| |
الزوايا
السياسية بالمغرب بين غياب النظرية السياسية والعداء للقضية الأمازيغية
بقلم: عبد الصمد المجوطي (جامعة محمد
الأول، وجدة)
يربط R.rezette ظهور الظاهرة الحزبية في
المغرب، ودخول مفهوم الحزب إلى قاموسه السوسيوسياسي بانشقاق «كتلة العمل الوطني»
وظهور «الحزب الوطني» بزعامة علال الفاسي والحركة القومية بزعامة محمد حسن الوزاني،
مع كل ما ارتبط بهذا التشكل من نقاش وتوتر أفرزه بالأساس القلق الفكري المرتبط
بالمرجعيات التي استقت منها هذه «التنظيمات» خطابها السياسي، وكذلك بانعزالها عن
الواقع المجتمعي المغربي، بمعانقتها هموم الشرق، ومشاكله، واعتباره المخرج من
انسداد الأفق المحلي. ففي الوقت الذي يرفع فيه شعار «العراق للعراقيين» مثلا من
داخل هذا الأخير، ما تزال النخبة عندنا ترفع شعارا معاديا باعتبارها تعبيرا عن
الوطنية المزدوجة، أو الكوسموبوليتية، لكن في جانبها العروبي فقط برفعها لشعار «كلنا
عراقيون» في محاولة منها إيجاد موطن قدم داخل بيئة ترفض الآخر الذي يرمي من خلال
سلوكه هذا الاستفادة من خيرات البترودولار لأنه في النهاية «مواطن» كذلك، وبالتالي
فله الحق في خيرات الشرق رافعا شعار الاسترزاق السياسي على حساب قضايا الآخر.
وفي خضم هذه التحولات التي يعرفها النسق السوسيوسياستي المغربي، ما موقع هذه
الزوايا داخل هذا النسق؟ وما مدى مشروعيتها في الوجود انطلاقا من مواقفها؟
الزوايا السياسية المغربية وغياب النظرية السياسية:
يقول م. ضريف في معرض حديثه عن الحزب السياسي، إنه تنظيم انبثق من سياق ترسيخ
الديموقراطية التمثيلية، يتألف من مجموعة من الأفراد يتقاسمون نفس الرؤى السياسية
والقناعات الأيديولوجية يسعى إلى تأطير المواطنين سياسيا، ويهدف إلى تطبيق برنامجه
السياسي من خلال ممارسة السلطة السياسية(1).
وبالرجوع إلى المادة الأولى من قانون الأحزاب السياسية المغربي الذي صادق عليه مجلس
النواب في 20 أكتوبر 2005، والذي سنأتي على قراءة بعض مخططاته الخطيرة التي تروم
إلى إقبار الأمازيغية بأساليب تقنينية خبيثة، نجدها تنص على أن «الحزب السياسي هو
تنظيم دائم يتمتع بالشخصية المعنوية ويؤسس بمقتضى اتفاق بين أشخاص طبيعيين يتمتعون
بحقوقهم المدنية والسياسية ويتقاسمون نفس المبادئ، قصد المشاركة في تدبير الشؤون
العمومية بطرق ديموقراطية ولغاية غير توزيع الأرباح».
من هنا يظهر أن جل الأدبيات السياسية تلتقي وتتقاطع بشكل كبير في مقاربتها لهذا
الموضوع. فهي ترى في الحزب السياسي تنظيما أولا بمعنى أنه يمتلك هيكلة مع ما تقتضيه
من قطاعات، وتتمتع بالشخصية المعنوية إضافة إلى وجود خط أيديولوجي يجمع بين مختلف
الإرادات ويعمل على تأطير المواطنين، بتحسيسهم بحقوقهم وواجباتهم.
غير أن هذه المقاربة النظرية بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي، على اعتبار أن أية
نظرية سياسية تكون مثالية إلى حد كبير على المستوى النظري ويمكن أن تعتبر الحل
النهائي غير أنه ما أن تطبق على الواقع إلا وتنحط وتصبح كل وعودها بالجنة مجرد
أوهام. «فالأحزاب» السياسية المغربية المفتقدة للشرعية الجماهيرية، مؤسسة على أوهام
بدل مقومات حقيقية حتى وإن كانت مثالية على أن تنطلق من الواقع.
