|
|
قراءة في كتاب «الأمازيغية والسلطة» لرشيد الحاحي بقلم: محمد أيت بود
نشرت مجلة وجهة نظر في عددها 16 بحثا قيما للباحث رشيد إلحاحي تحت عنوان: «الأمازيغية والسلطة «، وبعنوانين فرعيين هما: «نقد إستراتيجية الهيمنة، أسئلة الهوية واللغة والثقافة والهامش والتنمية»، ارتأيت أن أقوم بقراءة في هذا الكتاب القيم، بالنظر إلى ما يتضمنه من أفكار مهمة جدا، وكذلك بالنظر إلى قيمته المعرفية من حيث كونه يتغيى التأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ النضال الفكري الأمازيغي، هذه المرحلة يمكن اعتبارها مرحلة على درجة من الأهمية من حيث كونها تروم إلى التأسيس لمشروع فكري أو حقبة جديدة من البحوث التي تنهض على فكرة تتغيى القطع مع كل الكتابات العاطفية والانفعالية نحو ترسيخ تقليد فكري ونظري حديث ضمن مستوى الفكر الناضج والجاد، لتطرح على طاولة النقد الهادئ والمفند والداحض والمقنع، والتشريح الفكري المطلع والجائل في مختلف أرجاء ودروب المعرفة العلمية، والتحليل العلمي المعمق، وبلغة تجريدية رشيقة، وأسلوب فلسفي رصين كل الأوليات والمسلمات وكذا الطابوهات التي تتغذى من الفكر الشرقي المستلب، داحضة لكل الميتافيزيقيات التي عمل هذا الفكر على ترسيخها في وعي أو لاوعي المغاربة منذ فجر الاستقلال. الفصل الأول: تحليل إستراتيجية الهيمنة (...إن اختيارنا نقد السلطة انطلاقا من المدخل الثقافي، يقوم على افتراض أن الاختيارات السياسية التي عكست مسعى الاقصاء التام للأمازيغية، ما كانت ستحقق هذه النتائج لو لم تعمتد بالاساس على وعي إيديولوجي تحريفي، تم تصريفه عبر أنظمة التنشئة والإنتاج ومؤسسات وأجهزة الدولة، وما صاحب ذلك من تغطية وتنظير معرفيين، ومن هيمنة رمزية وثقافية ).( الأمازيغية والسلطة – ص 7 ). في هذا الفصل يقدم الباحث تحيلا رصينا ومعمقا لوضعية الأمازيغية في الفضاء الثقافي والاجتماعي بالمغرب، وكيفية النظر والتعاطي معها على مستوى الخطاب الرسمي والعمومي، وكتجربة لا تقطع مع الموروث الكولونيالي في تصنيف الثقافات إلى عالمة وغير عالمة، وبالتالي النظر إلى الأمازيغية على أنها ثقافة الجهال والأميين les indigènes”وبهذا الصدد تطرق الباحث إلى تجدد وتطور مفهوم الثقافة مع تطور العلوم الإنسانية وعلوم الاجتماع والأنثروبولوجيا، ليشمل كل ما يتعلق بالإنسان ومحيطه المتجذر، محاولا خلخلة النظرة الأيديولوجية المتحكمة في النخب المثقفة التي تريد أن تحافظ على مكانتها الاجتماعية والسياسية من خلال الإبقاء على الأمازيغية في خانة الثقافة الشعبوية والفلكلورية والشفهية، التي لا ترقى إلى مستوى الثقافة العالمة، تلك النظرة الكليانية والوحدوية التي سيطرت على المجتمع المغربي بحكم سيطرة الطابع الأيديولوجي للثقافة والمعرفة، قامت النظريات العلمية الحديثة على نقدها وعلى إبراز مفاهيم جديدة للثقافة والتعدد والاختلاف الثقافي، وإعادة قراءة ونقد مفاهيم المقدس والهوية والتراث التي كرستها النصوص والكتب التراثية. فعن طريق آليات السلطة وميكانيزماتها تحاول النخب المهيمنة على الحقل الثقافي والسياسي إعادة هيكلة الحقل الثقافي لصالح أطروحات الهيمنة والاحتواء والقمع المادي والرمزي وإنتاج أشكال التفاوت، خاصة في التعليم والاتصال والنقابات والأحزاب والمؤسسات الرسمية. فكيف يمكن أن تظهر الأمازيغية ليس فقط كلغة وثقافة بل كخطاب له فاعلية ضمن امتداد تاريخي وعمق جغرافي كبير وشاسع في إطار الخصوصيات والمميزات التي تؤكد حضورها وتزكي مقومات اختلافاتها بين العديد من اللغات والثقافات الكونية؟ كما تدل على ذلك حياة الإنسان الأمازيغي بالمغرب مثلا، كما يعتبر النظر إلى إنتاجاته من الآثار التعبيرية، لا شك تربو على أن تكون شكلا من الطقوس الفلكلورية غير المندمجة ضمن تصور ثقافي منضبط وفعال. لقد ساهم تطور العلوم الإنسانية كما يرى الباحث ذلك، في تطوير مفهومي الثقافة والسلطة، وتكوين نخبة أمازيغية شابة أخذت على عاتقها كشف مجمل المغالطات التي يحملها التاريخ والأيديولوجية الرسمية تجاه الأمازيغية من قبيل الهوية الواحدة واللغة الواحدة والوحدة الوطنية، وأصبحت الأمازيغية عنوانا لحياتية مجتمعية ووعي ثقافي لدى النخب الأمازيغية والمثقفين والمناضلين والطلاب، تأسس في هذا السياق قطب معرفي، حركي، تصحيحي، واحتجاجي، أظهر المكانة التي تحتلها الأمازيغية لغة وثقافة وهوية في عمق التجربة المغربية وتاريخه العريق. الفصل الثاني: الهوية والهامش وتدبير التعدد. ينطلق الباحث من تطور العلوم الإنسانية ليؤكد على دحض مقولة الهوية المتجانسة أو الوحدوية، بحيث تؤكد أغلب هذه النظريات الواردة ضمن هذا الإطار على الطابع الميتافيزيقي لهذا الفهم، بحيث يصبح مفهوم الوحدة والتأحيد أو التوحيد القسري مفهوما متأزما يروم إلى فرض هوية السلطة غير سلطة الهوية، هذا الفهم يستقي مقولاته من الخطاب الدوغمائي للميتافيزيقيا الإسلامية، ويرفض كل نظرة نقدية حول هذه الميتافيزيقيا، ويسعى إلى إعطاء الشرعية للإقصاء والمركزية مقابل التنوع والتعدد، في إطار نزعة أيديولوجية تطمح إلى أدلجة جل المفاهيم المرتبطة بالمركز وأسطرتها والتقليل من قيمة الهامش، ومحاولة إبعاده من أي منظور مستقبلي للإدماج ضمن سياق الشرعية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهكذا تسعى السلطة بمساعدة الأقطاب الفكرية التي تدور في فلكها منذ نشأة الوعي الأمازيغي في التسعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى فرض التصور الوحدوي للهوية المغربية عبر التأكيد على الهوية العربية الإسلامية للدولة في مقابل الروافد التي يمكن أن تكون خادمة لهذه الهوية المركزية، وقد كانت تجارب أخرى وتنظيرات أخرى لأقطاب فكرية وازنة كانت تنادي بالقضاء على الهوية الأمازيغية، ولا أدل على ذلك من الدعوة التي وجهها المفكر المغربي محمد عابد الجابري إلى المؤسسات الرسمية المعنية بالتربية والتعليم، وكذلك المفكرين والمثقفين المغاربة إلى القضاء على اللهجات الأمازيغية، في كتابه “أضواء على مشكل التعليم بالمغرب “ بحيث تندرج مثل هذه الكتابات ضمن التصور الذي يمارس التوحيد القسري بواسطة آليات أيديولوجية ترتهن بفعل الترويض لتحقيق مآربها السياسية في الهيمنة والسيطرة.