|
|
تعدد اللهجات الأمازيغية وسؤال التوحيد والمعيرة بقلم بوغانم خالد (آيت يطف، الحسيمة( تعقيب على رد الأستاذ عبد النجيم المرابط تحت عنوان "تعقيب على مقالات بوغانم خالد وحميدي علي"، بادر الأستاذ عبد النجيم المرابط إلى الرد على مجوعة من النقط التي وردت في بعض المقالات التي نشرت على صفحات "تاويزا"، والتي تحمل توقيع اسمي واسم الأستاذ حميدي علي.. إنها مبادرة يستحق عليها المرابط كل التنويه وكل التشجيع؛ لم لا والأمازيغية في أمس الحاجة إلى مثل هذه النقاشات الأمازيغية الجادة والمفيدة. وفي هذا الإطار (إطار النقاش الجاد والمفيد) الذي فتحه الأخ المرابط، سأعود إلى توضيح بعض الأفكار التي تطرق إليها في سياق تعقيبه على مقالتي: "الأمازيغية تجتاز حدودها الجغرافية" و"كيف نميز الاسم المؤنث عن الاسم المصغر والاسم المذكر عن الاسم المكبر؟". بين الراء المرققة والراء الفخمة: في حديثه عن نطق حرف R في لهجة الريف، يرى الأستاذ المرابط أن الراء غير المكررة، أو الراء المرققة على حسب تعبيره، أصلها لام. ويعطي لنا مثال الفعل Yuri الذي تحول من Yuli. ويضيف بأن Yuri تختلف عن Yura و Yuru قبل أن يخرج بخلاصة عامة مفادها أن أمازيغية الريف تتميز بوجود رائن »إحداهما مرققة غير أصلية، محورة من اللام ولا تقصى من الكلام، وراء أخرى مفخمة أصلية ينطقها كل سكان تامازغا وغالبا ما تقصى في وسط وآخر الكلام في الريف، مثال: Aserrur تنطق Aserru بالريف«. هنا أبدي الملاحظات التالية: ـ الراء، حسب معرفتي، في لهجة آيت الريف لا تقصى في وسط الكلمة وآخرها إلا في مناطق محدودة، قبيلة آيت ورياغل على الخصوص. بينما نجد جل قبائل الريف تذكر هذه الراء كقبيلة آيت يطف، إبقوين، آيت مزدوي، آيت يزناس، وغيرها من القبائل. ـ ليست كل قبائل الريف تحول اللام إلى راء. فليطلع الأستاذ المرابط على لهجة آيت يزناس، وكذلك بعض سكان آيت يطف في الكلمات الأمازيغية أو الدخيلة التي تبتدئ باللام كـ "لالّا"، لعافيت، لمخزن… ـ إن الراء غير الأصلية ليست الراء غير المكررة أو "الراء المرققة"، وإنما على العكس من ذلك، فالراء المكررة أو "المفخمة" هي التي تعوض باللام في اللهجات الأمازيغية الأخرى. أمثلة على تحول R إلى L: لهجة الريف اللهجات الأمازيغية الأخرى Amzirv (الحداد) Amzil Urv (القلب) Ul Amarvu (الظل) Amalu Amezvrvud (الفقير) Amzvlutv Turrvi (طلعت) Tuli بينما الراء التي تنطق مرققة في لهجة الريف تترك كما هي، أمثلة: Tira (الكتابة) ـ Tabrat (الرسالة) ـ Adrar (الجبل) ـ Ameqran (الكبير، Ameqqur) ـ Ajru (الضفدع، Agru). ويحدث في بعض اللهجات الأمازيغية أن تفخم الراء التي تنطق مرققة في جل لهيجات الريف، أمثلة: Afighar (ثعبان) = Afigherv ـ Asardun (البغل) = Aserdvun ـ Ur (للنفي) = Urv. وانطلاقا من هذه الأمثلة يتبين لنا أن R المفخمة أو المكررة هي التي تتحول إلى لام في اللهجات الأمازيغية الأخرى، بينما يحتفظ بالراء المرققة أو الغير المكررة في باقي اللهجات كما ينطقها أهل الريف. وأحيانا في بعض اللهجات يتم تفخيم هذه الراء المرققة (القبائلية، الأطلس على وجه الخصوص) من هنا فالراء التي تنطق مفخمة عند آيت الريف هي التي تتحول إلى لام وليست الراء المرقة