| |
موسم الورود أم موسم
المشاكل والأشواك بقلعة مكونة...؟
بقلم: عمر زنفي أديمون (أسيف ن دادس)
دادس، تلك الواحة المنسية والمهمشة، طبيعة خضراء بريئة و جبال شامخة صامتة تروي
ببكائها ما آلت إليه الثقافة والحضارة الأمازيغية المهمشة، الصامدة رغم انجرافات
نخبتها "المثقفة"وتصحر التعريب الذي ضل يهدد هذا الوجود.تزخر هذه الواحة كما هو
معلوم,عالميا و ليس وطنيا فحسب,بطبيعة خلابة يكتمل رونقها وجمالها بحلول فصل الربيع
وموسم الورود اللذين يحولان حزن ومشاكل ساكنة دادس إلى ازدهار اقتصادي وأفراح بدأت
تتلاشى عاما بعد عام, وذلك نظرا إلى تدهور القيمة المادية لهذا المنتوج من جهة, و
بسبب اقتلاعه كرد فعل على تدهور قيمته من جهة ثانية.
ظهر هذا المنتوج الذي لفت ولازال يلفت أنظار كبار المستثمرين ويحتل الصدارة في
المعارض الدولية منذ زمن بعيد يصعب تحديده، وكذا تحديد أصله الذي تتجاذبه
أيديولوجيتان تقليديتان لم تفلحا في تحديد أصل الأمازيغ, لتسهيل مدها الاستعماري
وتكريس الوضع السائد الذي يخدم مصالحها, حتى تفلح في تحديد أصل هذا المنتوج.فالاديولوجية
الأولى تعتبر أن ورد دادس ذو جذور عربية, شأنها شأن الإنسان الأمازيغي وحضارته على
حد سواء، وبالتحديد لبنان.وهذا المعطى, بالأحرى الادعاء, ليس غريبا لأن الأمازيغ
أنفسهم جاؤوا من اليمن عن طريق الحبشة ومصر!!.أما الاديولوجية الثانية فهي لا تختلف
عن الأولى من حيث الاحتيال وتزوير التاريخ. حيث تعتبر أن المعمر الفرنسي أو الرومان
هم الذين أتو به من أوربا كما انحدر الأمازيغ من ألمانيا. وكأن أرض شمال أفريقيا
كانت جرداء ولا يمكن لها أن تنبت مثل هذا الكنز وأن أرض أوربا والجزيرة العربية هي
الأراضي المقدسة والمؤهلة لإنتاج هدا المنتوج.اديولوجيتان غير صحيحتين تجعلنا نخلص
إلى أن أصل ورد دادس هو منطقة تدعى دادس كما أن أصل الأمازيغ هو شمال أفريقيا.
بعد الاستقلال، وبسبب التهميش الذي تعاني منه منطقة دادس والمناطق الامازيغية على
حد سواء, ظل المنتوج الفلاحي عامة والورد خاصة أهم مورد اقتصادي بعد هبات المهجرين
إلى الخارج.فقيمة هذا المنتوج جعلت أشهر شركات الاستثمار تتنافس على الاستثمار في
هذا المنتوج، وفي هذه المنطقة.ورغم هذه المعطيات فقد استطاع مستثمر أجنبي فرنسي أن
يستغل هذا المنتوج بأبخس الأثمان مستغلا ظروف الساكنة أولا, عدم وعيهم بقيمة
منتوجهم ثانيا، وتواطئ المسئولين المنتخبين في المجالس المتوارثة على بلدية قلعة
مكونة مع المستثمر ثالثا، كسبب رئيسي في معادلة الاستغلال هذه. والدليل على هذا حال
دادس وقلعة مكونة منذ الاستقلال إلى الآن لم يولد سوى مشروع إنشاء تصريف الواد
الحار من تمويل بلجيكي رغم المعطى السياحي والموارد الضريبية وعائدات موسم الورود.وأمام
تحكم المستثمر في السوق واستغلاله للأوضاع السالفة الذكر, يكتفي هذا الأخير بالفائض
المترتب عن السنوات الماضية للتحكم أكثر في الأسعارو استمرار هشاشة المجالس
المنتخبة.تدهورت قيمة هذا المنتوج المصنف عالميا لدرجة أن ثمن الكيلوكرام من الورد
لا يزيد عن درهم و نصف. ثمن لم يقدر ثمن جمالية الحقول قبل جنيه أو الرائحة التي
تعطر الواحة والمناطق المجاورة لها. ولن يعوض عن وخز شوكه للأيادي التي تقطفه حتى
يؤدي ثمن المواد الضرورية لأية تركيبة كيميائية لاي مستخلص روائح كانت أم دهونا أو
أية مادة مصنعة من هذا المنتوج.وأمام هذا التردي الذي كان له وقع خاص على ساكنة
دادس كمورد اقتصادي هام,سارع السكان إلى اقتلاعه كرد فعل منطقي أمام تقاعس المجالس
المتوارثة وتعويضه بنباتات شوكية "تغفرط" "ادمام" "امرسيط",في غياب أساليب الاحتجاج
العصرية, كمقاطعة المستثمر, لتحديد حدود الملكيات الزراعية من جهة ولوضع حد
للاستغلال.فبدلا من أن تتحرك المجالس الموكولة إليها الدفاع عن مصالح منتخبيهم
لإنقاذ ما يجب إنقاذه ودفع الضرر, قامت بالترخيص وكراء أراضي تابعة للملكية
الجماعية,لمستثمرين مغاربة وأجانب لغرس الورد لإغراق السوق والاستغناء عن منتوجهم
كضربة قاضية على موردهم الاقتصادي.والغريب في الأمر هو أنه رغم هذه السلوكات ما زال
السكان يصوتون على نفس أشخاص المجالس في كل موعد الانتخابات رغم أنهم سبب تعاستهم.
