|
وجهة نظر الحق في الشعر الأمازيغي بقلم: أحمد برطيع "إن الروائي الذي يتجاهل ببساطة القضايا العامة الكبرى لعصره، إما إن يكون عابرا لا قيمة له أو أحمق" (أورول) اليوم الدراسي يكون يوما للنقد، والانتقاد، والتدارس، من الناحية الشكلية، لهذا النشاط -نشاط المركز المتوسطي للدراسات-،تبقى التسمية غير متناسبة مع الأنشطة، ومع شعار اليوم الدراسي: مشروع الحداثة العربية. كان المحتفى به على حد تعبير أحد المتدخلين، جالسا، متأنقا بلحيته البيضاء الجميلة، جالسا وسط الحضور مركبا رجله اليمنى على اليسرى، ومتأبطا لمنشور النشاط، ومتتبعا في صمت لكلمات المتناوبين على المنصة، كان يكتب في ذهنه خطوط مداخلته، وكلمته، وربما قصيدة جديدة. لا نؤاخذ، على المنظمين هذا الاحتفاء، ولا نلوم أحدهم، بل نشد بحرارة على أيديهم، ونهنئهم على هذا الإشعاع الدائم المتوهج في زمن خبا فيه الثقافي الجاد، والمثقفون الجادون، ونهنئ طنجة العالية دائما على علو كعبها في هذا الشأن على مدن الوسط. وليسمحوا لنا بإبداء بعض انشغالاتنا، وتساؤلاتنا الصادقة وبروح أولمبية مطلقة، عمقها الاختلاف، وعنوانها التسامح، وهدفها الوجود والتعايش، في زمن انقرضت فيه هذه القيم، وتوارت لقيم مفتوحة على احتمالات محفوفة بالخطر على حد تعبير الأستاذ ناظم، ومعتقلة إلى مرابط تقليدية، وهذه لأستاذكم المحاضر عليوي وحضور للسيكولوجي في مداخلة المسعودي، والتخلف في اللقاء وانتهاء بلساينات ومدارس العلماء اللسنيين الروس للعزيز الدكتور خالد سليكي. باسم الشعر... تفتتح جلسة مشروع الحداثة العربية كإحدى القيم المخادعة غارق في الهزائم. ثم يأتي من يأتي ليقول نبحث سوية عن تمظهرات هذه الحداثة وأين تتجلى؟ أهل الأدب العربي بخير؟ لا أظن خمسين سنة ونيفا والعيش على أدب الأزمة خمسون سنة من الانكماش والتقوقع وكعادة العرب يتمسكون بسراب الماء في الصحارى وبالنزقات المنفلة هنا وهناك ولا وجود لأدب متأدب في زمن التخلف. فلا درويش ولا سميع القاسم، ولا عبد الصبور، والابنودي، ولا غيرهم اعترف بجودة شعره إلا في إطار أزمته الذاتية والقومية. ولا أحد من هؤلاء أبدع للأدب أو للشعر خالصا بل لأزمة مركبة بين السياسي والاجتماعي والثقافي وعصب هذا التركيب جوع الإنسان العربي الغارق في الجوع ولم يثبت أن جائعا يوما قد قرأ أو كتب، إلا للجوع أو للخبز، والقهوى، والحب، والأمن والحرية وعن هذه القيم كذلك كتب ويكتب. كيف يمكن أن نتكلم عن حداثة تفكر في الماضي. في الحداثة يفترض الإيمان بالتطور بآليات الحاضر ومعطياته. لقد مضى عن النكسة أربعون سنة ولا زال من يكتب عنها بطعم الأنين. الواقع العربي وعلى جميع الأصعدة غارق في التخلف ولا يجوز الحديث عن حداثة أدبية إلا في ظروف النماء والازدهار. ولذا على الكاتب –كالمحارب- أن ينصهر في أزقة الجوع ويساهم في الإشباع قبل الحديث عن الحداثة من الكماليات لا يحق لنا –ومثقفي- الحاضر إنشادها بل أولى إشباع القراء والكتابة ومحاربة الأمية قبل الحداثة. المرافعة الاولى : الدفوعات