كما ذهب إلى ذلك الأستاذ المرابط. أفراض وأفلاض: والواضح أن المرابط حينما نادى بكتابة Afradv بـ Afladv أو Afrvadv لتمييزها عن Afradv التي تعني "الزبل، النفايات" قد فهم بشكل جيد بأن الراء في Afradv هي راء مفخمة. لكنني لا أدري ما الذي جعله يتمسك بالقول بأن Afrvadv »راؤها مرققة«. أما بخصوص استبعاده أن تكون هذه الكلمة من أسرة Froid و Frio… فهو ما لم أستطع أن أبين له مبررا واضحا، مع أننا نرى أن جذر هذه الكلمات واحد، ولا يختلفان إلا حينما يتحول R إلى L في اللهجات الأمازيغية الأخرى. لكنني مع ذلك أفهم من الأستاذ، من خلال المقدمة التي وضعها قبل أن يصدر حكمه الذي بموجبه يجعل من Afrvadv كلمة بعبدة عن Froid و Frio، أفهم من الأستاذ بأن الفرنسيين والإسبان لو أخذوا هذه الكلمة من الأمازيغية، لكانوا أخذوها كما كانت مستعملة في الأصل أيام كانت الأمازيغية واحدة. وبالتالي كانوا ينطقونها بـ L (Floid, Flio)، على اعتبار أن L هي الأصل في اللغة الأمازيغية وليس R. وإذا كان هذا هو المراد الذي ابتغاه الأستاذ المرابط من خلال تعليقه، فإنني أسأله عمّا إذا كان قد قام بدراسة دياكرونيكية أثبتت له بأن وجود هذه الكلمة في اللغة الفرنسية والإسبانية (أو بالأحرى اللغة اللاتينية) قبل أن تنشطر اللغة الأمازيغية وتتوزع إلى لهجات ولهيجات؟! فمن يدري إن كانت قد انتقلت هذه الكلمة إلى هاتين اللغتين من لهجة الريف، خاصة إذا استحضرنا القرب الجغرافي لمنطقة الريف من أوروبا!! إنني في مقالتي "الأمازيغية تجتاز.." لم إقرّ إقرارا ثابتا بأمازيغية هذه الكلمة. لكن هذا لا يمنعني أن أضع احتمال أن تكون أمازيغية، لا لشيء إلا لأنه توجد كلمات أخرى تدل على معنى "البرد القارس" كـ Aqraf و Tesmedv و Arvamus، أو أنها (أي Afrvadv) غير معروفة لدى الناطقين باللهجات الأمازيغية الأخرى. وقبل أن أختم الكلام عن هذه الكلمة، أذكّر الأستاذ المرابط أن Afrvadv (أو Afdvarv كما ينطقها البعض) لا يعني البرد القارس، ولا يقابل Aqraf المتداولة في الأطلس، وإنما Afrvadv هو البرد الذي يلحق ويمس اليدين والرجلين دون غيرهم. كلمة » ”خوش “: بالنسبة لكلمة Xuc فأنا لم أذكرها في مقالتي "الأمازيغية تجتاز…" بأنها تعني "ادخل" في الأمازيغية. ما أشرت إليه هو أن Xuc المصرية التي تفيد معنى "ادخل" تقترب من Dexxec التي تستخدم في أمازيغية الريف. وذكرت بأن Advexxec لا يدل على دخول عادي كما تدلان عليه الكلمتان: Adaf، Akcam/akeccum. وإنما هو دخول تنتفي فيه الإشارة الأخلاقية (كطلب الاستئذان من صاحب المحل مثلا). وينتهك فيه صاحب الحشمة والوقار، وكل القيم الأخلاقية. وأما أن يحكم صاحب التعقيب على هذه الكلمة بالإقصاء من المعجم الأمازيغي، فإنني لا أراها من باب المعقول في شيء. بل وأكثر من ذلك، فافتراضه أن تكون Dexxec هي "ادخل" العربية، بعدما »استحالت اللام راء، فجيما، ثم شينا« هو افتراض لا ينأى كثيرا عن تلك الافتراضات التي يولدها ويبدعها مروجو القومية العربية لجعل الأمازيغية فرعا من فروع اللغة العربية.. وأنت تعلم جيدا، الأستاذ المرابط، كيف تحول التحريض السياسي من طرف بعض زعماء هذه الفكرة إلى تحريض فكري. وقد بلغك من دون شك خبر تشكيك صاحب ”الكتاب الأخضر“ من