|
|
مشروع مؤسسة BMCE Bank لتدريس الأمازيغية: هل هو مشروع ضد نفسه؟ يقلم: محمد بودهان شرعت مؤسسة ب.م.س.و. بانك منذ بداية السنة الجارية في بناء مجموعة من المدارس ببعض البوادي في عدد من المناطق بالمغرب. هذه المدارس سيتم فيها التدريس بلغة الأم للتلاميذ القرويين المعنيين بالاستفادة منها. إنه حقا مشروع ثوري وإنساني وديموقراطي يستحق المسؤولون عنه كل الشكر والثناء. وقد تقرر أن يشرع في تلقين الدروس باللغة الأمازيغية ابتداء من الدخول المدرسي 2001 ـ 2002. وقد قامت المؤسسة بالإعداد المادي والبيداغوجي الملائم الذي يتطلبه نجاح مشروع تدريس الأمازيغية، خصوصا ما يتعلق بتكوين المعلمين الذين سيباشرون التدريس باللغة الأمازيغية. وفي هذا الإطار كلفت المؤسسة الأستاذ محمد الشامي من كلية آداب وجدة للإشراف على عملية تكوين وتأطير المدرسين. وقد اختار هو بدوره نخبة من الأساتذة المتخصصين ـ وهم: الدكتور الجيلالي السايب، الدكتور أحمد بوقوس، الدكتور حسن بنعقية، الدكتور قدوري المهدي ـ من جامعات مغربية أخرى لتشكيل الفريق الذي يتكلف بهذا التأطير العلمي والبيداغوجي للمشروع. وهكذا انطلقت عملية التكوين الوطنية بإحدى مدارس المؤسسة ببني نصار (إقليم الناظور) يوم 3 غشت لتنهي يوم فاتح شتمبر. وقد استفاد من هذا التكوين في اللغة الأمازيغية واحد وثلاثون مدرسا ينتمون إلى مختلف جهات المملكة. كل شيء إذن كان يسير بشكل رائع وجميل. لكن لما أثيرت مسألة الحرف الذي سيستعمل في تعليم الأمازيغية والتدريس بها، أخذت الأمور تسير بشكل أقل روعة وجمالا. لقد بدأ السيد الشامي المشرف على عملية التكوين يوحي بأن الجهة صاحبة المشروع قد اختارت الحرف العربي، محاولا بذلك فرض هذا الحرف في كتابة الأمازيغية. لكن الأساتذة الآخرين قاوموا مناورات الأستاذ الشامي معتمدين على معطيات علمية ولسانية وبيداغوجية بعيدا عن أي اعتبار إيديولوجي أو سياسوي، كما أكدوا في التقرير الختامي على ضرورة استعمال الحرف اللاتيني ـ أو الكوني كما سماه الدكتور الجيلالي السايب ـ إذا أريد لتدريس الأمازيغية أن يكون تدريسا ناجحا. فهل كان من الضروري إثارة مسألة الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية كجزء من برنامج التكوين؟ في الحقيقة، لا يثير هذه المسألةَ إلا من هو غائب عن الأمازيغية أو هي غائبة عنه، فلم يعد يعرف شيئا عن التطورات الهائلة التي عرفتها هذه اللغة، منذ عقود، على مستوى النشر والكتابة والتدريس والانتشار الواسع على شبكة الأنترنيت، أو الذي لا يريد خيرا للأمازيغية. فالذي يناقش اليوم مسألةَ الحرف "الأنسب" لكتابة الأمازيغية يعطي الدليل على أنه لا زال ـ لغيابه عنها أو لغيابها عنه كما قلت ـ ينظر إلى الأمازيغية من خلال "نشرة اللهجات"، ويتعامل معها كلغة شفوية لم تعرف كتابة ولا تدريسا ولا نشرا. مع أن الأمازيغية دخلت ـ منذ عقود كما أشرت ـ ميدان الكتابة والنشر والتأليف والتدريس في دول أمازيغية كالجزائر ومالي والنيجر، وفي دول أخرى بأميريكا وأوروبا. فالسؤال إذن ليس: ما هو الحرف "الأنسب"؟ بل: ما هو الحرف المستعمل في كتابة الأمازيغية وتدريسها والنشر بها؟ الجواب طبعا هو الحرف اللاتيني، أو الحرف الكوني كما يسميه الدكتور الجيلالي السايب، ليس لأنه هو الحرف "الأنسب"، بل لأنه هو الحرف الذي فرض نفسه بالممارسة والاستعمال، ولأنه لم يجد له منافسا حقيقيا في الحرف العربي ولا حتى في حرف "تيفيناغ". فهناك اليوم آلاف من المطبوعات والمنشورات، من دوريات ومجلات وجرائد وكتب ومعاجم ومواقع على الأنترنيت، صدرت وتصدر بالحرف الكوني. أما ما يكتب اليوم بالحرف العربي أو تيفيناغ، فلا يظهر، أمام ما يكتب من نصوص أمازيغية بالحرف الكوني، إلا كهواية في طريق الانقراض أمام عمل احترافي له قواعده وأصوله. هذا يعني أن انطلاق تدريس الأمازيغية اليوم بالحرف العربي سيشكل نشازا وشذوذا لا يختلف عن حالة من سيكتب العربية لأول مرة بغير حرفها الذي انتشرت وعرفت ودرّست به. إنه عودة بالأمازيغية إلى نقطة الصفر وإلغاء كل ما أنجز وتراكم في مجال النشر والكتابة والتدريس بالأمازيغية. أما هؤلاء الذين سيتعلمون الأمازيغية باستعمال الحرف العربي فسوف يشكلون "جزيرة" معزولة عن العالم الأمازيغي الذي تكتب وتدرس فيه الأمازيغية بالحرف الكوني. وهذا ما سيجعل من أمازيغية المغرب، التي تُعلمت بالحرف العربي، أمازيغية متخلفة لا تساير التطورات التي تعرفها الأمازيغية في العالم. وهذا ما سيعطي الدليل ـ بالنسبة للذين يبحثون عنه ـ على أن الأمازيغية "لهجة" لا تصلح للمدرسة، وأن أية محاولة لتدريسها لا يمكن أن تؤدي إلا إلى الفشل. هكذا "سنصنع" فشل تدريس الأمازيغية باعتمادنا الحرف العربي في تدريسها وتعليمها، لنقول بعد ذلك بأن الأمازيغية هي الفاشلة وليست طريقة تدريسها. وهذا هو القتل الرحيم للأمازيغية عن طريق ممارسة نوع من الأوطانازيا Euthanasie في حقها. النتيجة أن مشروع تدريس الأمازيغية بالحرف العربي، أي الحرف الأوطانازي، هو مشروع ضد نفسه، أي ضد تدريس الأمازيغية لأنه لن يكون تدريسا للأمازيغية من أجل تنميتها والنهوض بها، بل بهدف قتلها قتلا رحيما لا يثر شبهات ولا شكوكا ولا استنكارا. إنها الجريمة التامة. إذا ما تم فرض الحرف العربي لكتابة الأمازيغية فإن ذلك لن يكون من أجل النهوض باللغة الأمازيغة، بل يكون هدفه هو تعريب الأمازيغية نفسها بعد استكمال تعريب الأمازيغيين، وذلك بغية احتوائها وتدجينها وجعلها تابعة وخادمة للعربية تطبيقا لسياسة "الاستئناس" التي جاء بها "الميثاق اللاوطني للتربية والتكوين" التي تفرغ تدريس الأمازيغية من أي مضمون حقيقي. إذا تقرر فرض الحرف العربي ـ ونتمنى أن يعدل المسؤولون عن هذا الاختيار الأخرق ـ في تدريس الأمازيغية، فإن هذا التدريس لن يكون إلا مشروعا ضد نفسه، لأن مسألة الحرف ليست من الأمور البسيطة أو الثانوية أو التي يمكن إعادة النظر فيها بسهولة، بل هي من الأمور الإستراتيجية التي تحدد مستقبل تدريس الأمازيغية، وبالتالي مستقبل الأمازيغية نفسها. كنا نعتقد أن تدريس الأمازيغية في إطار مشروع لمؤسسة خاصة سيكون تدريسا لا يراعي إلا ما يخدم الأمازيغية كلغة، بعيدا عن أية اعتبارات إيديولوجية وسياسية. لكن فرض الحرف العربي ضدا على ما هو سائد في مجال كتابة وتدريس الأمازيغية، وسيرا في الاتجاه المعاكس للحركة الأمازيغية، لا يمكن إلا أن يبعث على القلق والتخوف والتشكيك في النوايا والمقاصد. لماذا؟ لأننا نخاف أن يصبح هذا المشروع الخاص Privé لتدريس الأمازيغية، إذا ما اعتمد العربي العربي، نموذجا ومرجعا لتدريس الأمازيغية الذي تحضّر له الدولة، وذلك بالاستشهاد والإحالة على التجربة "الناجحة" لمشروع ب.م.س.و.بانك. فيكون هذا المشروع الخاص ما هو إلا تجريبا مختبريا تعمم نتائجه وأساليبه ومناهجه في ما بعد. وهنا ستكون مسؤولية الأمازيغيين، ليس فقط الذين زكوا ودافعو عن ترسيم الحرف العربي في كتابة الأمازيغية، مثل الأستاذ الشامي، بل حتى الذين سكتوا عن هذا الترسيم ولم يستنكروه ولم يعارضوه، ستكون مسؤوليتهم في الإساءة إلى الأمازيغية مسؤولية تاريخية أثقل من مسؤولية أولئك الملوك الأمازيغيين الذين أدخلوا بني هلال وبني معقل إلى المغرب لاستعرابه.