فالنظرية السياسية كي تجد لها موقع قدم داخل أي نسق سوسيوسياسي في أي مجتمع لا بد
من أن ترتكز على مقومات حددها علماء السياسة في: اللغة، التاريخ، الأخلاق، والسلوك
السياسي على اعتبار أن اللغة هي الوعاء الذي يمكن من خلاله إيصال التصورات والأهداف
التي يرمي التنظيم إلى تحقيقها. وبدون لغة لا يمكن أن يكون هناك تنظيم، وهنا نقف
عند مسخرة وتناقض الزوايا المغربية في مقاربتها للغة. فكل «قوانينها وصحفها مكتوبة
باللغة العربية وحدها، فضلا عن التي تدعو (الأحزاب) منها إلى التعريب الشامل
والكامل لكل مناحي الحياة في المغرب»(2).
فبتنصيصها على لغة عربية غريبة عن الواقع وإقصائها بالمقابل للغة الأمازيغية، لغة
الواقع والوطن، تحكم على سريانها وبقائها من البداية بالفشل، إذ لا يمكن أن نسمع عن
حزب سياسي يمني يتبنى اللغة الفارسية، أو الأمازيغية كلغة للحزب، أو الحزب في فرنسا
يتبنى العربية كلغة رسمية، وإلا حكم على نفسه بالاغتراب، وبعدم القبول وبالرفض داخل
المنظومة الفرونكوفونية، ليظهر أن إقصاء الأمازيغية من طرف هذه الزوايا السياسية
ضربة لها ولمشروعيتها على اعتبار أن اللغة توضع وتوجه للجماهير. ليس للمفكرين
والنخب. فالجماهير أمازيغية واللغة غريبة وبالتالي فشرقتنها أبعدها عن الواقع
وأفقدها الشرعية التي تعطى للواقعي الوطني وليس للأجنبي الغازي؟!
أما التاريخ الذي يقول عنه ابن خلدون إنه وعاء وسجل للأحداث، وتبرز أهميته في
استعماله من طرف المنظر السياسي للوصول إلى الأهداف التي يروم إلى تحقيقها، من خلال
قراءة موضوعية متفحصة تروم فهم منطق الأحداث والوقائع السياسية. ونجد في هذا الصدد
المفكر ميكيافيلي مؤسس علم السياسة الحديث يعود إلى التاريخ لاستخلاص القوانين
والاستفادة من التجارب الإنسانية. وبالعودة إلى التشكيلات السياسية المغربية
المفتقدة إلى هذا الأساس النظري (التاريخ) نجدها في تناقض حقيقي، من خلال محاولتها
لإيجاد موقع قدم داخل منظومة الشرق الغريبة تاريخيا وإقصائها للتجارب الحضارية
الأمازيغية في التنظيم والتنظير، والتي يتوجب أن تشكل الأساس النظري لأية ممارسة
سياسية لأنها من صميم هذه البيئة الحضارية. فبتبني التاريخ المشرقي، ومنظومته بدون
العودة إلى التاريخ الأمازيغي بكل تجاربه، وتراكماته وجدت الزوايا نفسها خارج منطق
التاريخ، وأحدثت قطيعة خطيرة مع المخيال الجماعي مما كان له الأثر السلبي في إيصال
أفكارها وتصوراتها عن الواقع، وبالتالي فالدعوى إلى حلها تبقى قائمة ما دامت غريبة
وغير مجدية في إيجاد حلول لهذا الواقع المتأزم.
أما قيمة الأخلاق باعتبارها أحد أسس النظرية السياسية، وبالرغم من تناقضها الكلي مع
السياسية لاستحالة الجمع بينهما، فلا يجب أن تكون مبررا للنفاق السياسي والكذب على
ذقون المواطنين، فعبر النقد والنقد الذاتي المتواصل يمكن تنظيم العلاقة بين الأخلاق
والسياسة بالرغم من استحالتها، حسب تعبير الفيلسوف الإسباني «أران غورين»(3).
فالعودة إلى قيمة Thawiza الأمازيغية مثلا يمكن مقاربة العلاقة بين الأخلاق
والسياسة، ذلك أنها بقيامها على أساس التعاون المحلي، بمعنى أن تقديم المساعدة يكون
على أساس مقابل ولكن بشكل أخلاقي، إذ لا يكون هناك تصريح علني بأن مقابل هذا
التعاون المقدم، تعاونه بالمقابل بل يفهم المراد من هذه المشاركة بشكل ضمني قيمي.
وهنا نجد أن هذه الزوايا تغيب هذه القيمة الحضارية الأمازيغية الرائدة في التعامل.
