|
|
رسالة مفتوحة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور الموضوع: تصحيح الوضع السيادي لوطننا وشعبنا موجهــة من طــرف: الأستاذ الصافي مومن علي، محــام ـ زنقة صفاقس رقــم: 50 ـ الدارالبيضاءتحية طيبة .. وبعــد: في إطار الخطاب الملكي ليوم: 9/3/2011 الذي دعا فيه جلالة الملك محمد السادس لجنتكم الموقرة إلى الإصغاء والتشاور مع المنظمات الحزبية والنقابية ومع الفعاليات الشبابية الجمعوية والفكرية والعلمية المؤهلة، وتلقي تصوراتها في شأن مشروع الدستور الجديد. ومن منطلق تخصصي الحقوقي والقانوني، وكوني من المشتغلين فكريا ونضاليا بتوعية مجتمعنا بذاته وبسيادته، مند ما يقرب من نصف قرن، وإصداري في هذا الصدد للعديد من الكتب والمقالات المختلفة، فإنني ألتمس من لجنتكم الموقرة أن تعتبرني من الفعاليات الفكرية المؤهلة، لتقديم تصورها بشأن مشروع الدستور المرتقب، هذا التصور الذي سيقتصر فقط إذا سمحتم، على جانب السيادة الخارجية للمغرب. تعلمون أيها السادة والسيدات أن هذه السيادة الخارجية تقوم على ثلاثة مقومات جوهرية هي: ـ سيادة الوطن، أي استقلاله من أية ذيلية أو انضمام إلى وطن آخر يعتبره مركزا له. ـ سيادة الكيان، أي عدم خضوعه المادي أو المعنوي لشعب آخر، أو الشعور بالتبعية له بالاعتقاد كونه أصلا أو سيدا له. ـ سيادة اللسان أي استقلال لغته الأصلية من أية دونية تجاه لغة أخرى، ينظر إليها كونها لغته الأم أو اللغة ذات السيادة. وأنه نظرا لارتباط هذه المقومات بكينونة الشعوب وبوجودها وكرامتها، فإنها تدافع عنها بكل ما تملك من قوة، وتعتز بها كيفما كان وضعها ومستواها، معلنة عنها دون خجل في دساتيرها، بدليل أن شعبنا بعد حصوله على الاستقلال من الحماية الأجنبية، قام بإدراج اللغة العربية في الدستور الأول الصادر سنة 1962، على الرغم من ثبوت آنذاك قصورها المعرفي وعدم بلوغها مستوى اللغة الفرنسية والإسبانية اللتين كانتا تسير بهما كل دواليب الدولة، لأنه كان يعتبر دسترتها وترسيمها حقا سياديا، ومسألة مبدأ لا يقبل الانتظار أو التدرج. كما تعلمون أن الاعتداء على هذه السيادة الخارجية يتم بإحدى هاتين الطريقتين أو بهما معا: الأولى تكون باحتلال الوطن، الذي يتحقق غالبا باستعمال القوة الحربية لإخضاع الشعوب وإكراهها بشكل مباشر على خدمة المحتل، أما الطريقة الثانية فتكون باحتلال العقل، إذ يكتفي المعتدي بغرس فكره الاستعماري في عقل الشعب الضحية، إما بمزج هذا الفكر بالعقيدة الدينية، وإما بتحريف التاريخ وتزييف حقائق الحياة، وإما بهما معا، فيصبح هذا الشعب مبرمجا فكريا على خدمة المعتدي مجانا، وعلى النظر إليه على أساس كونه السيد أو الأصل الذي انحدر منه، وهذه الطريقة الثانية هي التي أطلق عليها الفيلسوف (هـيجل) مصطلح الاستلاب الفكري. وهكذا، وعلى ضوء هذا المفهوم للسيادة الخارجية، يتبين أن الشعب المغربي إن كان عبر العصور معروفا بمواهبه الحربية، وبمقاومته الشرسة للمعتدين على وطنه وعلى كيانه إلى أن يسترد حريته، فإنه كان متهاونا في تحرير عقله من الفكر الاستعماري الأجنبي، مما جعله خادما مجانيا لبناء وتقوية ذات شعوب أخرى، عوض بناء ذاته، فأدى به ذلك إلى الخروج خاوي الوفاض من المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، موصما بنعت الشعب البدائي الذي لم يرث عن أجداده سوى حلق الرؤوس وأكل الكسكس ولبس البرنوص، وذلك على الرغم من كونه كان هو الباني الحقيقي للحضارة