| |
شرق، يشرق... شريق
بقلم: صريح
في السنة الماضية كتبت عن الشعر الذي قرض في ملتقاه الأول كما
أخرجه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. كتبت بسخرية تعكس حقيقة ما وقع. مقال
اعتبره أحدهم آنذاك تهريجا!..
والآن، سأكتب أيضا. سأكتب عما يحزنني فينا... وبسخرية ما أمكن، فأن أسخر أهون من أن
أكذب أو أعيث فيكم تملقا وتزلفا.
نعم، كنت في قاعة غرفة التجارة في الملتقى الثاني للشعر، كان ذلك في أحد أيام يونيو
الماضي، كان الشاعر أحمد الزياني يغرف من ينبوع جمجمته كلمات دغدغت فينا مشاعر آيلة
للزوال من فرط التصحر. حينذاك كانت فظمة الورياشي، التي ستكرم، تستعد لسماع كلمات
عن شعرها حبكها أحد أعضاء اتحاد كتاب المغرب، غصن الناظور.
فعلا، كمبعوث بَعثٍ بُعِثَ فينا ليعبث في ما تبقى فينا، استوى في مكانه، سوى
نظارتيه، عقد حاجبيه كعادته، فهوى السي شريق علينا بكلمات شرقية، رشقنا بالضاد حينا
وشرق علينا بالصاد حينا آخر.. تكابر علينا بمصطلحات ومفاعيل (لا النووية) وخال أنها
الوحيدة التي تصبن أحسن.. أحسسنا آنذاك أن شيئا ما يطلع معنا، قلنا له "الله يهديك"
إنك تضرنا.. لكن عوض أن يهديه الله قذفنا ورمى فينا عصارة أحقاد دفينة ردا على
هتافاتنا ورفضنا أن يتكلم بغير لغتنا.. سوى نظارتيه من جديد كما يفعل دائما، نظر
إلينا بوجه "سكَفَتهُ" اللغة العربية. قال بنفس اللغة: "الأمازيغية غير مؤهلة للنقد
بها ..". وتأكد لنا أنه فعلا طلع معنا قالب حد قضبان الحديد المستعملة للشواء،
فتسمرت في مكاني كي لا يطلع القالب أكثر، وكي لا يكبر في داخلي شعور بالذنب بدأت
أصرخ من فرط الجرح.. لست وحدي الذي صرخ.. كل صرخ حسب القالب الذي طلع معه... وكان
صراخ أحد الحاضرين في آخر القاعة يوحي أن الذي طلع معه ليس قالبا بل "سكودا" إذ صاح
بكل جوارحه في وجه صاحب لغة الصاد "إنك هدمت كل ما تم فعله ...". أما بعضهم فقد قرر
المغادرة الغير الطوعيه، إذ انسل الكثيرون من الباب يبتغون من فضل الله قليلا
ويلعنون حظ لغتهم كثيرا، فلا صدقوا ما رأوا ولا آمنوا بما سمعوا ولكن لعنوا
وانصرفوا وفي أنفسهم شيء من التشريق كالشريق..
نسي الأستاذ أنه في غرفة التجارة أمام جمهور وليس في قسم من أقسام ثانوية "عبد
الكريم الخطابي" أمام تلاميذ. نسى أن يترك دفتر التنقيط في "مقجر" مكتبه، نسى أن
يدع أستاذيته مع ملابسه "والكافور" في رف دولابه، نسى.. ثم نسى.. وكأنه في مداولات
آخر السنة فقرر ببرودة دم مصطنعة عدم تأهيل اللغة الأمازيغية وحكم عليها بالرسوب
وعدم الانتقال إلى القسم الأعلى وذلك بحبسها في الأفواه وجلدها بالكتابة بها بقلم
جاف أجوف على سطح البحر مع الأعمال الشاقة.
Maghar tugid ad tmghared a ssi cariq ، استرخصتَ على لغتنا أن تتكلم على ثقافتها،
كان عليك أن تنسحب بهدوء ما دمت غير مؤهل للكلام نقدا بالأمازيغية، فعدم التأهيل
قصور فيك لا في لغتك، فلا تسقط الضعف الذي ولدته فيك اللغة العربية على لغتك القوية
بذاتها.
ماذا تريد بالتحديد؟ أن تتزين لغتنا الأمازيغية بشَعَرها وشِعرِها وتتمكيج بفنها
وفتنها، أن تتبع الحمية كي تحافظ على رشاقة كلماتها ثم تُلبِسَها اللباس الخفيف
للنوم الثقيل، فتدخل أنت وفي فمك ضاد وصاد وعين تتقياهم في غرفة نومها حتى يسلوا
عنها خفيف الثوب وينزلوا عليها نقدا ونقضا وعضا، يشرحونها تشريحا، يبحثون عن مكامن
الإحساس الخفية لديها، يطعنون في كل شيء لا يفهمونه فيها... وحين سينتهون من
مأدبتهم الثقافية، سيبحثون على ذكورتهم وينتصبون انتصاب رجل واحد عند الأماكن
الحساسة فيها، سيرضون عليك وعلى أنفسهم، ويرفعون الفاتحة والدعاء لمن أنفق وأغدق،
وخلسة، سيلتفتون يمنة ويسرة ويحركون أيديهم كي يخرجوا محرارهم الذي طلع فيه الزئبق
من فرط الحرارة في محاولة لـ... لكن حينذاك ستكون الشمس قد سطعت وضوءها من النافذة
عم المكان وفضح سرهم... فما عليك أنت آنذاك إلا أن “تزرب” وتنط على ذلك الضاد
والصاد والعين الذي قيأتهم لترجعهم من حيث خرجوا لتخفي آثار الجريمة، وتنصرف بغير
أسف...
كان بودي أن لا أثير الانتباه لهذا التصرف غير اللائق وأن أعتبره حدثا عرضيا، لكن
التجربة أثبتت أن الأحداث العرضية غالبا ما تستمد جذورها من وعي مبطن. هذا بالإضافة
إلى أن ذاك التصرف صدر عن مسؤول في اتحاد الكتاب وأستاذ وكاتب أيضا ... وأمازيغي
كذلك.
|