ خصوصا إذا علمنا أن ئمازيغن من أول الشعوب
الذين عرفوا الاستقرار والتطور و الزراعة!
صحيح أن الأمازيغ لم يكونوا بحاجة إلى طرح قضية الهوية في الماضي، لأنها لم تكن
مهددة، فكانوا يعيشون و يحبون و يموتون بلغتهم. فلم تكن بالمغرب إيديولوجية "عروبية"
أو "إسلاموية" تستهدف القضاء على الأمازيغية.
ـ النخبة الأمازيغية المسلحة بالعلم، بالحفريات... لكي تدافع عن قضيتها، لا تتحدث
بالهوى، و لا تبنى مشروعها فوق القمر، تنطلق من هذه الأرض لتبني عليها، لذلك تجد
خطابها مقنعا. تبنيها للمنهج العلمي يجعلها أكثر واقعية من غيرها التي لا تتمسك إلا
بالكلام الموزون... يقول صاحبنا: "هنا تجنح الكتابات الأمازيغية إلى تأكيد الطابع
العلماني للأمازيغية منذ النشأة، مستعينة ببعض الشواهد التي لا تصمد أمام مئات
الشواهد والاعتبارات التي يوردها الخصم الآخر". كما يبدو من قراءة المقال،
فباعتباره من الخصوم لم يورد ولو شاهدا واحدا للاستدلال على كلامه.
الحركة الأمازيغية تحمل مشروعا مجتمعيا يروم تحديث ودمقرطة المشهد العام بالمغرب.
إلصاق العمالة بالمخالف وإذكاء منطق التآمر على وحدة البلاد والأمة، خدمة الأغراض
الإمبريالية والصهيونية التوسعية هي تهم ليست جديدة على الحركات الأصولية ومنظريها.
وهذا شيء طبيعي. فعندما يعجز المنطق عن التحاور والاحتجاج، فلا بد أن تنطق حاسة
التنطع والدوغمائية لتأتي على كل ما بنته، وهذا ما نشتمه في سؤال صاحبنا الذي يوحي
طرحه بأكثر من علامات الاستفهام: "أم هو مشروع سياسي (يقصد MA انفصالي يؤسس للقضاء
على دولة الصفة الدينية؟).
لكن صاحبنا سرعان ما عاد إلى جادة الصواب ودعا إلى عدم التسرع في الإجابة عن
الأسئلة التي طرحها، وإثبات الصفة الانفصالية للمشروع السياسي الأمازيغي. فالحركة
الأمازيغية كفاعل مدني لا تشكل أي تهديد للنظام السياسي للبلاد، ولا تحمل أية نوايا
انفصالية أو تجزيئية: تسعى جاهدة إلى المساهمة في دمقرطة وتحديث المشهد العام
للبلاد، وكذا إقــرار الأمازيغية لغة وثقافة في دستور البلاد، وترسيمها في جميع
مناحي الحياة العامة.
|