|
|
عن الدولة: الدينية، واللادينية، والمدنية بقلم: محمد أغ محمد (كاتب أزوادي) ليس هناك سجال ساخن في العالم الإسلامي سخونة السجال حول مفاهيم ك»الديمقراطية»، و»العلمانية»، و»الشريعة»، وهذا مثلث استعار خطورته من المسألة الأم «إشكالية السلطة»، وذلك يعني من جهة أخرى أن الفكر العربي الإسلامي لم يحل المشكلة العميقة بعد، مشكلة «السلطة»، فهي معقدة، مركبة من عدة إحالات تاريخية، وفكرية، واجتماعية، ودينية... ليس لأن الحلول لم تقدم، من مختلف وجهات نظر، بل لأنها لم تنزل على أرض الواقع، بسبب الجدل المحتدم الذي سببته النظرة البنيوية الجامدة نحو مفهوم «العلمانية»، يسارا، أو يمينا، فشاع التعريف المختزل الخاطئ الذي يقول: «العلمانية: فصل الدين عن الدولة»، هكذا بكل إطلاق، مما ينتج الثنائية الضدية: متدين/ علماني، ديمقراطي/ إسلامي، حداثي/ أصولي.... وهذا بطبيعة الحال سيعمق الفجوة بين «الإسلامية، والعلمانية»، حتى نوقشت كتب كاملة تحت هذا العنوان من الفريقين، ككتاب القرضاوي «الإسلام والعلمانية وجها ولجه»، حتى في العنوان يتصارع المفهومان! وهي فجوة يرضى بها كل واحد من متطرفي الطرفين، المتجمدين على مواقفهما، فالعلماني الحداثي «الملحد» المتطرف لا يرى مقاما للمتدين الإسلامي في دنيا القرن الواحد والعشرين، والعكس صحيح. في الحقيقة هذه إشكالية عويصة من حلولها الاعتراف بأهمية طرحها، وموضوعيتها، وتستدعي سيلا من المسائل، التي تستوجب كل واحدة بحثا مستقلا، ومن مسائلها طرح تساؤلات حول الصيغ الثلاث للدولة «الدينية، واللادينية، والمدنية»، مفهوما، وقيمة، من منظور تفكيكي محايد ما أمكن، فما هي؟: 1. الدولة الدينية: أصحاب الحل الديني أنفسهم يختلفون اختلافا شديدا حول المفهوم، لكن نقتصر على رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين القرضاوي، يعرف الدولة الإسلامية في الكتاب المذكور بأنها «دولة مدنية مرجعها الإسلام،»، ثم يطلق عليها ما يراه من صفات إيجابية: «عالمية، دستورية، شورية لا كسروية، دولة هداية لا جباية، لحماية الضعفاء»، (ص 30ـ 53)، والمفهوم المرادف هو «الخلافة»: «النيابة عن رسول الله في حراسة الدين، وسياسة الدنيا به» (ص 33)، ويذكر ثلاثة مبادئ: «وحدة دار الإسلام، وحدة المرجعية التشريعية «القرآن والحديث»، وحدة القيادة المركزية «الإمام الأعظم» (ص 32). يبدو ما ذكر أعلاه في الوهلة الأولى جميلا جدا، فالشيخ نفسه انتبه لما بين السلطة الدينية، والمدنية من تناقض، فشطب على مصطلح «الدين»، وكتب منابه «الإسلام»، وأكد على أن الدولة الإسلامية ليست «دينية» بالمفهوم المعاصر للدين، ولا كهنوتية، تيوقراطية، رهبانية، والتناقض الخفي يكمن في أن «الإسلام» دين، «إن الدين عند الله الإسلام»، ثم ما بين «الإمام الأعظم» و»الإمبراطور اليوناني التيوقراطي الموصى به من قبل «الإله»، من علاقة، بل أكبر منه، لأنه «خليفة نبي الله على أرضه»؟ كل هذا ليس بشيء ذي بال، إذا علمنا أن الشيخ يصنع مفهوما قرضاويا للدولة ليس «إسلاميا بالضرورة»، ومن ثم حذف، وأضاف، وعدل مشكورا في النصوص «الدينية»، ولهذا يكفي أن أحيل إلى الردود التي كتبت ضده من قبل السلفيين السنيين، والشيخ قريب حقا من الديمقراطية الممزوجة بالدين، لكن لنرى رأي النسخة الإسلامية التي تثبت للعالم أنها الأقرب إلى سنة الرسول، فالمفكر السني السعودي عدنان علي النحوي الذي يريد أن يكون واضحا رفض الديمقراطية طولا، وعرضا، فأكد أن «الرأسمالية التي صنعت الديمقراطية، صنعت معها العلمانية»، (ص 120)، هذا النص يعكس الخطاب السني بوضوح، ويعترف عدنان عكس القرضاوي بأن «الديمقراطية صناعة غربية، وليس هناك ديمقراطية إسلامية «، وأنها «صنو العلمانية»، والسؤال المطروح: ما هو الإسلام الذي سيطبق في الدولة إسلام القرضاوي، أم إسلام عدنان؟ هذا السؤال مشروع إذا علمنا أن كل المسلمين السنيين إما قرضاوي، أو عدناني، ثم ما محل الشيعي، والصوفي أيضا ؟؟؟ وعلمنا التوتر بين الجميع. بعيدا عن العلاقة التي بين «المسلم وغيره، كالملحد، والمسيحي .... هذا يقودنا للحديث حول: 2. الدولة اللادينية: على العكس من الطرح السابق، يطرح الماركسي الكلاسيكي ضرورة القضاء على الدين بوصفه «أفيون الشعوب»، ويرى ريتشارد دوكينز أن الشعوب لن تحقق العدالة، والسعادة، والتقدم اللامحدود إلا بالقطيعة مع «الدين»، الذي يزرع الفكر الغيبي، ويحول دون البحث العلمي، ويعطي إجابات مطلقة نهائية لكل الظواهر، ويطرح هذا الرأي غير واحد من العرب كحسين مروة، وطيب تزيني، وأدونيس في كتابه (الثابت والمتحول، ج 1، ص 46). هؤلاء لا يقلون في قطعياتهم عن القرضاوي وعدنان، فالماركسي مستعد رغم عقلانيته للقتل، والاضطهاد كما حدث في الفترة الستالينية، والحزب البلشفي، تناسوا أن الدين حاجة فطرية لدى الإنسان، مثله مثل اللباس، من توابع المجتمع، يولد الإنسان في بيئة بوذية ويصبح بوذيا، وفي بيئة مسلمة ويصبح مسلما، كما يولد لدى الطوارق ويلبس العمامة، ويولد في فرنسا ويلبس الجينز، والقلنسوة، ولا يمكن القضاء على هذه الأمور ما دام الإنسان على كوكب الأرض يحب «المجتمع». تكمن الإشكالية في أن اللاديني لن يرتاح مع «المسجد، والكنيسة، والمعبد، والزاوية»، كما لا يتأقلم المتدين مع «نوادي الرقص، والأغاني، والرياضة، والسينما، والمسرح»، والجامع بين هذه الأماكن رغم التفاوت بينهما قدسيا هو أنها كلها تلبي «حاجات روحية معنوية، نابعة من طبيعة مجتمع ما، وكلها واقع اجتماعي، لا يمكن القفز فوقه، مثلا: فرقة تنارون الطارقية وجدت من بين الطوارق معجبين أكثر من المنقطعين «للمسجد»، كما أن أكثر الأزواديين يمارسون طقوس الصلاة، اللاديني ينهى الناس عن الصلاة، والمتدين ينهاهم عن الأغاني، فمن هو الذي يضمن حقوق المعجب بالأغاني، وحقوق المصلي معا؟ هذا مجرد مثال واحد للتعارض بين أصحاب الأيديولوجيات، والمجتمع، فنعيد السؤال مرة أخرى: ما هو النظام الذي ينبغي أن يحكم الجميع: هل هو ديني أو لا ديني؟ يبدو أن كلا النظامين لا يستجيب لهموم المجتمع، وسيتهم لا محالة ب»الإقصاء» من قبل الطرف الآخر، ومن ثم تفتح الطريقة أمام الاستبداد، والدكتاتورية، وتفقد الحريات، ويقمع الأفراد، ويموت الإبداع الذي لا يأتي أبدا إلا بالخروج عن المألوف، وتكمن إشكالية الأيديولوجية «دينية، أو لادينية» في ادعائها امتلاك الأجوبة لكل شيء في الكون، ألم نر الشيخ ابن باز رحمه الله ينكر دوران الأرض، وجل الحقائق العلمية، كما ينكر جان بول سارتر كل سعادة روحية يحس بها المؤمن، وجل الحقائق الدينية، بمعنى أن رجال الدين، أو أية أيديولوجية صارمة لا يقفون عند حدودهم المعرفية، ولا يحترمون التخصصات الأخرى، ولا يعترفون بالعجز عن تقديم الحلول لكل مشكلة في الوجود، بما في ذلك المشاكل التاريخية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والجيولوجية، والبيولوجية.. مع أن الأفضل أن تبقى هذه كلها بدون أجوبة نهائية خاضعة للبحث العلمي، وتدار حسب المصلحة الوضعية لمجتمع ما، ومن هنا تبرز أهمية: 3. الدولة المدنية الحقة: إنها هي التي تأوي إليها كل ما ذكر، وترعاه أحسن رعاية، وتعطيه الحق في العيش، والكرامة، ولا تهمشه، ولا تقصيه أيا كان لونه، ودينه، وفكره، وتوجهه، وطبيعته الاجتماعية، وتحاول النهوض بالبحث المعرفي بلا حدود، وبلا حواجز، وتطلق سراح العقول نحو الكشف، والإبداع، وتسعى جاهدة تحديث آليات حياتها يوميا، وتفصل بين السلطات بما في ذلك الفصل بين السلطة الدينية «العلماء»، والسلطة السياسية «الخبراء»، في المجالات العلمية الحديثة، وتحفظ السلطة السياسية حتى العلماء فيما بينهم، وقد يتعرضون لمناوشات فكرية تؤدي إلى الغل، والحقد، والرغبة في الانتقام من الآخر، بحيث لو قبض نسق ما من أنساق العلماء على السلطة السياسية لقام بعمليات تصفية، وإبادة لكل من يخالفه، وحدث هذا حتى في الخلافة الإسلامية القديمة، سجن العلماء، وأعدم المفكرون، واحرقت كتب ابن رشد، لولا أن الغرب أنقذها لما سمعنا بها، وما زالت المسرحية مفتوحة، ما لم تطبق الديمقراطية الحقة، والليبرالية بمفهومها التاريخي الواعي للواقع الاجتماعي المعقد. سؤال جانبي: إذا كانت العلمانية نقيضا للدين، فلم تأتي المسيحية في المرتبة الأولى عالميا مع أنها في العالم العلماني الغربي الذي ولدت انتفاضته ضد المسيحية ما يعرف ب»العلمانية»؟؟
|
|