|
افتتاحية: الذكرى
الثانية
والسبعون
لأسطورة ”الظهير
البربري“ (16 ماي
1930 ـ 16 ماي 2002( لنطالب
بإحياء ”الظهير
البربري“
بقلم:
محمد بودهان يمكن القول بأن الحركة الأمازيغية بالمغرب قد نجحت، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، في تقويض أسطورة "الظهير البربري"، أسطورة الأساطير، أسطورة القرن. فقد أصبح الجميع يعرف ويعترف اليوم بأن ما يسمى "الظهير البربري" ليس من خلق فرنسا، بل هو من إبداع "الحركة الوطنية" التي دخلت التاريخ ركوبا على هذه الأسطورة التي استعملتها لسرقة هذا التاريخ من صانعيه الحقيقيين وأصحاب الحق فيه، وطردهم منه بعد أن ألصقت بهم تهمة التآمر مع الاستعمار على الوطن والإسلام والعربية! بهذه الأسطورة ضربت "الحركة الوطنية" عصفورين بحجر واحد: أسست شرعيتها التاريخية وأسست كذلك شرعية اغتيال الأمازيغية الذي لا زال يرتكب دائما كلما تم ربط الأمازيغية بالاستعمار، أي بـ"الظهير البربري". هذا ما يكشف عنه كتاب الأستاذ محمد منيب ـ "الظهير البربري أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر"ـ من خلال تفاصيل ووثائق وحقائق وأدلة تثبت، بشكل واضح، بسيط وملموس، أن "الظهير البربري" كان أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر. (يوجد الكتاب بالمكتبات منذ 15 ماي الجاري). والآن،
بعد تقويض
هذه
الأسطورة، ما
ذا سيتبقى من
"الظهير
البربري"؟ هنا
ينبغي أن
نميز جيدا
بين "ظهير 16
ماي 1930 المنظم
لسير العدالة
بالقبائل ذات
العرف
الأمازيغي
التي لا
تتوفر على
محاكم شرعية"
ـ وهذا هو
اسمه الحقيقي
الذي صدر به
في الجريدة
الرسمية عدد 919:
«Dahir du 16 mai 1930 réglant le fonctionnement de la justice dans les
tribus de coutume berbère non pourvues de mahkamas
pour l' application du Chrâa
ـ وبين ما
سمته "الحركة
الوطنية" "الظهير
البربري"، أي
الأسطورة
التي خلقتها
اختلاقا، هذه
الأسطورة
التي غيّبت
نهائيا
المضمون
الحقيقي
والإيجابي
جدا لظهير 16
ماي
واستبدلته
بمضمون
آخر
أسطوري لا
علاقة له بما
جاء في ظهير 16
ماي 1930. فما هو
هذا المضمون
الحقيقي
والإيجابي
لظهير 16 ماي 1930،
والذي حرفته
وشوهته "الحركة
الوطنية"؟ عندما
نقرأ اليوم
نص ظهير 16 ماي 1930،
متأملين
فصوله بعيدا
عما علق به من
بهتان
وأكاذيب "الحركة
الوطنية"،
نجد أنفسنا
مجبرين على
الاعتراف بأن
هذا القانون
كان يمثل قمة
الديموقراطية
التي لم يكن
يوجد مثيل
لها حتى في
فرنسا نفسها.
بل إن هذا
النوع من
الديموقراطية،
التشاركية
السكانية (تنبثق
عن السكان
أنفسهم)، لا
زالت إلى
اليوم، في
القرن الواحد
والعشرين،
غير معروفة
إلا لدى عدد
قليل من
الدول
كسويسرا
وألمانيا
وإسبانيا
وكندا
وأميريكا
وبعض الدول
الإسكندنافية. لنشرح
ذلك: إن
ظهير 16 ماي 1930
يمنح للمناطق
التي يسودها
العرف
الأمازيغي
استقلالا
قضائيا ذاتيا Autonomie judiciaireكاملا
حيث يحكم
السكان
أنفسهم
بأنفسهم، ليس
فقط من حيث
الأشخاص
الذين يتولون
المسؤوليات
العمومية، بل
ـ وهذا هو
الأهم ـ من
حيث القوانين
التي يحتكم
إليها هؤلاء
السكان، التي
هي قوانين
نابعة منهم
وليست مفروضة
عليهم من
خارج ثقافتهم
وحياتهم
الاجتماعية.