في اليوم الختامي لعملية التكوين ـ يوم 1/9/2001 ـ حضر رئيس مؤسسة BMCE Bank السيد عثمان بنجلون والسيدة ليلى مزيان و"الخبيران" الفرنسي Alain Bentolila والمغربي طارق يحيى النائب البرلماني لمدينة الناظور ورئيس بلديتها. وهنا كانت المفاجأة التي لا يمكن أن يفكر فيها أحد ولا يصدقها عاقل: اليهودي الفرنسي الأستاذ Bentolila يدافع عن استعمال الحرف العربي في كتابة الأمازيغية من موقعه كمختص ومستشار علمي للمؤسسة صاحبة المشروع! إنه موقف شاذ يصدم الحس السليم لأنه يتناقض مع أصلب البديهيات الثابتة حول هذا الموضوع. فالمسلم به كأمر بديهي هو أن الفرنسيين هم الذين يتبنون حرفهم اللاتيني في كتابة الأمازيغية، حتى أن خصوم الحركة الأمازيغية يرددون بلا كلل بأن هذه الحركة تابعة لفرنسا الاستعمارية لأنها تستعمل الحرف "الفرنسي" في كتابة الأمازيغية بهدف عزلها عن أختها العربية!!، وأن ما لم تحققه فرنسا بـ"الظهير البربري" أصبحت تحققه من خلال مطالب الحركة الأمازيغية!!. فكيف لفرنسي ـ بل أكثر من ذلك هو يهودي ـ يدافع كمتخصص في الموضوع عن تبني الحرف العربي لكتابة الأمازيغية وتدريسها؟ لا يمكن تفسير هذا الموقف ذلك التفسير السطحي الذي يقول بأن Bentolila دفع له أجر ليعطي هذا الرأي الغريب في الموضوع حتى يقتنع المعارضون للحرف العربي بناء على السلطة العلمية والأكاديمية لـBentolila. إن الأمر يحتاج إلى شيء من التحليل لفهم ما يبدو في هذا الموقف من شذوذ ونشاز. 1 ـ إن موقف Bentolila يكشف عن شيء خفي ولكنه حقيقي: إن فرنسا تعرف أن اللغة الوحيدة التي يمكن أن تطرد الفرنسية من المغرب هي الأمازيغية، وليست العربية. لهذا نجد "خبراءها"، مثل بنطوليلة، يشيرون على المسؤولين المغاربة باستعمال الحرف العربي في تعليم الأمازيغية حتى تبقى هذه الأخيرة متخلفة وينتهي تدريسها إلى الفشل المؤكد، وهو ما يضمن للفرنسية الصدارة والسيادة بدون منافس ينازعها مكانتها وموقعها المهيمن بالمغرب. 2 ـ إن موقف Bentolila الخارج عن المعروف والمألوف، يكشف كذلك عن شيء خفي، لكنه حقيقي: إنه يبين أن فرنسا هي العدو التاريخي رقم 1 للأمازيغية والأمازيغيين. وهذا ما كنا نؤكده دائما فيُرد علينا بأن القضية الأمازيغية برمتها من خلق فرنسا! وها هو Bentolila الذي يمثل فرنسا، يدافع عن الحرف العربي، وليس عن الحرف اللاتيني الفرنسي، وعن تبعية الأمازيغية للعربية ـ وليس للفرنسية كما يقال ويكتب ـ في الكتابة والخط. 3 ـ كما أن هذا الموقف يكشف كذلك أن فرنسا لا تزال تحمي محمييها ضد الأمازيغية والأمازيغيين، ولا تتردد في التواطؤ معهم لضرب الأمازيغية ووضع عوائق أمام نموها وتطورها واستقلالها، كما رأينا في حالة Bentolila الذي يدعو إلى استعمال الحرف العربي في تعليم الأمازيغية كما يريد الذين لا يكنون أي حب للأمازيغية من "محميي" فرنسا. وهذا دليل محسوس وملموس على أن "آل ليوطي" الحقيقيين ليسوا هم الأمازيغيون كما يقال ذلك افتراء وبهتانا، بل هم