|
دار الثقافة بالناظور: دار للثقافة أم دار لفرض استعمال العربية؟ بقلم: محمد بودهان توجهتُ صباح يوم الثلاثاء 25 يوليوز، على الساعة العاشرة، إلى دار الثقافة بالناظور، لحضور ندوة حول "الثقافات اللامادية" المنظمة في إطار مهرجان "إيمرقان" بالناظور، وذلك حسب مواقيت وبرنامج العروض الذي أعلن عنه في عدد من الجرائد الوطنية، وعلق في أماكن كثيرة بالناظور، ونشر على الموقع الخاص بالمهرجان، والذي لا يتضمن سوى فقرات البرنامج كموضوع يتيم. كما كان هذا الحضور مناسبة لي لزيارة هذا المركب الجديد الذي دشنه الملك منذ أسبوع، والذي لم يسبق لي أن رأيته سوى في التلفزيون. لما وصلت إلى الباب استوقفني حارس بلباس نظامي أزرق. وهو ما استحسنته لأن وجود حارس بباب هذه الدار يجعلها حقا دارا للثقافة وليس دارا لمن لا دار له يأوي إليها متى شاء وكيفما شاء. ودون أن أنتظر أن يسألني ذلك الحارس عما أريد، بادرته قائلا بالأمازيغية طبعا: "جئت لحضور الندوة ". فاستفسرني: "شنو، شنو". صعب علي في البداية أن أفهم ماذا يريد أن يقوله لأنه لم يكن ليخطر ببالي أن هذا الحارس، بمركب ثقافي بالناظور، لا يفهم الأمازيغية ولا يتحدثها. تدخل أحد الزوار الذي سمع حوارنا "الأصم" ليترجم للحارس: "قال لك جاء...". وهو ما رد عليه الحارس بأن الحضور خاص بحاملي الدعوة، الشيء الذي أكده لي ذلك "المترجم" الذي أضاف أن الدعوات وزعت فقط على المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي. عدت أدراجي وأنا أحاول كظم غيظي مما شاهدته ووقفت عليه: دار للثقافة بالناظور يوظَّف لحراستها أناس غرباء عن ثقافة المنطقة ولغة سكانها، خصوصا أن زوار هذه الدار يضطرون إلى التعامل مع البواب ـ لأنه دائما يعترضهم بالباب ـ أكثر مما يتعاملون مع مديرها وباقي المسؤولين بها. فجميع الزوار من ساكنة الريف الأمازيغيين عليهم إذن أن يتخلوا عن لغتهم الأمازيغية عند زيارتهم للمركب الثقافي بالناظور ويستعملوا لغة البواب العربية، بما فيهم الأطفال الصغار الذين يترددون على الدار أكثر من الكبار، والذين عليهم أن يتعلموا لغة البواب حتى يمكنهم الدخول إلى دار الثقافة التي أصبحت دارا لتعلم العربية، أي لغة البواب حارس الدار. إن مثل هذه المؤسسات "الثقافية" التي يدعي المسؤولون أنها أنشئت لخدمة السكان والاعتناء بالشأن الثقافي المحلي، هي في الحقيقة وسيلة أخرى لتعريب إنسان هذه المنطقة وتعريب ثقافته الأمازيغية. إنها أنشئت لتسرق من السكان أولا لغتهم، التي عليهم أن يضعوها جانبا كلما هموا بالدخول إلى الدار كما لو أن لغتهم الأمازيغية نعال دنسة لا يجب أن تطأ أرضية المعبد العربي الطاهرة، وتسرق منهم ثانيا مناصب الشغل التي كان يجب أن تؤول إلى أبنائهم. بواب واحد يتكلم العربية فيضطر كل الزوار الأمازيغيين إلى التواصل معه بالعربية بحكم مهمته في مراقبة الزوار واستفسارهم. هل هذه هي خدمة السكان وتنمية ثقافتهم بإنشاء مركب ثقافي بمدينتهم؟ ألم يبدأ التعريب بالمغرب بنفس الطريقة عندما كان مولاهم إدريس الأول وحده يتكلم العربية، مما اضطر كل المحيطين به من الأمازيغيين إلى تعلم لغته للتواصل معه إلى أن تخلوا نهائيا عن لغتهم الأمازيغية؟ وإذا احتج نشطاء الحركة الأمازيغية عن هذا الوضع الشاذ والغير العادل، اتهمهم المسؤولون بالعنصرية.إنها حكاية السارق الذي يصيح: "أوقفوا السارق، أوقفوا السارق"! مسألة البواب العربي بدار ثقافة بالناظور الأمازيغية جعلتني أفهم لماذا سمى المنظمون مهرجان الناظور بـ"إيمرقان" الذي يعني "لقاءات، ملتقيات". وإذا كان لفظ "إيمرقان" ذا وزن أمازيغي، فإن أصله هو الكلمة العربية "ملتقى" بعد أن حولت "اللام" "راء" حسب النطق الأمازيغي المحلي. إنه نوع من تعريب اللغة الأمازيغية نفسها بعد ما تم تعريب الأمازيغيين. مع أن الكلمة التي تؤدي معنى "ملتقى" بالأمازيغية هي "أمسكار" التي تجمع على "إيمساكارن". وهي كلمة ليست غريبة عن لغة السكان أو مستحدثة، بل هي جزء من المعجم اليومي لأمازيغية الريف. فلماذا اختيار لفظ عربي وإهمال اللفظ الأمازيغي الأصلي للتعبير عن نفس المعنى؟ ربما احتراما للسيد البواب الذي لا يفهم الأمازيغية! بقدر ما أغاظني ما شاهدته عند باب المركب الثقافي، بقدر ما سعدت لعدم دعوتي من طرف المنظمين لحضور ندوة ما سموه بالثقافات "اللامادية"، لأنه إذا صح ما قيل لي بأن الدعوة مقصورة على المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي، فهذا يعني أن منظمي تلك الندوة لا يعتبرونني مثقفا ولا مهتما بالشأن الثقافي ولهذا لم يستدعوني لحضور "ثقافتهم". وهذا ما سعدت له لأنني بالفعل لا أريد أن أكون منتميا إلى ثقافتهم التي يحرسها سجان عربي، والتي سموها "لامادية" لإخفاء معالمها الأمازيغية، ولا مهتما بشأنهم الثقافي الذي يشبه أستوديو دوزيم في بريقه وألوانه ولكن في أهدافه كذلك.
|
|