|
حوار مع محمد زاهد رئيس جمعية "آيت سعيذ للثقافة والتنمية" أجرى الحوار: سعيد بلغربي في هذا العدد نستضيف الناشط الأمازيغي محمد زاهد، رئيس جمعية أيت سعيذ للثقافة والتنمية بدار الكبداني بالناضور، ومهتم بالقضية الأمازيغية، كاتبا وباحثا في التاريخ الأمازيغي بخصوص منطقة الريف... نعانق سويا من خلال هذا الحوار قضايا أمازيغية مختلفة حاولنا من خلالها أن نطل على موقع جمعية أيت سعيد ودورها داخل النسيج الجمعوي الأمازيغي محليا ووطنيا، إضافة إلى رصدنا لمستجدات ملف دسترة اللغة الأمازيغية، وتداعيات مقاطعة الانتخابات المقبلة والتي دعت إليها مكونات من الحركة الأمازيغية بالمغرب، مع الإشارة إلى مصير توحيد اللغة الأمازيغية في إطار المطالبة بالحكم الذاتي بالريف، مع طرح قضية إعادة كتابة تاريخ المغرب... سؤال: دعت العديد من الإطارات الجمعوية الفاعلة داخل الحركة الأمازيغية إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة بالمغرب. ما موقف جمعية آيت سعيد للثقافة والتنمية من هذه المقاطعة؟ جواب: بداية أود أن أشكرك على هذا الحوار. أما فيما يتعلق بسؤالك، فكما هو معلوم، فالمغرب مقبل خلال شهر شتنبر على انتخابات تشريعية في ظل ظرفية سياسية محكومة بكثير من الرهانات والتداخلات والأحداث والقضايا العالقة والمطروحة على الأجندة السياسية للدولة بحدة، كما أنها ظرفية تتسم بحالة من الترقب والانتظارية. انتظار ما قد يأتي وقد لا يأتي من تحول سياسي وتغيير طالما ناضل وضحى المغاربة من أجل تحقيقه، لكن للأسف في "بلد المتناقضات" كما يقول "بيير فيرمورين"، وفي بلد قد يحدث أن يتغير فيه كل شيء من أجل ألا يتغير أي شيء.والحالة هذه، فالحركة الأمازيغية واعية تمام الوعي بطبيعة هذه الظرفية وما يطبعها من سمات، والتي تشكل فيها الانتخابات لحظة عابرة ستستفيد منها نخب وفئات محدودة ومحددة على حساب آمال وطموحات وتطلعات فئات عريضة وواسعة من الشعب المغربي، وعلى حساب قضايا وملفات كان من المفروض أن تشكل أولوية الأولويات في هذا الوطن. وإذا كانت العديد من الإطارات الفاعلة داخل الحركة الأمازيغية قد دعت إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، في وقت نجد فيه إطارات أخرى لم تعلن بعد عن موقفها، وذلك ربما بسبب ارتكانها إلى لعبة الحسابات، قلت فإن هذه الدعوة إلى المقاطعة، هي دعوة منطقية وموضوعية ومبنية على قراءة وحيثيات معقولة وقد سبقتها دعوة أخرى خلال الانتخابات الماضية. كما أن هذه المقاطعة التي أعلنتها مكونات من الحركة الأمازيغية، هي دعوة إلى مقاطعة الترسانة القانونية التي تقصي الأمازيغ ولا تعترف بوجودهم وبحقوقهم اللغوية والثقافية والهوياتية. كما أنها دعوة لمقاطعة واقع الانتخابات والفساد الحزبي والسياسي القائم وما يستتبع ذلك من ممارسات وسلوكات وسياسات غير ديمقراطية. في مقابل ذلك، فهذه المقاطعة هي دعوة إلى إقرار ديمقراطية حقيقية ومواطنة فعلية، وتنمية متوازنة وإحقاق مصالحة وطنية بمقومات وركائز حقة، يشكل في كل ذلك الدستور الديمقراطي الذي يقر بوطنية ورسمية الأمازيغية والانتماء الإفريقي والمتوسطي للمغرب، والنظام الفيدرالي ومبدأ العلمانية وفصل السلط، المدخل الجوهري لتحقيق المطالب الديمقراطية لإيمازيغن. وبطبيعة الحال، فموقف جمعية آيت سعيد للثقافة والتنمية لا يمكن أن يخرج عن هذا الإطار. سؤال: تعد جمعية آيت سعيد للثقافة والتنمية من بين الإطارات الفاعلة داخل صفوف الحركة الأمازيغية محليا ووطنيا. ما هو تقييمكم أستاذ محمد زاهد للمسار النضالي لهذه الجمعية؟ جواب: بطبيعة الحال، فجمعية آيت سعيد ساهمت بما كانت تسمح به الظروف والإمكانيات في دينامية الفعل النضالي الأمازيغي، إن على المستوى الوطني منذ سنة 1997 من خلال عضويتها باللجنة السباعية من داخل المجلس الوطني للتنسيق (C.N.C) أو من خلال مشاركتها في العديد من اللقاءات الوطنية الأخرى، أو على مستوى منطقة الريف من خلال إطارات التنسيق مثل "لجنة قاضي قدور" و "لجنة ميثاق الريف"... إضافة إلى جملة من الأنشطة الثقافية والاشعاعية التي قامت بها الجمعية. وتقييمنا لهذا المسار النضالي يجعلنا نقر بأنه كان محكوما بأداء واستمرارية ونوعية وإشعاع متواصل ومتميز، لكن وفي نفس الوقت نجد أنه مسار نضالي كان محكوما بمحدودية نضالية، وفراغ في بعض اللحظات وعدم القدرة على امتلاك نفس وقوة خلق تأثير كبير وذلك نظرا للعديد من الاعتبارات والإكراهات التي تحكم العمل الجمعوي الأمازيغي عموما في مختلف المناطق الأخرى، لاسيما غياب الإمكانيات المالية والدعم والتواجد في فضاء مهمش ومعزول. سؤال: اتجهت العديد من الجمعيات الأمازيغية نحو تفعيل العمل التنموي إلى جانب الأنشطة الثقافية، هل من مشاريع تنموية آنية أو مستقبلية تسعى جمعية آيت سعيد إلى القيام بها؟ جواب: كما هو معلوم لديك، فأغلب الجمعيات الأمازيغية تتواجد بالمناطق الأمازيغوفونية التي عانت من التهميش الاقتصادي والحصار الاجتماعي والإقصاء السياسي... لذلك كان من الطبيعي أمام هذه السياسة أن تجعل الجمعيات من العمل التنموي أحد أهم الأهداف التي تعمل من أجل تحقيقها، كما أن استراتيجية العمل التنموي شكلت واجهة من واجهات نضال الحركة الأمازيغية، خاصة أمام فشل المقاربات والمخططات التنموية التي وضعتها الدولة فيما سمي مؤخرا ب"مبادرة التنمية البشرية" بحكم أنها لا تهدف إلى تنمية الإنسان ذاتا وهوية ولا تراعي الشرط الإنساني والثقافي والحضاري لكل تنمية متوازنة.ومن هذا المنطلق فجمعية آيت سعيد للثقافة والتنمية أخذت على عاتقها مهمة خدمة قضايا التنمية الاقتصادية الاجتماعية وخلق مشاريع تنموية على مختلف الأصعدة. وفي هذا الصدد نعمل بجدية من أجل تحقيق خطوات عملية على هذا المستوى في المستقبل القريب بجانب جمعيات أخرى وطنية ودولية تعمل داخل مجال التنمية المحلية. سؤال: تتحركون إلى جانب فعاليات أمازيغية أخرى من أجل دسترة اللغة الأمازيغية، في هذا الصدد هل من مستجدات بخصوص هذا الملف وهذا المطلب الحيوي والأساسي بالنسبة للحركة الأمازيغية؟ جواب: واضح أن مطلب دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية وكهوية لكل المغاربة وكانتماء حضاري وثقافي وجغرافي، بجانب مطالب أخرى ترتبط بالتغيير الدستوري، مثل إقرار النظام الفيدرلي ومبدأ العلمانية وفصل السلط، كلها تشكل مطالب جوهرية للحركة الأمازيغية في الوقت الراهن، كما أنها تشكل أساس المصالحة مع الأمازيغية ورد الاعتبار لها.علاوة على ذلك، فهذا المطلب يعتبر بمثابة الحد الفاصل بين الخيار الثقافوي والخيار السياسي المستقل. ورغم الدينامية الحاصلة في هذا المجال على المستوى الجهوي والوطني، وتسارع الأشكال النضالية حول هذا المطلب (أوراش، ندوات، لقاءات، أرضيات وبيانات...) فإن الدستور الحالي ما يزال بعيدا عن تكريس مبدأ المساواة ولا يعترف بوجود إمازيغن والدولة تصر على تجاهل هذه المطالب الديمقراطية. ونحن نؤكد على أن أي انتقال ديمقراطي لا يمكن أن يكون خارج إقرار دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، وهذا الأخير لا يمكن أن يتحقق بدون ترسيم ودسترة الأمازيغية. ورغم تجاهل الدولة لصوت الحركة الأمازيغية، فنحن مصرون على الاستمرار في نضالنا وعملنا. وفي هذا الصدد نحن مقبلون على تنظيم ندوة وطنية حول موضوع الأمازيغية والتغيير الدستوري وستكون مناسبة للإعلان عن ميثاق وطني يعكس التصور الدستوري للحركة الأمازيغية، وستلي ذلك وقفات ومسيرات وأشكال أخرى حتى تحقيق هذا المطلب. سؤال: أستاذ زاهد محمد، تدعون من خلال كتاباتكم إلى إعادة كتابة تاريخ المغرب. ما هي اقتراحاتك بخصوص إعادة كتابة التاريخ الأمازيغي لمنطقة شمال إفريقيا؟ جواب: أشكرك على هذا السؤال الذي غالبا ما يتم إهمال أهميته القصوى على مستوى المصالحة مع الأمازيغية. وإذا كان تحريف وتزييف الحقائق التاريخية وبترها وتزويرها من المداخل التي اعتمدتها العقليات العروبية لتشويه وتدمير الشخصية الأمازيغية، فإنه في مقابل ذلك، شكل مطلب إعادة قراءة وكتابة التاريخ الوطني مطلبا أساسيا وعمليا لرد الاعتبار لهذه الشخصية.وفي واقع الأمر تعد قراءة وكتابة التاريخ الأمازيغي قراءة موضوعية وعلمية وبشكل رصين ووفق مناهج علمية حديثة واستنادا لحقول معرفية وعلوم مساعدة، ومن منطلق علمي لا إيديولوجي أو أسطوري، أبرز مقومات إعادة كتابة تاريخ شمال إفريقيا. والحركة الأمازيغية من خلال ما راكمته من نقاش عميق حول هذه المسألة والمجهود القائم على مستوى الإسهام في تصحيح مسار البحث التاريخي، كفيل بالإجابة عن كيفية إعادة قراءة وكتابة التاريخ المغربي. وهناك نماذج من أمثال المرحوم علي صدقي أزايكو ممن يعدون مرجعا في هذا الشأن. سؤال: في نظرك، ما هو مصير مشروع توحيد اللغة الأمازيغية في إطار ما دعت إليه بعض الفعاليات الأمازيغية بالريف بخصوص مطلب الحكم الذاتي بهذه المنطقة؟ جواب: إن مطلب الحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي بتعبير أدق، هو مطلب ديمقراطي لكل جهات ومناطق المغرب، في أفق تحقيق رهان مغرب فيدرالي ديمقراطي علماني متعدد من داخل منظومة متكاملة. وكما أشرت، فهناك دعوة صريحة ومشروعة لإقرار حكم ذاتي لمنطقة الريف يسمح لهذه الجهة بتسيير ذاتي وتدبير للمجال بشكل محكم. لكن رغم ذلك، فهناك عدة قضايا وإشكالات مرتبطة بهذا الموضوع، بل وتعتبر من صميم النقاش القائم حاليا حول هذا الملف. ومن أبرز هذه الإشكاليات ما يتعلق بإشكالية القضاء وصلاحيات الوحدة الفدرالية، والحدود وأساسا إشكالية وموقع اللغة ضمن هذا المشروع.ومن منظوري الخاص، رغم أني لست مختصا في مجال اللغويات ولا في اللسانيات، فأعتقد أن وضعية اللغة الأمازيغية بالنسبة للغات أخرى عرفت معالجة ضمن تجارب الحكم الذاتي، فهي مختلفة تماما ولا يمكن أن تكون معيارا من معايير منح وإقرار النظام الفيدرالي لمختلف المناطق المغربية، إذ أن المعايير التي تفرض نفسها بحدة هي معايير اقتصادية واجتماعية وإدارية ومجالية، قبل المعايير اللغوية والثقافية والتاريخية. لكن لدينا مناطق ذات خصوصيات تاريخية فعلا ولكن ليست لدينا أوطان تاريخية. إذن يمكن أن نعتمد لغة أمازيغية واحدة داخل مختلف الجهات لكن من دون هيمنة فرع لغوي على حساب فروع أخرى. سؤال: ما هي قراءتك لواقع الحركة الأمازيغية بالمغرب؟ جواب: إن واقع الحركة الأمازيغية هو أشبه ما يكون بمنطق السهل الممتنع. إن السؤال الذي يشغلني اليوم ليس هو واقع الحركة الأمازيغية بقدر ما هو سؤال ما مدى إدراك هذه الحركة لطبيعة المهام المطروحة عليها في هذه المرحلة، وكذا التحديات التنظيمية والفكرية والسياسية المفروضة عليها.وإذا كنا نسجل تنامي الوعي الأمازيغي وتزايد دينامية النضال الأمازيغي وتصاعد وتيرة خاصة على المستوى الجامعي والجمعوي، رغم ما يعتري هذا النضال من محدودية وغياب بنية تنظيمية قوية، ففي المقابل فهذه الدينامية النضالية تواجه بمنطق المخزن في قمع وكبح جماح الحركات المناضلة. ولعل ما شهدته الجامعات المغربية مؤخرا وما ترتب عن ذلك من متابعات واعتقالات في صفوف مناضلي M.C.A، خير دليل على ذلك. وبالمناسبة نسجل مرة أخرى تضامننا المطلق مع المعتقلين السياسيين للحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة. إن حجم القضية الأمازيغية وما يتفرع عليها من ملفات وقضايا، يفرض على الحركة الأمازيغية مزيدا من التضحية والتكتل والتنظيم وتوحيد الصفوف وبناء القاعدة قصد تحقيق كل مطالبها، مع الوعي بضرورة الانتقال إلى مستوى حركة مجتمعية بقواعد اجتماعية ومشروع مجتمعي متكامل وفق مبادئ الحداثة والعقلانية والنسبية والاستقلالية والديمقراطية. أجرى الحوار: سعيد بلغربي، 22/07/2007 Amazigh31@hotmail.com
|
|