داخل الحرم الجامعي بالقاهرة (منبر العقل والحرية!؟) في جنسية "شكسبير" مؤكدا على أنه مواطن عربي اسمه "الشيخ زبير" وأن أميريكا سميت على اسم أمير عربي هو الأمير كا. فأن تتحول اللام إلى راء في أمازيغية الريف، فأنا متفق معك طولا وعرضا، لكن ان تقع ثلاثة تحولات في الحرف الواحد، وداخل لهجة واحدة (أي دون أن يكون تحول في كل لهجة)، فهذا هو الذي لا أتفق معك بخصوصه. وإن كنت تظن أن ما ذهبت إليه هو على صواب، فأت لي بكلمة دخيلة طرأت عليها هذه التحولات الثلاثة التي ذكرتها. وإني أركز على هذه التحولات الثلاثة: L إلى R إلى J إلى C. لأنه في حدود اطلاعي على التغيرات الصوتية في اللغة الأمازيغية، لا أعرف إن كان هناك تحول من R إلى J أو من L إلى J. ما أعرفه هو أن تتحول L إلى DJ وليس إلى J، أمثلة: Amellal (أبيض) تتحول إلى Amedjar (لهجة آيت مزدوي) ـ Yella (فعل الكينونة) تتحول إلى Yedja وأن تتحول R إلى DJ، أمثلة: Urvuf (الطلاق) تتحول إلى Yedjef (طلق) ـ Teghrviy (غربت) تتحول إلى Aghedjuy (الغروب). وكقاعدة، فالصوامت: Dj R- L تتناوب في اللهجات الأمازيغية، ويحل كل واحد محل الآخر دون أن تتغير معنى الكلمة التي يتم داخلها التغيير. أما عن حديثه عن وجود كلمة Xuc في الأمازيغية والتي تستعمل في لغة الصغار بمعنى Ttves (نم)، فأعتقد أنه يقصد Xucca: هكذا تنطق عند الكبار حين يأمرون صغارهم على النوم. في زمن الماضي: Ixucca، وفي زمن الاستقبال: Ad ixucca وفي الحاضر Itxucca. والمصدر الذي نشتقه من هذا الفعل: Axucci. كلمة ”المنجل“: كلمة أخرى تطرق إليها الأخ المرابط وهي Amjar ومشتقاتها. ومما فهمت من مقارنته لها بالكلمة العربية: "منجل" هو أن Amjar تبتعد عن "منجل" والسبب في نظره أن »Amjar Amgwer Asemaw كلمات امازيغية من فعل Imjar، Imger، مصدرها Tamegra. أم "منجل" فهو اسم آلة في اللغة العربية على وزن "مفعل" وفعله "نجل"«. إن ما أودّ أن أنبه إليه الأستاذ المرابط بخصوص هذه الكلمة، هو وجوب التمييز بين المادة المعجمية أو جذر الكلمة، وبين الأوزان أو القوالب التي توضع فيها هذه المادة المعجمية… فلك لغة أوزانها وقوالبها قد تخصها هي دون غيرها من اللغات. وهذه الأوزان والقوالب ما هي إلا طريقة من بين الطرق الكثيرة التي بها يتم إيجاد ألفاظ جديدة (Néologie).. ولكل لغة طرائقها وأنظمتها في إيجاد وتوليد أكبر عدد من الكلمات من الجذر الواحد أو بإدماج كلمتين في كلمة واحدة Agglutination، حنى وإن كانت الكلمة أو الكلمات دخيلة من لغة أخرى. وتختلف اللغات في هذا الشأن من حيث اعتمادها في إيجاد كلمات جديدة على الأوزان الجاهزة، أو على التركيب المزجي أو… سأعطي بعض الأمثلة التي تبين كيف يتم تكييف اللغة العربية والأمازيغية وفق قوالبهما وأوانهما الخاصة. 1 ـ Fabriquer فعل أخذته العربية من الفرنسية، فاشتقت منه الكلمات التالية: مفبركة، فابريكات، فبركة.. (فكما تلاحظون، هذه الكلمات فقدت خصوصياتها وأخذت أوزانا جديدة تبتعد عن الأوزان المعروفة في اللغة الفرنسية). 2 ـ Télévision كلمة فرنسية تحولت في اللغة العربية إلى: تلفزة، متلفز. 