|
بنادق أنوال عادت لتلعلع في تفرسيث هذه السنة بقلم: محمد الزياني بقلب بلدة ثفرسيث Tafarssit، الجاثمة بين تلال وهضاب تفوح بعبق بارود حرب الريف ومقاومته الباسلة، بلدة كساها هدوء خاص اكتنف أسرار تاريخها التليد... أبت اليوم إلا أن تنفض عنها غبار الأزمنة المتلاحقة المطبوعة بتكالب الأعداء على طمس وتغييب مجد وبطولات هذا الريف الصامد والشامخ شموخ شبابه التواق دوما إلى كشف المزيد من خبايا هذه الأرض التي أنجبت محمدا بن عبد الكريم ومعه مجاهدو القبائل لينسجوا معا أروع ملاحم بطولية نُقشت وشماً على جسد القرن العشرين بأزميل الشهادة والتضحية سبيلا للحرية والكرامة والانعتاق ... كان هذا اللقاء التاريخي في حضن جمعية أنوال للثقافة والرياضة تخليدا لـ"معركة أنوال"، الذكرى التي اغتنت بها ذاكرة كل الشعوب التي عشقت الحياة حد الشهادة ... المقاومة الريفية في عهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ـ ثفرسيث نموذجا: هو المحور العام الذي تقاسمه صباح يوم الأحد 25يوليوز 4 من المشاركين عن مؤسسة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بلجنتها الداعمة، إلى جانب شبكة الريف المتضامن وكنفدرالية الجمعيات الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب... وسط جمهور شبابي التحق بالبلدة من مختلف المناطق المجاورة يتقدمهم ممثلو الجمعبات والفعاليات المهتمة بشأن الريف ثقافة، لغة، تاريخا وبيئة... ورياضة. كلمة الافتتاح كانت للأستاذ سعيد عبوتي: رئيس الجمعية رحب خلالها بكل هذه الوفود التي تجشمت عناء التنقل عبر هذه التضاريس والشعاب للحلول بتفرسيث استجابة لنداء تخليد حدث في حجم معركة أنوال التي شكلت مفخرة انتماء الأجيال المتعاقبة لهذا الريف الذي أعلنه أجدادنا اسما لامعاً وبرّاقاً تشرئب إليه الأعناق نموذجاً للانسلاخ من عهود الحِجر والاستبداد... حسين المرابط عن مؤسسة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بأجدير تحدث عن ملابسات تأسيس هذه الأخيرة المرتكز على الضرورة الموضوعية لإنشاء مركز يتكفل بحماية الذاكرة التاريخية للريف اختار لها رئيسها: الدكتور عمر الخطابي مقرا بأجدير لما لهذا الموقع من دلالة رمزية وتاريخية في الذاكرة والوجدان الشعبيين. وقد استعرض المتدخل حيثيات المنع التي قوبل بها المشروع الذي تبين أنه أربك الوصوليين والانتهازيين الذين اعتادوا طمس هذه الذاكرة وعرضها في المزاد العلني مستعيضين عنها بأساطير مؤسِّسَة لسياساتهم المفضوحة... ومع ذلك، يضيف حسين المرابط ، استطاعت مؤسسة الأمير جلب تعاطف وتضامن جماهيريين ظلا يشرعنان أنشتطها المتعددة في الزمان والمكان، أنشطة دأبت المؤسسة خلالها استحضار ألمع محطات ولحظات حرب الريف ودروسها المستقاة من قتالية وكفاحية شعب لا يملك من العدد والعدة سوى إيمانه الراسخ بعدالة قضيته... فيصل أوسار عن لجنة دعم ومساندة مؤسسة الأمير الخطابي ركز بدوره عن الشرعية الشعبية التي اكتسبتها هذه المؤسسة التي لا تزال يستهدفها المنع والتضييق الرسميان بنية استئصالها من الضمير الحي بالريف، وهو الرهان الذي تكسر على صخرة التضامن الرائع الذي جسدته ميدانيا كل التنظيمات والفعاليات السياسية والمدنية، وكذا المنابر الإعلامية محليا وطنيا ودوليا... وتبقى لجنة الدعم، يضيف أوسار فيصل، تواصل مشوار نضالها من أجل فرض حق المؤسسة في الوجود القانوني في وقت أصبحت فيه الدوائر المسؤولة تتشدق: بشعار مغرب الحداثة والديمقراطية