فالمحاكم
كانت
أمازيغية،
والقضاة
أمازيغيين،
والقوانين
Izerfan أمازيغية
ولغة التقاضي
امازيغية.
إذا كانت
الديموقراطية،
في تعريفها
المثالي الذي
يعني "حكم
الشعب لنفسه
بنفسه"، لا
تتحقق من
الناحية
العملية إلا
جزئيا، وذلك
حتى في أعرق
وأكثر
البلدان
ديموقراطية،
فإن ظهير 16 ماي
1930 قد جعل هذه
الديموقراطية،
في شكلها
الأمثل
والمثالي،
ليست شيئا
ممكنا فحسب،
بل أمرا
واقعا
وممارسا
ومتحققا.
وهكذا فإن
ظهير 16 ماي 1930،
بما جاء به من
فلسفة جديدة
فيما يتعلق
بالجهوية
واللامركزية،
ومضامين
جديدة
للعدالة
والديموقراطية
الاجتماعية
السكانية،
ومفهوم جديد
لإشراك
المواطنين في
تسيير شؤونهم
وحل
نزاعاتهم،
فإنه بذلك
كان متقدما،
وبمسافات
طويلة، حتى
على فرنسا
التي أصدرت
هذا القانون،
متقدما عليها
ليس بالنسبة
لذلك العصر،
بل حتى
بالنسبة
للعصر الراهن
حيث لا زالت
فرنسا متمسكة
بنوع من
التسيير
المركزي ذي
طابع مخزني
حقيقي. فإذا
كان أساس
الديموقراطية
هو احترام "إرادة
الشعب" و"إرادة
السكان"، فإن
ظهير 16 ماي 1930
كان تعبيرا
عن هذا
الاحترام
لإرادة الشعب
وإرادة
السكان بشكل
لا نجد له
مثيلا إلا في
عدد محدود من
الديموقراطيات
في القرن
الواحد
والعشرين كما
سبق أن أشرنا.
فالظهير لم
يأت بشيء من
خارج السكان،
سواء فيما
يتعلق
بالعنصر
البشري، أو
القوانين، أو
اللغة
المستعملة في
المحاكم. فكل
شيء من
السكان
وإليهم. نسمع
اليوم كلاما
كثيرا عن "الجهوية"
و"اللامركزية"
اللتين يقال
ويكتب بأن
المغرب قد
خطا خطوات
متقدمة في
تطبيقهما
والأخذ بهما
في إدارته
الترابية،
لكن دون أن
نقف وندقق في
مضمون
السياسية
الجهوية
واللامركزية
التي يتبعها
المغرب. الجهوية
واللامركزية،
كما هما
ممارستان
بالمغرب، لا
تعنيان أكثر
من إيصال
قرارات
السلطة
المركزية
ولغتها
وقوانينها
إلى الجهات
والأطراف
النائية
وتنفيذها من
طرف رجال
سلطة (ولاة،
عمال،
باشوات، قواد..)
أجانب عن
المنقطة، مع "تشريف"
المنتخبين
المحليين
بمهمة جمع
الأزبال.
فهذا النوع
من الجهوية
واللامركزية
ليس إلا
تقوية
للسياسة
المركزية
التي تصبح
معها، بفضل
أسلوب ما يسمى
خطأ بالجهوية
واللامركزية،
لغة (العربية)
الحكم
المركزي
وقراراته
وسلطته
وإرادته هي
المهيمنة
والسائدة في
كل المناطق.