3 ـ "بنى" فعل عربي. لننقله إلى الأمازيغية: Yebni, Abennay, tabennayt. من هنا فلا يمكننا ان نقول بأن "تابنّايت" كلمة أمازيغية المعجم، لأنها جاءت على وزن Tameggayt. ومثل "تابنايت" نجد: تانجارت، تاخرازت، تاعطارت، تافلاحت وغيرها. لهذا فوزن "مفعل" غير كافٍ لاستبعاد كلمة "منجل" من "أمجار" الأمازيغية. الاسم المؤنث والاسم المصغر: والآن، أنتقل إلى تعقيب الأستاذ المرابط على مقالة "كيف نميز الاسم المؤنث عن الاسم المصغر، والاسم المذكر عن الاسم المكبر؟" لقد ذكر صاحب التعقيب في مستهل تعقيبه، وبما يشبه اللوم، أن أية محاولة لاستنباط قاعدة نحوية أو فونيتيكية، لا تكون سليمة ما لم يراعَ فيها الاختلافات التي قد تظهر بين لهجة أمازيغية وأخرى. بعدها أخذ كلمتي Ifri و Tasghart كمثالين لتأكيد مذهبه هذا. لكن، قبل الشروع في توضيح ما يجب توضيحه من الأفكار، أرى أنه من الضروري تذكير القارئ بالسياق الذي جاءت فيه هذه الأفكار حتى يكون على بينة من ذلك. إن تعقيبه على الكلمتين السالف ذكرهما جاء ردا على الملاحظة التي أوردتها في مقالتي، والتي مفادها أن "محاولة تأنيث بعض الأسماء او تصغيرها قد تطرح لنا مشكلة" (اتظر مقال: "كيف نميز بين الاسم المؤنث عن الاسم المصغر والسم المذكر عن الاسم المكبر؟" بالعدد 47 من "تاويزا). والخلاصات التي يرمي إلى الوصول إليها الأخ المرابط، وإن بشكل ضمني، لكنه لم يصرح بها علنا أو بشكل واضح هي: ـ إن القاعدة العامة لتصغير الأسماء هي قاعدة ثابتة ولا تطرح أية مشكلة بخصوص الخلط المعنوي المحتمل وقوعه بين كلمتين مختلفتين من حيث المضمون، متحدتين ومتفقتين في الجذر، وأحيانا في مجموع مكوناتها الصوتية (صوامت + صوائت)، كما نجده في Tasghart التي تعني "المحراث الصغير". وفي نفس الوقت تفيد معنى: "الحق ـ النصيب". و Tifrit التي تعني "الغار الصغير" كما تعني "الورقة". وللخروج من هذه المشكلة، حسب المرابط، ما علينا إلا اللجوء إلى اللهجات الأخرى. بالنسبة لـAsghar، يرى أنها تعني لغويا: "الحطب" »وعند آيت الريف تطلق على المحراث: Awullu لأنه مصنوع من عود الشجر«. ومبرره في ذلك أن الكلمة تقترب من Azeqqur التي تعني "جذع الشجرة اليابس" و »تصغير Asghar هو Tasghart وتعني مجازا القرعة، القسمة، لأن من عادة آيت الريف في القرعة الإتيان بـ Tasghart: عود رقيق أو Akeccudv لتحديد نصيب كل فرد مشارك في القرعة«. والنتيجة التي يمكن استخلاصها من خلال تحليله لهذه الكلمة، ومن خلال المقدمة التي ابتدأ بها حديثه حول الكلمتين الآنفة ذكرهما، أن Asghar و Tasghart لا يمكن أن تدخلا المعجم الأمازيغي بالمعنى المتفق عليه في الريف، لسبب ارتباطهما بمعنى: "الحطب". وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليهما في ملاحظة ظاهرة نحوية، إلا إذا أرجعنا معناهما إلى الأصل الأول والذي يتمثل في معنى "الخشب، الحطب". ربما هذا هو رأي الأستاذ المرابط في فهمه للأمور. وهو رأي محترم على أية حال وينمّ عن اجتهاد صاحبه وركوبه المركبة التي لا يمتطيها إلا من بقلبه الشعور بضرورة الرقي بالأمازيغية إلى المرتبة التي تستحقها. وهذا حتما لن يتأتى إلا بالعمل والمثابرة والتضحية والنبش في تاريخ وجغرافية مجموع مناطق تامازغا دونما استثناء ودونما أي تمييز بين جبالها وسهولها، تلالها وهضابها، وديانها وبحارها. ومع رأيه واجتهاداته