|
|
الفنان أعشوش يودع كمانه إلى الأبد
مرة أخرى تسقط ورقة من شجرة الفن الأمازيغي بشكل عام وفن الأطلس المتوسط بشكل خاص. إنه الفنان الكبير لحسن أستوح المعروف فنيا بأعشوش. يرجع أصله إلى قبائل ايت حديدو و بالضبط بلدة المغو قرب مدينة إيملشيل التابعة إداريا لإقليم ميدلت. وللإشارة فإن العديد من رموز الفن الأمازيغي ينتمون إلى هذه القبائل مثل موحى الحسين أشيبان وحساين بوميا وموحى الموذن. انتقل الفقيد إلى منطقة تغسالين واستقر بها لمدة طويلة قبل أن يحط الرحال بعاصمة زيان مدينة الفن الأمازيغي بالأطلس المتوسط مدينة خنيفرة.. وافته المنية بمدينة مكناس يوم 27 ابريل 2010 بعد سنوات مليئة بالعطاء. سنوات قدم فيها عطاء جيل بأكمله. بدا الفنان الغناء منذ ستينات القرن الماضي بصوت رهيف وأسلوب راق واختيارات إيقاعية موفقة غنى إلى جانب مجموعة من الفنانين في كل مناطق الأطلس المتوسط كزايد احديدو وحساين بوميا لكنه اشتهر بمرافقته للمطربة المميزة عائشة تاغزافت. غادرنا في صمت بهدوئه المعتاد، بطيبوبته، بإنسانيته التي تكتشفها في كل حركة يقوم بها. غادرنا وقد ترك في عيوننا دمعة وفي قلوبنا حسرة. غادرنا ورنة صوته الشجي لا زالت عالقة بأذهاننا. أحب الراحل الفن حبا لا متناهيا لم يسع وراء الأموال مثلما فعل آخرون. يحكي من عاشروه أنه كان يغني من أجل متعة ذاتية. وبهذا يستحق أن نسميه بالفنان الحقيقي على حد تعبير أحد الفلاسفة لأنه لا ينتظر جني الأموال من ممارسته للفن. اعتبر الفنان علي أزلماط في لقاء إذاعي رحيله بمثابة سقوط ركيزة من ركائز الفن الأمازيغي. كل من يتحدثون عنه يجمعون على كونه موهبة فنية قل نظيرها وكونه مدرسة في العزف على الكمان تستحق أن تدرس في المعاهد الموسيقية. أدمج إيقاعات الموسيقى المغناة بالدارجة المغربية في الأغنية الأمازيغية خاصة ما يعرف بالهيت. كما تميز كمانه بالأوتار الثلاثة عوض أربعة. يعرف عشاقه عزفه منذ اللمسة الأولى وهذا إن دل على شيء فإنما يدل أنه ترك لمسته الخاصة على عزف الكمان. شبه الصحافي المخضرم واسع الدين اعلي صوت كمانه بصوت المزمار. كما عرف بتواضعه ورزانته وقد سمحت لي الظروف إن التقيته مرة واحدة في تغسالين في نشاط ثقافي من تنظيم جمعية التنمية الاجتماعية. كان الرجل تلقائيا متواضعا صريحا انتقذ الأغنية الأمازيغية العصرية وشبهها بالوجبات السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. غادرنا الفنان الكبير دون أن تسجل كل إبداعاته باستثناء ما سجلته الإذاعة الأمازيغية أو ما حفظ في أرشيفات بعض المهتمين بالأغنية الأمازيغية أو ما وضع في رفوف أصدقائه. غادرنا دون أن يلتفت أحد إليه في حياته في لحظة للتكريم أو للعتاب. غادرنا وكله أمل أن يعود للصوت الأمازيغي ذلك المجد، أن تعود تلك الإيقاعات الخالدة كتلك التي غناها حمو اليزيد أو موحى ايتزر. إيقاعات يفتقدها عشاق الأغنية الأمازيغية الكلاسيكية في ظل تطورات تقنية تقتل الإبداع وتفتح الباب أمام القرصنة والتقليد. ورغم هذا الرحيل المفاجئ سيظل اعشوش بيننا. فقد قال ذات يوم في لقاء إذاعي في مدينة عين اللوح بمناسبة الاحتفال بذكرى رحيل الفنان حمو اليزيد، قال الراحل مات حمو لكنه لم يمت. وأقول ما قالته الصحافية الإذاعية رابحة عقا مات اعشوش لكنه لم يمت. لم يمت لأنه ترك لنا أغاني خالدة لن ينساها التاريخ. بل ربما سيأتي يوم نجد شعره في قصيدة بكتاب مدرسي أو في بحث جامعي أو قصاصة إخبارية . رحل وترك إرثا فنيا سيشكل موسوعة لكل باحث في الفن الأمازيغي الحقيقي. حالة الراحل اعشوش تندرج ضمن سلسلة من الحالات الأخرى من مواهب أمازيغية تموت ببطء الى أن تغادرنا إلى ما لا نهاية دون أن يلتفت إليهم المسئولون عن الثقافة في مغرب يصور للبعض أنه أجمل بلد في العالم. هناك فنان آخر يحتضر قرب واد صرو القريب من خنيفرة، إنه الفنان والشاعر الكبير لحسن أعراب هل ننتظر موته مرة أخرى لنتحدث عن شعره وفنه؟ (محمد زروال، تغسالين) |
|