|
|
ما معنى «الأمازيغي» لدى الأمازيغ؟ بقلم: مبارك بلقاسم
من بين الأشياء التي تشغلني دائما حينما أقرأ مقالا يتعلق بشأن أمازيغي هي طريقة استخدام صفة «الأمازيغي» من طرف الكتاب المناصرين للقضية الأمازيغية. وأرى بأن منهجية استخدام هذه الكلمة تنم عن اضطراب عميق في مفهوم «الأمازيغي» أو «الأمازيغية» لدى كثير من الكتاب المناضلين الأمازيغ. فنجد الكثير منهم يسقطون بشكل مريع في المصطلحات والتقسيمات والتصنيفات المخزنية، أو «الاستشراقية» أو «القومية العربية»، وكلها تدور حول اعتبار الأمازيغ ظاهرة إثنية، أو عرقية، تشكل جزءا من «الكل» العربي أو الفرنكوفوني. أي أن أرض شمال أفريقيا ليست ملكا للأمازيغ فقط، بل إن جزءا كبيرا منها مملوك للعرب الممثلين بما يسمى بـ»عرب المغرب العربي»، ومملوكة أيضا للنفوذ الفرنسي. وإذا كان هذا التقسيم الإثني العرقي الدخيل الغرائبي الأعوج متوقعا من أجانب يظنون أنهم يفهمون شمال أفريقيا رغم أنهم لا يفقهون عنها شيئا، فإن الشذوذ بعينه هو أن نجد كتابا أمازيغيين مناصرين للقضية الأمازيغية يتبنون بوعي أو بدونه هذا الرؤية الإثنية الفولكلورية الأجنبية للشعب الأمازيغي. من جهة أخرى نرى أن الدولة العروبية (في المروك والدزاير وغيرهما) وموظفيها من المثقفين المخزنيين أصبحوا بارعين في تمرير الهوية الدولتية (نسبة إلى الدولة) عبر وسائل الإدماج التعليمية والإعلامية. وهكذا أصبح الأمازيغ جزءا من الشعب «المغربي»!!... عوض أن يكون هذا «الشعب المغربي» جزءا من الشعب الأمازيغي. إنها سياسة الاحتواء الوجداني والهوياتي بأدهى تجلياتها. وحتى لا أغرق في الوصف المجرد، سأحاول الإشارة إلى أهم أمثلة التصنيفات الإثنية السياحية للشعب الأمازيغي التي يسقط فيها الأمازيغ. الوهم الأول: هناك «عرب» وأمازيغ في شمال أفريقيا! يظن كثير من الأمازيغ الناطقين بالأمازيغية أن مواطنيهم الذين لا يتكلمون الأمازيغية هم «عرب». بينما الحقيقة هي أن المسألة ثقافية لغوية بحتة لا علاقة لها بالعرب ولا بالعروبة في غرب آسيا اليوم. كل ما في الأمر هو أن هناك أمازيغ يتكلمون اللهجات «العربية» الشمال أفريقية، يعيشون مع إخوانهم الأمازيغ الناطقين بالأمازيغية. الكل أمازيغي إذن. مثال: «الشرطة المروكية تعتقل عددا من الطلبة الأمازيغ في مكناس».