وآراء واجتهادات كل الغيورين على هذه الحضارة/الهرم، أكيد ومؤكد أن لغتنا لن تسير إلا أمام. أعود إلى كلمة Asghar وإلى ما قاله الأستاذ المرابط بخصوصها. يقول بأن Asghar من أسرة Azeqqur التي تعني »جذع الشجرة اليابس«. هنا أرد عليه وأقول له بأن Azeqqur هي في لهجة الريف تعني "الجذع" وكفى. وقد يكون الجذع يابسا أو أخضر لشجرة او لغير شجرة. اما بخصوص القضية الجوهرية لإيراد هاتين الكلمتين: Asghar, tasghart، فإن الباحث لم يقدم تحليلا واضحا وشفافا يقوم من خلاله بإبراز الفكرة التي وضعها في مقدمته، وتقديم مبررات على ذلك. فهو حينما أراد أن يتجاوز فكرة "كلمة واحدة ذات صيغتين مختلفتين: صيغة التأنيث ـ صيغة التصغير"، نراه يقدم لنا كلمة أخرى ومن لهجة أمازيغية أخرى لتقوم مقام كلمة Asghar وهي: Awullu، كي نزيل الخلط الذي قد يقع بين Tasghart ككلمة مصغرة و Tasghart ككلمة مؤنثة. ونسي او انه تناسى أن Asghar، وحتى إن سلمنا أنه مشتق من Azeqqur أو من أسرته، تبقى كلمة معجمية أمازيغية وتعني "المحراث". بل أكثر من ذلك فلفظة Asghar لم تعد تحيل إلى أي تصور من طرف المتكلم أو المتلقي غير "المحراث". لهذا فـAsghar بالنسبة للمتعلم للأمازيغية تعني "المحراث" ولا تهمه أن تكون مشتقة من Azeqqur أو أن معناها كان في السابق هو "الحطب". فهذه مهمة الباحث الإيتيمولوجي. وأنا حينما جئت بهذه الأمثلة لم أكن أهدف البحث عن الجذر التي منها اشتقت هذه الكلمة أو تلك. ما كنت انوي فعله هو تقديم درس نموذجي قد يكون المتلقي له طفلا في السابعة او الثامنة من عمره وقد يكون تجاوز ذلك. ونحن إن أخذنا بما ينوي الباحث الوصول إليه، فإننا قد نقصي من الحسبان الكثير من الكلمات، لا لشيء إلا لأنها ترتبط بمعنى سابق كارتباط Asghar بمعنى "الحطب والخشب". لنأخذ مثال Afa (النار) التي تجد أصلها في كلمة Tafuyt (الشمس) لأن الإنسان تعرف على الشمس قبل أن يتعرف على النار، وهي الفكرة التي أكدها المرابط نفسه في رده على الأستاذ حميدي علي. فهل بإمكاننا أن نقصي Afa من المعجم الأمازيغي لأنها ترتبط بكلمة سبقتها في الوجود، وهي Tafuyt؟ إننا إذا أقدمنا على مثل هذه الفعلة سنكون قد وقفنا في طريق تطور اللغة. ليس اللغة الأمازيغية فحسب، وإنما كل لغات المعمور، لأن كل اللغات اعتمدت هذه الطريقة من أجل إغناء معجمها وتطورها. أما بخصوص وجود كلمات أخرى تقوم مقام Asghar في اللهجات الأمازيغية الأخرى، فهذا لا يزيد المعجم الأمازيغي إلا إثراء وإغناء. وهذه الظاهرة لم تكن أبدا حصرا على لغة دون أخرى. وتعرف هذه الظاهرة في العربية بالترادف. "والترادف" فيها »هو في حقيقته معجم عدة لغات نظمت في سلك واحد، هو العربية… وقد ذهبوا يحصون أسماء السيف مثلا، ويقولون إنها خمسون، وبالمثل أحصوا أسماء الأسد والفرس والبعير، وأمدتهم الاختلافات اللغوية بين القبائل بمدد لا ينفذ أو بعبارة أدق لا يكاد ينفذ في ذلك كله«(1). وفي نفس السياق يقول الجاحظ في "البيان والتبيين": »القمح لغة شامية، والحنطة لغة كوفية، والبر لغة حجازية«(2). لذلك فلا داعي لأن نقوم يتدمير لغتنا بأيدينا. فيكفيها ما عانته طوال القرون والسنين التي مضت. ويكفيها الآلات الجرافة المخزنية التي تطاردها في كل مكان