|
|
قراءة في مجموعة (ئرزاگ ييميم) القصصية لمحمد گارحو بقلم: محمد أوسوس – أكادير تقديم يعتبر السرد الحلقة الأضعف في سلسلة الإصدارات الأدبية بالأمازيغية مقارنة بالشعر، ففي معرض هذه السنة (2010) على سبيل المثال صدرت بسوس عدة دواوين شعرية مقابل عمل روائي واحد هو (ئگضاض ن- ويهران) للحسين بويعقوبي، وثلاثة مجموعات قصصية هي كالتالي: ـ ئسگّاسن ن تگرست للحسن زهور في 94 صفحة بالحرفين اللاتيني وتيفيناغ عن مطبعة أقلام بأكادير. ـ أعزري ن توزّومت لإبراهيم العسري في 128 صفحة بالحرفين اللاتيني وتيفيناغ عن مطبعة إيدگل بالرباط. ـ (ئرزاگ ييميم) لمحمد گارحو في 56 صفحة بالحرف اللاتيني عن مطبعة أقلام بأكادير. وتجدر الإشارة إلى أن المجموعات القصصية الأمازيغية في المغرب انطلقت من سوس منذ سنة 1988 مع حسن ئد بلقاسم الذي أصدر ئماراين بالحرف العربي، لتليها لاحقا المجموعات التالية: ـ تيغري ن تبرات لمومن علي الصافي، وهي عبارة عن قصة واحدة مطولة صدرت سنة 1993 عن منشورات جمعية أمريك بالحرف العربي أيضا. ـ أنزليف لمحمد أشيبان سنة 1998 وهي من منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (أمريك) بالحرف العربي. ـ أموسّو ن أومالو للحسن زهور سنة 2008 بالحرف اللاتيني. ـ ئزماز ن ترگين لمحمد أوحمّو سنة 2008 بالحرف اللاتيني. ـ أيت ئقجدر د أوخساي لمحمد أوسوس سنة 2009 بالحرفين اللاتيني وتيفيناغ، وهي من منشورات جمعية أمريك. وهكذا لا تتجاوز حصيلة الإنتاج القصصي عشر مجموعات على مدى أربعة عقود من تاريخ الانتقال الحديث نحو الكتابة في الأدب الأمازيغي المعاصر بسوس، بينما انطلق الإنتاج القصصي بالريف سنة 1994 مع بوزيان موساوي ليبلغ عدد المجموعات الصادرة حتى الآن تسع مجموعات لكل من محمد بوزكو ورشيدة المراقي وعائشة بوسنينة وسعيد بلغربي (وصدرت له مجموعتان) ومحمد شاشا والوليد ميمون ومصطفى أينيض. وتهدف هذه الورقة إلى تقديم لمحة عن آخر إصدار قصصي، وهو مجموعة (ئرزاگ ييميم) لمحمد كارحو التي تضم إحدى عشرة قصة مكتوبة بالحرف اللاتيني في 56 صفحة على الشكل التالي:
1- Timight n uzlmaD d ufasiy العنوان وفضاء الأحداث والتيمات كما يحيل على ذلك عنوان المجموعة الذي يمكن تعريبه بصيغة (مر حلو)، فإن القصص تتناول جوانب من الحياة الريفية الأمازيغية البسيطة التي تكتسي طابع المرارة بسبب الفقر والبؤس الذي يلفها، وفي الآن ذاته تنطوي على حلاوتها الخاصة التي تجعل البسطاء يستمرئونها على شظفها وقساوتها. وقد اتخذت القصص كلها عالم القرية فضاء لأحداثها وشخوصها نظرا لكون الكاتب ينحدر من قبيلة ئدا وكنسوس وبالضبط بدوار تيليلت التابع إداريا لبلدية إيغرم، ولذا تنضح من كل النصوص حكمة الأجداد، وترشح منها نفحات من العادات والقيم الأمازيغية الأصيلة التي أفلح الكاتب في تقريبها منا متوسلا استثمار الأشياء والأدوات البسيطة التي تؤثث مشهد البيت القروي البسيط كالشكوة مثلا (تاكشّولت)، بشكل يوقظ فينا نوسطالجية دفينة نحو الحياة الطبيعية البسيطة، وهذا ما يفسر اختياره الرحى (أزرگ، تاسيرت) كصورة للغلاف. وقد عمد الكاتب إلى توظيف التراث بطريقة استلهام المرويات والأخبار المتناقلة بالتوارث والمحكية شفويا وصياغتها فنيا في قالب قصصي معاصر بحيث يشعر القارئ بانتقال سلس من الشفوية نحو الكتابة، ومن أنماط السرد التقليدي الأخباري إلى نمط الكتابة القصصية الوافدة إلينا من الآداب الأجنبية. ويمكن تلمس بعض نماذج هذا الاستثمار الذكي للمادة التراثية في نصوص من قبيل تيگني ن تگشّولت (ص 22) وأمودّو ن ئگرا (ص 53) وأوخسان ن أورغ (ص 33). ونقطة القوة في أسلوب گارحو هي قدرته على تحويل الأشياء البسيطة والأحداث المألوفة إلى أحداث دالة مشحونة بالرمزية والإيحاء، متجنبا المباشرة في الطرح، والإفاضة في الشرح والوصف، وهكذا تمكن من تناول قضايا مختلفة وعميقة ذات بعد إنساني أو سياسي أو اجتماعي