| |
لا آلهة بدون قرابين
بقلم: أمزير (ليبيا)
لا أدعي
التبحر في علم اللاهوت والأديان، كلا ولست بعالم بتاريخ الحضارات، ولكن مع ذلك
أستطيع القول بصحة العنوان الوارد أعلاه. ومعلوماتي المتواضعة تؤكد لي بأن كل
الآلهة، عبر تاريخ البشرية، كان لابد من تقديم القرابين لها. وقد اختلفت
طرق وكيفية تقديم هذه القرابين من شعب إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى، ولكن تكاد
معظمها تتفق في حب الآلهة وولهها الشديد وولعها المفرط بالدم... الدم الأحمر القاني...
ولم تكن الآلهة لترضى بغير الدم ولا تهدأ ثائرتها إلا إذا اشتمت هذا
السائل الأحمر… ونظرة سريعة إلى الزمن القابع خلف ظهورنا وفي تلافيف الذاكرة
البشرية تخبرنا بأن هذا الدم كان بشريا في غابر الأزمان في حضارات المايا وألانكا
في أمريكا اللاتينية، وفي حضارات وادي النيل كانت العرائس البشرية العذراء هي
قرابين النيل الخالد، وفي بعض الديانات أيضا تدفن الزوجة الحية مع زوجها المتوفى
وهو أيضا نوع من القرابين؛ وفي الكعبة التي كانت تعج بالأصنام الإلهية كان الحجاج
يسفكون الذبائح عند أقدام اللات والعزى. وبالرغم من أن البعض قد يرى أنه حدث انعطاف
هام في نوعية الدم المقدم كقربان للآلهة بنزول الآية القرآنية "وفديناه بكبش عظيم"،
إلا أن التاريخ البشري لا يؤيدهم في ذلك حيث كانت القرابين الحيوانية كالإبل وغيرها
تذبح تحت أقدام آلهة قريش، اللات والعزى قبل ظهور الإسلام، كما أن هناك شعوبا كثيرة
في مجاهل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية مازالت تعيش في مستوى قريب من الحالة
البدائية على كافة المستويات المادية والفكرية. وبالرغم من أنها مازالت وثنية إلا
أنها كفت عن تقديم القرابين البشرية لألهتها بالرغم من عدم معرفتها أساسا بالدين
الإسلامي أو غيره من الأديان السماوية.
هذا المنعطف الهام في الحياة البشرية ونظرتها للآلهة وكيفية التقرب إليها قد يعتقد
الكثيرون بأنه قد انتهى فعلا وبدأ البشر في الكف والابتعاد عنه، لكنه في حقيقة
الأمر ما يزال ساريا وبشكل كبير، وخاصة في أيامنا المعاصرة، ولكن بمفهوم مختلف
ورؤية مختلفة، سواء في كيفية تقديم القرابين البشرية أو في تحديد الإله الذي يجب
علينا تقديم القربان له.
الجهاد والعمليات الاستشهادية في سبيل الله بالنسبة للحركات الإسلامية والوطنية في
فلسطين أو في جنوب لبنان أو في العراق أو غيرها من الأماكن، ألا تعتبر نوعا من
تقديم القرابين البشرية، ودليلا ً على استمرار النظرة القديمة لدى البشر ؟ بالطبع
التعريفات والمسميات اختلفت: فبدلا من تسمية هذه العمليات بتقديم القرابين البشرية
لله عز وجل يطلق عليها اسم الاستشهاد في سبيل الله والجهاد من أجل إعلاء كلمته،
ولكن النتيجة واحدة وهي إراقة دم بشري من أجل فكرة أو عقيدة، تماما كما في السابق.
الماركسيون مثلا من جهتهم يقدمون القرابين البشرية من أجل تحقيق فكرة أو عقيدة
معينة يؤمنون بها (لا أناقش هنا مسألة صحة أو خطأ العقيدة أو الفكرة).
والعمليات التي حدثت في روسيا القيصرية من قبل البلاشفة كانت من أجل الإله الشيوعي
الماركسي وتحقيق أو تجسيد الشيوعية كمنهاج حياة وعمل للبشر، كما أن العمليات
الثورية الماركسية في كولومبيا وتركيا واليونان مازالت تحصد القرابين
البشرية وتسفك الدم البشري من أجل التقرب إلى إلههم أيضاً. وهذا أيضا لا يحدث تحت
مسميات تقديم القرابين البشرية ولكن يحدث تحت مسمى النضال الماركسي وتحقيق الشيوعية
والعدالة الاجتماعية والمساواة (أفكار وعقائد وأيديولوجيات). والنتيجة أيضا واحدة:
سفك الدم البشري تقربا للمعبود الذي يؤمنون به. (إله – قضية سياسية – وطنية ….الخ).