القرطاجية، وللحضارة الرومانية والمسيحية في جنوب البحر المتوسط، وللحضارة العربية الإسلامية في الغرب الإسلامي، وقد التصق به هذا النعت الحقير، لأنه وهو يشيد كل تلك الحضارات كان مستلبا فكريا، ففاته أن يبصمها ببصمته الأمازيغية التي تميزه عن باقي الشعوب الأخرى، الشيء الذي جعل المؤرخين السطحيين يختلسون منه حضارته القرطاجية وينسبونها للفينيقيين لا لشيء إلا لكونه بناها باللغة البونيقية بدل الأمازيغية، ويختلسون أيضا ما شيده من ثقافة في العصر الروماني، معتبرينها رومانية، لاعتماده في بنائها على اللغة اللاتينية، ثم انتزعوا منه كذلك كل ما أقامه من حضارة وعمران في العهد الإسلامي ونسبوه ظلما إلى العرب والى الحضارة العربية، وهذه النظرة السطحية للأمور هي التي تأثرت بها جل شرائح مجتمعنا فرسخت في ذهنها مفهوما مغلوطا عن الحضارة المغربية وعن الشعب المغربي مفاده انقسامهما إلى قسمين مختلفين هما: 1)- حضارة أمازيغية متخلفة، ذات طابع بدوي مزمن، تنتمي إلى المغاربة «الأمازيغ». 2) – وحضارة عربية مدنية راقية تنتمي إلى المغاربة «العرب». وان كانت الحركة الوطنية بعد الاستقلال قد قاومت الاستلاب الفرنسي والغربي اللذين حاولا تدجين شعبنا بمحاولتهما إيهامه بانتمائه الأوروبي قلبا وقالبا، فإنها لم تنتبه إلى الاستلاب الشرقي المعشش في عقل شعبنا بفعل الأمويين قديما، والفكر البعثي حديثا، الذي برمج شعبنا على الإيمان بهذه المعتقدات الأيديولوجية المنتهكة لسيادته الخارجية وهي: -أن المغرب يقع في الهامش القصي للوطن العربي. -أن المغاربة هم فرع هجين من الشعب العربي -أن اللغة الأمازيغية هي لهجة من اللهجات العربية البائدة، الغارقة في العجمة وفي الغموض. وهذه الصورة الدونية للمغرب والمغاربة هي التي جسدها هذا الفكر المغلوط في المثال المشهور لطائر خرافي كان يسخر به المشارقة على المغاربة قائلين لهم إن الوطن العربي يشبه طائرا كبيرا رأسه (أي عقله) في الشرق، وجسده في مصر، وذيله في شمال أفريقيا. ويحكى أن الشاعر المغربي الكبير محمد بن إبراهيم قد رد على هذا التهكم بتأكيده أن هذا الطائر هو الطاووس الذي يعتبر ذيله أجمل ما فيه. ونظرا لعدم تحرر العقل المغربي من هذه الاعتقادات التي تمس بمقومات سيادته، فإن دستورنا الحالي الصادر في سنة 1996 قد كرسها مع الأسف بقيامه بضم بلادنا مجانا إلى الوطن العربي، حينما نص في تصديره على عبارة: (المغرب جزء من المغرب العربي الكبير) التي تعبر ضمنيا عن عروبة وطننا وشعبنا ، لأنه طالما نص هكذا على انضمام أرضنا إلى الوطن العربي الكبير، فإن ذلك يدل بداهة على انضمام شعبنا كذلك إلى الشعب العربي الكبير، على اعتبار أن هذه النتيجة من تحصيل الحاصل. ومن منطلق النقد البناء الذي لا يستهدف أي شيء آخر غير الحقيقة، أشير أن ما ذهب اليه دستور سنة 1996 ليس خاطئا فحسب، بل يشكل انتهاكا لمقومات سيادة شعبنا، لأن كل كتب التاريخ والاجتماع والسياسة وغيرها تؤكد أن المغرب لم يكن أبدا ينتمي طبيعيا إلى الوطن العربي، ولم يكن إطلاقا جزءا منه، بل لم يكن أيضا الشرق في حد ذاته يشكل مجاله الحيوي، إذ كان هذا المجال هو حوض البحر الأبيض المتوسط. ومن يستند في الانتماء الشرقي للمغرب إلى بضع السنين التي خضع فيها للإمبراطورية الأموية والعباسية، فقد استند على باطل، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد على هذا الحدث التاريخي العابر، لجعل المغرب تركة شرعية للشعب العربي، وألا