|
|
حوار مع الفنان محمد رويشة حاوره يوسف سفلال تقديم: أنجبت جبال الأطلس المتوسط فتى أبى إلا أن يضاهيها شموخا، إنه الفنان محمد رويشة الذي استطاع أن يكون سيد الأغنية الشعبية المغربية لعقد من الزمن دون أن ينال حظه من الاحتفاء الرسمي والاهتمام من قبل الدولة ووسائل الإعلام لأنه ينبض في ثقافة أمازيغية يسعى الفكر القومي العروبي إلى تدميرها منذ قرون بوسائل شتى كتوظيف الإسلام أو ريع البترول أو مثقفين تحت الطلب، أمثال محمد عابد الجابري... دون أن يتأتى له ذلك، بل ظهرت حركة ثقافية أمازيغية تتجذر يوما بعد يوم.. لندعو ـ مع علي حرب ـ المثقف العروبي ليتوقف عن فكرنة العالم بمقولاته وشعاراته. فالفكرة لا تستغرق الحدث، والنموذج لا يختزل الكائن، وليتجاوز النظرية والتطبيق للتعامل مع الواقع بعقلانية علائقية/تبادية. لا يحق لأبناء البيئة الأمازيغية الفقيرة كالأطلس المتوسط أن يحلموا خارج المتاح: الفلاحة، الرعي، الانخراط في الجندية، الهجرة أو اقتحام المجال الفني كتمرد على الأحلام الجاهزة. وهذا حال الفنان محمد رويشة الذي تمكن من تشييد اسم فني بارز بموهبته وبمجهوده الفردي. ومقارنة غزارة إنتاجه الفني مع وضعيته المادية يبين تعاطيه للفن من أجل الفن لا لنفخ أرصدته البنكية. وعلىهامش سهرة فنية امازيغية نظمتها جمعية "أسيد" الثقافية بمكناس يوم 12 نونبر 2000 موازاة مع ندوة حول " البعد الهوياتي في البيان الأمازيغي"، كانت لـ"تاويزا" فرصة التقائه ومحاورته. تاويزا: محمد رويشة عنوان لمسار فني حافظ على نغمته داخل مجال الأغنية الشعبية المغربية. نود أن نتعرف على التفاصيل، متى ولدتم؟ وكيف بدأتم المسار الفني؟ وما هي أهم محطاته؟ امحمد رويشة: أنا من مواليد سنة 1952 بمدينة خنيفرة في قلب الأطلس المتوسط الذي لا يختلف في شيء عن باقي الأطالس الصغير والكبير. قضيت مرحلة التمدرس بين الكتاب والمدرسة إلى غاية 1961. كان لدي ميل إلى الفن وممارسته تلقائيا. وشاءت الأقدار أن ألتقي بالأستاذ محمد العلوي لاعب فريق شباب خنيفرة فشجعني وقام بمرافقتي إلى الرباط وقدمني إلى القسم الأمازيغي بالإذاعة الوطنية. وكان يعمل به آنذاك ابن براهيم، أوعابي، وبرحو الحسين. عبر هذا الاحتكاك اكتشفت الإذاعة موهبتي. وسجلت أول شريط بالدار البيضاء سنة 1964 مع محمد ريان المعروف وطنيا حينها. واصلت مشواري الفني كهاوٍ لا كمحترف لأن الاحتراف يتطلب مجموعة شروط منها النضج والتراكم، بعبارة أخرى "أن يكون مخ الإنسان مليئا". في سنة 1979 اتصلت بي الشركات الفنية قصد التسجيل، وشرعت في الغناء على خشبة مسرح محمد الخامس، وبالضبط سنة 1980. وطبيعي أن كل فنان حين يبلغ مستوى معينا يبحث عن نفسه ويكون أمام خيارين: إما أن يلتزم مع المؤسسات ويصبح طرفا في عملية ويقوم بما يرضيه وما لا يرضيه أيضا، وإما أن يحافظ على الأصالة الفنية ويكون سيد نفسه، ورويشة يغني يآلة "لوتار"، ولن يعزف غدا على القيثارة. تاويزا: بعد هذا المسار نريد أن تحدثنا عن رصيدك الفني وعدد الأشرطة التي أنجزتها، وما إلى ذلك؟ محمد رويشة: لا، لا، لا أستطيع أن أقدم إحصائيات مضبوطة وأرقاما دقيقة. فهذا متروك للمؤسسات التي أتتعامل معها. إنتاجاتب الفنية تعود إلى سنة 1964 كما أسلفت الذكر. وهناك أشرطة معروضة ومتداولة الآن في السوق وإنتاجات أخرى مخزونة ولم يحن بعد وقت عرضها. أن أقوم بهذا الجرد يتطلب أن أتوفر على إدارة وموظفين. وهذا موجود وقائم في المغرب. تاويزا: تعني المؤسسة؟ محمد رويشة: بالضبط المؤسسة حيث لا يكون الفنان فردا، بل طاقما له محامٍ ومستشارون... تاويزا: .... محمد رويشة: (مقاطعا دون إتمام السؤال): نعم هناك نقابات وحقوق وقوانين ودستور للفن، لكن هل هناك فنان عصري أو "بلدي" له دراية بفن الأطلس المتوسط أكثر منا، إذا كان موجودا فمرحبا به ليمثلنا. محمد رويشة: (مقاطعا أخرى): صحيح اسمي موجود في الساحة الفنية، لكن هل يتم استدعاؤنا لحضور اجتماعات وجلسات هذه النقابات وتتاح لنا فرصة الاطلاع على تشريعاتها وقوانينها... ولندلو بدلونا حول موسيقانا وشعرنا، فالشعر يكرم بالدار البيضاء وفي أماكن أخرى، لكن أين الشعر الأمازيغي من كل هذا؟ تاويزا: هناك فنانون شعبيون يغنون بلغة غير الأمازيغية، فهل لك نفس الحضور الذي يتمتعون به في إعلامنا؟ محمد رويشة: قمنا بما هو في استطاعتنا. فناضلنا لتتحسن الأمور ولتوفير الظروف لفنانين جدد ستفرزهم الساحة ليجدوا أمامهم معاهد موسيقية تتولى تأطيرهم. كذلك تدريس الأمازيغية، وهذه من مسؤوليات الجمعيات الثقافية الأمازيغية الكبيرة والصغيرة. أيضا المغرب أخذ بخيار الجهوية، فما معنى الجهوية؟ هناك ست عشرة جهة. وعلىكل جهة إنعاش ثقافتنا وخصوصياتها بمساهمة الدولة والجماعات المحلية. فالفلكلور مثلا يجب الاعتناء به وتطويره في وسطه وإخضاعه للدراسة في مجاله، لا أن نرافق الفرق الأمازيغية إلى مدرسة "للباليه" بالدار البيضاء لاستعراضها واختيار ذوات القامات المتساوية. فمن الخطأ إسقاط ما هو جاهز على أنماط فنية لها صيرورتها الحضارية والتعبيرية. تاويزا: في أغانيك توظف الأمازيغية والدارجة المغربية، في ظل هذه الازدواجية، في أيتهما تجد نفسك؟ محمد رويشة: لم أجد ذاتي بعد، فأنا في بحث مستمر عنها. أنا في البدايات، نعم الغناء بالأمازيغية أقرب إلي لأنها لغتي الأم. لكن الأمازيغيين مطالبون بمساندة الفن والفنانين، لا بالمال، لكن بالأفكار والأبحاث والدراسة والنبش في التراث... أن يمدونا بالمادة الخام لنتولى نحن إشاعتها وتبليغها إلى الجماهير. عليكم إعداد هذه المادة ونتولى ترويجها في قالب فني كغذاء نافع. أليست الموسيقى غذاء للروح؟ تاويزا: محمد رويشة فنان كبير، له رصيد فني حافل. وقد يظن البعض أن هذا الرصيد توازيه مراكمة للثروات وامتلاك الفيلات والثروات، فماذا عن حقيقة أوضاعك المادية؟ محمد رويشة: أنا أساير الفن والتاريخ، ليس المال هدفي، فالله غني ونحن فقراء، وأستحضر هنا أبياتا من قصيدة غنيتها: الروح واحدة الغني والفقير أمام الموت سيان والحمد لله القائل من خرج من تراب إليها عائد أعيش في تواضع بمنزلي على الشارع بحي شعبي يقابل ويجاور منازل أناس متواضعين. لست مالكا للفيلات أو أرصدة بنكية مكتنزة. وحبذا لو حظي الفنان بالتفاتة الدولة. تاويزا: لكم تجربة تؤهلكم لتأطير فنانين مبتدئين، ألا تفكرون في ذلك؟ محمد رويشة: هذه مهمتكم، ناضلوا وناضلوا... دور الفنان هو تبليغ ما تريدون إيصاله في قالب فني. تاويزا: هل قدمت للفن ما يكفي؟ محمد رويشة: لا، أنا في بداياتي، لكن يجب تضافر الجهود وتحقيق التراكم لنخطو خطوات أخرى. ينبغي تعميق البحث في الشعر الأمازيغي، في همومنا اليومية وأوضاعنا الاجتماعية... والاهتمام أيضا بأغنية الطفل كوسيلة لتحبيب الأمازيغية إلى أطفالنا الذين هم أجيال المستقبل كما أركز على التمويل. تاويزا: كيف ترى مستقبل الأغنية الأمازيغية؟ محمد رويشة: قدمنا لها ما بإمكاننا تلبية واجب يطوق أعناقنا. تكمنا من إيصالها إلى الإذاعة وإخراجها من إطار ضيق ليكون لها حضور في مهرجانات دولية، وفي قنوات تلفزية عالمية. فهناك حصيلة إيجابية حققناها، وهناك مهام تنتظرنا. |
|