الأولى شعر مغربي أساتذة بألقاب عظيمة، لا يمكن إلاُّ يكونوا، تعبوا قبل الحصول عليها، فالدكترة في المغربية أصبحت مشوار كفاح دراسي مرير، ومعاناة دائمة. ومع ذلك، يبقى للأساتذة حق المجاملة، والاحتفاء، لكن ليس في اليوم الدراسي، وإنمُا في عشاء أدبي يلقي كل مهتم على آذان المنصتين ما أبدعه، وما جادت به خوالجه ،ويحتفي به المتواجدون بالتصفيق والتهليل والتشويق بعد كل بيت شعري جيد، أو غير جيد، وربما رغم هزالة إبداعه، أو غزارتها، لا يضر في التذكير بمناقب الشاعر وحالاته المزاجية، لحظة الكتابة ولحظة الانهيار... وتكسير الأقلام... ورصد الحالات الخائبة لهذا المبدع وإشعاعها. الشعر، يكون من شعور، من فرح، من حزن، من شجن، وحرب من أمان، من رفاق، من عشاق، من احتراق، من إخفاق، من حارة، عن جارة، عن غارة، من وطن، عن شعب. الشعب هو المحدد، والمقياس لكل مبدع، وكيف يجيد أو ينهي هذا القصيد، الشعب كان ولا يزال وسيبقى مقياس الحياة والموت، الحياة بمعنى الخلود. والموت المعنوي.. للقصائد يعني موتا للشعب في القصيدة. وهذا يعني موتا للشاعر في الشعب...في القصيدة، والشعب شعور دائم، واعتراف بالقيم والأعراف والتقاليد القديمة والأحاسيس، كالولادة والموت. كان للأساتذة الكرام، أن يقوموا برصد بنيس في المشروع المغربي قبل العربي، وينظروا إن كان يصلح هذا الشعر بالمغربي أن يكون عربيا أم لا، وليس شرفا البتة، أن يقال الشعر العربي من المغرب. إلاُ مجاملة –فهل يذكر الشعر العربي بنيس إلاُ لماما؟ وهل يبقى الشعر العربي إلا بشعرائه؟ المرافعة الثانية:إثبات البنوة والأبوة تحدث المتدخلون عن الغريب في الشعر المغربي، وعن اليتم الذي أبدعه الدكتور بنيس، اليتم يعني غياب المرجع le repère وهذا خطأ فادح، لا نظن الأساتذة غافلين ،عنه فالشعر المغربي عريق، ربما أعرق من الدين. القصيد المغربي، شرعي. وأبوته مثبتة في إبداعات لسنية وأركيولوجية ، ولا يخفى على أحد أن الشعوب كيف ما كانت أبدعت فنونها، بلغاتها، وترانيمها، وأحيته في حفلاتها، وأعراسها وملابسها، وحليها، وحتى في وشم الأجساد الذي يصعب طمسه. دون الكلام الكثير، القصيدة المغربية كانت، كالفجر مدونة لحضارة أمازيغ شمال إفريقية، القصيدة المغربية ليست مولودة بقدوم العرب، بل كانت أنشودة الفلاح، والحصاد والحرفي. تسمى القصيدة المغربية المقالة باللغة الأمازيغية «تملكازت» والشاعر يسمى «أملكاز» ، ومجموعة الشعر المغربي غنية بهذا النوع من القصيدة المنسية، حيث يصعب إحالته على الإرث العربي، لا يفخر ابن الشعب إلاُ بموروث شعبه، نظن أن بنيس نفسه يخجل من هذا المطب الذي سقط فيه مبكرا، بسبب هالة الشعار الذي كان مرفوعا في الشرق وعكسته المرايا العالية في شمال إفريقيا، زد أن الشعر العربي محصور في دفوف الكتب، لا يستمتع به أحد، حتى المتكلمين بالعربية، وعلى العكس، نجد الناس يستمتعون بأصوات «شعراء» الأطلس، وسوس، والريف. والشعر الأمازيغي أكثر شيوعا على كل المستويات، في المغرب، في الشارع وأقل حضورا في الأوراق