وبدولة الحق والقانون وحقوق الإنسان.. وطي صفحة الماضي.... الدكتور لشقر امحمد الناطق باسم شبكة الريف المتضامن ،ارتأى الوقوف عند بعض المفاهيم التي تستوجب، حسبه، الدقة والفحص لإخراجها من غياهب الطابو: مثل مفهوم الأمير، والجمهورية... وغيرهما، وهو ما سيسمح بالتناول النزيه لمثل هذه المواضيع الحساسة.. وعليه أقر الدكتور لشقر أن جمهورية الريف كانت الشكل التنظيمي الأنسب لحظتئذ في إطار علاقاتها ببعض دول المعسكر الشرقي... كما أن قيام هذا النظام، حسب الدكتور، كان ينسجم أكثر فأكثر مع واقع الخدمات المقدمة للمواطنين مهما اختلفت طرق اشتغالهم، وهو ما أكدت نجاعته، يضيف، تجارب عالمية مماثلة كـ: الصين والفيتنام وغيرهما... كما أشار الدكتور من جهة ثانية إلى الأهمية التي تكتسيها هذه الذكرى المجيدة لمعركة أنوال، تلك الأهمية التي علينا تمثل دروسها الحقيقية، يقول المتدخل، في التضامن والتوحد على برامج عمل... باعتبارها قيما قد تعيننا نحن ـ الفاعلين الجمعويين ببدائلنا المستقلة ـ على كسب رهان ما أصبح يعرف اليوم بالمقاربة التشاركية.. مقاربة نجد تراث المقاومة الريفية غنيا بمواصفاتها السابقة على مستجدات الراهن.. إن التضامن والتشارك هما العنوانان الأساسيان في العمل الجمعوي اليوم، ولنا في تراثنا "ثويزا" وغيرها من طرق تدبير الحياة الاجتماعية اليومية في القبائل الريفية ما يختزل كل معاني هذه المفاهيم مجتمعة.. بعده، تدخل ذ. محمد الزياني عن كنفدرالية الجمعيات الأمازيغية بشمال المغرب ، الذي وقف مليا عند دلالة اتحاد القبائل بالريف وكيف حول ابن عبد الكريم بحنكته اختلاف ونزاعات القبائل إلى قوة دحرت جبروت المستعمر بكل ترسانته البشرية والنارية، وهو الدرس الذي علينا استنباطه ونحن نشتغل على ريف الجمعيات المتعددة المشارب، والتي ما انفكت تعيد إنتاج علاقات حسمتها المقاومة الريفية عشرينات القرن الماضي... مما يستوجب توحيد قوانا الذاتية بالريف، وترميم صفوف كل إطاراتنا الجمعوية، والتوجه رأسا وفعليا نحو التنمية الشاملة للريف بحقوله: الثقافية واللغوية والتاريخية والاجتماعية العامة... ذلك أن الدوائر المخزنية باستخدامها لما يسميه الصديق ذ. محمد اتركين ب"النخبة المولوية" ما انفكت تتربص بكل الحقول، فها هي اليوم بعد إنهاء مهمة اختراقها للحقل الأمازيغي وعرقلة المسار النضالي لهذه الحركة وطنيا، امتدت إلى الذاكرة التاريخية بالريف لمخزنتها بدورها على الشكل المطلوب... ومنها إلى حقول أخرى وبآليات معززة بالبذخ المادي والمعنوي بغية إجهاض هذا المسار المتدفق نحو تشكل مجتمع مدني مستقل بمواصفاته التاريخية كسلطة نقيضة، محصنا بأدوات دفاعه الذاتي، وهو ما يزعج هذه النخبة المسخرة بشكل مكشوف ويحبط مسلكياتها المشبوهة، كما دعا ممثلي جمعيات الريف الحاضرة إلى موعد قريب لاختبار هذا الرهان في المؤتمر الأول لكنفدرالية الجمعيات الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب. في بداية تدخله، ترحم الأستاذ أحمد لمرابط ـ أحد مرافقي الزعيم الخطابي في سنواته الأخيرة بالقاهرة، ومن أعضاء مؤسسة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بأجدير ـ على أرواح المجاهدين، ووقف إكبارا وإجلالا أمام روح القائدين العظيمين: ابن عبد الكريم الخطابي والشريف محمد أمزيان، الذي لقبه الزعيم ابن عبد الكريم الخطابي بـ"إمام المجاهدين". بدوره ركز ذ . المرابط على الأهمية الخاصة التي تكتسيها هذه الذكرى بتفرسيث بالذات.. التي ترتبط بتاريخ غني شهدت عنه مختلف المعارك والبطولات التي سجلها أهل هذه البلدة التاريخية في التحام تام مع باقي القبائل لصد العدوان.. ملقنين بذلك للمعتدي، عبر هذه المواقع الشاهدة من ريفنا الشاسع، دروسا لا تُنسى في القتال والكفاح والشهادة .. فهذه معركة تليليت، وهذه تيزي عزا وهذه حمودة وهناك أمزاورو أمشان نجناذا وبعده أخشاب أومغار و.....