فبدل أن تسعى إلى أصوات الناخبين بدون أن تقدم مقابلا كان عليها أن تعمل ولو من باب
المصلحة على خدمة هذا الناخب من خلال ترجمة برامجها إلى أرض الواقع كي لا تبقى مجرد
شعارات أو برامج للاسترزاق السياسي. وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان
الثقة في هذه التشكيلات.
أما السلوك السياسي كأساس مرجعي في النظريات السياسية فقد غيبت فيه مجموعة من
القواعد بين المتملق والمستغل وتبقى الأمازيغية مغيبة داخل هذا المشهد الدرامي
العام. اللهم استغلالها الموسمي في الحملات الانتخابية في سبيل الحصول على أصوات
الناخبين المخدوعين بهذا السلوك. إلا أن أدبياتها كما أشرنا تقصي كل ما له علاقة
بالأمازيغية. وهذا ما يظهر بشكل واضح في قوانينها الأساسية والداخلية.
لنصل إلى خلاصة مفادها أن هذه الزوايا السياسية حكمت على نفسها بالاغتراب من خلال
تغييبها لهذه المقومات الأساسية لأي عمل وممارسة سياسيتين. علما أن طرحنا للمنظومة
القيمة الأمازيغية والاستفادة منها ليس طرحا جامدا بمعنى الانغلاق على الذات، ورفض
كلي للآخر، بل العمل على الاستفادة من مختلف الإنتاجات البشرية باعتبارها ملكا لكل
الإنسانية حسب تعبير محمد إنعيسى.
هذا السلوك السياسي الذي غيب الأمازيغية كانت له نتائج سلبية على العمل السياسي،
والمحتسب في فقدان الثقة من هذه التشكيلات السياسية، وبالتالي اللجوء إلى العزوف
السياسي كشكل من أشكال الرفض لهذه المنظومة المستوردة والغريبة عن الواقع.
قانون الأحزاب وإقصاء الأمازيغية:
صادق مجلس النواب على نص قانون الأحزاب السياسية، واعتبرت ديباجة النص أن القانون
جاء لإصلاح المشهد الحزبي، وتوطيد صرح الدولة الحديثة، وللسير قدما بالانتقال
الديموقراطي. لكن جل القراءات التي تناولت هذا النص اعتبرته تراجعا خطيرا عن الحق
في الممارسة السياسية بكل حرية وعن اتجاه نحو مزيد من التشدد من طرف السلطة فيما
يتعلق بحرية التعبير السياسي(4) الذي تتضمنه كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان،
باعتبار هذه الأخيرة شعار المرحلة الراهنة والمدخل لتوطيد أسس دولة الحق والقانون،
بحيث لم تعد الدول مجرد جزر متباعدة فيما بينها بقدر ما تحولت إلى قرية صغيرة لا
يمكن للحدود المادية إغلاق الباب على الأحداث الداخلية.
وقانون الأحزاب المغربي، الذي حمل مشروع الإصلاح السياسي، إضافة إلى كونه يزيد من
الخناق على حرية التنظيم السياسي فهو في حقيقة الأمر مجرد حلقة من حلقات المس
بالكيان الأمازيغي لغة حضارة وهوية.
فتنصيصه في مادته الثانية، على أن تأسيس الأحزاب السياسية وممارستها لأنشطتها، يكون
وفق الدستور. هذا الأخير الذي ينص في ديباجته على رسمية اللغة العربية، وهو ما يعني
أنه على هذه الأحزاب أن تعمل على صيانة هذه اللغة، وخدمتها وإلا اعتبرت تنظيمات غير
شرعية، تخالف الدستور.
كما أنه «يعتبر باطلا وعديم المفعول تأسيس لحرب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي
أو عرقي أو جهوي أو يقوم بكيفية عامة على كل أساس تمييزي أو مخالف لحقوق الإنسان».
فكيف يمكن إذن منع حزب سياسي قائم على أساس لغوي، ويعمل في نفس الوقت على صيانة
اللغة الرسمية للبلاد!! ولذلك فقد لا نستغرب إذا رفعت الأحزاب العروبية المغربية
دعوة إلى المجلس الدستوري للطعن في هذا القانون لاعتباره مخالفا للدستور. هذا إن دل
على شيء، فإنما يدل أن المستهدف من هذا النص هو الأمازيغية التي لازالت تشكل عقدة
للنظام المخزني لأن بقاءها يعني تهديدا خطيرا لمشروعية العربية المشرقية؟!