تعليق: أي قارئ لهذا الخبر سيظن أنه في مكناس يوجد طلبة أمازيغ
وطلبة غير أمازيغ («عرب») وأنه يوجد في المروك شعبان أحدهما أمازيغي والآخر «عربي»! هؤلاء كلهم أمازيغ مهما كان أصلهم العرقي السلالي القديم أو الحديث ومهما كانت لغتهم. فما داموا يعيشون على أرض شمال أفريقيا فهم أمازيغ ينتمون إلى الحضارة الأمازيغية. الوهم الثاني: الأمازيغي هو من يعيش في «منطقة أمازيغية»! مثال: «نطالب بتنمية المناطق الأمازيغية». تعليق: الأصح أن نطالب بتنمية «المناطق الفقيرة» وأن نذكرها بالاسم. فاس والرباط وتيطاوين وطنجة مناطق أمازيغية مثل أنفگـو وأسيف ن دادس وأزمور وتيزنيت وبوجدور، لا فرق بينها. كلها أرض أمازيغية. وهذا التقسيم الإثنوجغرافي اللغوي المغلوط شائع جدا في أوساط كثير من الأمازيغ إلى درجة أنهم يأخذونه كحقيقة مؤكدة، بينما هو تصنيف خاطئ لأنه مبني على افتراضات لغوية وعرقية وتاريخية خاطئة. فالناطقون بالأمازيغية موجودون في كل المناطق! أما العرق والسلالة فلا ينحصران في منطقة معينة، ولا تحدهما مدينة ولا قرية. ولذلك لا توجد «منطقة أمازيغية» في بلد أمازيغي لأن كل المناطق أمازيغية أصلا! لا توجد مناطق عربية في شمال أفريقيا، لأن الرياض ودمشق ودبي والربع الخالي وحضرموت لا تزال في مكانها الأصلي في آسيا ولم تهاجر إلى شمال أفريقيا! والناظور وأكادير وفاس وأنفا ومراكش وتيزي وزو وعنابة لا يبدو أنها ستتزحزح من مكانها لتتركه إلى أرض أخرى! لا توجد منطقة أمريكية في الولايات المتحدة لأن كل المناطق فيها أمريكية! وأيضا لا توجد منطقة أيرلندية ولا بريطانية ولا مكسيكية ولا إسبانية في الولايات المتحدة رغم الأصل الأيرلندي والبريطاني للكثير من الأمريكيين، ورغم وجود أعداد من المهاجرين المكسيكيين الذين يتكلمون الإسبانية. ولا توجد «منطقة ألمانية» في سويسرا أو النمسا رغم كون أغلبية سكان البلدين يتكلمون اللغة الألمانية! فكل المناطق السويسرية سويسرية وكل المناطق النمساوية نمساوية. من الطريف أن تلك «المناطق الأمازيغية» المزعومة لا تشمل مدينتي أنفا (الدار البيضاء) والدزاير العاصمة رغم كونهما أكبر مدينتين أمازيغيتين في شمال أفريقيا يعيش فيهما الناطقون بالأمازيغية! الوهم الثالث: الأمازيغي لا بد أنه ينحدر من قبيلة أمازيغية!
ويقود الاعتقاد الخاطئ السابق بوجود «عرب» وأمازيغ في شمال أفريقيا
إلى اعتقاد خاطئ آخر بأن الأمازيغي اليوم لا بد أنه ينحدر من سلالة معينة أو قبيلة
أمازيغية معينة تميزه عن السلالات والقبائل الأخرى «العربية» في شمال أفريقيا. الوهم الرابع: الأمازيغي يعيش في الجبال والصحراء، لا في المدن! مثال: «يعيش الأمازيغ في جبال الريف والأطلس والصحراء الكبرى». تعليق: الأمازيغ يتوزعون على كل مناطق الوطن الأمازيغي من مدن وقرى وسهول وهضاب وجبال وصحارٍ وسواحل. وترتفع الكثافة السكانية للشعب الأمازيغي في المدن والسهول وتنخفض في الصحارى. الوهم الخامس: الأمازيغي هو من يتكلم الأمازيغية! مثال أول: تزعم الدولة المروكية أن الأمازيغ يشكلون نسبة 28% من المواطنين على أساس نتائج «الإحصاء» العام للسكان التي تزعم بأن 28% من السكان يتكلمون الأمازيغية. مثال ثانٍ: الناشطون الأمازيغ يزعمون أن نسبة الأمازيغ تفوق 50%، أو 60% أو 70% على أساس تقديرهم لعدد الناطقين باللغة أيضا.