أمام هذه المعطيات نجد تنظيم برنامج الموسم يعبر عن مستوى الوعي والمستوى الثقافي
لكل من منظمي الموسم والمجلس البلدي الذي يعينهم.فمنظمو الموسم، شأنهم شان ممثلي
المجلس أناس غير غيورين على المنطقة ولا تربطهم صلة بالثقافة المحلية الامازيغية,اذ
يسود الطابع التجاري على الثقافي المغيب في برنامج وأهداف الموسم.فباستثناء يوم عرض
المنتوج المحلي وما تزخر به المنطقة والذي لا يمثل تقافتنا أحسن تمثيل ولا يعكس
الواقع، والذي يكبد المجلس البلدي والجماعات القروية المجاورة خسائر مادية خيالية,نجد
البرنامج فوضويا يجعل الزوار الأجانب يتساءلون عن مكان الموسم رغم أنهم في قلب
الموسم .هذا إن دل على شيء فإنما يدل على تواضع التنظيم أمام عظمة المنتوج, الحدث
والثقافة المحلية الامازيغية.فبدلا من أن تتخلل الأيام مهرجانا على مدى أسبوع
للثرات الفني الامازيغي من طنجة إلى الكويرة والى أقصى القبائل الامازيغية بالصحراء
تعرض فيه ما تزخر به المنطقة خاصة, من مماويل احيدوس, والمناطق الامازيغية عامة كما
ينظم في المناطق التي لا تتوفر على هذا الغنى الثقافي وتستغل ثقافتنا أبشع استغلال
لتنمية مناطقها سياحيا اقتصاديا و"ثقافيا"، وأخص بالذكر فاس الرباط...نجد وللأسف
رقصة امكون التي فرضت نفسها دوليا بإيقاعها المتميز, ولو لم تكن كذلك لما كانت هي
الأخرى في عداد المفقودين شانها شان الموروث الثقافي المحلي وممثليه...تنظيم يجعل
الموسم مناسبة للتسلية والمتعة واستدراج ثقافة المنطقة الامازيغية الى ثقافة
فلكلورية بدأت تسلل إلى قبائل دادس من ثغرات الموسم سيرا على سيناريو الأطلس وموسم
التفاح.لماذا لا يفكر المنظمون في برمجة مسابقات لمجموعات احيدوس المحلية بدادس
ومسابقات في الشعر الا مازيغي بمختلف أنواعه موازية لمهرجان الثرات الفني الامازيغي
بالمغرب لتشجيعه وإحيائه بدل ضربه عرض الحائط؟ لمادا لا يفكر المنظمون والمسئولون
في تنظيم معرض للفنانين التشكيليين المحليين المهمشين والمشردين في غياب قاعات
للعرض تأويهم؟ ونحن نعلم أن المنطقة تعج بفنانين مرموقين دوليا وليس محليا أو وطنيا
فقط,نذكرمنهم فاطمة ملال ومحمد ملال, الحسني حمد ... واللائحة طويلة, للتعريف بهم
وتشجيعهم على الإبداع والاستمرار؟ لماذا لا ينظم معرض لعرض لباس ايت عطا والمناطق
المجاورة الاخرى لإعادة الاعتبار لهذا اللباس الذي أصبح في طي النسيان أمام تهميشه
و تحقيره؟ لمادا لا تنظم ندوات فكرية ثقافية تعرف بثقافة المنطقة, تاريخها,
معطياتها، المشاكل البيئية التي تهددها, الجفاف التصحر...,إشكالية التهميش والمشاكل
الاجتماعية التي تعاني منها كالهجرة السرية, انتشار الجريمة والسرقة؟ لمادا لا يريد
المنظمون والمنتخبون أن يحسوا بأنهم أبناء دادس، ثقافتهم ولغتهم امازيغية فخورون
بهذا الانتماء مستعدون للدفاع عن هذا الإرث الثقافي والاعتناء به بعيدا عن عشق
وارتداء ثقافة الآخرين وتقليدها والتنكر لداتهم؟ لماذا يسلم السكان رقابهم لأياد
ظلت تخنقهم لسنين عديدة؟
نأتي إلى اليوم الثاني من الموسم,المهزلة, وككل سنة, يختتم المنظمون مهزلتهم بمهزلة
أخرى, سهرة ليست فنية ولن تكون شعرية مع تغييب الطاقات الفنية المحلية.فسيرا على