كل الحركات السياسية التي تناضل من أجل تحقيق أهدافها وتؤمن بالعنف كوسيلة لتحقيق
هذا الهدف، بدء من منظمة إيتا إلى الجيش الجمهوري الايرلندي، كلها حركات سياسية
تؤمن بفكرة أو عقيدة أو أيديولوجية وتسفك الدم البشري من أجل تحقيق هذه الفكرة
وتجسيدها واقعيا، وهي أيضا تأتي تحت مسميات أخرى، مثل الدفاع عن الوطن وتحقيق
الاستقلال الوطني … إلخ.
القضية الأمازيغية، وتحديداً في ليبيا والمغرب، هي القضية الوحيدة التي لا يفكر
أنصارها في سفك الدم البشري من أجلها والتقرب إلى عقيدتها بالقرابين البشرية لكي
ينالوا رضاها، بل أنهم لا يقدمون أية تضحيات من أي نوع كانت من أجل قضيتهم !!! .
فكيف ستحقق هذه القضية أي تقدم ملموس يذكر على أي صعيد وسط عالم لا يؤمن إلا بالعنف
وسفك الدم البشري من أجل تحقيق أهدافه؟ كيف سيعترفون بحقوقنا إذا كنا أصلا لا نؤمن
بحقنا في هذه الحقوق؟ كيف نستطيع العيش مسالمين عزلا في وسط مشحون بالعنف الدموي...
في وسط لا يحترم إلا المقاتلين والمحاربين؟؟
في ليبيا لا يوجد أي سجين أو معتقل سياسي من أجل القضية الأمازيغية. وما أن تبرز
مشكلة أو بوادر صراع علني مع قوى الظلام والبغي والعدوان والاستخفاف العربي بنا
كشعب أصيل ومتجذر في أرضنا إلا ويسارع الشباب و"المناضلون" إلى كتابة التعهدات
للأمن الداخلي بعدم تكرار ما صدر منهم مقابل إطلاق سراحهم وكأنهم مجرمون أو لصوص،
كما حدث في قضية الشريط الغنائي الذي أصدره بعض الشباب الأمازيغي في جادو. لقد
قدموا تعهدات لممثل سلطة القذافي وتوسلوا له لكي يرضى عنهم ويطلق سراحهم في حين كان
هو يعوي وينبح كالكلب المسعور ولا من راد عليه و رادع له حتى بعد انفضاض ذلك
الاجتماع المهين. وهنا نقارن فقط بموقف الأمازيغ الرجال الحقيقيين الذي رفضوا
الخروج من المعتقل السياسي للقذافي عام 1987 في نفس اليوم الذي يخرج فيه تجار
المخدرات والقتلة واللصوص كما أنهم رفضوا الخروج إلا بعد لقاء القذافي ومناقشته.
وأثناء هذا اللقاء حاول أحد ممثلي السلطة التحدث فما كان منهم إلا أن طلبوا من
القذافي إخراجه وتم طرده من الاجتماع ولم يقوموا بالتوسل إليه بالرغم من أن بعضهم
كان محكوما عليه بالإعدام.
هذه الأيام نخشى من استدعائنا من قبل الأمن الداخلي للتحقيق معنا في مسألة سفر بعض
الشباب لحضور حفل غنائي للمطرب إيدير ونتساءل: ما المشكلة في استدعاء الشباب
والتحقيق معهم؟؟ أقصد لم يعد هذا أسلوبا مجديا للمواجهة وتحقيق الأهداف الأمازيغية
والحصول على حقوقنا… لابد من تضحيات وعدم تقديم تنازلات رخيصة لحفنة من المرتزقة
والتباكي من مجرد فكرة دخول السجن من أجل مبادئنا ومعتقداتنا.
أدرك تماما الأهوال التي تحدث في معتقلات القذافي وغيره، وأعرف بأنها غير إنسانية
وتنعدم فيها الشفقة والرحمة ولكن ما هو السبيل لتحقيق أهدافنا في ظل أنظمة عروبية
لا تفهم سوى لغة القوة والعنف، سواء كان ذلك في المغرب أو ليبيا أو تونس أو
الجزائر؟؟
لابد من المواجهة ولابد من سفك الدم البشري من أجل الحرية والعقيدة، إلهية كانت أم
وطنية. لابد من تقديم القرابين البشرية أيها الأمازيغ!!
لقد ظلت الجزائر خاضعة للاستعمار الفرنسي زهاء القرن و30 عاما وفي نهاية المطاف كان
لابد من المواجهة وانطلقت الثورة واستقلت الجزائر بالدم وتقديم مليون ونصف قربانا
بشرية على مذبح الإله الوطني.
لا يمكن للحمل الوديع أن يعيش بين قطيع الذئاب !!
فهيا كشروا عن أنيابكم وزمجروا وازأروا يا أسود يوغرتن.أم أنكم تفعلون ذلك لنهش
بعضكم البعض فقط!!!
|