|
|
إلى القائلين بأن للمغرب انتماء عربيا بقلم: مصطفى ملّو«أن يعي الإنسان ذاته، فتلك هي الحياة» (هولدرلين). «أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إني لست فرنسيا» (كاتب ياسين). «إذا كنا عربا فلماذا تعربوننا؟ وإذا لم نكن عربا فلماذا تعربوننا؟» (كاتب ياسين). هذا المقال هو رد على العروبيين وخدام القومجية العربية في المغرب، والذين عملوا كل ما في وسعهم لطمس الهوية الحقيقية لهذا الوطن، مستعملين في ذلك وسائل شتى، ومستفيدين من سيطرتهم على مصادر الإعلام والثروة وأدوات نشر وتوزيع الأكاذيب طيلة عقود من الزمن، سعيا منهم لإلحاق الشعب المغربي خاصة، وشعوب شمال إفريقيا عامة بالشعب والوطن العربيين في إطار المشروع القومي العربي. كل هذه الأساليب والمحاولات الهادفة إلى مسخ وتزوير الهوية الأصلية للشعب المغربي، وتزوير انتمائه الإفريقي والمتوسطي وإلصاق تيكيت العروبة به، هو ما سنحاول فضحه بالدليل والحجة، وليس بلغة العواطف والتدليس التي لم نلجأ إليها في يوم من الأيام، بل هي من اختصاص أعداء الأمازيغية، الهوية الأصيلة للمغرب، وسنقوم بناء على براهين وأدلة علمية بفضح زيف ادعاءات ومزاعم العروبيين القائلين بانتماء المغرب وشمال إفريقيا إلى العروبة، ولكل هؤلاء نقول: هذه براهنينا فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. الدليل التاريخي: إذا كان أصحاب أسطورة انتماء المغرب للعروبة يستندون في ذلك إلى الروابط التاريخية بين شمال إفريقيا وشبه جزيرة العرب، ويزعمون بأن تلك العلاقات لم تنقطع في يوم من الأيام بين الجانبين، فيتخذون ذلك ذريعة للقول بعروبة المغرب، فنجيبهم بأن شمال إفريقيا كانت له علاقات قديمة قدم التاريخ مع شعوب أخرى، وهي علاقات لم تنقطع هي الأخرى في يوم من الأيام، بل إن علاقات الأمازيغ مع الشعوب غير العربية أقدم وأسبق؛ فقد تعاملوا مع الإغريق والفينيقيين والرومان والوندال والبيزنطيين والأندلس وشعوب إفريقيا السوداء كبلاد السودان وغانا، أما مع أوربا موطن الإغريق والرومان والوندال والبيزنطيين، فهي علاقات لا زالت قائمة إلى يومنا هذا، فعدد المهاجرين المغاربيين بأوربا يفوق بأضعاف الأضعاف نظيره بشبه جزيرة العرب، والعلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية أضخم بكثير، وعدد الرحلات الجوية والبحرية أكبر. هكذا يتضح أن العلاقات مع أوربا أقدم وأوطد وأكثر متانة وتداخلا. وعليه فمحاولة ربط المغرب بالعروبة لمجرد علاقاته التاريخية مع الدول العربية، ما هو إلا تحليق خارج سرب التاريخ، الذي يؤكد أن الأمازيغ وإن اتصلوا وتواصلوا مع العرب أفقيا، فلا ينبغي أن تنسى علاقاتهم العمودية (أوربا وإفريقيا جنوب الصحراء)، فهل مجرد الاتصال أو الاحتكاك التاريخي بالعرب يبيح جعل شمال إفريقيا وبجرة قلم جزءا لا يتجزأ من «الوطن العربي»؟وإذا كان ذلك صحيحا حسب زعم العروبيين، فلماذا لا يحق إلحاق شمال إفريقيا بأوربا اعتمادا على سبق العلاقات التاريخية بين الجانبين وأهميتها كما رأينا، واعتبارا للقرب الجغرافي بينهما؟