و....و... حيث شيد أبناء ما أسماه الأستاذ ب"العبقرية " بفضل صدق المجاهدين وعزيمتهم ووحدة كلمتهم وإيمانهم بقضيتهم العادلة... وهي عناصر كافية ، يضيف الأستاذ، لخلق هذه العبقرية كلما تظافرت لدى أي شعب من الشعوب، و على هذه العبقرية نفسها قامت أشهر مدرسة تحريرية في القرن العشرين: حرب العصابات.. التي اعتنق مبادئها أبرز زعماء حركات التحرر الوطني في العالم: أمثال هوشي منه وشي غيفارا وماوتسي تونغ وكاسترو ونهرو ..... فبصدد مسألة "الأمير" عند ابن عبد الكريم، يقول الأستاذ، لا يعني أبدا ذاك المفهوم الديني للسلطنة المتعالية عن المفهوم الشعبي الذي أُسند للزعيم في "مؤتمر قاما"، حيث تعاهدت القبائل على الاتحاد ونبذ كل النزاعات الموروثة عن عهد الريفوبليك... وجاء في (وثيقة قاما).. ".. عيّناك أميرا للمجاهدين"، كما أن محمدا الخامس نفسه ناداه بالأمير لحظة زيارته هو وأخيه في مقامهما بالقاهرة .. وجوابا عن الأسئلة المثارة، من قبل البعض، حول خلفية رفض الزعيم عودته للمغرب رغم الامتيازات التي مُنحت له من قبل كبار الشخصيات والمسؤولين . وبالرغم مما بوأه إياه محمد الخامس من مرتبة الماريشال... ؟؟؟ وغيرها من الأسئلة المغلوطة أصلا.... يقول الأستاذ : "حينما سألت الزعيم ،شخصيا، عن مغزى هذه الأسئلة، أجابني بحكمته المعهودة قائلا: "والله أنا أريد فقط أن أحرر بلادي من الظلم والاستبداد، وبعدئذ يكفيني شرفا أن يُنادوني: أَمُّوحْ نَعْبًكْرِيمْ". واستنادا لما جاء في كلمة سابقة بصدد اختراق المخزن لجهات كانت محسوبة افتراضا على الصف الشعبي المناضل، قال الأستاذ إن هذه التقنية الاختراقية قديمة وجد معروفة لدى الدوائر المسيطِرة، فانظروا كيف تم خلق أولائك الفقهاء المتزمتين الذين كانوا يَنْعتون الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي بالروكّي / الفتان الذي عكّر صفو مهادنتهم للاستعمار، نعم، يضيف الأستاذ، "فهم منطقيون مع أنفسهم وأسيادهم، لأنهم و أمثالهم من جاء بالاستعمار الفرنسي والإسباني واستضافوهما، أما هذا الريفي (الفتّان)، في نظرهم، فلا يليق بأدب الضيافة وهو يحاربهم ويقاتلهم!! فلمن يا ترى، يتساءل الأستاذ،ستكون الشرعية؟ هل لمن استقدم المستعمِر بالطبل والمزمار ودافع عن الاحتلال؟ أم للذي حارب الاستعمار بلا هوادة؟ كذلك، يضيف الأستاذ، ثبتت تقنية الاختراق للعدو حينما قام بتسميم الفقيه عبد الكريم (الأب) على يد العملاء... وأكبر دليل على ذلك، هو ما قدمه القائد العسكري Sanjorjo ، من شكر واعتراف لمرتزقة الحَرْكة الذين استُخدموا لضرب المجاهدين، اعتراف ظل منقوشا على لوحة تذكارية كانت مثبتة بمقدمة طريق شاطئ صاباديا بالحسيمة... وها هو اليوم يظهر نوع آخر من الاختراق تحت غطاء ماسمي بـ"المصالحة الوطنية " و"إعادة الاعتبار للريف ".. إلخ . .. فمع من سنتصالح؟ علما أن المصالحة ظاهرة إنسانية وحضارية.. غير أن أسطوانة المصالحة عندنا قائمة على شعار "إما أن تكون ‘المقدم‘ أو فإن اللعبة باطلة" فالمصالحة ينبغي أن تقوم على اعتراف صادق وصريح بتضحيات الريف وأبنائه من أجل التحرير .. فغيرهم هم الذين جلبوا العار والظلم والاحتلال والمهانة لهذه البلاد... وكذلك الأمر مع شعار "إعادة الاعتبار للريف ولأهله": فمن الذي سيعيد الاعتبار لمن؟! إنها جملة من المغالطات التي ما فتئت الزمرة الانتفاعية تطبل لها لحساباتها الخاصة... وانتقل الأستاذ إلى الثناء على أهل ثفرسيث قائلا: إن أجدادكم كتبوا تاريخا مشرقا، بدليل معارك ثفرسيث، هذا الاسم الذي انغرس في دواخلي منذ صباي، كما حدثني عنها بعد ذلك أيضا الزعيم نفسه بالقاهرة... لحظة تذكره للتقنية الرائعة التي قطع بها المجاهدون كل إمكانيات اتصال جنود العدو بمصدر إغاثتهم بمدينة مليلية .. هذا الحصار التاريخي الذي اضطر معه جنود العدو لشُرْبِ بُولهم !!!.. مكذبين بذلك ادعاء قائدهم سلفستري الذي توهم قرب تناوله للشاي ببيت الزعيم الخطابي... كما ثبت أيضا، يقول الأستاذ، أن ثفرسيث هي المنطقة الأولى التي استهدفتها الغازات السامة... بعد أن لقن المجاهدون للإسبان درسا بليغا في المقاومة مما اضطر معه العدو إلى الاستنجاد بأكثر من دولة أوربية تحت ضغط الهزيمة. هكذا ضُرب الريف بطائرات فرنسية متطورة وبالأسلحة الأكثر فتكا كالغازات السامة التي عُرفت لدى الألمان الذين شيدوا معملا لها وقتذاك بمليلية، كل ذلك، ضد حفنة من المجاهدين البسطاء الذين لم يكونوا مدعمين سوى بما هو أدبي ومعنوي من قبل بعض الدول المناصرة... مع أن ابن عبد الكريم لم يكن يعتمد على الجندي الذي يطلب البندقية والتّحْزيَمة الجاهزة، وإنما على الذي يغنم هذه البندقية والذخيرة بنفسه من العدو . واختتم الأستاذ مداخلته مذكرا، بما كان يرد على لسان الزعيم نفسه، من اعتراف وثيق بالدور الرائد الذي لعبته المرأة الريفية في المقاومة، وهي التي آزرت المجاهدين في كل مواقعهم وتنقلاتهم عبر خدمات ميدانية هامة، كإسعاف الجرحى ومداواتهم وتزويدهم بالمؤن.. وهو ما تؤكده بجلاء الملحمة الشعرية "ادهار أبران" : ... ثْجَاهْذَمْ سُفُوسْ انْخُومْ جَاهْذَنْتْ رَا اتِّينِيبَا رْمُونَثْ خُعْرُورْ انْسَنْتْ هْوَانْتِيدْ أَكّيــسُورَا وقد أوصى الأستاذ أحمد المرابط بضرورة انكباب الشباب على توثيق مختلف المعارك التي شهدتها مواقع تاريخية بالريف ضد المستعمر الغاشم، فالعبرة ليست في عدد قتلى المعارك، وإنما كيف نظل أوفياء لكتابة تاريخ آبائنا وأجدادنا المجاهدين بكل دقة وموضوعية بعد كل ما مسه من تشويه وتحريف.. وبذلك سنوجه ضربة قاضية لكل أعداء الحقيقة والتاريخ. أعقبت ذلك مداخلات الحاضرين كل من موقعه مؤكدة على أهمية التضامن والوحدة في مواجهة مختلف أشكال الغزو والاختراق، مع نبذ قيم التشتت والتفرقة، هذه التفرقة التي بقدر ما يزرع بذورها المخزن الحالي في مختلف المجالات بالقدر الذي يسعى فيه هو إلى استجماع قواه لاختراق وغزو ما تبقى من مناطق الضوء والأمل في ذاكرتنا التاريخية. وقد توقفت بعض التدخلات عند ما يحاك حول هذه الذاكرة من تشويش مقصود / نموذج ندوة "نزول عبد الكريم بمصر 47 " بمدينة الحسية يومي 04/07/29-28 التي تحدثت مصادر إعلامية عن الدعم الهام الذي تلقته من أعلى سلطة بالبلاد حام حوله مجموعة من الانتفاعيين المتخصصين في الأمر... في وقت لا تزال فيه مؤسسة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بأجدير ممنوعة من وجودها القانوني!! ومع ذلك فقد علمتنا الأحداث والتجارب الكثيرة ألا نستغرب، ما دمنا في بلاد المغرب. (من إنجاز : محمد الزياني، ثفرسيث في 04/07/25)
|
|