فسوف نبيح للرومان نفس هذا الحق في ادعاء هذه التركة لأنهم ضموه إلى وطنهم قبل العرب، كما نبيح ذلك أيضا للوندال وللأسبان وللبرتغاليين وللأتراك وللفرنسيين ولغيرهم. وللتذكير فإن شعبنا كان في العصر اليوناني القديم يطلق عليه (الأطلسيون) نسبة إلى ملكه العظيم (أطلس) كما ذكر ذلك المؤرخ (هيرودوت)، وكان في العصر الروماني يوصم بنعت (البربر)، الذي يطلقه الرومان على الشعوب الغير الرومانية، أما في العهد الإسلامي فكان تارة يطلق عليه البربر، وتارة أخرى، المغاربة، مما يدل على أن البربري والمغربي اسمان مترادفان يدلان على مسمى واحد، وفي العهود القريبة جدا كانت الشعوب الأوروبية تطلق على شمال أفريقيا كلها اسم: la béribérie أي بلاد البربر، على غرار اسم: L’ARABIE الذي كانت تطلقه على جزيرة العرب، ثم تحول اسم بلادنا إلى مراكش في العصر الحديث، ومنه اشتق مصطلح: MAROC الحالي، ولم يصبح وطننا جزءا من الوطن العربي الكبير إلا بجرة قلم في أدبيات الإيديولوجية العربية، التي ظهرت في أواسط القرن الماضي.إذن إذا كان وطننا وشعبنا مستقلين ومتميزين عن الوطن العربي حسب ما يشهد على ذلك منطق العقل، وعلم التاريخ والجغرافيا وغير ذلك من العلوم، فينبغي لدستورنا المرتقب أن ينسجم مع هذه الحقيقة، مصححا بالتالي وضع بلادنا السيادي بإعلانه في اعتزاز ما يلـي: أولا- أن المغرب دولة ذات سيادة تنتمي طبيعيا إلى شمال إفريقيا، وليس إلى الوطن العربي الكبير الذي خلقه وهم الايديولوجيا الشرقية. وهذا الانتماء الجغرافي الطبيعي، لا ينبغي طبعا أن يحول دون انفتاحه على كل دول العالم للتعاون معها على تحقيق السلام والازدهار، دون أي تمييز كان، مؤسس إما على العرق، أو الدين، أو اللغة، أو غير ذلك من أنواع التمييز العنصري. ثانيا- أن الهوية المغربية الموحدة عريقة وأصيلة، تتميز عن غيرها بالخصوصية الأمازيغية، وأنها اغتنت في تاريخها الطويل بروافد متعددة مصرية فرعونية، وفينيقية، ويونانية، ورومانية، ووندالية، وعربية، وتركية، واسبانية، وبرتغالية، وسينيغالية وغينية وغيرها، شأنه في ذلك شأن كل شعوب العالم التي لا تؤمن بالعرقية وبصفاء الجنس. وقد برع الخطاب الملكي ليوم 9/3/2011 في تلخيص حقيقة هذه الهوية، في عبارة دقيقة جامعة مانعة، اقترح تبنيها حرفيا في الدستور الجديد. ثالثا- أن لغتيه الوطنيتين هما: الأمازيغية والعربية، الأولى وطنيتها أصلية بالانتماء العضوي للوطن، والثانية وطنية بالاكتساب، لثبوت إضفاء شعبنا بإرادته الحرة صفة المواطنة والرسمية على هذه اللغة، بعد اعتناقه للدين الإسلامي واستقلاله عن الخلافة العربية في المشرق، مؤسسا دوله وإمبراطورياته الخاصة، التي حكم بها نفسه بنفسه، انطلاقا من الدولة الأوروبية قديما، التي يطلق عليها خطأ الدولة (الإدريسية)، مرورا بالمرابطية والموحدية ، إلى الدولة العلوية في عصرنا الحاضر. وصفة المواطنة التي تتمتع بها هاتان اللغتان تقتضي حتما ترسيمهما في الدستور، تحت طائلة المساس بحق سيادي وطني، لأن سيادة الشعوب تقوم كما تقدم على سيادة الوطن، وسيادة الكيان، وسيادة اللسان، لارتباط هذه المقومات بكينونتها وبوجودها وكرامتها. وبهذا في اعتقادي يكون دستورنا المرتقب قد تحرر من الاستلاب الإيديولوجي المعشش في العقل، مصححا بالتالي الوضع السيادي لشعبنا، بتحرير كل مقومات سيادته من أية ذيلية أو تبعية شرقية أو غربية. وتفضلوا بقبول فائق احترامي وتقديري (الدار البيضاء في: 2/5/2011)
|
|