في هذا السياق يقول الأستاذ أحمد الدغرني في كتابه «البديل الأمازيغي»: «إن تعاملنا مع الشرق الأوسط هو تعامل في حدود المبادلات مع الأقطار المشرقية، لا يمس بوجود الأمازيغيين كوطن وأمة وشعب له كيان خاص به، وسنتعامل مع الشرق الهندي والصيني والعربي واليهودي وغير هؤلاء، أي الشرق الواسع وليس فقط الشرق العربي والإسلامي»1. هذا القول يعني أن الأمازيغ رغم تعاملهم واتصالهم بالعرب، فهو لا يعني اندماجهم وانصهارهم في المجتمعات العربية، ومن ثم انتماءهم إلى العروبة كما يروج لذلك عبدة الأصنام التي بنتها القومجية، بل هم كيان حافظ على استقلاليته وخصوصيته وتفرده، وما يؤكد هذا القول ما ذهب إليه الدكتور ع السلام بن ميس في كتابه «مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة المغاربية القديمة» عندما قال «رغم التمازج العنصري الذي شهده شمال إفريقيا (مع اليونان، الفينيقيين، الرومان والوندال والبيزنطيين وأخيرا العرب)، بقي العنصر السكاني الأصلي يحتفظ بأهم خصائصه الحضارية، يقول شارل أندري جوليان في هذا الشأن: إن الأمازيغ رغم كونهم استقبلوا حضارات مختلفة فقد احتفظوا بهويتهم الأصلية. إن الحضارات المتتالية القادمة من خارج شمال إفريقيا كانت بالنسبة للأمازيغ عبارة عن ألبسة يضيفون بعضها إلى بعض ويبقى جسدهم داخلها هو هو لا يتغير»2. كل هذه إذن أدلة تثبت مدى زيف ادعاءات المضللين العروبيين الذين لا يقيمون للتاريخ وزنا ولا حسابا، إنما يحاولون فقط تحليل الأمور بمنطق الهوى والعواطف خدمة لادإولوجيتهم العروبية. الدليل الجغرافي: إذا كان مدعو انتماء المغرب إلى «الفضاء العربي»، يعتبرونه بمثابة امتداد جغرافي «للوطن العربي»، أفليس المغرب أقرب بكثير إلى الفضاء الأوربي، حيث لا تفصله عنه سوى كيلومترات، في حين تفصله عن شبه جزيرة العرب آلاف الكيلومترات؟ أليس المغرب أقرب إلى بعض الدول الإفريقية منه إلى ما يسمونه فضاء عربيا؟هذا من ناحية، من ناحية أخرى فالباحث في جغرافية المغرب وشمال إفريقيا، لن يحتاج إلى كثير من الجهد ليكتشف أن لا علاقة لها بجغرافية بلاد العرب، حيث لا وجود سوى للصحاري القاحلة، في حين تتنوع تضاريس شمال إفريقيا، بين الجبال الشاهقة والسهول الواسعة والخصبة والهضاب والتلال، وتعرف تساقطات مطرية وثلجية مهمة لا وجود لها بتاتا في بلاد العرب، فضلا عن توفرها على غابات كثيفة من الأرز والفلين والعرعار... وعلى وحيش متنوع، وهو ما لا يتوفر بالمرة في بلاد العرب التي يزعمون انتماءنا إليها، ويعتبرون بلدنا امتدادا جغرافيا لها، يضاف إلى كل ذلك طوبونيمية جغرافية المنطقة والتي تحمل أسماء أمازيغية؛ كأسماء الجبال والوديان والسهول والفجاج والمغارات والكهوف، فهل بعد كل هذه الأدلة حاجة إلى مزيد؟ نعم سنزيدكم أدلة على أدلة حتى التخمة. الدليل الأركيولوجي-العلمي: يحاول أعداء الحقيقة من القومجيين جعل شبه جزيرة العرب مركزا للعالم وأصلا لكل البشرية، وذلك في تعارض تام مع أهم الاكتشافات الأركيولوجية التي تم التوصل إليها إلى حد اليوم، والتي تؤكد بأن أقدم إنسان تم العثور على جمجمته بإفريقيا، وتحديدا في مثلث إثيوبيا، كينيا وطانزنيا، وبذلك يمكن القول بأن إفريقيا هي مهد البشرية، مما يدحض تماما ادعاءات المغرضين القائلين بأن أصل سكان شمال إفريقيا من اليمن. وهكذا، ووفقا