لم يترك الباحث الهامش يفلت من آليات التحليل، وتناول المصطلح والمفهوم والدلالة مبرزا الخصائص الفضائية والجغرافية والجمالية للهامش من حيث تأثيرها على المركز، ومن حيث الدور الذي لعبته عبر فترات تاريخية متتالية، بحيث كان الهامش بالنسبة للسلطة المركزية على الدوام مصدر القلق والأرق، بالرغم من كل المحاولات التي تبذلها هذه الأخيرة من أجل ممارسة طقوس الإبعاد والإقصاء على الهامش كون جدلية المركز والهامش مطبوعة دوما بالتنافر والتجاذب والصراع من خلال محركات اقتصادية وسياسية واجتماعية، غير أنه بالاطلاع على مفهوم الهامش في الفكر المعاصر سرعان ما يتضح زيف أسطورة المركز وميتافيزيقيتها ورغبتها في الانتقاص من دور الهامش والرغبة في استلحاقه وجعله مجرد خادم لمشروع الاستلاب والهيمنة الذي يرغب المركز في جعله واقعا مستمرا. عند ميشيل فوكو يتضح نقد السلطة بمختلف أشكالها وتراتبيات ممارستها، بحيث ساهم فكره في تسليط الضوء على الهامش وجعله يحظى بتلك القيمة المتضمنة في صمته وبعده أو رغبة الآخر في استبعاده، الشيء الذي لا شك له تأثير كبير في جعل الإنتاجات الفلسفية لمفكرين آخرين مثل جاك دريدا من حيث عودته إلى المواضيع والأسئلة الهامشية في التراتبية الخطابية التقليدية، ومن حيث اهتمامه بالحواشي والمتون وهوامش الفكر والوجود. كما ساهم باشلار بدوره في استجلاء عناصر غموض الهامش من خلال اهتمامه بأنطولوجيا الأحلام، من حيث كونها تحيل على الهامش اللاواعي في ذهن الإنسان، ومن حيث كونها تختزن ميولاته وأحلامه وسائر الترسبات التي يعبر عنها العقل الباطن متى توفرت له الفرصة السانحة للتعبير عنها بأشكال مختلفة. فماذا تعني الأمازيغية كهامش؟ يرى الباحث أن الأمازيغية لغة وثقافة وهوية ظلت محصورة على تخوم الهامش، حيث لا يسمح لها وضعها منذ تأسيس دولة الاستقلال، وكل السياسيات العمومية في مجال تدبير التعليم والفضاء العمومي من البروز لتحتل المكانة اللائقة بها، كلغة وثقافة وهوية شعب متجذرة في الإنسية المغربية منذ آلاف السنين بالرغم من كل المحاولات التي تروم إلى إضفاء التجانس اللغوي والثقافي في وعلى المشهد الثقافي الوطني، ودرجة الأدلجة العالية التركيز التي تشتغل بها والآليات السياسية التي توظفها من أجل إدراج المغرب ضمن منظومة الدول العربية، في تجاهل تام لعناصر التفاعل الهوياتية التي أشبعت الإنسية المغربية والتي تجعل من الإنسان المغربي بالرغم من مزاعمه حول العروبة والانتماء إلى الوطن العربي لا تصمد كثيرا أمام العديد من المعطيات اللغوية والمجالية والترابية والجغرافية واللسانية والثقافية التي ينضح بها الواقع المغربي بشكل واضح وجلي. الأمازيغية كمعطى يحيل على الهامش أريد له منذ تأسيس دولة الاستقلال، وفي إطار تنظيرات أقطاب الحركة الوطنية أن يظل ضمن المجال المسكوت عنه، لأنه بالنسبة للمركز يحيل على جدلية مؤسسة على عدم الثقة وهدم الاطمئنان بين المركز والهامش، وهذه المعطيات تتغذى من التاريخ كثيرا وتجعل من مهمة تجسير العلاقة بين الهامش والمركز صعبة جدا، بل ومستحيلة أمام الترسانة الأيديولوجية الهائلة التي يشتغل بها الفكر المركزي الراغب في استبعاد