|
|
الحركة الانفصالية الصحراوية والرفض التاريخي للتاريخ بقلم: مبارك اباعزي
أخذت قضية الصحراء من وقت السياسيين الكثير، وشغلت أذهان المثقفين والكتاب، وأذهبت الكرى عن مختلف أصناف المجتمع المدني، كما أضحت حديث الناس في ملتقياتهم الخاصة والعامة. استحوذت على كل هذا الاهتمام بعد أن أقدم الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع على تخصيص معظم مواده لهذه القضية، واختلفت بالتالي وجهات النظر، باختلاف الإديولوجيات التي تسعى إلى توظيف مختلف الأحداث لصالحها، اعتمادا على التأويل المغرض والمغلوط. فقد استند الانفصاليون الصحراويون في طروحاتهم على مبادئ حقوق الإنسان وحقوق الأفراد والجماعات، ومنها تم استلهام أطروحة حق الشعوب في تقرير مصيرها. إن دواعي ظهور هذا المبدأ يعود إلى المراحل الاستعمارية، قبل الحرب العالمية الأولى وبعد الثانية بكثير، لأنه لم يكن هناك ما يبرر الاستعمار بوصفه فعلا كولونياليا عدوانيا، فسعت المنظمات الدولية إلى وضع اليد على جرح الشعوب، فنادت بحقها في تقرير ما تؤول إليه أوضاعها. من الواضح إذن أن الأرض لم تكن أرض المستعمرين تاريخيا، إذ قاموا بغزو البلدان التي استعمروها بقوة الحديد والنار. إنهم يمتلكون زمام الأمور سياسيا واستراتيجيا وعسكريا، مما حفزهم على اختراق حدود غيرهم، عبر الرغبة التي تتحكم في الذات البشرية. كل الشعوب تغزو عندما تكون قوية، وبعض الشعوب يقع عليها الغزو نتيجة ضعفها. وهذا يعني أن إلقاء اللائمة لا يجب أن يحدث عندما يقام بالاستعمار، بل عندا يصبح مستمرا، رغم أنه فعل خسيس غير مقبول مبدئيا. الشعوب المستعمَرة هي شعوب تملك الأرض منذ بداية البشرية، هي شعوب وجدت نفسها في أرضها ولم تعرف بداية لنزوحها من أرض أخرى. وعلينا أن نطرح سؤالين على الحركة الانفصالية الصحراوية: 1-هل تملكون الأرض تاريخيا؟ 2-أتعرفون بداية لنزوحكم إلى أرض شمال أفريقيا؟ أم أنكم وجدتم أنفسكم في تلك الأرض منذ بداية التاريخ؟ هذان السؤالان يعرف عنهما الصحراويون أكثر مما نعرف، ويدركون مغزاهما أكثر مما ندرك. والحق أنهم كتبوا مقالات وكتبا عن بداية نزوحهم بعد الغزو العربي، وهذا الحدث لوحده يجيب عن السؤالين بالإجمال. فكيف يكون من حق هذه الفئة أن تأخذ أرضا لم تكن لها؟ كيف تستحوذ على أراض الآخرين بحجة حق الشعوب في تقرير مصيرها. إنها سرقة عربية مشهود عليها لا تسندها أية مصداقية، علمية كانت أو تاريخية أو حقوقية. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسمح الشعب المغربي لثلة من الصحراويين، نالوا ما نالوه من معرفة في المدرسة المغربية، المغضوب عليها نفسها، بالمناداة بالانفصال. وقد قلنا في مقام آخر، إن الراغبين في الانفصال عليهم أن يوجهوا خطاهم صوب شبه الجزيرة العربية، لا أن يجثموا علينا ويعلنوا استحقاقهم للشفقة.إننا لا ندعوهم إلى الرحيل فعلا، ولكن هذا الموقف قد يكون موجودا عندما يصل الأمر إلى مستوى معين، إذ لن يكون هناك سبيل آخر، غير العودة إلى التاريخ والأنثروبولوجيا. إن طريقة تعامل الدولة المغربية مع ملف الصحراء لم يعتمد التاريخ ولم يستند على أي من هذه الأمور التي أشرنا إليها. وهو ما سيضعها في مأزق دولي، إذ ليس من حقها أن تجبر الصحراويين على الانضمام إليها، ذلك أنهم يمتلكون خصوصيات ثقافية ولغوية وسوسيولوجية، ويرغبون بالتالي، في تسيير ذواتهم، في استقلال عن الأحزاب المتحجرة والسلط الدكتاتورية التي لم تول معاناتها أي اهتمام بل سعت إلى لجمها وتحميلها قسرا على مكابدة المشاق. إن السلطة المغربية تخطئ كثيرا، وتخالف كثيرا مبادئ حقوق الإنسان، في تعاملها مع ملف الصحراء، وسيكون من اللازم عليها تبني خطاب الأرض والتاريخ، لكي تحصل على شرعية الحفاظ على الصحراء. لهذا، فالأبواب التي تطرقها الحركة الانفصالية الصحراوية تتقادم في حضرة التاريخ، تحجم ولا تجيب سائلها عندما تستعاد ذاكرة الأرض والإنسان. عليها إذن أن تنقب عن أبواب أخرى تلج منها إلى مطالب أكثر رزانة، تتلاقى مع العدالة الاجتماعية والموضوعية التاريخية والشفافية السياسية. لا بد لهذه الحركة أن تعيد التفكير في مطالبها، ولكن، أيضا، لا بد من النظر إلى الأمر من نافذة مستقبلية تأويلية، إذ نظن أن القضية الصحراوية يتم استغلالها بذكاء عظيم، من لدن من يسمون بالانفصاليين، في مبادئها وطروحاتها، في منطقها وتفكيرها، في تحليلها البراغماتي للقضية. إن ورقة الصحراء تستغل للحصول على المطالب الاقتصادية للساكنة الصحراوية، لا أكثر، ولا علاقة لها، عمليا، بتأسيس أركان دولة مستقلة. فالهبات التي تقدمها الدولة للمواطنين، تبتعد كثيرا عن العدالة الاجتماعية الحقيقية، ما دام التمييز واقعا، فمقابل عشرات الصحراويين، هناك آلاف المغاربة في الجبال والقرى، يعانون من قساوة الطبيعة الكثير.
|
|