| |
حوار مع التشكيلي محمد حستي
على هامش الصالون الأول للفن المعاصر
أجــرى الحوار: بحــاج عـسـو
سؤال: بداية أود أن أعرّف الفنان محمد حستي للقراء الأعزاء، ما
تأ تير البيئة والوسط الذي ترعرت فيه، في تكوين شخصيتك الفنية؟ و من هم الأشخاص
الذين أنت مدين لهم في تكوين شخصيتك الفنية؟
جواب: محمد حستي من مواليد قبيلة آيت موسى بإقليم صفرو، و أشتغل حاليا بتدريس مادة
التربية التشكيلية بثانوية موسى بن نصير بالخميسات، بدأت أعرض منذ سنة 1983. أما
فيما يخص الأشخاص الذين تركوا بصمات في شخصيتي الفنية فأذكر منهم معلمي بالصف
الابتدائي الذي لقنني أولى مبادئ التشكيل المرحوم محمد شكوش. و لما انتقلت لمتابعة
دراستي الثانوية بمدينة فاس تخصص فنون تشكيلية، تأثرت بالفنانين: علي كريد، و كريش
وأكبصي وغيرهم.
س: ماذا عن طفولتك؟
ج: أعود إلى مرحلة الطفولة فأنا ولدت في وسط أمازيغي ينسج الزرابي والخيام بامتياز
وتتزين نساؤه بالوشم، هذا الزخم من الصور الارتسامية العالقة بذهني يسهل علي
استرجاعها بشكل مكثف من خلال المنبهات الممتدة على شكل رموز وفضاءات متحركة تتغير
بسرعة الحساب وتتلاشى لتعاود البناء والتركيب من جديد.
س: كيف تمت المشاركة في الصالون الأول للفن المعاصر بالبيضاء؟
ج: قامت الجمعية الوطنية للفنون التشكيلية بخلق لجنة مختصة في انتقاء الأعمال
المتبارية تحت شعار: «أجيال واتجاهات». واللجنة تتكون من رئيس الصالون الفنان عبد
اللطيف الزين ومدير الصالون عبد الرحيم بنحليمة ومندوب المعرض عبد الله الشيخ
الناقد المعروف والمنسق العام سعيد رباعي المعروف كذلك بكتاباته حول التشكيل.
س: كيف تم التواصل مع وسائل الإعلام؟
ج: لقد قام بالتنسيق مع الصحافة العربية كل من زهرة الزيراوي و عبد اللطيف ندير،
بينما نسق مع الصحافة الفرنسية السيد عبد الرحيم بن حمزة، و غابت الصحافة المحسوبة
على الأمازيغية وهي غير معنية كما يبدو لي.
قامت هذه اللجنة الموسعة بالإخبار عن طريق مراسلة الجرائد وركزت على الشعار: «أجيال
واتجاهات»، والتمثيلية المغربية والجودة الحرفية في الممارسة التشكيلية حيث شارك
أكثر من 600 فنان كما كان يدور في دهاليز كتدرائية القلب المقدس التي احتضنت
الصالون الوطني الأول.
س: على ما يبدو لي أن الإعلام الأمازيغي مغيب قصدا. على حسب ما هو بارز من جوابك،
تكونت لجان للاتصال بالصحافة، فهي التي تتحمل مسؤولية التواصل. و ماذا كانت
مساهمتك؟
ج: شاركت بأربع لوحات تشكيلية في الفن المعاصر حيث ركزت على بناء اللوحة بتقنيات
متعددة متجانسة، كانت التيمة تدور حول الثقافة المغربية وشمال إفريقيا، حيث ركزت
على التصوير بعناصر الحرف الأمازيغي «تيفناع» ومحاولة خلق انفعالات وتأثيرات
تشكيلية بالحركة والتضاد contraste في النقطة والخط والشكل واللون والمادة، ألعب
على المخاض البصري لإثارة العين والإدراك والتخاطب مع العملية الإبداعية وإقامة
علاقة تواصل بصرية جذابة للخروج في آخر اللقطة بأسئلة شافية ووافية.
