|
|
الذكرى الأولى للبيان الأمازيغي بقلم: حساين عبود (الرباط)
تمضي سنة كاملة على صدور "بيان فاتح مارس بشأن الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب"، الذي استأثر باهتمام وتداول واسعين، وتجاوزت توقيعات المساندة والتأييد عليه الستة ملايين، حسب بعض التقديرات. لكنها سنة عجفاء ورتيبة ملؤها الترقب والانتظار. فالأمازيغية ما تزال تراوح مكانها تكتوي بلهيب الإهمال، والأفق قاتم لا تلوح فيه إلا مؤشرات المزيد من التهميش. والموقف الرسمي حيالها يطبعه الاستخفاف وغياب الجدية في الإصغاء للمطالب المشروعة للحركة الثقافية الأمازيغية. كان من الطبيعي تأكيد حضور صوت MCA في سياق عام وُصف بعهد "الإشارات القوية" لتكثيف شروط الانتقال الديموقراطي والتماس الأسباب والسبل لرسم قسمات مغرب جديد يقطع مع ماضٍ بائد كي لا يرتبط استمرار تهميشها بتقصير أو تهاون منها. إلا أن السنة الثالثة هاته لحكومة "التناوب" مثلت وشكلت اختبارا حقيقيا لمصداقية هذا الخطاب. وللأسف، لن ننسى التجاذب الذي طبعها حول حدود ممارسة حرية التعبير وحقوق الإنسان بوجه عام، وأصبح لزاما على المغرب أن يعيد ماضيه المأساوي، إذ كلما أبان المجتمع المدني عن حركية للانعتاق من جبروت السلطة إلا واستجمعت هذه الأخيرة قواها وكل إمكاناتها لتأديبه والعودة به القهقرى إلى الوراء. ومن غريب الصدف أن من كانوا يقدمون أنفسهم كضحايا الخروقات، يقدمون اليوم على مصاردة نفس الحقوق التي كانوا يطالبون بها، وأصبحوا الجبهة الثانية للدفاع عن المؤسسات في تاريخها المعاصر. ففي أواسط الستينات كان التطاول على الحقوق مستباحا دفاعا عن "المؤسسات"، وها هي الحكومة الحالية تنوء تحت نفس الشعار. والفارق هو أن الأمس تعطلت فيه الحياة الدستورية بإعلان حالة الاستثناء وحل البرلمان وغياب الضمانات الدستورية والقانونية. أما اليوم فكل شيء عادي وتم إعمال نصوص قمعية وتسخير الإعلام العمومي والحزبي للدفاع عن الهفوات والمنزلقات المقترفة. فكيف سيتوفر الاطمئنان على قدرة هذه الحكومة لتقديم إجابات حقيقية لسؤال الأمازيغية؟ بالفعل، مثل البيان منعطفا نوعيا في سيرورة القضية الأمازيغية جعلها تحظى بانشغال دائرة مهمة من الرأي العام الوطني، وأصبحت الصحافة تخصص لها هامشا أوسع وأكبر مما كان لها، كما أثمر حوارا مع السلطات العليا بالبلاد التي أعربت عن استعدادها للاهتمام بالقضية. إلا أن الدوائر المخزنية استطاعت فرض الأمر الواقع وترجيح خيار ترك الأمازيغية تموت مع الزمن. ولجنة المتابعة والاتصال مستمرة في عقد لقاءات تعبوية وتحسيسية في إطار المهام المسندة إليها لتفعيل البيان والتعريف به، والحركة الثقافية الأمازيغية تبحث بتلكؤ عن إجابات لسؤال: ما العمل؟ فالبعض يرى ضرورة اقتحام معترك السياسة وتأسيس إطار حزبي تكون الأمازيغية إحدى نقطه البرنامجية المركزية وثابتا موجها لعمله. والبعض الآخر يرى حتمية الانتقال من الطبيعة المطلبية إلى المرحلة الاحتجاجية وتصعيد آليات النضال. ليس المهم هو الانحياز والولاء لهذا الخيار أو ذاك، ولكن الاقتناع بأننا نجتاز امتحانا لقدرة الحركة الثقافية الأمازيغية على الاستماتة في الدفاع عن مطالبها، وهي مطالبة بالتعبئة الشاملة لمستقبل لا يمكن التكهن بما سيأتي به، فلا مكان لتفاؤل مبالغ فيه ولا مبرر لهدر وتبذير طاقتنا، بل علينا توفيرها لمواجهة كل مرحلة وفق شروطها وما يفرضه علينا المخاطبون بمطالبنا الرافضين لها. وطالما أنه لا وطن لنا إلا هذا، ولا نريده إلا بملامحه الأمازيغية، فما زال الدرب طويلا.
|
|