الهامش، وبالتالي استبعاد الأمازيغية من دائرة الاهتمام الرسمي والمجتمعي وجعلها مجرد ديكورات للتاثيت والتزيين تحضر في بعض المناسبات وتغيب في مناسبات أخرى. الفصل الثالث: الأمازيغية والخطاب الثقافي والفكري بالمغرب انطلق الباحث من مواقف بعض المفكرين المغاربة بالتحليل والنقد الرصين واللغة الفلسفية العميقة، ليوضح مدى تهافت بعض آرائهم التي لم تكن أبدا مؤسسة على فرضيات البحث العلمي الجاد والهادف، بقدر ما أطرتها الأطروحات الأيديولوجية، يثار بهذا الشأن استفهام عريض يتعلق بمستوى الوعي الفكري والمنطق العلمي ودرجته ونوعيته، الذي يسيطر على هؤلاء المفكرين في تعاطيهم مع الأمازيغية الذي يغيب في التعامل معها التجرد العلمي المرغوب، ويستسلم هؤلاء المفكرون بخصوص هذا الموضوع لنوع من الخطاب الدوغمائي المؤدلج على حساب المنطق العلمي السليم. 1- أفكار عبد الله العروي صاحب كتاب: “مجمل تاريخ المغرب “: استطاعت الأمازيغية في العقود الأخيرة أن تنتزع احتراما لها من طرف جل المفكرين المغاربة، حتى الرافضين في البداية، وذلك بعدما راكمته ليس في مجال التنظير فحسب من مقاربات على مستوى التنمية السياسية والحداثة وبناء المجتمع الديمقراطي، وتعاطيها مع مواضيع الهوية والتاريخ واللغة. وعلى هذا المستوى استطاع الباحث أن يقارب مكانة الأمازيغية على ضوء الفكر المغربي المعاصر الذي تتخلله مساءلات نقدية، وقام بخلخلة المفاهيم المتداولة وكشف الأيديولوجيات المتحكمة فيها وفي الخطاب الرسمي واختيارات السلطة، كما خلخل المفاهيم المتداولة حول الهوية والوحدة الوطنية والإنسية المغربية. كما ساهمت كتابات أخرى في خلخلة منطلق وأدوات الفكر والأيديولوجية النهضوية ونقد النزعة التراثية، وبرزت مقولات وأفكار حديثة ومغايرة استفاذت من الخطاب الأمازيغي والنخبة الثقافية الذي قام بتأزيم الخطاب والأطروحات القومية والسلفية والتراثية النهضوية، وانشغلت بأسئلتها عن تخوم الهامش والإقصاء إلى ثنايا الإنتاج العلمي والفكري والإبداعي والخطاب النقدي والتصحيحي، ويمكن أن نتحدث عن نتائج كتابات عبد الله العروي أو عبد الكبير الخطيبي، خاصة كتابات الثاني التي برزت منذ السبعينيات من القرن الماضي داعية لفكر التعدد والاختلاف، وقامت بطرح أسئلة الهامش والتعدد اللغوي والثقافي، منتقدة للأطروحات السلفية والتراثية والعلموية، في حين ارتكزت كتابات عبد الله العروي على النقد التاريخاني، خاصة نقد التراث و كشف بعض الأساطير والمغالطات في تاريخ المغرب ونقد ما أسماه سياسة الاعتراب التي تنهجها السلطة المتعاقبة. ماهي سياسة الاعتراب؟ يركز عبد الله العروي على القطيعة مع التراث الذي يعتبره في عداد الماضي ونقد التعريب والسياسة الثقافية، مساهما في خلخلة الفكر التراثي والأطروحات التي لم تكن ترى أية مكانة لمعالجة أسئلة الراهن إلا باستلهام التراث العربي والتموقع داخل المرجعية اللغوية والثقافية والدينية وداخل بنيته الفكرية، وساهم هذا النقد في كشف الخلفيات الأيديولوجية والنزوع الماضوي الذي تخفيه السلفية والقومية والتراثية النصية، كما انتقد العروي تقديس اللغة