|
|
الأمازيغية المكتوبة باللاتيني ستطرد الفرنسية من تامازغا بقلم: مبارك بلقاسم
خمدت «معركة الحرف» منذ سنوات دون أن تكشف بوضوح عن رابح ولا عن خاسر. فكما نعلم، كانت الحركة الأمازيغية (المدافع الوحيد عن شعب تامازغا) تناضل لإقرار كتابة الأمازيغية رسميا بالحرف اللاتيني. أما الظلاميون من القوميين العرب «المغاربة» والإسلاموين فكانوا يريدون أن تكتب اللغة الأمازيغية بالحرف العربي مبررين ذلك بالرغبة في الحفاظ على «الوحدة الوطنية» والوقاية من التنصير والفرنسة...إلخ. في حين أن هاجسهم الحقيقي ينحصر في حماية عروبة «مغربهم المتخيل» من الأمازيغية التي يسهل الحرف اللاتيني صعودها وانتشارها وتطورها. لقد عرفوا أن الأمازيغية إذا كتِبت بالحرف اللاتيني فستنطلق انطلاقة الصاروخ لأنها لغة شعبية قوية عكس العربية الفصحى والفرنسية.
وهاهو المجلس الأعلى للتعليم وقد بدأ مؤخرا يخطط ويناور لإقبار ما
تبقى من «تعليم الأمازيغية» عبر محاولة إلغاء إجبارية تعليم الأمازيغية في المدارس.
ولكن هذه قضية أخرى. ولكي ينقذ «حكماءُ الأمة» البربرَ من تخريب بيوتهم بأيديهم، فقد هدد هؤلاء «الحكماءُ» آنذاك بالنزول إلى الشارع (وماذا بعد؟) لمنع إقرار كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني! فالفرنسية بحرفها اللاتيني حلال على العباد والرعية، ولكن الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني حرام وفتنة وتنصير ومهلكة! الإيركام والحرف والإرهابيون والفرنكوفونيون:
والسؤال الذي لا نعرف له إجابة شافية لحد الآن هو: هل تأثر آنذاك
قرار المعهد الملكي باستخدام (وتصميم) حرف تيفيناغ كحرف معتمد لكتابة الأمازيغية،
بالتهديد الإرهابي الإسلاموي بالنزول إلى الشارع؟ الشيء المؤكد هو أن حرف تيفيناغ نزل بردا وسلاما على هؤلاء الإسلاميين والقوميين العروبيين، ونزل بردا وسلاما على المخزن. إلا أن تيفيناغ نزل بردا وسلاما وبركة ورحمة ومِسكا ورياحين على الفرنسية والفرنكوفونيين بالمروك. إنهم المستفيدون الكبار من عدم كتابة الأمازيغية رسميا بالحرف اللاتيني ومن عدم السماح للأمازيغية بمنافسة الفرنسية في قاعة الدرس بالحرف اللاتيني الواسع الانتشار والقوي بتكنولوجيا المعلومات. وهكذا تنفست الفرنسية والفرنكوفونيون بالمروك الصعداء بعد أن خمدت هذه الزوبعة (زوبعة الحرف) واستنزف الخصوم قوتهم فيما بينهم وخرجت الفرنسية من عجاج المعركة سالمة غانمة لم تتضرر هيمنتها ولم تتهدد مكانتها ولم يجرؤ أحد على مسها بسوء. وهاهي الفرنسية مستمرة في الاستفادة من هذا الوضع الممتاز منذ دخول الاستعمار، باقية في مكانها المريح تستفيد من رعاية وعناية الدولة وسخاء أموال الضرائب وسعة صدر المدارس والجامعات والتلفزات وخلو الساحة من لغة حيوية شعبية مكتوبة بالحرف اللاتيني. من ينافس الفرنسية؟ الدارجة المنبوذة:
الدارجة لغة مروكية وطنية حية حيوية شعبية ولكنها لا تكتب ولا تقرأ
ولا تدرس ولم تتطور علميا وأكاديميا بل هي لغة منبوذة محتقرة من طرف أهلها. لا
يرونها صالحة إلا للكلام العامي المنزلي والشوارعي والأغاني الشعبية والسكيتشات