وزمتن. ومن المؤكد أن هذا الثراء والتنوع اللذين يسمان اللغة الأمازيغية، إن لم ينفعاها، فلا يضرانها في شيء أبدا. ”تيفريت“ و ”تيفارت“: فيما يتعلق بتحليله لكلمة Ifri، يبدو الأخ المرابط أكثر وضوحا في دفاعه عن فكرته التي شكك في إمكانية وجود كلمة بصيغتين ودلالتين مختلفتين. فهو يقول بأن Tifrit لا تنطق بهذا الشكل إلا في الحسيمة »لأن "الورقة" تسمى Tifart وتكبيرها Afar وجمعها Tifray وقد تنطق عند البعض Tifarct«. قبل إبداء وجهة نظري بشأن الفكرة الجوهرية التي تطرق لها الأستاذ المرابط سأسجل بعض الملاحظات الجانبية: ـ Afar ليس تكبيرا لـ Tifart، لأن عملية الانتقال من الاسم المؤنث إلى الاسم المكبر تتم بإزالة التاء التي تبتدئ بها الكلمة والتاء التي تنتهي بها. لذلك فتغير الصائت الذي يلي التاء الأولى بصائت آخر غير وارد في اللغة الأمازيغية. وعليه فإن تغير I في Tifart إلى A أثناء تكبيرها Afar قاعدة تخرج عن القاعدة. ـ أما النقطة الثانية، فأنبه فيها الأستاذ إلى التمييز بين Affar (جناح)، وهي كلمة مفردة ومذكرة أصلا (أي ليست مكبرة)، وتصغيرها Taffart (جناح صغير)، وبين Affar (أوراق الشجر، ورقة الشجر)، التي تستعمل للدلالة على المفرد ولاجمع معا. فالأمر إذن يتعلق يكلمتين مختلفتين في دلالتهما وفي صيغتهما: ـ الكلمة الأولى Affar بمعنى "جناح" (جناح عصفور، جناح دجاجة)، تصغيرها Taffart وجمعها: Tafriwin/afriwen. ـ الكلمة الثانية Affar بمعنى: ورقة/أوراق (أوراق الشجر). وتستعمل الكلمة مفردا وجمعا على غرار Imendi )الشعير)، Aman (الماء)، Aghrum (الخبز)، Advu (الريح). أما Tifrit فهي كلمة مؤنثة أصلا. وتختلف عن كلمة Affar في كون هذه الأخيرة يؤتى بها للدلالة على المفرد والجمع معا. بينما تجمع كلمة Tifrit على Tifray. Tifray لا تطلق في الريف إلا على "أوراق شجر التين". ولا يمكن أن نطلقها على "أوراق الزيتون" Tifray n uzemmur أو على "أوراق البرتقال". بل نقول Affar n uzemmur, Affarn lletcin. من هنا فـ Tifrit ليس تصغيرا لـ Affar لأن Tifrit أكبر حجما من Affar وقد انتقل معنى Tifrit من الدلالة على "ورقة شجرة التين" إلى الدلالة على الورقة التي نكتب عليها. وأعتقد أن هذا الانتقال قد تم من طرف الذين لهم إلمام باللغة العربية لأن العرب يطلقون "الورقة" على الإثنين معا. وتحتفظ الأمازيغية، ومعها الدارجة المغربية، بلفظة Lkighedv للدلالة على الورق. وهذا معناه أن الأمازيغ قد اكتشفوا الورق في فترة جد متقدمة، وأنهم لم يكتفوا بالنقش والكتابة على الحجر، كما قد يتوهم البعض، وإنما كتبوا أيضا على الورق. أما النقطة الجوهرية والأساسية التي توسل بها الأخ المرابط للدفاع عن فكرته، فهي لا ترقى إلى بلوغ منزلة الإقناع العلمي. ففي نظره كلمة Tifrit، لا يمكننا الأخذ والاستدلال بها في ملاحظة ظاهرة نحوية، لا لشيء إلا لأن استعمالها لا يشمل كل اللهجات الأمازيغية، في الوقت الذي نراه يدافع عن Tifart وكأنها هي الأصل، رغم أنها تعاني من الخصاص نفسه. وإني حينما أدافع عن لفظة لا تختلف في جذرها عن لفظة مماثلة في لهجة أمازيغية أخرى (مع تغيير في بعض صوائتها)، فإني لست من الذين يدعُون إلى القبول بالفكرة المخزنية التي تروم تقسيم وحدة