وتحجيرها في مستوى معين وأخذ الثقافة كسمة تمييزية للقومية العربية مما اعتبره تشجيعا للاستمرار في الفكر القروسطي باللغة العتيقة وفي نطاق التراث، كما ساهم كتابه: “مجمل تاريخ المغرب” في نقد العديد من المغالطات التي تضمنها التاريخ الرسمي، ساخرا من عدم قدرة المغاربة على مفهم مصلحتهم، وعجزهم عن استلهام الدرس التاريخي خاصة هرولتهم إلى قرطاج لما داهمتهم روما، مع أنها كانت عدوهم الأول إلى ذلك الحين، واحتماؤهم بالإسلام لما هاجمهم العرب، واحتماؤهم بالعروبة ضد فرنسا وإسبانيا، وهو نقد للاختيارات التي قامت بها السلطة السياسية على مدى عدة قرون، وخاصة ذلك النزوع القومي إلى العروبة والتبعية للمشرق الذي تحول إلى قبلة روحية وسياسية وثقافية، كانت نتيجة هذه التبعية العمياء للمشرق توطين مصطلحات تؤكد على مضمون هذه التبعية كمصطلح: “المغرب العربي” بحيث يظهر جليا مدى التحريف الكبير للتاريخ والجغرافيا الذي يحمله هذا المصطلح سواء بالنسبة للعامل البشري الذي تجوهل فيه العنصر الأمازيغي بشكل غاية في الصفاقة الأيديولوجية، أو بالنسبة للجغرافيا التي تجو هلت فيها مجموعة من المعطيات المرتبطة بالأرض بشكل ديماغوجي ودوغمائي، غير أنه إذا كان النقد التاريخاني قد أفاد الأمازيغية كثيرا في قيامه على نقد سياسة الاعتراب التي مافتئت السلطة السياسية تنهجها منذ عدة قرون، إاغنائه الخطاب التعددي والحداثي، غير أن هذه الأخيرة عانت من آثار المشروع النهضوي الذي يسعى إلى ترسيخه في الفكر المغربي المعاصر، من حيث سعيه إلى استبعاد الخصوصيات واشتغاله بالهم الوحدوي، ومحاولته خدمة السلطة السياسية في أشكال تواجدها وتنميتها وتقوية نفوذها، وانقطاعه عن الواقع من خلال موقفه من الثقافة الشعبية، ونقده للمعارف الحديثة فيما اسماه: “الاغتراب “ خاصة في كتاب: “الأيديولوجية العربية المعاصرة”، والتي يسميها بالفلكلور، وربط بينها وبين خاصية التأخر، وكونها مادة فرجوية وسياحية يستمتع بها الواقعون في مقدمة التاريخ، وهذه رغبة في تكريس واقع فئة معينة من المجتمع، من خلال الرغبة في نزع صفة المادة الفنية والإبداعية عن هذه الثقافة وجعلها مجرد تمرينات لشعوب بدائية، وهي نظرة تنم عن رفض أيديولوجي بات يوضح قصور المنهج العلموي عن إدارك العمق الحقيقي للثقافة من حيث هي نتاج إنساني متجدد ومتطور.2- أفكار عابد الجابري، مؤلف: “نقد العقل العربي “: يرى الباحث أن اشتغال عابد الجابري على موضوع العقل العربي يندرج في نفس السياق الذي يندرج فيه فكر كتاب آخرين على طرح أسئلة القيم والتعبير في مجتمعاتهم انطلاقا من تاريخها وتراثها الثقافي ووضعها الاجتماعي والسياسي، كمقولات وأفكار الأيديولوجية والفكر التاريخي لعبد الله العروي، والعقل الإسلامي في مشروع محمد أركون ونقد الدين عند ط .