س: من هم المشاركون؟
ج: المشاركون عامة من التشكيليين المغاربة وتمثيلية جل المدن المغربية أرهق لجنة
الاختيار في عملها على إنجاح الصالون الذي يعتبر بمثابة انطلاقة جادة للفن المعاصر،
ولقد شاركت أسماء مغربية وازنة مثل: عبد اللطيف الزين، المرحومة الشعيبية وابنها
طلال والنحات التونسي Sahbi وعميروش بنيونش لناقد غني عن التعريف، وغيرهم كثير، وقد
تم حصر المشاركة في 140 عارضة وعارض.
س: أنت إلى جانب تشكيليين آخرين كملال والسعيدي و غيرهم، مثال للفنان الذي يسخر
الفن لخدمة قضية معينة ـ المثقف العضوي بتعبير غرامشي ـ تنهل من واحة الإبداع
الأمازيغي، ما مدى حضور الثقافة البصرية الأمازيغية في الصالون الوطني الأول للفن
المعاصر؟
ج: الثقافة البصرية الأمازيغية ممثلة بشكل واع صريح أو مضمر في لوحات جميع الفنانين
المغاربة لأن الإطار الثقافي والحضاري لشمال إفريقيا هو الثقافة الأمازيغية الرمزية
من خلال الصورة، حيث المرجع الأساسي في بناء العمل الإبداعي بدء من رواد الحركة
التشكيلية المغربية كالشرقاوي والغرباوي وبلكاهية ويكن وأمين الدمناتي وعبد الكريم
ربيع... هذه الصور ترتبط بالروح ولا يمكن للروح أن توحي وتبدع من غنى عن الصور،
هكذا قال أرسطو، كما استدرك أن الروح ليست بمعزل عن الأرض والزمان الذي تبدع فيه.
وأنت تزور الصالون ترى كل اللوحات تحمل الألوان والرموز والتزاويق المنتمية للموروث
الثقافي الأمازيغي، حيث الخطاطون بالحرف العربي يوظفون المواد والألوان المعروفة
عندنا واللصيقة بأرضنا، أما ما يخص التصوير التشخيصي فيبرز الصناعة التقليدية
والفروسية...
أما القضية الأمازيغية فلم يرد في حقها أي إقصاء، فالجمعية لا تقصي أحدا من
التشكيليين المغاربة و هي إطار مفتوح للجميع، جميع الأجيال ولجميع الاتجاهات
الموجودة في المغرب.
وأنا كمهتم بالثقافة البصرية الأمازيغية لم أتعرض يوما لأي إقصاء أو مضايقة على
اعتبار أنني أشكل بحروف تيفناغ والوشم ورموز الزربية وحتى في النقابة.
س: ما هي المواد التي توظفها؟
ج: أشتغل حاليا على سلسلة حركية حروفية بتفناغ " gestiel» المركبة بلون واحد
mono-crôme و هو عبارة عن حبر الجوز والحبر الصيني وملونات أخرى كيميائية مائية،
أضع الخطوط الأولى والعريضة التي هي بمثابة الهيكل الرابط والأساس في العملية
الإبداعية التي ألون والمرحلة التالية هي تشكيل وترميم التركيب والبحث عن التوازن
النسبي والبصري للتركيب مع إضافة حروف ورموز متوسطة و صغيرة.
س: الصورة هي الوجه الناصع للميتافيزيقا، تخدع العين، يقول الفيلسوف الألماني
Neitzsche إن أفكارنا وإبداعاتنا يجب أن تولد دائما من الألم، أن نكتبها بدمائنا.
ما مدى حضور المعاناة اليومية مع الحياة ومكوناتها في الصورة، التجسيد المادي
للميتافيزيقيا في لوحتك؟
ج: حين نتكلم ونتحدث عن المكان والقضية والروح والزمان، فبدون شك نتحدث عن شكل خاص
من أشكال الحياة المتميزة بطقوسها وعاداتها، لكن عندما نربط التشكيل بالأرض وما
يحيط بها من مكونات أخرى مؤثرة ومتأثرة فإننا بهذا المعنى بدأنا نفهم ونتيقن أن
التشكيل شكل من أشكال التعبير الراقية.
|