| |
نوسطالجيا "المغرب
النافع"
بقلم: تاكني حميد (إنزكان)
مازال الزميل "رشيد نيني" يصول ويجول في مغربه الخاص به، والذي
حددته له القناة الثانية بتعاون مع وزارة الإعلام. وللحقيقة فالسيد "نيني" قد قسم
المغرب على هوى الذين شغلوه وأكرموه وانتشلوه من حقول إسبانيا القاتلة، ومن العيب
أن يتمرد على هؤلاء الكرماء الأسخياء الذين نفخوا فيه الروح بعد أن كان يحسب مع "الحراكة
الغلاظ".
نقول هذا كله بعد أن مر على برنامج السيد نيني "نوستالجيا" سنوات عدة من غير أن
يعرف أن المغرب له أربع جهات وليس واحدة، وأن المغرب له أكثر من لغة وأكثر من جنس.
ولو كان المسكين نيني لا يحمل إلا بطاقته الصحفية التي تخول له ركوب القطار بأسعار
مخفضة لعذرناه، ولقلنا إن القطار الذي يحبه السيد نيني ويحبك فيه معظم مقالاته يقف
في مراكش. ولكن الحقيقة هي أن الرجل له من الإمكانيات المتوفرة والنفوذ ما يمكنه أن
يقدم طلب تأشيرة الدخول إلى الدول الأوروبية وهو دافع صدره إلى الأمام رغم ماضيه "الحراكي".
وقد شاهدناه كيف رحل ببرنامجه إلى خارج الوطن وكيف جال في بعض الدروب الأوربية في
وضح النهار من غير أن يخاف مطاردة الشرطة والسلطات.
والذي شاهد البرنامج سيلمس بأن السيد نيني كان متبعا للتعليمات التي كانت تأتيه من
رؤسائه، وحازما في تنفيذها. فالرجل قد ركز على منطقة معينة وعلى أشخاص معينين، ونسى
أو تناسى أن المغرب ليس هو فقط الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس ومكناس، بل فيه
كذلك "تنغير" و"ورزازات" و "إنزكان" وأكادير" و"الناظور" و"الحسيمة" و"تيزنيت" و"كلميم"
و"العيون" و"أسا" و"الزاك".
يا أخي يا"نيني"، إن السياسة المتبعة من طرف قطاع التلفزيون عموما في هذا المغرب لا
تفاجئنا في شيء، لأننا نعرف قوتها الضاربة في تهميش دور الأمازيغ، ونعرف جيدا أنهم
قد فصلوا هذا المغرب على مقاس الشرذمة التي مازالت تنادي بكثير من المغالطات
التاريخية وعلى رأسها أن الأمازيغ عرب، ومن الأفيد أن نعمم كل ما هو عروبي على
المغرب حتى تصير أصواتهم ونضالاتهم نشازا فارغا، والكل يعلم أن هذا التلفزيون لم
يكن يتحرك باجتهاد إبداعي من دواليبه الإدارية والثقافية، بل كان يتسلم خططه من
خارج مبناه، من أناس كان همهم الوحيد أن يبقوا سكان المغرب الحقيقيين خارج التاريخ،
وأن يوضحوا للرأي العام أن هؤلاء "الحمقى" الذين يطالبون بحقوقهم في وطنهم الأم
ليسوا إلا ساكنة قليلة تتفرق هنا وهناك ولا تمتلك أية مقومات ثقافية أو تعليمية أو
سياسية يمكن للتلفزة أن تبرزها على شاشاتها الفاسدة.
إننا نفهم إشارات هذا الإعلام العروبي الذي يبجل أبناء عمه في أوطان خارج الحدود،
ويقمع أهل الدار الذين استقبلوهم عراة مرضى وجوعى هاربين من انتقام دول الصعالكة
التي كانت لا تؤمن إلا بحد السيف، ونفهم سياستها التقطيرية التي تنبني على إعطائنا
جرعات من المسكنات الفاسدة التي تمتلكها حين تبث بين الفينة والأخرى صورا تروق لها
عن المشهد الأمازيغي في أوقات تراها هي مناسبة لها. ولكن هيهات، فقد أدركنا اللعبة
منذ زمان بعيد وصنعنا لأنفسنا إعلاما خاصا بنا وأدركنا أن الفجر الذي نترجاه لن
يأتي إلا من خلال نضال إعلامنا الأمازيغي و مثقفينا الذين أفنوا عمرهم في الدفاع عن
هذا الموروث الذي من أجله نحيا ومن أجله نموت.
الذي لا نفهمه ياسيدي "نيني" هو أن تكون حضرتكم جزء من هذه المؤامرة وطرفا قويا
ورئيسيا فيها، وأنت الذي تتحفنا بمقالاتك الصباحية دفاعا عن هذا المواطن المغربي
الذي يعاني ويلات وكوارث ومصائب هذا الوطن التي لا تنتهي، فكيف إذن تسمح لنفسك
بالمشاركة في أكبر عملية إعلامية تهميشية تطال أجزاء مهمة من هذا الوطن؟ فتعال لترى
بنفسك هذه الإمكانيات وهذه الفعاليات التي أفهموك وأقنعوك بعدم جدوى زيارتها، تعال
لتشاهد بنفسك وتستمع بجميع حواسك إلى أفواج من "الروايس "والرايسات" في إقليم
أكادير وهي تموت في صمت وأقبل لتقابل السيد"أحمد بادوج" أغزر مخرج وكاتب سيناريو
أمازيغي وهو يتلوى من التهميش، ولا تنسى أن تقابل جيلا كاملا من المجموعات الغنائية
الضاربة في القدم والتي قدمت للمغرب الكثير من الجوائز والاحترام... وعلى رأسهم
مجموعة "إزنزارن"وغيرها كثير...
لن أخبرك يا أخي "نيني" عن محن فعالياتنا الثقافية والفنية خاصة، وحاجاتها الكبيرة
لنشر مشاكلها الشخصية والتنظيمية في الإعلام، لسبب واحد هو أننا مدعوون للتفكير
جيدا في فكرة إنشاء قناة خاصة بالمجتمع الأمازيغي حتى يتسنى لنا التعريف بتراثنا
وعاداتنا ومشاكلنا ومحننا وتطلعاتنا. أما هذه التلفزة فقد أفتينا فيها منذ الأزل
وقلنا كلمتنا فيها، التي لا يمكن أن تتغير مادام الحال على ما هو عليه. فلا تتعذب
بالمجيء إلينا فلا أظن أن السفر إلى حضرتنا أحسن وأعظم وأوفر وأمتع من السفر إلى
بلاد "الإلدرادو"...
لقد استوعبنا الدرس الإعلامي العروبي جيدا حتى صارت خرجاته العنصرية التي يبثها
إعلاميا لا تؤثر فينا، مادمنا قد أخذنا على عاتقنا التعريف بأنفسنا وبقضايانا من
دون أية مساعدة من أي مرتزق قد تكون نواياه المستقبلية، استعمالنا "ككدية" للوصول
إلى جنانه الدنيوية التي لا تعد ولا تحصى، وعلى رأسها البرلمان ومطابخ المستشارين.
مرة أخرى أقول لك بأخي "نيني" بأن برنامجك أكثر من رائع، وأنا متأكد من أنك ستجيبني
بنفس الرد الذي أوردته لي خصيصا عندما علقت على مقالك في جريدة الصباح، حينها قلت
بأنني أسكب العسل في السم، ومع هذا فإنني أصر على أن البرنامج رائع أدبيا وتقنيا.
|