|
"نجوم العرب" الذين "يضيئون" "ظلمة" المغرب!!! بقلم: محمد بودهان عندما كتبنا في العدد 87 لشهر يوليوز مقالا بعنوان: "من يريد تحويل المغرب إلى ولاية تابعة للمشرق العربي؟"، فلم يكن ذلك غلوا ولا مبالغة، بعد أن جاءت وقائع جديدة تؤكد ذلك، أقوى من الوقائع التي قدمناها لإثبات ما قلناه. من بين هذه الوقائع الجديدة: 1 ـ نُظِّمت في نهاية يوليوز، بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، سهرة سمِّيت بليلة "نجوم العرب"، شارك فيها ونشّطها، كما تدل على ذلك تسميتها، "نجوم العرب" في الطرب والغناء. هل لا يوجد لدينا "نجوم" حقيقيون في الغناء والطرب لتنظيم سهرات فنية وغنائية، مثل رويشة، ملال، موحا أولحسين أشيبان (المايسترو)، فاطمة تاباعمرانت، عموري مبارك، الوليد ميمون، خالد إزري، وغيرهم ممن هم حقا نجوم، ليس داخل وطنهم المغرب فحسب، بل في العالم، مثل موحا أولحسين أشيبان الذي أعجب كثيرا بفنه الرئيسُ الأميركي الأسبق رونالد ريگان الذي سمّاه "المايسترو"؛ وهو اللقب الذي لا زال يحمله إلى اليوم منذ أزيد من عشرين سنة؟ أما إذا كان لا بد من حضور "نجوم" أجانب من خارج المغرب، فلماذا لم يُستدع "إيدير" و تاكفاريناس" و "ماسّا بوشافة" وآيت منگلّت وماركوندا... والذين هم نجوم أمازيغيون من الجزائر، مشهورون على الصعيد العالمي ولا يظهر أمامهم "نجوم العرب" سوى ككتل من الظلام الدامس الكثيف؟ إذا تأملنا "إبداعات" "نجوم العرب" وقارناها بكنوز وذخائر المبدعين الأمازيغ، سنتوصل إلى أن ما يضفي "النجومية" على هؤلاء الفنانين العرب الذين أُنفقت عليهم الملايين "ليمْتعوا" "برابرة" المغرب، ليس هو فنهم وغناؤهم الذي لا جمال فيه ولا سمو ولا فن، بل هو انتماؤهم العربي الذي يجعل منهم "نجوما" بالنسبة للمغاربة العرب الذين يعتبرون كل من ينتسب إلى العروبة نجما مضيئا وبطلا مغوارا، ولو كان سفّاكا للدماء وقاتلا للأرواح مثل كل الإرهابيين ذوي الأصول الوهابية العربية. فهؤلاء "النجوم" الذين تهافت عليهم أكثر من أربعين ألف مغربي بمركب محمد الخامس ليست لهم أية شهرة ولا أهمية داخل أوطانهم العربية حيث لا يحضر سهراتهم سوى عدد محدود لا يتعدى بضع عشرات. وهذا يؤكد ما قلناه من أن "نجوميتهم" بالمغرب لا يستمدونها من فنهم البئيس والمسفّ، بل من نسبهم العربي، تماما مثل "الشرفاء" الذين لا يساوون شيئا بالبلدان العربية، لكنهم يصبحون بالمغرب كائنات مقدسة وفوق بشرية. قد يقال إن استدعاء مثل هؤلاء "النجوم" يدخل في إطار انفتاح المغرب على ثقافات وفنون الشعوب الأخرى، وخصوصا الشعوب الصديقة و"الشقيقة" مثل الشعوب العربية التي يتفاعل مع ثقافاتها أخذا وعطاء، في تبادل مستمر للتأثير والتأثر. وهنا يطرح السؤال التالي: متى استدعي فنانونا الأمازيغيون، من المغرب أو الجزائر، للمشاركة في سهرة غنائية بمصر، أو العراق، أو الكويت، أو قطر، أو السعودية، أو اليمن، أو سوريا، أو الأردن، أو فلسطين...؟ بل هل يسمع ”الأشقاء“ العرب عن أسماء فنانين أمازيغيين مثل رويشة، علال شيلح، موحا ألوحسين أشيبان، ملال، فاطمة تاباعمرانت، تاكفاريناس، آيت منگلت... كما نعرف نحن أسماء كل مطربيهم ونحفظ حتى أغانيهم التي نتبارى في إتقان تقليدها في برنامج “فاصلة“ التي تبثه القناة الثانية لهذا الغرض؟ الجواب بالنفي طبعا. وهو ما يعني أن تنظيم مثل هذه السهرة ـ ليلة نجوم العرب ـ لا يدخل في إطار الانفتاح والتبادل والتفاعل الثقافيين بين المغرب والمشرق، بل هو نتيجة وتكريس للتبعية للمشرق، هذه التبعية التي أصبحت ساحقة وقاتلة في مجال الفن والغناء والسينما بفضل التلفزيون المغربي الساحق والقاتل هو أيضا. فليس هناك تبادل ثقافي وتفاعل حضاري بين المغرب والمشرق ما دام أن علاقة الفعل والتأثير تسير في اتجاه واحد، أي من المشرق إلى المغرب الذي يأخذ من الأول ولا يعطيه ـ باستثناء الجنس اللطيف ـ ويتأثر به ولا يؤثر فيه. إنها علاقة المريد بشيخه، بخصوص علاقة النخبة المغربية بالمشرق، كما شرحها وحللها الأستاذ ميمون أمسبريذ في مقال له بعنوان: "المغرب والمعنى"، المنشور بالعدد 71 من "ثاويزا". وحتى الكلام عن علاقة المغرب بـ"أشقائه" العرب كلام كاذب وبعيد عن الحقيقة والصواب، لأن العلاقة بين الأشقاء الحقيقيين تعتمد على التبادل والأخذ والعطاء والتعاون المشترك لمصلحة الجميع، عكس العلاقة بين المغرب والمشرق التي هي ذات اتجاه واحد لا تبادل فيها ولا تفاعل، ولمصلحة الطرف المشرقي الذي يستفيد وحده من هذه العلاقة. إنها علاقة التبعية العمياء والولاء البليد الأخرق. سيكون هناك تبادل وتفاعل، وأخذ وعطاء بين المشرق والمغرب عندما يعود المغرب مملكة أمازيغية، لها لغتها الأمازيغية وثقافتها الأمازيغية وغناؤها الأمازيغي وفنونها الأمازيغية، مثل ما هو حاصل في العلاقة مثلا بين تركيا أو إيران أو باكستان والشعوب العربية. 2 ـ نشرت بعض الصحف المغربية عريضة فردية تحمل عنوان: "وثيقة التمسك بحقنا في القدس"، تتضمن ما يلي: «أقسم بالله العظيم أن أظل وفيا لدماء الشهداء، متمسكا بكامل الحق التاريخي، رافضا لكل أنواع التنازلات مهما اشتدت الضغوط وكثرت التضحيات، معاهدا الله تعالى على مساندة الشعب الفلسطيني في صموده حتى يتحقق وعد الله. ولن يخلف الله الميعاد. وعليه أوقّع»، مع كتابة الاسم وتحديد الجنسية وبلد الإقامة. الوثيقة مرفوقة ببلاغ من سفارة فلسطين بالرباط يطلب من القراء ملء الوثيقة والتوقيع عليها وإرسالها إلى سفارة فلسطين «لتكون ملفا يعزز الموقف الفلسطيني في أية مفاوضات». لن أطيل هنا في التعليق على ما جاء في بلاغ سفارة فلسطين الذي يقول بأن الغرض من الوثيقة هو أن «تكون ملفا يعزز الموقف الفلسطيني في أية مفاوضات». إنه حقا شيء مضحك عندما نعرف أن الذي احتل فلسطين ـ إذا جاز أن نتحدث عن محتل