نهج البرنامج الذي يعشق ثقافة الآخر على حساب الطاقات الثقافية والفنية المحلية,
نجد السهرة التي كان من المفروض أن تعبر عن ثقافة المنطقة كما سطر في شعار الموسم,سهرة
نسجل فيها تغييب الثقافة والطاقات المحلية الساطعة اسمها في سماء دادس وسماء الفكر
والمبدأ الذي يعطي القيمة للفن كيفما كان أصله أو جنسه بعيدا عن الاديولوجيات
والحسابات الهمجية, ولائحة فناني دادس طويلة أذكر منها ملال محمد, اجود محمد,
عمرايت سعيد, عليبو عبدالرحيم, ايت عيسى مولاي احميد... ناهيك على أن السهرة تحدث
ثقبة في ميزانية المجلس البلدي نظرا للأموال الضخمة التي يسخرها المجلس لجلب "نجم"
من سماء بعيدة كل البعد عن سماء وثقافة دادس. ولو كان باستطاعة يدها أن تمتد إلى
الشرق لجلبت نجما يسطع بالشرق وينطفئ بدادس نظرا للاختلاف الثقافي الذي يفرض نفسه
شئنا أم أبينا ذلك.
ولست استغرب أمام كل ما سبق ذكره, فماذا تنتظر من مجلس بلدي يعرف ركودا ثقافيا على
مر أشهر السنة أن يفعل في ثلاثة أيام؟ وماذا تنتظر من مركز حضاري يعج "بالمثقفين"
طوال السنة ودار شبابهم ينسج فيه العنكبوت خيوطه دون أن يعرف عرض أنشطة ثقافية,عروضا
ثقافية,مسرحيات,أمسيات شعرية تهجو وتذم العناكب التي تلف حول قلعة مكونة ودادس عامة
وتجعله سجينة رغبات أناس غير غيورين على المنطقة ولا يعبرون عن هموم ساكنتها أو
منتخبيهم.
هذا ما جعلنيعلني اكسر جدار الصمت الذي يكبل هذا الموضوع والوضع الذي آل إليه هذا
الموسم من مناسبة للإطلاع على الثرات الثقافي للمنطقة إلى معاينة أجمل ما ربته هذه
المنطقة من فتيات ونساء.... وضع يساهم بقسط في تشويه عقلية وتقاليد الامازيغ ودادس
بالخصوص. سلوكات تحدث في ذلك الشارع ولا تحدث بالغابات الاستوائية ولا بالأمازون
حيث تقطن الحيوانات بحرية بعيدا عن الأعين والضوابط القانونية. يحدث كل هذا
ومستشارو المجالس والمنظمون يتزينون للوقوف أمام كاميرات القناة الثانية.هذه القناة
هي الأخرى تتحمل عناء السفر للوقوف على هذه المهزلة التي تروقها كقناة تسارع
الأحداث والمشاكل في جل المدن المغربية في نطاق المغرب النافع، ماعدا ورزازات
ومناطق اخرى من المغرب غير النافع, للتطرق الى مشكلها في التهميش لتصل اليها بعد
عام كامل لتصوير حلقة جديدة في هذا الملتقى,ملتقى العشاق.هنا اتساءل أين كانت
القناة الثانية و غيرها من القنوات ودادس في امس الحاجة لعرض ثقافتها وعرض مشاكلها
وتهميشها؟ الجواب أن مشاكل دادس و مناطق المغرب غير النافع تسبب نفورا للقناة
ومشاكل المناطق الأخرى من المغرب النافع تفتح لهم الشهية.و لا تأتي إلى دادس إلا
لتصوير تقاليد حضارة لا يعترفون بوجودها ويسترزقون بها للسياحة لمدن أخرى نالت حظ
الأسد في الاشهار والترويج لها في الإعلام الوطني وفي قلب الأسواق العالمية للسياحة.
في الأخير أتساءل كيف أن وزارة السياحة ترفع تحدي 10 مليون سائح والمواسم الثقافية
تستدرج إلى مواسم المتعة,والتفسخ الأخلاقي الذي أصبح يلاحظه حتى الرضع، والذين أخشى
عليهم أن يكبروا ويظنوا أن هذه السلوكات من شيمنا تماما.هنا اختم بمثل تاريخي بدادس
معناه أن أرض دادس لا يحرثها سوى ثيران دادس.
Ur da ykerrez akal n Dads xes izgaren n Dads
|