كي لا ترحل عنا أيها الرفيق...
بقلم: الطاوسي عبد الحميد (أكادير)
أن يموت الإنسان دون أن تموت أفكاره على أرض الواقع، فتلك هي
الحياة. وما لبث الموت يغتال رموز الفكر والديموقراطية، فيصادف مرة أخرى أحد أقطاب
الفكر الأمازيغي وأول المنبهين في هذا الوطن دعاة الأحادية الفكرية المتحجرة، وذوي
الإيديويوجيا الإقصائية. كان صدقي علي أزايكو رحمة الله عليه من القلائل في عصره
المؤمنين بمبادئ التسامح والاختلاف في إطار الوحدة والتنوع. لكن هيهات ثم هيهات أن
يقبل منه المتغطرسون ذلك، لأن الإيديولوجيا العمياء أنستهم حقيقة التاريخ والتاريخ
الحقيقي لهذه الأمة ولهذه الهوية الوطنية، بل كان سي علي لا يكل ّ من ترديد عبارتي
إعادة الاعتبار للهوية الوطنية، بمكونها الأصلي والأصيل الثقافي والحضاري... ثم
عبارة إعادة قراءة تاريخ المغرب قراءة موضوعية تستلزم بالضرورة رد الاعتبار لبلاد
تامازغا، وتبنى على مدرسة وطنية لأنه يعتقد أن قراءة الأجانب لتاريخنا بعيد عن
الموضوعية والحياد، شرقيين كانوا أو غربيين.
كتب علي صدقي أزايكو في مرحلة حرجة عن مواضيع الهوية، والتراث، والتاريخ كما يجب أن
يكتب لا كما أريد له أن يكون من طرف غلاة القومية، كتب بجرأة خاصة، وهو ما دفع عنه
ضريبة الكتابة وإبداء الرأي باتهامه، بعد نشره لمقال في محلة "أمازيغ" سنة 81،
بالمس بأمن الدولة وزُج به في السجن لمدة سنة كاملة. لكن السؤال المطروح: أي مساس؟
وبأمن أية دولة؟ ألم يكن ذلك الحكم فريدا في تاريخ الأحكام القضائية بالمغرب؟ ألم
يكن دفاعا عن مصلحة شرذمة من القوميين والعروبيين ذوي النفوذ والسلطة بالمغرب تريد
كتابة التاريخ حسب هواها ومصالحها؟
كان كل ذلك يتبلور عبر سيرورة التاريخ، الذي لا ينسى، وأراد منه الراحل أن يتذكره
الذاكرون ولو في رمشة عين. أما الآن فالتاريخ لن يرحم من سجنوا أزايكو. وما دام
التاريخ يتذكر دوما الأحداث والوقائع بشكل تلقائي. فرغم ما تعرض له العديد من
مناهضي الإقصاء، والعنف والجبروت الذي فرضه زمرة من الحكام الإيديولوجيين، فإن
المقهورين في وطنهم لن يركعوا لدسائس الغزاة. فكما أنتج التاريخ وصنع ونسج قصصهم
الأسطورية، ضد هذا الشعب الأصيل، فبالقدر نفسه خلف لنا ويخلف أبطالا ورجالا يقدرون
على زعزعة الكيانات الوهمية.وإن كان التهميش الذي تعرض له المرحوم أزايكو مزدوجا،
فإن ذلك لم يجعله يرضخ أبدا لأوهام أساطيرهم لأن الطريق السوي لن يُضل صاحبه.
فلا يزعجك الموت أيها الرفيق حتى في الأعالي، فروحك عند ربك تنال الثواب وإن كان
الكثير ممن حمّلتهم مشروعك غير ملتفين، أو غير مدركين، فإننا سنبقى صامدين، صامدين،
صامدين!
|