الثقافة واللغة الأمازيغية. كل ما أتطلع إليه ويتطلع إليه كل الغيورين على هذه اللغة، الوصول إلى الطريفق الذي يؤدي إلى التوحيد. والأستاذ المرابط، إذا كان يعتبر تغير الصوائت في الجذر الواحد، دون أن يكون هناك اكثر من معنى، عيبا من العيوب التي تلحق اللغة، فأكيد أنه ما زال يبتعد عن النقطة التي يجب أن ننطلق منها لتوحيد الأمازيغية بكيلومترات عديدة. فالاختلاف في الصوائت، أو في الحركات كما يسميها العرب، هي قضية واردة في اللهجات الأمازيغية. ولا أرى أنها تطرح مشكلا كبيرا بخصوص توحيد الأمازيغية. لكن ليس من السهل أن نحكم على لفظة بالإقصاء ونحتفظ بلفظة أخرى لا تختلف مع الأولى إلا في اختلاف الصوائت أو الحركات. لا أتكلم هنا عن لفظتي Tifrit و Tifart اللتين شكلتا المثال النموذجي للأخ المرابط للدفاع عن تصوره السالف الذكر، وإنما كلامي يشمل كل الكلمات التي تشترك في الجذر وتختلف في الصوائت. ولي حول كلمتي Tifrit و Tifart كلام آخر سيأتي بعد الفراغ من مناقشة هذه الفكرة. والأمثلة في هذا السيلق كثيرة ومتعددة نذكر على سبيل المثال Tawiza = Tiwizi ـ Aydi = igdi وغيرها. من هنا فالباحث لا يمكن أن يحكم على Tawiza بأنها هي الصحيحة او العكس دون أن يكون حكمه هذا مبررا تبريرا علميا. وعليه فإن Tawiza و Tiwizi ستدخلان حلبة المنافسة، والفائزة منهما هي التي تفرض نفسها على مستوى الاستعمال (الكتابات الصحفية، الإبداعات…). ولا أرى عيبا أن تنتهي المنافسة بانتصار الإثنين معا. وهذه الظاهرة موجودة في لغات أخرى غير أمازيغية. يقول أحمد فارس في كتابه "الصحابي" محاولا أن يضبط اختلاف لهجات العرب: »اختلاف لغات العرب من وجوه: أحدهما الاختلاف في الحركات كقولنا نستعين بفتح النون وكسرها، قال الفراء هي مفتوحة في لغة قريش وأسد، وغيرهم يقولون بكسر النون… ووجه آخر، الاختلاف في الحركة والسكون مثل قولهم معكم بفتح العين وتسكينها.. ومنها الاختلاف في الزيادة نحو انظر وانظور«(3). وقال ابن غارس إنه »يقع في الكلمة الواحدة لغتان، كقولهم الحصاد بكسر الحاء وفتحها، ويقع في الكلمة ثلاث لغات نحو الزجاج والزجاج بضم الزاي وفتحها وكسرها، ويقع في الكلمة أربع لغات… ويكون فيها خمس لغات نحو الشمال والشمل والشمأل والشميل«(4). وقد كان لاختلاف اللهجات العربية صدى على مستوى قراءات القرآن الكريم »فمثلا في قوله تعالى: "فنظرة إلى مسيرة" قرأ الجمهور نظرة بكسر الظاء وهي لغة قريش، وقرأ مجاهد والضحاك نظرة بسكون الظاء وهي لغة تميم. وقال جل ذكره: "ورضوان من الله أكبر" وقرئت رضوان بكسر الراء وهي لغة الحجازيين وقرئت بضمها وهي لغة تميم وبكر…«(5). والخلاصات التي يمكن أن نستنتجها من كل ما قيل حول هذه القضية هي كالتالي: 1 ـ إن كل تغير في الصوائت داخل الجذر الواحد دون أن يكون هناك تغير في المعنى، هي في نظري ظاهرة صحية في الأمازيغية، ولا تطرح أية مشكلة بالنسبة لتقعيدها. تطرح لنا بعض الإشكالات إذا ما نحن تعاملنا مع بعض الكلمات كما تنطق شفويا. أمثلة: Tifrit هكذا تنطق، لكن كتابتها بهذه الصيغة تقودنا إلى التساؤل عن مصدر الشبه الصائت Y الذي سيظهر في الجمع Tifray. فصيغة الجمع كشفت لنا عن غياب Y في Tifrit والذي يعتبر أحد العناصر المكونة لجذر