لغاية في نفس يعقوب. لسنا وحدنا في المغرب، نعاني هذا الميز، وإن كان أكثر قسوة عندنا،في الوقت الذي،تشهد فيه الساحة المغربية صراعا بين الفصحى والعامية أو المحكية، نجد اليتم مجسدا في البث العربي أكثر من غيره،حتى اتساع الفرق بين الشعر الفصيح والعامي زاد بشكل مفزع، والفزع هنا، لعشاق القصيدة العربية، الطامحين إلى تذويب المحكية المغربية (الديالكتيك)، بل إننا نجد القصيدة العربية المغربية، تبني صيغتها الشعرية في وعاء دارجي، وأمازيغي، لا نظن هناك غربة أكثر من هذه، الحق في الشعر، عند بنيس، كان تهييئا، للمتتبعين، والنقاد، وإشارة ضوئية التقطها من أراد، وتجاهلها عنوة من أراد. الحق في الشعر هو: أي شعر؟ إن كان الشعر المغربي، فالإيحاء هنا على البعد الأمازيغي والبعد الدارجي، أو اللغة العربية المكسرة «المحلية» وإن كان شعرا آخر غير المغربي، فالأمر، أكثر خطورة، لاستمرار الدكتور بنيس في لغة التسامي، والتعالي.. والترفع على الشارع، والنتيجة معروفة مسبقة، شاعر بقيمة بنيس، حضر له أربعون شخصا، وبالمقابل يحضر لدرويش وفي نفس المدينة، ونفس الفضاء أربعة آلاف لأن درويش ابن بيئته، ينقلها أينما حل وارتحل، وكذا شأن كل شعراء الشرق كما القدامى، يرحلون بقصائدهم، حتى إلى بلدان الفرس، لكن بعربية الوجدان. الشعر، أجمل بلغة البلد، وبنيس كالكثيرين، ليسوا ابن بيئتهم، يقولون ولا أحد يسمعهم، لأنُ اللسان ناطق بلغة باردة في مجتمع مشتعل، لا نظن المتدخلين كانوا منصفين في حق المحتفى به، ولا في حق أنفسهم لأن اليوم الدراسي استقراء، واستنباط، واستنتاج بعيدا عن المجاملة. رفعت الجلسة للتداول في حفل شاي والنطق بالحكم وللدفاع حق الاستئنافلا نريد أن نعصف بالجميع وسنبقى على نفس الموجة التي حملت المسعودي على القول إن الشعر المغربي كله يتيم، ولا يذكر الشعراء المغاربة في الشرق إلا ما ندر، لأن لكل قضية رجالاتها، وللحداثة العربية رجالاتها و لا تستجدي الرواد المغاربة في الشعر العربي أن يبنوا معهم هذه الحداثة التي انتكست كما انتكس شعار صراع الحضارات وخلفه مفهوم تعايش الحضارات لتعطي إشارات قوية أن البقاء لمحبي الحياة والسلم. من العيب أننا، في زمن تتباكى فيه الشعوب على إرثها الثقافي الذي يميزها عن غيرها مبرزة قيم التسامح لديها، في حين ،لا زال المتنورون عندنا يقتفون أثر الغير. ليس العيب أن يقرأ المرء مدونات الغير ولكن العيب أن تتبنى ما ليس لك وتنسبه إليك رغم علمك أنك لست إلا حارسا على شيء له أهله وحراسه و أنك لا تعدو أن تكون احتياطيا لملء الفراغ والفسحات المتبقية في الجرائد، إن الشعر المغربي شعر بكل اللغات بما فيها العربية، ولكن ليس على حساب الأصيل، لسنا رجعيين عندما ندعو المثقفين إلى تبني قضاياهم التي هي قضايا شعوبهم،كم من الوقت قد اجتز من تاريخ الأدب المغربي كان أولى أن يستثمر في التنقيب عن أبي الشعر المغربي، ومن يدري قد يكون ملكا أو عبدا، أو حتى امرأة أنثى أو أمة في رياض القياصرة. (أحمد برطيع ahmedbartay@gmail.com)
|
|