أعداء الأمازيغية من داخل المغرب، الذين يستنجدون بأمهم فرنسا، كما فعلوا في 1912، وبـ"علمائها" و"خبرائها" لإفشال أي مشروع للنهوض بالأمازيغية، هذا النهوض الذي تعتبره صحافتهم خطرا يتهددهم Menace berbériste. أما تدخل النائب طارق يحيى المدافعُ عن استعمال الحرف العربي في كتابة وتدريس الأمازيغية، فلم يكن شذوذا ونشازا فحسب مثل تدخل Bentolila، بل كان عبارة عن "فرجة" ستبقى عند الحاضرين موضوعا للتنكيت والتندر. لقد قال بأنه يفضل الحرف العربي لأن هذا ما تقتضيه "السياسة"، وبصفته "سياسيا" فهو يعرف هذه "الحقيقة" التي نجهلها نحن، حقيقة ضرورة استخدام الحرف العربي في تدريس الأمازيغية. وهذا تعليقنا على الفرجة اليحيوية: 1 ـ في الحقيقة، كانت مرافعة النائب يحيى لصالح الحرف العربي إهانة للعربية نفسها قبل أن تكون إهانة للأمازيغية: كيف يدافع عن الحرف العربي من لا علاقة له أصلا بالحرف العربي ولا باللغة العربية؟ وأكاد أجزم أنه لا يعرف حتى كتابة اسمه بشكل سليم بالحرف العربي، بل إن علاقته بإسبانيا وغيرها من بلدان الحرف اللاتيني أكثر من علاقته بالمغرب. فكيف يريد للأمازيغية حرفا هو يحتقره ويترفع عنه ولا يستخدمه ولا يجيد استعماله؟ أليس هذا ضحكا على الأمازيغية والعربية نفسها؟ 2 ـ أما أن يتكلم طارق باسم الأمازيغية ويناقش كيفية تدريسها ويتظاهر بالتعاطف معها، فتلك إهانة أليمة في حق الأمازيغية: كيف يتكلم باسم الأمازيغية من منع الكلام بالأمازيغية في ندوته الصحفية الشهيرة ضد عامل الناظور السابق علابوش ناهرا من طرح عليه سؤالا بالأمازيغية: "أنبهك أن هذه ندوة صحفية، فيجب أن تتكلم العربية"؟ (انظر مقالنا: "طارق الذي فتح الناظور… وخذل الأمازيغية"، العدد 30، أكتوبر 1999). 3 ـ طارق يحيى ينتمي إلى حزب الحركة الوطنية الشعبية الذي يصدر جريدة أمازيغية بالحرف الكوني/اللاتيني. فهل طارق يحيى، بدفاعه عن الحرف العربي في تدريس الأمازيغية، وهو الحرف الذي لا تستعمله الجرائد الأمازيغية لحزبه، هل يعمل ضد حزبه أم ضد أمازيغية حزبه؟ أم هو معهما وضدهما معا حسب الأجواء الانتخابية والأهواء الانتهازية؟
لن ننهي هذه المناقشة دون الإشارة إلى أن هناك اليوم إرادة سياسية صادقة لتسوية ملف الأمازيغية ورد الاعتبار للغة والهوية الأمازيغية بشكل جدي يضع حدا للصراع المرتبط بهذه المسألة. وهذا ما أكده خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش الأخير. لكن التلويح منذ الآن بإمكانية استعمال الخط العربي في تعليم الأمازيغية سيعيد الملف بكامله إلى ما كان عليه من قبل، وهو ما سيتولد عنه مزيد من الصراع والتوتر ما بين الحركة الأمازيغية والجهات التي تريد فرض هذا الحرف في كتابة الأمازيغية وتدريسها. وهذا موقف يعاكس بوضوح إرادة طي صفحة تهميش الأمازيغية وفتح صفحة تنميتها والنهوض بها. ولهذا فلا يكفي أن تكون هناك رغبة صادقة في تنمية الأمازيغية وتدريسها، بل يجب أن تكون المناهج والوسائل صادقة أيضا.
|
|