كما ينص القانون في مجموعة من مواده (21- 22- 23- 24) على ضرورة الاحتكام إلى مبادئ
الديموقراطية في تسيير الأحزاب. وبالمقابل يبقى المخزن خارج هذه المبادئ، والمتجسد
بالأساس في التنصل من التوقيع على مجموعة من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وإقصاء الأمازيغية ليس وليد اليوم بقدر ما هو سيرورة بدأت بمحطات الكذب على الشعب
المغربي وتقديس العنصر المشرقي بما حمله من مآسٍ من بينها اللغة، مرورا بالظهير
الأكذوبة لـ 16 ماي 1930 الذي شكل مهدا للحركة اللاوطنية العروبية، مرورا
بالاستقلال الشكلي، وأخذ هذه الحركة بزمام الأمور في تعاقد مفضوح على المستعمر في
اتفاقية اكسليبان الخيانية، فعملت على تعريب ليس اللسان فقط، بل عملت على ربط
المخيال الجماعي للمغاربة بالمشرق، وحرصها الشديد على تتبع كل صغيرة وكبيرة فيه مع
نسيانها لذاتها ولمناخها البيئي والمحلي، وهذا ما يفسر التظاهرات الاستعراضية للبعض
والاستلابية للبعض الآخر في شوارع «العاصمة»، وكذا تخصيص 17% من مجموع ميزانية
الدولة «للتربية الوطني» سنة 1956، «على حساب الاستثمارات الأكثر استفحالا. والأكثر
إنتاجية في مجال الصناعة والفلاحة»(5)، وذلك لجلب أساتذة سوريين وعراقيين بالخصوص
لخدمة المشروع التخريبي لهذه الحركة، التي قامت على الأوهام والأكاذيب. وبالتالي
فلم نستغرب لمصادقة الغرفة الأولى على قانون الأحزاب وبالإجماع كالعادة!! مع نقاش
محتشم لبعض النقط داخله. لأنه بكل بساطة يخدم مشروعها وتصورها للمجتمع المغربي. هذا
التصور الأحادي الذي أذاق المغرب الويلات. وذلك بفعل الاغتراب وتبني أفكار بعيدة كل
البعد عن هذا الوطن. قبل أن نسمع مؤخرا عن نقد لبعض المرجعيات التي تحاول فك
الارتباط بالمشرق والدعوة إلى تبني قيم الشعب الأمازيغي، من تسامح وتقبل للآخر، وهي
قيم غيبت بشكل قسري، فالداعون الآن إلى فك هذا الارتباط كانوا إلى عهد قريب
يقدسونه، ويحاربون أي نقاش خارج هذا النسق. هذا الأخير الذي أنتج أحداث 16 ماي
والتي اعتبرت بالإضافة إلى التهميش الاقتصادي نتيجة للاتجاه القومجي العروبي للنخبة
المغربية، مما أدى إلى تهريب فكري تجسدت أهم ملامحه في الجانب الديني من خلال إدخال
أفكار متطرفة غريبة سواء عن المنظومة الدينية أو الأخلاق المغربية، وإن كان العنصر
الأول يحمل بعضها حسب تعبير محمد الطوزي. وعبر هذا الانسياق وراء كل ما يأتي من
الشرق، من فكر ونقد، أصبح «المثقف» المغربي رهين ما ينتجه هذا الشرق من «اجتهادات
وأفكار سياسية»، مما أدى إلى كسر النخبة السياسية واقتصار عملها فقط على ترجمة
برامج التحرير المشرقية. فأحداث الخليج الفارسي في التسعينات شكلت في كثير من
الأحيان محطات لتغييرات سياسية جديدة. دون أن تكون هذه الأخيرة استجابة لضرورات
مجتمعية محلة لتبقى الأمازيغية في خضم هذا التهريب الفكري، السياسي من الشرق في
خانة العدو الذي يتوجب أخذ الحيطة والحذر منه، نظرا لدخولها سوق الصراع السياسي،
وما يمكن أن يشكله ذلك من خطر على مشروعية هذه الزوايا التي تقدس لغة الآخر، وتقصي
لغة الوطن.
مراجع:
(1)محمد ضريف: La gazette de Maroc
(2)محمد بودهان: قانون لتنظيم الأحزاب السياسية أم لمحاربة الأماويغية Tawiza عدد
93- 2005- ص:19.
(3)دفاتر الشمال: عدد 7- 2003- ص:124.
(4)محمد بودهان: نفس المرجع.
(5)عبد الرحيم المنار سليمي» المعرفة والسياسة بالمغرب. مجلة وجهة نظر، ص: 31- عدد
24- 2005.
|