تيزيني... وغيرها من القضايا والأبحاث النقدية. ينطلق المشروع من نقد آليات البحث في منظومة الفكر المغربي المعاصر الذي يحدد مجال الجزيرة العربية كفضاء جغرافي وتاريخي لانطلاق تجربة العرب الحضارية وإسقاطها على باقي الشعوب الإسلامية مما اعتبره الباحث مجحفا في حقها التاريخي ولغاتها وثقافاتها، وتهميشا لدور العقل الذي أنتج تلك القيم في مقابل تمجيد الذات العربية والرفع من قيمتها كباعثة ومنتجة للمعرفة الإنسانية، بالرغم من أن الجابري عمل جاهدا من أجل نقد العقل التراثي العربي ومن أجل الظفر بمشروع نظري يشكل أطروحة البحث العربي والانطلاق نحو آفاق التحضر والتقدم واسلهام روح العصر، إلا أنه بقي أسير النظرية القومية التي لا تقوى على النظر إلى الواقع المغربي كإطار مرجعي لملكات الإنسان المغربي في التفكير والتصور والحياة بل هي مجرد تنويع داخل مقولة العقل العربي بحيث تبقى مفاهيمه المستعملة “العقل العربي “، “الثقافة العربية “، “الإنسان العربي”، غامضة وخاصة إذا تم تناولها من زاوية كون المؤلف مغربيا، كما أن اللغة العربية تحظى في المشروع الفكري لعابد الجابري بأولوية كبيرة، ويعتبرها أساس النهضة العربية، ويركز على اللغة العربية الفصحى، ويسميها: “ا لغتنا الرسمية الأما “ وكما قال: “... تحدد نظرتنا نحن العرب إلى العالم... “. 3- أفكار بنسالم حميش أو تحجر النقد ومتاهة السجال بتعبير الباحث: أكد الباحث أنه من خلال تعقب لمجمل أفكار هذا الكاتب المغربي، من خلال العديد من كتاباته، وكذا البحث عن عناصر أطروحة فكرية يمكن ان تشكل مادة للنقد وتمنح أفكاره التناظر الفكري والتناسق المنهجي الذي يؤهلها لتستحق المتابعة النقدية الجادة والهادفة، يجعل العملية تصاب بخيبة الأمل وانسداد الأفق الفكري والمعرفي، ذلك أن الكاتب يطرح العديد من القضايا التي أثيرت ضمن المجال الثقافي للحركة الأمازيغية من منظور سجالي عقيم داعيا إلى تأجيج الجدالي وحرارته الفكرية وأحكامه الجزافية والقيمية. فمن خلال كتابه: “فصل خطاب الأمازيغيات وفخاخ البداوة الجديدة” نقد لثقافة الحجر ولبداوة الفكر، هذه الكتابات تتضمن قضايا ومقولات الخطاب الأمازيغي ملحة على تناوله باستهزاء ومبالغة واحتقار، هذا المنحى التنظيري العقيم والمشبع بالأطروحات القومية المتهافتة وغير المنضبطة لمنهجيات البحث العلمي، تعتبر أن العربية عند المغاربة لم تكن مطلبا قوميا، وهو نفس الطرح الذي مافتئ يتمسك به كاتب مغربي آخر ينتمي لنفس النخبة، يتعلق الأمر بمحمد العربي المساري، الذي أكد هو الآخر في العديد من كتاباته أن العروبة عند المغاربة لم تكن أبدا لتطرح في سياقها القومي والهوياتي العميق بقدر ما هي حاجة إلى الانتماء إلى مناخ ثقافي يجعل من وحدة المصير أمرا ممكنا إن لم يكن في غاية الأهمية، هذه البداوة التي ينتقدها بنسالم حميش يتناسى أنه يعتز بها في المشرق والخليج العربي بحيث لم تتمكن الطفرة النفطية وناطحات السحاب والشوارع الواسعة في مدن الشرق والخليج، من القضاء على العقلية والنموذج البدويان في السعودية ودبي وقطر والخليج، التي لا تزال تتجلى في العديد من المظاهر والممارسات السياسية والاجتماعية والثقافية. يبقى أن المنطق السجالي عند ابن سالم حميش يولد أطروحات هشة ومتهافتة لا تصمد أمام المعول النقدي العلمي الرصين الذي ركب الباحث على صهوة جواده، خلال هذا البحث القيم بحيث قام بكشف العديد من المغالطات التي تضمنتها كتاباته حول الأمازيغية والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا ستدعي الرد على الإطلاق نظرا لعموميتها وأحكامها الجاهزة والقيمية. الفصل الرابع: المثقف ومستقبل الأمازيغية بين أيديولوجية الإدماج ويوتوبيا الانغلاق: (...