ـ لم يستوْلِ عليها بجمع التوقيعات المساندة لمشروعه الاستيطاني، بل احتلها بالتفوق العسكري الذي يعكس تفوقا في الديموقراطية والعلم. قلت لن أطيل في التعليق على البلاغ لأن موضوع الملاحظات التالية هي الوثيقة/ العريضة وليس البلاغ. الوثيقة/العريضة تدخل في إطار التضامن مع الشعب الفلسطيني ومساندة الحق العربي في مواجهة إسرائيل. وهذا التضامن قد يبدو شيئا عاديا وطبيعيا بين شعوب "شقيقة" تجمعها العروبة والإسلام. ليس هناك إذن أي مشكل من هذه الناحية التضامنية العربية. لكن لا ننسى أن كلمة "تضامن" هي مصدر لفعل "تضامن" الذي يتكون من "ألف" المشاركة، أي أن "التضامن" يعني التعاون والتشارك وتبادلا للتضامن بين عدة أطراف، التي هي هنا العرب والمغاربة. فهل هذا صحيح؟ وهل هذا هو مضمون "التضامن" بين المغاربة و"أشقائهم" العرب؟ لنفرض أننا وجهنا نفس الوثيقة/العريضة للقراء العرب بالمشرق مع تغيير لكلمتي القدس وفلسطين بمليلية وسبتة المحتلتين من طرف إسبانيا. فهل سنجمع توقيعات على هذه الوثيقة تضامنا للعرب مع مغربهم "الشقيق" في حقه لاسترداد مدينتيه المغتصبتين؟ بل هل ستنشر الصحف العربية مثل هذه الوثيقة كما نشرت الصحف المغربية وثيقة السفارة الفلسطينية؟ وإذا عنونا الوثيقة بـ"وثيقة التمسك بحقنا في الصحراء"، هل ستنشرها الجرائد العربية ويوقعها القراء العرب، تأييدا لحق المغرب في صحرائه، حتى تكون تلك التوقيعات «ملفا يعزز الموقف المغربي في أية مفاوضات»؟ طبعا سيكون من باب الخيال والمستحيل انتظار مثل هذا التضامن المكتوب مع حق المغرب في صحرائه وفي استرداد مدينتيه المحتلتين من طرف إسبانيا. فقد رأينا كيف كان موقف العرب متخاذلا عندما غزت إسبانيا جزية "تورا" المغربية، بل كان هناك من العرب من أعلن تضامنه مع إسبانيا بلا حياء ولا خجل، وجهرا وعلانية وليس سرا ولا خفية. كما نعرف كذلك أن بعض الدول العربية هي التي خلقت جبهة البوليساريو وظلت تمولها لضرب وحدة المغرب الترابية. إذن لماذا يطلب منا العرب أن نتضامن معهم في قضاياهم العربية في حين يخذلوننا ولا يساندوننا في قضايانا المغربية رغم عدالتها ومشروعيتها؟ لماذا نتضامن ونساند من لا يتضامن معنا ولا يساندنا؟ إلى متى سيظل المغرب يقدم الخدمات المجانية لقضايا العرب الذين لم نجن مما نقدمه لهم من خدمات سوى الإرهاب والتطرف والتخلف؟ ألم يحن الوقت بعدُ لوضع حد لهذه التبعية المهينة التي حولت المغرب إلى خادم مطيع للمشرق، يعمل جاهدا على حل مشاكل العرب التي تسببوا فيها هم أنفسهم؟ لقد تعبنا واستُنزفنا من كثرة خدامتنا للعرب، لغة وثقافة ودينا وسياسة، دون أن نتلقى في المقابل سوى الاستعلاء والاستكبار ونكران الجميل. ألم يحن الوقت للنتفرغ لمشاكلنا وقضايانا ونخدم مغربنا وبلدنا الأمازيغي ونبتعد عن مشاكل العرب التي هي سبب ما انتشر عندنا من تخلف فكري وإرهاب أصولي وتطرف ديني؟
|
|