الكلمة F.R.Y. من هنا فالكتابة الصحيحة لهذه الكلمة هي Tifrit ككلمة مصغرة وtifriyt ككلمة مؤنثة. لكن على مستوى الكتابة فقط، أما على مستوى النطق، فيبقى الإشكال قائما لتتابع الصائت I وشبه الصائت Y اللذين يتشابهان كثيرا أثناء عملية النطق. ونفس الشيء يقال بالنسبة للكلمات التالية: النطق الكتابة الجمع Tibeqqay Tabeqqiyt Tabeqqit Iritay Aritiy Ariti Tiyta Tiyti Titi ملاحظة: تحول Y في لهيجة الحسيمة إلى C في جل لهيجات قبائل الناظور سيساعدنا على كتابة الكلمات التي يقع فيها هذا التحول بشكل يسهل عليها عملية العبور من الطابع الشفوي العفوي إلى الطابع الكتابي المعقلن. أمثلة: Tabeqqit = Tabeqqect = tabeqqiyt Titi = ticti = tiyta بقسي أن أشير إلى أنه تستعمل كلمة Affar في لهجة الريف للدلالة على: أوراق الأشجار، وريقة الأشجار. وتدل في نفس الوقت على الجناح (جناح طائر، طائرة، دجاجة..). أما عن Affar التي تستعمل للدلالة على "الجناح"، فأصلها Afriw تماما كما تتداول حاليا في لهجة الأطلس. ودليلي في ذلك حضور الشبه الصائت W أثناء وضع الكلمة في صيغة الجمع: Afriwen لأنه لو كانت Affar هي الأصل لكنا جمعناها على Affaren وليس Afriwen. كلمة ”تامزييذا“: فيما يرتبط بتعقيب الأخ المرابط على مقالات الأستاذ علي حميدي، أتوقف معه عند لفظة Tamzegida. يرى المرابط بأن Tamezgida، إذا أخذنا بعين الاعتبار التغيرات الصوتية التي طرأت على بعض الحروف، ترجع في الأصل إلى اللفظة العربية: "المسجد". وهذه الكلمة ـ حسب الأستاذ المرابط ـ إلى جانب كلمات أخرى كـ Tazvallit, Azvummi… لها علاقة بديننا الحنيف. ويضيف بأنها انتقلت عن طريق الأمازيغ إلى إسبانيا Mesquita ثم إلى فرنسا Mosquée. وإذا كنت اتفق مع المرابط في الأصل الواحد لهذه الكلمات كلها، فإنني أضع بالمقابل تساؤلا يرتبط بالأساس بصيغة الألفاظ، إذ أن الأمازيغ والأوروبيين يستعملون الكلمة في صيغة التأنيث Tamezgida, mosquée, mesquita. وهذا الاختلاف بين العربية والأمازيغية من جهة، وبين العربية واللغتين الإسبانية والفرنسية من جهة أخرى، يجعلنا نخرج بالاستنتاجات التالية: ـ إن الأمازيغ كانوا أكثر ارتباطا بدول حوض البحر المتوسط (أوروبا) من دول المشرق. ـ احتمال وجود لفظة لدى الأمازيغ مرادفة للمسجد أو هي قريبة منها. وأغلب الظن أن تكون هذه اللفظة مرتبطة بكلمة église لفظا ومعنى أو بهما معا (لأن église مؤنثة). لم لا وقد اعتنق جل سكان تامازغا الدين المسيحي الذي اتى به إليهم الرومان. وحتى حدود اللحظة ما زال المجتمع الأمازيغي يحتفظ ببعض الشعائر المسيحية في لاشعوره الجمعي على الرغم من اعتناقه للإسلام ودفاعه المستميت عنه. وهذا موضوع آخر أتمنى أن أخصص له مقالة مستقلة. وفي الختام، أدعو كل المهتمين بلغتنا وثقافتنا الأمازيغية لأن ينضموا إلى هذه المائدة التي دعا إليها الأخ المرابط. ليس لتناول الطعام أو لشرب الشاي، بل من أجل إثارة مواضيع ونقط تهم واقع ومستقبل لغتنا الأمازيغية. بوغانم خالد في 15/5/2001. الهوامش: 1 ـ شوقسي ضيف، "تاريخ الأدب العربي، الأدب الجاهلي"، درا المعارف، الطبعة الثامنة، صفحة 128 ـ 129. 2 ـ نفسه، صفحة 128. 3 ـ نفسه. 4 ـ نفسه. 5 ـ نفسه، صفحة 125.
|
|