للأبحاث الأركيولوجية التي تعتبر مصدرا هاما من مصادر التاريخ، يمكن القول بأن العكس هو الذي حصل؛ أي أن سكان اليمن هم على الأرجح من هاجر من إفريقيا عبر البحر الميت وليس العكس، وما يؤكد ذلك قول د. ع. السلام بن ميس «أما الأطروحة القائلة بأن سكان شمال إفريقيا القديم أتوا من اليمن، فهي دعوى ثبت بطلانها، ولا شك أن تبنيها قد حصل عن خلط بين الأمازيغ الأصليين الذين استوطنوا شمال إفريقيا منذ زمن يصعب تحديده، والفينيقيين الذين أتوا فعلا من الشرق واستوطنوا شمال إفريقيا القديم... وقد استغل بعض المتطرفين العروبيين وحتى بعض المؤرخين سوء الفهم هذا، لإيهام أنفسهم ومن يساندهم للقول بأن سكان شمال إفريقيا الحالي هم من أصل شرقي، تماما كالعرب، وبالتالي فليس هناك مبرر لمعارضة التيار العروبي المعاصر الذي يرد كل شيء إلى الشرق»3. وما يزيد من تأكيد هذا الطرح الذي توصل إليه بن ميس ما جاء في مقال ع .السلام خلفي المنشور بجريدة تويزا عدد169«أما قول الأمازيغ بأنهم عرب عاربة نزحوا من اليمن فإنه مجرد ادعاء منهم، فقد كانت إجابة ياقوت الحموي كافية لدحض هذا الادعاء بقوله «فأكثر البربر تزعم أن أصلهم من العرب واليمن وهو بهتان منهم وكذب»، كما أكد بن خلدون بأن هناك من يدعي أن البربر من ولد إبراهيم عليه السلام من نقشان ابنه وأنهم يمنيون وقالوا أوزاع من اليمن» وهو ادعاء في نظره أيضا4». هذا الادعاء أبطله إمام النسابين وأوثقهم وهو أبو محمد بن حزم ونفاه نفيا قاطعا بقوله»ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير، وبعضهم ينسب إلى بر بن قيس، وهذا كله باطل لا شك فيه، وما علم لقيس بن عيلان ابن اسمه بر أصلا، وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن»5. كل هذا إذن يبرهن بما لا يدع مجالا للشك، بأن ادعاءات انتماء المغرب للعروبة لا أساس له من الصحة من الناحية الأركيولوجية وعلم الأنساب، بل هو كذب في كذب. الدليل الفكري: يراوغ خدام القومجية العربية، فيزعمون أن المقصود بالعروبة ليس هو الانتصار ولا الانتساب للعرق العربي، ولا ينبغي أن تفهم العروبة بمنظور عرقي، وهم بذلك يحاولون تضليل الناس، وكأنهم لا يعرفون معنى القومية في اللغة العربية، فتجدهم يدعون بأن المقصود بالعروبة هو الوعاء الفكري العربي، وحتى لو سلمنا بصحة ادعائهم، فدعونا نسألهم: إذا كانوا يربطوننا بالعرب من حيث الفكر؛ فهل ما كتبه مثلا المؤرخ والمفكر ابن خلدون عن العرب هو ما كتبه مؤرخو العنتريات والبلاطات العرب عن العرب أنفسهم؟ وهل طريقة كتابة وتحليل ابن خلدون هي نفسها عند المؤرخين العرب؟هل عندما كتب محمد خير الدين، ومحمد زفزاف ومحمد شكري، وكاتب ياسين، ومولود فرعون... رواياتهم وأعمالهم المرتبطة بوسطهم الاجتماعي وعادات وتقاليد مجتمعهم، يشبهون في ذلك ما كتبه الأدباء العرب في قصصهم ورواياتهم؟هل ما كتبه المفكر الأمازيغي محمد أركون عن التعريب-مثلا- وربطه بإيديولوجية القومية العربية، هو ما كتبه القوميون العرب أنفسهم عن التعريب الذي يرونه عملية محمودة بل وواجبة، بينما قال عنه أركون»إن الرهان يتمثل في تجاوز خطاب الدولة الوطنية واستعادة التعددية الثقافية والفكرية والتخلص من النزعة الواحدية المسؤولة عن اجتثاث الفكر العقلاني(الراشدي نموذجا) من اللغة العربية، التي أسهمت في أسطرة المجتمع من خلال تحويلها للدين إلى عامل للأسطرة وليس للعقلنة، وهكذا وبالتوازي مع الخطاب الإيديولوجي، ووفق هذه الشروط تم ما يسمى بالتعريب الذي يؤدي المغاربيون ثمنه اليوم»6.