عادة، نقصد بالمثقف الامازيغي الباحث أو المبدع المنشغل بقضايا الثقافة أو اللغة أو التاريخ أو القانون... انطلاقا من وعي هوياتي يضع الأمازيغية في صلب اهتمامه وإنتاجه الفكري والثقافي. وبسبب اكتشاف أشكال وتجليات الإقصاء الذي تتعرض له الأمازيغية في مجالات الحياة العامة ومؤسسات الدولة، ينخرط في المطالبة بإنصافها موظفا أدوات معرفية ونقدية أو سجالية... وظهور هذا الصنف من المثقف المغربي، والأدوار التي اضطلع بها، وضعته منذ البداية على تماس المواجهة مع السلطة، حيث إن واقع الإقصاء هو نتيجة لآليات الهيمنة...) (رشيد الحاحي - الأمازيغية والسلطة ص 143 ). أكد الباحث من خلال هذا الفقرة على أن بروز المثقف الأمازيغي العضوي والملتزم كان نتيجة تخرج فئة من الشباب من الجامعات المغربية، حاملة للشواهد العليا في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية، مما أهلهم للبحث وكشف العديد من المغالطات والإيديولوجيات التي تسيج مجال إقصاء الأمازيغية، وممارسة الهيمنة على الهامش الثقافي الذي ينتجها، وبخصوص، هذه العينة من الباحثين أورد الباحث ثلاث عينات متباينة من الباحثين الأمازيغ انطلاقا من تكوينهم الثقافي ثم انطلاقا من علاقتهم بالسلطة ومدى استقلاليتهم عن هذه الأخيرة. نموذج المثقف السلفي: المختار السوسي أو “المثقف الشلحي” كما يحلو للباحث أن ينعته، هذا المثقف يعتبر من أحد الاعلام الأمازيغية في التاريخ المعاصر، بحيث أهله تكوينه الديني لتبوأ مكانة مرموقة ضمن أجهزة الدولة إبان الاستقلال، كما أن وضعه ضمن الإقامة الإجبارية، ودفاعه عن الاستقلال أهله ليتقلد وزارة التاج كممثل لمنطقة سوس، غير أن ما أشار إليه الباحث بشكل لافت كون هذا المثقف وبالنظر إلى إنتاجه الغزير حول منطقة سوس من الناحية الادبية والثقافية والجغرافية لا يعدو كونه يكتسي بعدا محتشما عن دور المثقف السلفي في إثارة موضوع الهوية واللغة الأمازيغية في ذلك الوقت، بحيث لم يكن ليخفي (شدة التباهي بالهوية العربية الاسلامية، وبلسان أهل الشرق الذي انبهر به المختار حد الثمالة والاريحية الفقهية، كما يتضح من قوله في المعسول: “ الحمد لله الذي هدانا حتى صرنا نحن ابناء (الغ) العجم نذوق حلاوة اللغة العربية (.....) ونستشف ادبها حتى لنغد أنفسنا من ابناء يعرب، وان لم نكن الا ابناء امازيغ ). (رشيد الحاحي – الامازيغية والسلطة – ص 146). بحيث يتضح جليا من خلال هذه الفقرة مدى الانبهار الذي يبديه المثقف السلفي “ الشلحي” للسان يعرب، وثقافة أهل المشرق، مع التأكيد على حجم الشعور بالدونية تجاه هذا اللسان وهذه الثقافة (... وان لم نكن الا أبناء أمازيغ ). فاستراتيجة الهيمنة كما خططت لها السلطة السياسية، البشرية والمجالية لا تتأتى بالإقصاء فقط بل بالإدماج وفق متطلبات السلطة التي تشتغل على الهندسة الديماغوجية وفق معايير الادلجة العالية