بأسلوب يفتح النصوص أمام التأويلات المختلفة، ولا يحصرها ضمن دائرة الرأي المغلق أو النظرة الإيديولوجية التي تنتصر لتوجه معين، وهكذا انتقد المشهد الحزبي والصراع السياسي في بلدنا بشكل طريف استثمر فيه المسكوكات اللفظية المألوفة لغويا والإحالات المعروفة في النسق الرمزي التقليدي الأمازيغي كما نلمس في قصة تيميغت ن أوفاسي د أوزلماض (ص 04)، كما تناول مسألة الهوية وتلاشي عناصر الثقافة الأمازيغية بسبب سياسة التهميش والإقصاء بطريقة رمزية في قصة (ماس ن-وامان، ص 27)، ولم يغفل تيمة الحب في قصصه بحيث تحضر بشكل يتجاوز الكتابات العاطفية الرومانسية المألوفة ليعطي هذه القيمة أبعادا إنسانية عميقة كما في قصة مؤثرة بعنوان (ئسكراف ن تايري، ص 42). شخوص القصص من بسطاء الريف غالبيتهم من النساء بمختلف الأعمار وهو أمر يترجم واقع حضور المرأة الاجتماعي في بادية سوس في مختلف الأنشطة الاجتماعية وفي تدبير الشأن العائلي. بعض الاختيارات السردية للمؤلف: يتميز السرد في مجموعة (ئرزاگ ييميم) بهيمنة الرؤية من الخلف التي تجعل السارد غائبا غير مشارك في القصة لكنه يعرف أكثر من شخوص القصص، لذا يغلب ضمير الغائب على السرد الذي يكاد يغيب فيه وصف الأمكنة والشخوص، فيما تستحوذ الفكرة على بؤرة اهتمام المؤلف الذي يحتفل بالحدث والموضوع أكثر من احتفاله باختيار القالب الفني أو انتقاء التقنيات السردية، مما يجعل نصوصه في منتصف المسافة بين الحكايا التراثية والقصة القصيرة الحديثة باختياراتها الجمالية المعاصرة والمتجددة، وهو اختيار اختطه الكاتب عن وعي في إطار إستراتيجيته الأدبية الحريصة على تأصيل وتبيئة الكتابة السردية الأمازيغية في تربتها وتهيئة المتلقين ممن نشأوا في حضن طقوس السرد الشفوي وتشبعوا بالتراث الحكائي التقليدي من أفواه الجدات والشيوخ ولم يستأنسوا بالتقاليد الأدبية المكتوبة للغات المهيمنة لتقبل النتاج الكتابي واستساغته تفاديا للقطيعة والنقلة الفجائية، ولعل هذا ما يبرر حضور البعد الفانتاستيكي في بعض القصص كما نجده في الحكايات العجيبة الأمازيغية مثلما هو الشأن في قصة أوخسان أورغ (ص 33) وزاينا د تفولّوست نس (ص37) وتاكيوضت ن وورغ (ص 12) وتازّاغرا ن تاتّن (ص 43). لغة السرد: تتميز لغة السرد في قصص محمد كارحو بثلاث سمات أساسية: - البساطة والسهولة حيث يكتب محمد كارحو بأسلوب يخلو من التعقيد والغموض مع الحرص على صفاء اللغة وتجنب المقترض اللغوي حيث اعتمد المؤلف رصيده اللغوي من الكلمات دون تكلف أو شحن للنصوص بكثير من المستحدث المعجمي أو المستعار من التنوعات اللهجية الأخرى تفاديا لإنتاج نص هجين ومستغلق على الفهم. ـ حمل النصوص للبصمات المحلية لإداوكنسوس حيث بعض الخصوصيات على مستوى المعجم والنطق من قبيل استعمال الضمير (نيو) بدلا من (ئنو) المستعمل في مناطق أخرى من سوس، أو استعمال صيغة جمع خاصة بالمنطقة من قبيل تافّيوْ بدلا من تافّيوين. - اكتساء التراكيب لطابع الأصالة حيث يوظف بعض العبارات الاستعارية المألوفة في سوس ويكاد ينتفي في نصوصه المستنسخ اللغوي أو المصوغ على غرار تراكيب مستعارة من لغات أخرى. ختاما: تنبئ هذه المجموعة القصصية عن ميلاد قصاص أمازيغي له أسلوبه المتميز في الكتابة القصصية، أبان عن قدرة لغوية وفنية في استثمار التراث وتثويره وتوظيف مكنوزاته وإعادة صياغته بشكل يوحي بالاتصال بالتقليد، وإن كان يمهد للانفصال عنه أو على الأقل الانتقال نحو أفق الكتابة السردية الحديثة بتشعباتها ومتاهاتها التي تؤسس للقطيعة مع المروي الشفوي، وهكذا تشهد نصوصه على قدرته الخلاقة على المزج بين الواقع والحلم، وعلى المزاوجة بين الحكاية والقصة الحديثة، وتنويع التيمات والمواضيع التي اشتغل عليها بنوع من الطرافة والبساطة التي تترجم شفافية روحه وعمق حسه الإبداعي. محمد أوسوس – أكادير (رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية)
|
|