كل هذا يؤكد أن طريقة تفكير الإنسان الأمازيغي-الشمال إفريقي، تختلف كثيرا عن طريقة تفكير الإنسان العربي، وهنا لا بد من التنبيه إلى خطأ شائع مفاده أن هناك من يعتقد بأن الفكر المغاربي فكر شفوي وينسب أعمال العلماء والأدباء المغاربيين إلى شعوب أخرى، وفي هذا يقول الدكتور بن ميس»إن من يعتقد بأن الفكر المغاربي شفوي فهو مخطئ، لأن المغاربيين كتبوا في لغات غير لغتهم الأم، وهذا دليل على أنهم عبروا عن أفكارهم كتابة، فمنهم من كتب باليونانية ومنهم من كتب باللاتينية، والعربية والفرنسية وغيرها، ومن هنا جاء خطر آخر يتمثل في تجريد المغاربيين من أعمالهم وإلحاقهم بالشعوب التي كتبوا في لغاتها». ويضيف بن ميس قائلا «يعتقد أغلب مؤرخي الأفكار العرب بأن شمال إفريقيا كان منطقة جرداء قبل وصول العرب والمسلمين إليها، فلم يكن في رأيهم عند الأمازيغ قبل مجيء الإسلام أي شكل من أشكال الإنتاج الأدبي أو العلمي أو الفني، وهذا طبعا خطأ أو تكتيك إيديولوجي يهدف إلى محو هوية السكان المحليين والتنقيص من قدرتهم العقلية على الإنتاج الفكري وإعلاء شأن العرب الوافدين». ويصوغ لنا بن ميس أمثلة عن محاولة العرب مصادرة الإنتاج المغاربي بقوله: «في العصور الوسطى أخذ الأوربيون عن المغاربيين ما يسمى اليوم بالأرقام العربية1، 2، 3... التي هي في الواقع ليست عربية، بل مغاربية ظهرت لأول مرة بشمال إفريقيا ولم يسبق للمشارقة أن تداولوها حتى الآن»7. كما أن مبدأ فصل الدين عن الدولة استورده الأوربيون من دوناتوس الأمازيغي، وكل هذه أدلة تؤكد على تميز فكر الأمازيغ وإبداعاتهم عن فكر العرب وغيرهم، وتثبت ما توصل إليه الأمازيغ من إنتاج فكري ساهموا به مساهمة فعالة في تاريخ الفكر الإنساني، هذه المساهمة التي يحاول البعض أن ينسبوها إليهم في إطار ما سماه محمد شفيق في كتابه ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين ب»العقلية المصادرة لكل ما هو أمازيغي، والتي تنسب سيئات الماضي للأمازيغ». أما أحمد عصيد فيرى بأن القول»بأن الأمازيغ قد برعوا دائما في اللغة العربية وخدموها بتفان، هي حقيقة تاريخية تستعمل في سياق مؤدلج بإفراط من أجل إخفاء حقيقتين أخريين: الأولى أن الأمازيغ قد برعوا في كل اللغات التي احتكوا بها منذ أزمنة قديمة، حتى ولو كانت تلك اللغات لخصومهم السياسيين كالرومان والفرنسيين، دون أن يعني ذلك تخلي الأمازيغ عن لغتهم وهويتهم الأصلية، والحقيقة الثانية أن التركيز على دور الأمازيغ هذا، لم يكن يرمي قط إلى الإشادة بهم بقدر ما كان يستعمل من أجل دفعهم إلى التخلي عن حقهم في الحفاظ على لغتهم الأصلية، وكأني بك تقول-موجها الخطاب إلى بنسالم حميش-:»انظر كيف برع أجدادك في العربية وآدابها، فلم لا تقتدي بهم وتترك عنك أوهامك في بعث لهجة ميتة سوقية؟»