التركيز، من اجل جعل العقل الآمازيغي المفكر يندمج في النهاية ضمن الطقس الثقافي واللساني العروبي، كما أن المثقف السلفي، المشبع بالثقافة الفقهية، غير المنفتح على الثقافة العصرية، وغير المطلع على العلوم الانسانية العصرية، لم يستطع التخلص من عقدة البحث عن السمو الاجتماعي خارج كل ما هو ذاتي وموضوعي، بيد أن إتقانه اللسان العربي، وهو صاحب العجمة كما يقول، تبرز تلك الرغبة الدفينة في التفوق والتميز وذلك عن طريق سلوك مسلك “الانمساخ اللغوي والثقافي” وفق إرادة السلطة وآالياتها في الاستلحاق والإدماج. نموذج المثقف العصري القريب من السلطة: لقد ساعد تلقي محمد شفيق تعليمه بثانوية أزرو، واحتكاكه بالأعيان، على إذكاء وعيه مبكرا حول ما تتعرض له الثقافة واللغة الأمازيغية من إقصاء وتهميش، رغم أن الأمر يتعلق بمثقف ترعرع في أحضان السلطة كما يشير إلى ذلك الباحث، كما أن تقلده العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية أهلاه لبلورة العديدة من المواقف المشرفة لصالح الأمازيغية، وإصدار العديد من الأبحاث العلمية والأدبية والاكاديمية حول اللغة والثقافة الامازيغية، منها: “المعجم العربي الأمازيغي - أربعة واربعون درسا في اللغة الأمازيغية – نبذة عن ثلاثة وتلاثين قرنا من تاريخ الامازيغ- من أجل مغارب مغاربية بالأولوية - الدارجة المغربية مجال توارد بين العربية والأمازيغية - وإصداره لدوريات ومجلات مثل مجلة: “ تيفاوت “...، غير أن الظهور الفعلي له كمثقف عضوي بارز لم يتم إلا بإصداره لبيانه الشهير الذي أطلق عليه اسم: “ بيان محمد شفيق حول أمازيغية المغرب”، بحيث أهله هذا البيان من جهة ليوضع على راس أول مؤسسة رسمية أمازيغية منذ الاستقلال، ويتعلق الأمر بعمادة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مما اعتبر في ذلك الحين مؤشرا واضحا على رغبة السلطة السياسية إلى إعادة المثقف الذي نشأ في أحضانها إلى تلك الأحضان، واحتواء تلك الدعوة السياسية الجامحة التي كانت قد بدأت تتكون في رحم الحركة الأمازيغية بفعل ذلك البيان. نموذج علي صدقي أزايكو “المثقف الملتزم “ والمستقل: على خلال النموذجين السابقين يعتبر علي ازايكو نموذجا للمثقف الامازيغي الملتزم بقضيته، بحيث ساعده تكوينه العصري كأستاذ للتاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط الى إذكا ء وعيه مبكرا بواقع الاقصاء الذي تتعرض له الامازيغية في موطنها، وتجند بحكنة الباحث الاكاديمي في التصدي للعديد من المقولات والمفاهيم المؤدلجة مثل: “الوطنية “و “المقدس “ و “تاريخ المغرب”...، حيث كلفته احدى مقالاته التصحيحية بعنوان “من أجل مفهوم حقيقي بثقافتنا الوطنية “ سنة 1980 تدخل السلطة لتكميم فمه وسجنه سنة سجن نافذة. (رشيد الحاحي – الأمازيغية والسلطة – ص 150). كان لذلك الأثر الكبير والسلبي على الحد من طموحه العلمي، بحيث كان قد تقدم لنيل شهادة الدكتوراة من احدى الجامعات بالخارج، الشيء الذي لم يتمكن منه اتمامه بعد ذلك، وقد ساهمت ابداعات علي صدقي ازايكو وتحليلاته في تشكيل الوعي الاحتجاجي لدى الشباب والنخبة الأمازيغية.
|
|