|
عندما
تُصمّ
القومانية
العقولَ
وتُعمي
التفكيرَ بقلم:
محمد بودهان في
حلقة ليلة
الأربعاء 4/12/2002
من برنامج "مدارات"
الذي يقدمه
نور الدين
أفاية
بالقناة
الأولى، قال
الفيلسوف
محمد عابد
الجابري
مستنكرا
ومتسائلا: لم
أفهم لماذا
لا تزال "دارجتنا"
العربية
بعيدة عن
العربية
الفصحى ولم
تُطوّع بعدُ
لتصبح لغة
وسيطة كما في
مصر ولبنان
وسوريا
حيث يمكن
إلقاء
محاضرات
وتقديم
مسرحيات
بالعامية
التي أصبحت
قريبة جدا من
الفصحى. فلا
تزال دارجتنا
"قاسْحا"
وصعبة وبعيدة
عن الفصحى.
لماذا إذن لم
تستطع
عربيتنا
العامية أن
ترقى إلى
مستوى عاميات
دول المشرق
لتصبح قريبة
من الفصحى؟
إن هذا مشكل. كيف
نفسر أن
الفيلسوف
الجايري،
الذي استطاع
الغوص إلى
أعماق "العقل"
العربي وسبر
أغواره
ومكنوناته
والكشف عن
ثوابته
وآليات
اشتغاله،
يعجز عن فهم
وتفسير ظاهرة
بسيطة جدا:
تباعد "الدارجة"
المغربية عن
الفصحى عكس
ما هو ملاحظ
لدى دول
المشرق
العربي؟
الجواب هو
طغيان النزعة
العروبية
القومانية
لدى الجابري
إلى الحد
الذي لم تترك
له فرصة
للنظر إلى
شيء آخر خارج
العوامل
العربية،
كأسباب لفهم
الظاهرة
الملاحظة،
ولا لإمكانية
تصور المغرب
كبلد مختلف
جوهريا عن
بلدان المشرق
العربي.
ولهذا فهو
يستغرب كيف
أن "الدارجة"
المغربية لم "تطوّع"
لتصبح
لغة قريبة من
الفصحى كما
في بلدان
المشرق
العربي،
مستحضرا هذه
البلدان
كعناصر
للمقارنة
اعتقادا منه
أن المغرب
جزء من هذه
البلدان
العربية،
وبالتالي فما
يصدق عليها
يجب أن يصدق
كذلك على
المغرب. وهذا
ما جعل
الجابري
عاجزا عن
تفسير ظاهرة
تباعد "الدارجة"
المغربية عن
الفصحى لأنه
لا يفكر إلا
فيما وبما هو
عربي مشرقي.
مع أن تفسير
الأمر بسيط
جدا، بل
بديهي، وهو
أن "الدارجة"
المغربية،
إذا كانت لا
تزال بعيدة
عن الفصحى،
فلأن لها نفس
البنية
التركيبية
والنحوية
التي للغة
الأمازيغية
إلى درجة
يمكن القول
معها أن هذه "الدارجة"
ليست
إلا لهجة
أخرى من
لهجات اللغة
الأمازيغية.
وبما أن
الأمازيغية
لغة مستقلة
وقائمة
بذاتها ولا
تربطها أية
قرابة
بالعربية،
فمن الطبيعي
أن تكون
الدارجة ذات
المضمون
الأمازيغي
بعيدة كل
البعد عن
العربية
الفصحى. إن
المسألة، كما
قلت، من
البديهيات
المعروفة
والمؤكدة
التي لا
تحتاج إلى
تفلسف ولا
إلى تفكير
كثير ولا
استدلال
طويل، بل فقط
الخروج من
الإطار
العروبي
القوماني
الضيق لإمكان
فهم الأمور
على حقيقتها
وإدراك
أسبابها
وعللها. هنا
يعطي الجابري
الدليل
الملموس على
أن
الأمازيغية
تنتمي عنده
إلى "اللامفكر
فيه" L'impensable. وهذا
ما لم يسمح له
بالتفكير في
الأمازيغية
كسبب يفسر ما
لاحظه من فرق
كبير بين
عامية المشرق
والعامية
العربية
بالمغرب،
لأنه لا يمكن
"التفكير" في
"اللامفكر
فيه" الذي هو
الأمازيغية
عند الجابري.
إنه كمن ولد
أعمى ولا
يمكنه أن
يتصور حقيقة
الألوان أبدا.
فحذار
من النزعة
القومانية
والشرقانية:
إنها تُصمّ
العقول
وتُعمي
التفكير حتى
عندما تكون
عقولَ
وتفكيرَ
فلاسفة! |
|