8. يتضح مما تقدم بأن الكتابة بلغة غير اللغة الأصلية للإنسان لا يجيز تغيير هويته وإلحاقه بالشعب الذي كتب بلغته ونسب إنتاجه الفكري لهذا الشعب، وإلا فمحمد خير الدين، وإدريس الشرايبي وبن جلون وكل من كتبوا بالفرنسية فرنسيين، وكل مغنٍّ غنى بلغة غير لغته الأصلية عد من الشعب الذي غنى بلغته، فهل يقبل عقل سليم هذه النتيجة الزائفة القائمة على معادلة خاطئة من الأساس قوامها العمى والتعصب العرقي؟؟ الدليل «العرقي»: نؤمن كل الإيمان بأن لا أحد يمكنه إثبات نقائه العرقي أبا عن جد؛ فبعد سنين طويلة من التمازج والتزاوج بين شعوب مختلفة، أضحى من المستحيل الحديث عن شيء اسمه الأصل العرقي الواحد للأمازيغ أو لغيرهم، فالأمازيغ مثلا فيهم السود (الطوارق مثلا)، وفيهم الشقر(شمال المغرب والأطلس المتوسط)، وفيهم بين هؤلاء وأولئك، وبالتالي فنضالنا نضال هوياتي ثقافي لا نضال عرقي، كما يروج لذلك أعداء الأمازيغية ويضللون به الناس، وما يؤكد ذلك أن هناك من الأمازيغ من يدافع عن العروبة أكثر من العرب أنفسهم ويتنكرون لهويتهم الأمازيغية، وهؤلاء هم من يصفهم أحمد عصيد بأنهم أمازيغ عرقا لكنهم ليسوا أمازيغ فكرا وثقافة، ويؤكد ذلك مخاطبا عابد الجابري بالقول»كما يسعدني أن أخبركم بأن المواطن العربي في المشرق الذي يؤمن بحقنا في الحفاظ على لغتنا الأصلية الأولى، هو أقرب إلينا من أي أمازيغي يتشنج وتضطرب أعصابه عند سماع كلمة أمازيغية، وبهذا ستدركون لا شك، أنه في قضيتنا هذه لا قيمة مطلقا للأصول والأعراق وشجرة الأنساب التي تشغل عبر التاريخ «العقل العربي» دون سواه»9. ولكن حتى وإن سلمنا بأكاذيب القومجيين ومراوغاتهم ممن يتحدثون عن الانصهار والتمازج بين العرب والأمازيغ، وهو قول حق أريد باطل، دعونا نسأل هؤلاء بعض الأسئلة: إذا كان منطلقكم عرقيا في جعلنا عربا مستندين إلى «نظرية الانصهار»؛ فمن ينصهر في الآخر، هل هي الأقلية الوافدة ( العرب)، أم الأغلبية التي هي السكان الأصليين (الأمازيغ)؟ وإذا كان العرب الوافدون قد تزوجوا النساء الأمازيغيات، فهل الأبناء ينسبون فقط لآبائهم أم إلى أمهاتهم أيضا؟ حتى وإن كان الافتراض الأول صحيحا من التصور الشعبي-العامي، ولكن من المنطلق العلمي؛ هل كان لهؤلاء العرب القليلون أن ينجبوا لولا تزوجهم بنساء أمازيغيات؟هل حدث يوما أن تحولت هوية شعب وبلد ما إلى هوية الوافدين عليه؟ أي بمعنى آخر هل «الأقلية العرقية» الوافدة على وطن ما، هي من يكتسب هوية هذا الوطن، أم هي من يفرض هويتها عليه؟ وللتوضيح أكثر هل ملايين المهاجرين بالدول الأوربية مثلا فرضوا هويتهم على هذه الدول، أم اكتسبوا هوية هذه البلدان؟هل تحول ساركوزي مثلا ومعه أسرته إلى فرنسيين بالهوية رغم أصولهم الهنغارية، أم بقوا هنغاريين، أم غيروا هوية فرنسا إلى هوية هنغارية، نفس الشيء يقال بالنسبة لبيل كلينتون الكندي الأصل، وأوباما الإفريقي...وقس على ذلك؟؟الدليل الثقافي: باعتبار العادات والتقاليد والطقوس واللغة والموسيقى والفنون جزءا من الثقافة، فهل يمكن ربط المغرب وعادات وتقاليد شعبه بالعرب؟ هل ثمة تشابه بين عادات وطقوس الأعراس والحفلات والرقص والموسيقى بالمغرب وشمال إفريقيا مع نظيرتها في الخليج؟