التلفزية. يخيل للبعض أن هذه الدارجة الهجينة قوية منيعة بسبب انتشارها الواسع نسبيا في الكثير من أرجاء المروك. ولكن هذه القوة والحيوية الظاهرية تخفي هشاشة كبيرة تصبح واضحة لنا حينما ننتبه إلى صغر حجم الرصيد اللغوي للدارجة. ليس هناك شخص واحد اليوم ناطق بالدارجة يقدر على كتابة فقرة واحدة بالدارجة يصف فيها شيئا أو فكرة مجردة دون أن يستخدم كلمات عربية فصحى وفرنسية في معظم الجمل والتعبيرات. لقد تم تفقير الدارجة وقطع يديها ورجليها من طرف سياسات التعريب والفرنسة فأصبحت قاصرة وغير قادرة على النمو والتطور. وأصبح الناطقون بها كلغة أم يرتمون في أحضان العربية والفرنسية هربا من هذه الدارجة المنبوذة ثقافيا وأكاديميا. العربية المشلولة: أما العربية (المكتوبة/الفصحى) فهي حالة معكوسة للدارجة. العربية لغة رفيعة التعبير وغنية القاموس ولكنها لغة نصف ميتة لأنها ليست لغة شعبية، لا في المروك ولا في البلدان العربية الحقيقية في غرب آسيا. العربية تؤدي مهمتها التعبيرية كاملة في المجال المكتوب (جرائد، كتب،...) ولكنها في مجال الكلام اليومي المنطوق غائبة لا وجود لها. العرب الحقيقيون في آسيا والمصريون لا يتكلمون سوى عامياتهم المحلية التي هي تطور طبيعي للعربية. وقد تتطور تلك العاميات لتصبح لغات كاملة الاستقلالية خصوصا وأن العرب والمصريين أصبحوا يأخذون عامياتهم بجدية ويعتنون بها. في المروك، العربية لغة أجنبية تماما عن المجتمع الأمازيغي رغم وجودها منذ قرون بتامازغا. وجود العربية كان دائما سطحيا جدا وانحصر في العبادات والفقه وبعض الكتابات والمصنفات. أما سواد الشعب الأمازيغي فقد بقي أمازيغي اللسان لا تهمه من العربية إلا نصوص العبادات الإسلامية، إلى أن دخل الإستعمار فأسس سياسة لغوية أعطى الإمتياز فيها للفرنسية والعربية وأبعد الأمازيغية والدارجة. ولكن هذه السياسة اللغوية الاستعمارية التي بقيت الدولة المروكية إلى هذه اللحظة وفية لها لم تشفع في إنقاذ العربية من هذا الشلل النصفي أو الموت الجزئي. وما زالت العربية لغة أجنبية عن المجتمع الأمازيغي لا يتعرف عليها الأطفال إلا في المدرسة والتلفزة ولا تلعب أي دور في التواصل اليومي ولا في الإقتصاد والتجارة ولا في التعليم العالي ولا في العلوم والتكنولوجيا. أما النخب السياسية والاقتصادية العارفة بخبايا الأمور فهي تحرص على تدريس الفرنسية والإسبانية والإنجليزية لأبنائها و”تهريبهم” إلى الجامعات الأوروبية والأمريكية والكندية. أما التعريب فهو خُلِق للضحك على ذقون الأمازيغ المؤدلجين عروبيا وإسلامويا والذين يعيشون في “الماضي المجيد”، وأيضا لإسكاتهم واتقاء غضبهم. وخُلِق التعريب أيضا لتدجين واستتباع عموم أبناء الشعب الأمازيغي ولإعدادهم لخدمة أقرانهم من أبناء النخب والعائلات الإقطاعية السياسية والإقتصادية حينما يعودون إلى البلاد مظفرين بالشهادات الجامعية يرطنون باللغات الإفرنجية في طريقهم إلى كراسي آبائهم الوزارية ومناصب أجدادهم المحجوزة العائلية. الأمازيغية المسجونة: أما الأمازيغية فهي تملك شعبية وحيوية الدارجة وغنى وثراء العربية الفصحى وكل ماينقصها هو قليل من التمرين و”التجباد”، لتنطلق بكامل قوتها فتصبح لغة العلم والتكنولوجيا والفن والإعلام بعد أن برهنت على حيويتها ومقاومتها للحصار والطمس والتدمير عبر القرون.