تعليق: نسبة الأمازيغ هي 100% لأن هوية الشعب لا تحددها اللغة ولا
السلالة العرقية، وإنما يحددها التاريخ والجغرافيا. الوهم السادس: الأمازيغي يصبح عربيا حينما يتكلم العربية! يعتبر المثقفون الأمازيغ الناطقون بالعربية كل من ينطق بالدارجة عربيا! ولا ريب أنهم ينظرون إلى أي توسع في شيوع الدارجة أو العربية المكتوبة كتوسع في «عروبة المغرب». لا يأبهون كثيرا لمسألة التاريخ والجغرافيا، أو للرواسب الثقافية الأمازيغية العميقة في شخصية سكان شمال أفريقيا. هل يصبح الفلسطيني إسرائيليا إذا تكلم العبرية؟ هل يصبح الإسرائيلي عربيا إذا تكلم العربية؟ هل يصبح الأوكراني روسيا إذا تكلم الروسية كلغة أم؟
هل سيفرح الأمريكي أو الأسترالي أو الكندي إذا وصفناه بأنه إنجليزي
على أساس أنه يتكلم الإنجليزية؟ هل هناك برازيلي واحد سيقبل أن يوصف بالبرتغالي؟ هل
يعتبر الأفغان الناطقون بالفارسية أنفسهم فرسا أو إيرانيين؟ الوهم السابع: «كلنا مغاربة»! تنتشر بين مجموعة من الشباب الأمازيغ المروكيين الناطقين بالدارجة مشاعر وأفكار تعبر عن شعورهم بـ»مغربيتهم». نلاحظ تعلقهم المعنوي وتحمسهم لرموز المروك والدولة المروكية مثل العلم الوطني المروكي، المنتخب المروكي لكرة القدم، الثقافة والخصوصية «المغربيتين». إنه البحث عن الانتماء كيفما كان ولو كان مصطنعا. وبما أن الدولة المروكية قامت وتقوم بنشر هذه الهوية الدولتية عبر التعليم والإعلام والإدارة فقد أصبحت «الهوية المغربية» الدولتية هي الهوية الشائعة لديهم. فهم لم يتعلموا في المدرسة أن «المغرب» مصطلح حديث جدا ظهر على الساحة في أوائل القرن العشرين قبيل مشروع دستور 1908 وقبيل دخول الاستعمار. ولا يعرفون أن «المغرب» مصطلح عربي استعمله المؤرخون فقط ولم يعرفه الشعب، وأن «مراكش» و»موريتانيا» هي أسماء أكثر قدما وأصالة لبلادنا. وهم لا يتعلمون في المدرسة أن الدولة المروكية الحالية بناها الاستعمار الفرنسي بمؤسساتها وقوانينها وعلمها الوطني وعاصمتها السياسية الرباط، وأن عمرها لا يتجاوز 100 سنة. أما لدى المثقفين فالقصة مختلفة. فالمؤرخ المروكي (=الأمازيغي) البارز عبد الله العروي مثلا نجده مضطربا ومترددا، في كتابه «مجمل تاريخ المغرب»، حيث يصف شمال أفريقيا القديمة بـ»المغرب» حينا وببلاد «البربر» حينا آخر ولكنه يحسم أمره لصالح مصطلح «المغرب» في معظم الحالات وأهمها. وبهذا يكون عبد الله العروي قد ارتكب خطأ فادحا باستخدامه مصطلحا حديثا ومعاصرا (المغرب) في وصف وتحليل أحداث تاريخية موغلة في القدم (المقاومة الأمازيغية ضد الرومان مثلا). في حين أن المؤرخ والباحث الحصيف والدقيق يستخدم المصطلحات المناسبة للحقبة التاريخية المعنية. فلا معنى للحديث عن «تاريخ أمريكي قديم»، ولا جدوى من الحديث عن «الملك المصري رمسيس» ولا عن «الإمبراطور الإيطالي نيرون» ولا عن «الملك الجزائري ماسينيسا»! فكلنا يعلم أن أمريكا ومصر وإيطاليا والدزاير إنما هي مصطلحات حديثة لا معنى لها في التاريخ القديم الذي يسبقها.