هل الزربية والقفطان والتكشيطة والجلابة والشربيل والسلهام والبلغة والحلي الأمازيغية هي نفسها الملابس المستعملة عند العرب؟ هل المعمار المغربي من نقش على الجبس والرخام والقصابات «إغرمان» وأبراج وطريقة البناء وأواني خزفية وأساليب الزراعة وتوزيع الماء، والقوانين العرفية المنظمة لذلك هي نفسها عند العرب؟ هل الطبخ والمأكولات الأمازيغية من طاجين وكسكس وحريرة ورفيسة و»سبع خضاير» والحلويات... شبيهة بمأكولات وأطباق العرب؟ أكيد ليس هناك تشابه، ولا يمكن أن يقول بوجود تشابه إلا مضلل أو متعامٍ عن قول الحق، وهذا التميز الثقافي هو ما يجعل المغرب قبلة للعديد من السياح، الذين عبر لي أحدهم قائلا «لو أردت زيارة بلد عربي لذهبت إلى قطر أو الكويت... لكني أقصد المغرب كبلد أمازيغي، ثقافته أمازيغية». أما اللغة العربية فلا وجود لها في الحياة اليومية للمغاربة، وليست هي لغة التداول اليومي، يقول قائلهم إنها لغة الصحافة والإعلام والمدرسة والكلية، فنجيبه كم يمثل من يقرأون الصحف، وكم تمثل نسبة الطلبة من أكثر من 30 مليون مغربي، وهل هم حقا يتقنون العربية؟ أكيد أن النسبة ضعيفة جدا، أما اعتبار الدارجة المغربية لغة عربية فقصة لا تصلح سوى للتنكيت، إذ أن أغلب تراكيبها وألفاظها إن لم نقل كلها أمازيغية، وإذا سلمنا بترهاتهم فأبناء عمومتي مثلا من المتحدثين بالدارجة عرب رغم أنهم يرفضون رفضا قاطعا ولو على سبيل المزاح أن يكونوا عربا، ويتشبثون بأمازيغيتهم ويعضون عليها بالنواجذ، وأتعجب من بعض النشطاء الأمازيغ الذين يتحدثون عن مغاربة «ناطقين بالعربية»، مع علمهم بأنه لا يوجد مغربي واحد يتحدث بالعربية، إنما يقولون بذلك إرضاء للعروبيين، حتى لا يصفونهم بالإقصائيين، حتى وهم يعلمون أن ذلك يتم على حساب الحقيقة والواقع المغربيين، وأن القومجيين هم أكبر الإقصائيين . بناء على ما سبق فثقافة شمال إفريقيا والحضارات التي تعاقبت على المنطقة هي حضارات من صنع السكان المحليين باعتبارهم يشكلون الأغلبية10. الدليل الديني: يلجأ القوميون العرب في محاولاتهم اليائسة لربط المغرب بالعروبة إلى عنصر الدين، محاولين خلط ما هو ديني بما هو إيديولوجي، قومي، عروبي، فيقولون مثلا بأن أهم ما يجمعنا بالعرب هو الإسلام، وبأن الإسلام جاء بالعربية وما دامت هي لغة القرآن، فما علينا إلا تبنيها وتقديسها حتى كادت تصبح هي الركن الأول للإسلام، بل لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل علينا وفقا لمنظورهم السخيف اعتبار أنفسنا عربا والافتخار بعروبتنا لمجرد أن القرآن عربي، والصحيح أن لا شيء مما يزعمونه صحيح، فإذا كانوا يقولون بأن الإسلام هو أحد قواسمنا المشتركة مع العرب، فنجيبهم حتى وإن كان الإسلام يجمعنا مع «بعض» العرب، فهل هذا يبيح جلعنا جزءا تابعا لهم ؟ماذا عن ملايين العرب من غير المسلمين والذين لا تجمعنا معهم نفس الديانة، هل نعتبر أنفسنا جزءا منهم أم لا؟ وماذا عن مواطنينا من غير المسلمين هل نعتبرهم عربا أم لا؟ وماذا عن ملايين المسلين من غير العرب والذين يشكلون أغلبية المسلمين، هل ينتمون هم أيضا إلى العروبة، فقط لأن كتابهم قرآن عربي؟؟ ولكن الصحيح أيضا أن القرآن لم ينزل بالعربية؛ أي لم يأت بالعربية من السماء إلى الأرض، بل كانت متداولة قبل مجيء الإسلام بكثير، فقد تحدث بها أبو جهل وأبو لهب وغيرهم، وسبوا بها الرسول(ص)، كما تحدث بها من بعدهم شعراء الغلمانيات والخمرة والمجون، فكيف نقدس هذه اللغة ونعتبر أنفسنا عربا، فقط لأن القرآن عربي؟ الإسلام لا هوية له، عكس ما يسوق له بعض القوميين من العرب خاصة السلفيين منهم، فهو دين للناس جميعا، ولا يختص به العرب فقط، وليس من حقهم خوصصته وتجنيسه خدمة لإيديولوجيتهم النتنة، وبالتالي لا يحق لهم المزايدة على بقية الناس من غير العرب باستغلال القرآن وممارسة التخريف، و»الزبونية الدينية»، كما أنه من غير المسموح به بتاتا محو هوية شعب ما باسم الدين، فأندونسيا أكبر بلد مسلم، ومع ذلك فالأندونسيين ليسوا عربا، ولا يعتبرون أنفسهم جزءا من العروبة، بل ولن يسمحوا بذلك، أما نزول القرآن بالعربية وفي شبه جزيرة العرب فهو لأسباب تحسب على العرب وليس لهم، وأول هذه الأسباب؛ أن كل قوم ينزل الله فيهم رسولا لينذرهم ويبين لهم قواعد دينهم بلسانهم حتى لا تكون لهم حجة على الله، فهل يقبل ذوي العقل السوي أن ينزل رسول على قوم ما بلغة لا يفهمونها؟؟ إذن فربطنا بالعرب من منطلق ديني هو محض افتراء وتخريف وبهتان زينه الأمويون للناس وجعلوه مسلمة مطلقة لا يجوز الطعن أو حتى التشكيك فيها، وجاء من بعدهم القومجيون ليزيدوها تزيينا وزخرفة، وهذا مما لا يستقيم ولغة العقل، إذ لو أن كل شعب مسلم هو بالضرورة طرف وجزء من الشعب والوطن العربيين، لجاز اعتبار تركيا المسلمة الديانة التركية الهوية عربية، والشعب الإيراني المسلم الديانة الفارسي الهوية عربيا، والشعب الباكستاني والأفغاني والألباني، والشعب الأمازيغي لا يمكن أن يخرج عن هذه القاعدة القومجية، الاستلابية السخيفة. ختاما نذكر أن سردنا لهذه الحقائق والأدلة لا يعني ادعاء منا بالانقطاع عن بقية العالم، ولا دعوة للانغلاق والانطواء، وليس إنكارا ونفيا لوجود تواصل وعلاقات تاريخية مع العرب وغير العرب، بل تفنيدا لأباطيل القائلين بانتمائنا للعروبة، الهاربين من الواقع المتشبثين بالأحلام، والضاربين عرض الحائط كل الأدلة الدامغة التي ذكرنها، والتي تثبت أن كل ما ربطنا ولا زال يربطنا بالعرب هي علاقات تواصل واتصال، وليس علاقات انتماء واندماج وعروبة، كما يزعمون، كبرت كلمات تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا، وتلك براهيننا لهم، فإن عادوا عدنا وإن قالوا قلنا ووفينا وزدناهم حتى الشبع. إحالات: 1-أحمد الدغرني: البديل الأمازيغي، ص8، سنة2006، مطابع أمبريال. 2-ع .السلام بن ميس: مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة المغاربية القديمة، ص 23، ط الأولى 2005. 3-المرجع السابق، ص23 -24. 4- أسطورة الأمازيغي: قراءة في ميتولوجيا الأصل السامي-الحامي بحوض البحر الأبيض المتوسط (ج 2)جريدة تاويزا، ص20، ع 16. 5- ع.الرحمان ابن خلدون: كتاب العبر، المجلد السادس، ص107. 6- مدارات فلسلفية، مجلة الجمعية الفلسفية المغربية، ص179، عدد 15-2007. 7-ع.السلام بن ميس المرجع السابق. 8- أحمد عصيد:رسائل إلى النخبة المغربية، ص2011، 74. 9-أحمد عصيد، المرجع السابق، ص39. 10-ع.السلام بن ميس المرجع السابق، ص18
|
|