|
|
التبجح بقضاء اللغة العربية على لغات الأقوام الأخرى، موضوع لامتحانات السلك الإعدادي بأكاديمية الجهة الشرقية بقلم: محمد بودهان في مادة اللغة العربية للامتحان الجهوي الموحد لنيل شهادة السلك الإعدادي لدورة يونيو 2012، بأكاديمية الجهة الشرقية، أُعطي للتلاميذ نص يتحدث عن الخط العربي كله تمجيد ومدح لهذا الأخير، وبأسلوب فيه الكثير من الأنانية القومية المنتفخة، والنرجسية العروبية المتعالية إلى الحد الذي جعل الكاتب يتبجح بقضاء اللغة العربية على لغات الأقوام الأخرى كعمل عظيم وجليل كان وراءه نشر الدين الإسلامي الحنيف. جاء في النص: «...ينشرون الدين الإسلامي الحنيف في كل بقاع الأرض ومعهم لغتهم العربية التي تمكنت من زرع جذور الإبداع والخصوصية لهذه الرسالة الخالدة، فقضت على كثير من اللغات، وحلت محلها وأصبحت هي اللغة الرئيسة التي استخدمها أهل البلاد الأصليون». مع أن هذا القضاء المزعوم على لغات الشعوب غير العربية: ـ هو أولا منافٍ للإسلام نفسه الذي يبرر به النص هذا القضاء على لغات الشعوب الأخرى. فالإسلام لم يأت للقضاء على لغات الشعوب غير العربية ولا تعريبها وتغيير هويتها. ـ وهو ثانيا يُبرز اللغة العربية ـ ومعها الدين الإسلامي طبعا ـ كلغة غازية ومستعمرة و»قاتلة» للغات الشعوب المسلمة غير العربية. فكيف تُحترم لغة تبيد اللغات المختلفة عنها؟ أليس في هذا التبجح بقضاء العربية على اللغات الأخرى إساءة لها وتشهيرا بها؟ إن النزعة العروبية الجاهلية التي كتب بها النص منعت كاتبه من إدراك المفارقات الصارخة التي تتخلله: ـ يقول النص: «إن الخط العربي يتسم بمرونة حركيته وتموجاته، وبوظائف تعبيرية وقيم جمالية سامية تعكس قيم الإسلام الداعية إلى العدل والتسامح». فمتى كان القضاء على لغات الشعوب الأخرى «عدلا» و»تسامحا»؟ ألا يمثل ذلك القضاء قمة اللاتسامح والتعصب والعدوان؟ ويقول أيضا: «فالكتابة العربية التي تتميز بحروفها اللينة والطيعة بين أنامل الخطاط، هي بالطبع مرنة في تعاملها مع الشعوب التي اتخذت من أشكال الكتابة العربية منهجا ثقافيا لها». فمتى كان القضاء على لغات الشعوب الأخرى تعاملا «مرنا» معها؟ ألا يمثل ذلك القضاء قمة الهمجية والتسلط والطغيان؟ إن هذه المفارقات، الجامعة بين إثبات الشيء ونفيه في نفس الوقت، هي ما يمتحن فيه التلميذ المغربي لاختبار مدى استيعابه للنرجسية العروبية ذات الأصول الجاهلية، ومدى تشبعه بقيم «العربومانيا» ذات المضامين العرقية والعنصرية. إنها نصوص قومية ونعروية (من «نعرة») لا تعلّم التلميذ الاستدلال والعقلانية والمنطق، بل تعلّمه العنجهية العروبية الفارغة، وتملأ عقله بالمغالطات الكاذبة والخادعة، وتحشو ذهنه بالترهات والأباطيل، وتعمل على إقناعه بتفوق العرب الزائف على الأقوام الأخرى. فلو أن النص أوضح أن سبب الاهتمام الفني بالخط العربي يرجع إلى منع الإسلام فن التصوير، لكان في ذلك استدلال يربط النتائج بالأسباب والخلاصات بالمقدمات. وفي ذلك تحسيس للتلميذ بالاستدلال المنطقي والحجاج العقلاني. أما وأن النص يسوق مغالطات ومفارقات النرجسية العروبية كيقينات وحقائق، فهذا ما يقتل التفكير العقلي لدى التلميذ ويغرس فيه القناعة بأن العروبة هي مركز الكون، ويهيئه للتطرف والتعصب وكراهية الشعوب الأخرى المختلفة. فهل كان من الضروري طرح نص قومي وعروبي ذي نفحات جاهلية لامتحان التلميذ في مدى تمكنه من اللغة العربية؟ ألا توجد نصوص، كتبت بطريقة موضوعية وغير متحيزة لهذه القومية أو تلك، اللهم إذا تعلق الأمر بالتحيز للانتماء إلى الوطن والمغرب، تختبر التلميذ، ليس في مدى تمكنه من «العربومانيا» وتمكنها منه، بل في مدى قدرته على قراءة النصوص وفهمها واستيعابها، ومدى قدرته على التعبير بلغة سليمة؟ لماذا إذن اختيار نصوص بهذه المضامين الإيديولوجية القومية والعروبية؟ هذا الاختيار يؤكد ما سبق أن كتبناه في مقال سابق: «إن الغاية من التعليم بالمغرب، منذ الاستقلال إلى الآن، ليس هي تكوين إنسان حر ومستقل، فخور بانتمائه الأمازيغي، قادر على إبداع الحلول للمشاكل التي يواجهها في الحياة، وابتكار أجوبة عقلانية ملائمة لها وبشكل مفيد وفعال ومنتج. وإنما الغاية ـ من التعليم بالمغرب ـ هي تكوين إنسان عربي» في انتمائه ولغته وتفكيره ووجدانه». (اقرأ الموضوع على الرابط: http://tawiza.x10.mx/Tawiza131/boudhana.htm).
|
|