اللغة الأمازيغية اليوم مسجونة في حالة من العطالة واللانشاط
inactivity. كامنة محاصرة. أعداؤها يريدون إهلاكها ومحقها. وأهلها مشوشون مشتتون
ذهنيا لا يعرفون كيفية إخراجها من سجنها. الأمازيغية ليست مشلولة لأنها ما زالت
حيوية واقفة على قدميها. ليست منبوذة لأنها لم تطلب الانتماء والتبعية للعروبة ولم
تطلب العفو والرضا من الفرنكوفونية لهذا لا يستطيعون نبذها. فلا معنى لنفي أو نبذ
أو معاقبة المتمرد، وذلك لأنه خارج عن الإجماع أصلا، رافض للظلم. لا يرضى بالذل ولا
بأنصاف الحلول. وإنما يريد حقه كاملا غير منقوص. وكذلك حال الأمازيغية. تيفيناغ ضد اللاتيني:
الاختيار بين حرف تيفيناغ والحرف اللاتيني هو اختيار بين ما يشتهيه
القلب وما يمليه العقل. القلب يميل إلى تيفيناغ والعقل يفضل الحرف اللاتيني.
ولكن مشكلة حرف تيفيناغ أنه ضعيف الانتشار ولن يغير الخريطة
اللغوية الوطنية على المدى المتوسط ولن يفيد الأمازيغية كثيرا. بل يعيق انتشارها
وشيوعها. فالتعليم الحالي بتيفيناغ فاشل ومتعثر، على لسان أهل الإيركام. والهيمنة
الفرنسية متواصلة على الساحة اللغوية والثقافية والتعليمية في غياب الأمازيغية وشلل
العربية وقصور الدارجة. الأمازيغية لا تهدد العربية الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني لا تهدد العربية بشمال أفريقيا لأن مجاليهما لا يتقاطعان. فالحرفان مختلفان. واللغتان تستخدمان لغرضين مختلفين لا يتعارضان ولا يتقاطعان. والمجال الحيوي الأساسي للعربية في تامازغا هو التراث الديني والعبادات والصحافة والإبداع الأدبي المكتوب. وللعربية في تامازغا جمهورها الخاص من القراء والكتاب الأمازيغ ولن يتخلوا عنها بين ليلة وضحاها لأي سبب من الأسباب. ولا يحق للعربية أن تشعر بالتهديد من طرف الأمازيغية إلا إذا أخذت الأمازيغية تستخدم الحرف العربي وتتدخل في المجال الحيوي للعربية. الأمازيغية تهدد الفرنسية: من يجب أن يفزع كل الفزع ويخاف كل الخوف من الأمازيغية هي الفرنسية والفرنكوفونيون بالمروك وبقية تامازغا. وذلك لأن الأمازيغية بالفعل تقتحم وتتدخل في المجال الحيوي للفرنسية ومفتاحه هو الحرف اللاتيني. وستستخدمه الأمازيغية عاجلا أم آجلا لتقوية نفسها قبل أن تقوم بطرد الهيمنة اللغوية الفرنسية (ومن بعدها الهيمنة السياسية الفرنسية) وتأخذ الأمازيغية مكانها الطبيعي الرائد في بلدها الأصلي تامازغا.
|
|