وخطأ عبد الله العروي هو نفس خطأ المؤرخين الأوروبيين المعاصرين الذين ينعتون أرض الأمازيغ في التاريخ القديم بالمصطلح Maghreb. يوضح عبد الله العروي أن الأمازيغ هم سكان شمال أفريقيا الأصليون وأن وجودهم بها قديم جدا. ويحلل بالتفصيل أبعاد “المقاومة البربرية” للغزو الروماني والأموي العربي. ولكنه لا يحب اعتبار الأمازيغ أمة واحدة ويفضل وصفهم (في نطاق ذلك التاريخ القديم) بـ”المغاربة” الذين يعيشون في “المغرب” أو في نطاق “الدولة المغربية” أحيانا. وكم هو عجيب وقع عبارات في كتاب العروي من قبيل: “...وضعية المغرب قبل الفينيقيين...” و”...عندما اتصل المغاربة بالبحارة الفنيقيين...”! (ص:96 ج:1). في نظر عبد الله العروي، الأمازيغ هم “بربر” حينما يكونون منقسمين مرتحلين متمردين مقاومين أو سلبيين، ولكنهم يصبحون “مغاربة” حينما يكونون موحدين مستقرين وأقوياء وإيجابيين! مصطلحات ومفاهيم باطلة: لا بد أنكم قد لاحظتم أن التقسيمات الإثنية الوهمية السبعة المذكورة هي في الحقيقة “شروط” قائمة بحد ذاتها وظيفتها هي “تحديد” من هو الأمازيغي عبر غربلة المجتمع الأمازيغي عرقيا وفلترة العنصر العربي من “الشوائب” الأمازيغية لتأكيد الأهمية غير العادية للعرق العربي في البلاد الأمازيغية! هدف هذه التقسيمات الوهمية هو “تقنين” الانتماء الأمازيغي للأفراد والجماعات، والسيطرة على الامتداد الأمازيغي ورسم حدوده واحتواء أبعاده التاريخية الجغرافية، من أجل تأمين ما يكفي من المساحة للعروبة والفرنكوفونية على الساحة. أما هدف المخزن بترويجه لمفهوم “الهوية المغربية” ومشتقاتها من “نظريات الروافد والمكونات”، فهو توطيد نفوذه وشرعنته، حيث إن الدولة “المغربية” تحدد وترسم الهوية الوطنية وتنسبها إلى نفسها في الوقت ذاته! وتوطيد النفوذ الدولتي المخزني لن يكتمل طبعا إلا بإدماج العنصر الاستثنائي المشاغب الحي المتمرد (الأمازيغ الواعون بهويتهم) في النظام العروبي عبر فبركة مفهوم عرقي إثني للهوية الوطنية ظاهره هو الدقة التاريخية والمساواة وإدماج جميع “المكونات”، وباطنه هو تحييد الهوية الأمازيغية (بمعناها السياسي المجتمعي) ومسخها في إثنية عرقية ثقافوية تصلح للترويج السياحي والتنشيط الثقافي، مع ترسيخ العروبة والفرنكوفونية كـ”شريكين” شرعيين للهوية الأمازيغية في شمال أفريقيا. فتصبح الهوية الأمازيغية حينئذ عبارة عن حصة إثنية عرقية... عبارة عن رقم فولكلوري تافه لا قيمة له. أي أن الأمازيغية ستصبح جزءا (هامشيا) من الكل بجانب “العروبة” العرقية واللغوية، و”الفرنكوفونية” اللغوية والاستعمارية. تنبيه هام: إذا أردنا أن ننتصر في هذه المعركة الفكرية فإن مراجعة مفاهيمنا ومصطلحاتنا لهو أمر ضروري. فالمفاهيم الإثنية الغرائبية السياحية الأجنبية لا بد أن نتخلص منها ونبني مفاهيم جديدة مناسبة لهويتنا الأمازيغية ولوطننا الأمازيغي ولتطلعاتنا الأمازيغية في انسجام مع تاريخنا وجغرافيتنا، من أجل بناء عصر من التقدم الأمازيغي. إما إذا قبلنا مصطلحات وقوالب الآخرين واستسلمنا لها، وتخاذلنا عن ترسيخ هويتنا الأمازيغية واستقلاليتنا عن الأجانب، وتقاعسنا عن الإنتاج الفكري والحضاري فسنتحول إلى محنطات أثرية طريفة في متاحفهم بعد أن تكون أمتنا العريقة قد انسحبت من الوجود وتحولت إلى جثة محنطة لا حياة فيها.
|
|