إننا هنا
أمام سياسة
جهوية
ولامركزية
ذات طابع
أمني،
وبالتالي فهي
مخزنية
بامتياز، لأن
الهدف هو
دائما تقوية
سلطة المخزن
وحضوره
باستعمال
الوسائل (الجهوية
واللامركزية)
التي من
المفروض أنها
تخفف من هذه
السلطة وهذا
الحضور
المخزنيين. إن
السياسة
الجهوية
واللامركزية
الحقيقية،
التي يكون
وراءها، ليس
هاجس الأمن،
بل هاجس
التنمية
المتوازنة
لكل الجهات
والمناطق
وترسيخ
ديموقراطية
تشاركية
منبثقة عن
السكان
ومعبرة عن
إرادتهم، لا
تتمثل فقط في
انتخاب
ممثلين عن
السكان
يسيرون
شؤونهم
العامة، وحتى
لو كان ذلك
في استقلال
عن السلطات
المحلية،
وليس تحت
إشرافها كما
عندنا في
اللامركزية
المخزنية
بالمغرب، بل
إن هذه
السياسة
الجهوية
واللامركزية
الحقيقية هي
التي تقضي
بأن تستعمل
الإدارات
والمحاكم
والمدارس لغة
السكان بدل
لغة أجنبية
عنهم يفرضها
عليهم الحكم
المركزي، وأن
تُطبق عليهم
قوانينهم
وأعرافهم ـ
التي لا
تتعارض طبعا
مع مصلحة
الوطن ووحدته
ـ المستمدة
من ثقافتهم
وتنظيمهم
الاجتماعي
عوض أن
يخضعوا
لقوانين
أجنبية عنهم
تفرضها عليهم
السلطة
المركزية،
التي غالبا
ما تشرّع هذه
القوانين
لحماية مصالح
النخبة
الحاكمة
وإعادة إنتاج
امتيازاتها
وهيمنتها.
لنتذكّر بهذا
الصدد أن
انتفاضة
الريف أواخر 1958
كانت بسبب
فرض الحكم
المركزي على
السكان لغة
وإدارة
وقوانين
أجنبية عنهم،
الشيء الذي
رفضه هؤلاء
السكان، فكان
جزاؤهم
التقتيل
والتدمير. إذا
كانت القليل
من الدول
فقط، كما سبق
أن أشرنا، هي
وحدها التي
تعرف هذا
النوع من
الديموقراطية
الكاملة،
والتي لم تصل
إليها إلا في
أواخر القرن
العشرين، فإن
ظهير 16 ماي 1930 قد
أرسى، منذ
هذا التاريخ،
أسس هذه
الديموقراطية
بالمغرب،
والتي ألغتها
طبعا "الحركة
الوطنية"
بمجرد الحصول
على
الاستقلال. ونلاحظ
أن الأنظمة
الاجتماعية
الأكثر
ديموقراطية،
كما في
سويسرا
وألمانيا
وإسبانيا
وكندا
والولايات
المتحدة، هي
التي تتبنى
نظام الجهات
ذات
الاستقلال
الذاتي Autonomie،
الذي
يشمل اللغة
والقضاء
والإدارة
والمالية
والثقافة...،
والذي لا
يختلف في
جوهره عن روح
ظهير 16 ماي
1930 الذي كان
متقدما عن
عصره حيث
تضمن
ديوقراطية
تشاركية
سكانية في
وقت لم يكن
ذلك معروفا
ولا ممارسا
في بقية دول
العالم. فلو
أن "الحركة
الوطنية"
احتفظت بهذا
الظهير
وعممته إلى
باقي مناطق
المملكة مع
تكييف مضمونه
حسب الجهات،
لكان المغرب
هو سويسرا
إفريقيا منذ
أزيد من
أربعين سنة.
لكن "الحركة
الوطنية"
كانت تخاف من
كل
ديموقراطية
قد تشرك معها
الشعب في
السلطة
والحكم
والتشريع.
فهذا
الظهير إذن
هو "الأكثر
ديموقراطية
بالنسبة لكل
ما صدر من
قوانين
وتشريعات
وأنظمة
سياسية في
تاريخ المغرب"
، كما كتب
الأستاذ عبد
اللطيف أكنوش
(انظر مقاله
بالفرنسية في
العدد 57 من "ثاويزا").
فلنطالب إذن
بإحياء
وتطبيق هذا "الظهير
البربري"
الفرنسي، أي
الذي أصدرته
فرنسا، لكن
مع إلغاء "الظهير
البربري"
الوطني، أي
الذي ابتدعته
واختلقته "الحركة
الوطنية"
وليس فرنسا.
|
|