|
|
حوار مع الباحثة في الأدب الشعبي، الكاتبة جميلة فلاح حاورها: نورالدين برقادي (الجزائر)
«الأمثال الشعبية مرآة عاكسة لطبيعة الناس ومعتقداتهم» تفضّل الكاتبة جميلة فلاّح طهي الخبز التقليدي (الرخسيس) في موقد طينيّ خلال سهرات خنشلة، بحضور أفراد الأسرة، وفاكهة هذه السهرات عبارة عن: أمثال، حكم، قصص، ألغاز وأحاجي.. وقد أصدرت الكاتبة لحدّ الآن، ثلاثة كتب: ـ حكايات، أحجيات وأمثال، منشورات جمعية المرأة في اتصال، الجزائر. - حكايات من التراث الأمازيغي، تقديم: ا.د. عبد الحميد بورايو (كتاب موجّه للطفل)، منشورات دار العلم والمعرفة، الجزائر 2007. ـ أهازيج من الأوراس، منشورات الشهاب، الجزائر، 2009. في انتظار صدور كتابها الرابع حول مسار وأعمال مطرب الأغنية الأوراسية التراثية المرحوم علي الخنشلي. تناولنا في حوارنا مع الكاتبة عالم الأدب الشعبي الجزائري عامة والأمازيغي خاصة: سؤال: الثقافة المغاربية، ثقافة شفوية والإنسان المغاربي يفضّل استخدام اللّسان أكثر من استخدامه للقلم. لماذا نرفض استخدام القلم على الرغم من مرور أكثر من خمسة آلاف سنة على ظهور الكتابة؟ جواب: عانت مختلف لهجات الأمازيغ طوال عصورها من الانتقال من لغة شفوية إلى لغة مكتوبة، ومن لغة القبيلة إلى لغة الدولة، ومن لغة البداوة إلى لغة الحضارة، إذن الانغلاق الثقافي والتطور البطيء للمجتمع الأمازيغي، هذا المجتمع الريفي القبلي الذي كان دون كيان سياسي، يركن ويتحصّن بالقرى الجبلية بعيدا عن التأثر بأية ثقافة متحضرة، محصورا في ثقافة قبلية. أتساءل وأقول: هل كانت لنا حضارة أو ما يشبه الحضارة المكتوبة؟. نتأسف لكوننا بلا ذاكرة، بلا توثيق، بقينا ندور حول تجارب الآخرين، والواقع أن ذلك الخطأ التاريخي الفادح للسياسات المتردّية التي لم تعتمد على ثقافة الأرض بما لها وما عليها، نلوم الدولة التي لم تضع على عاتقها تطوير منابع الثقافات المحلية. الكتابة على الكتابة اتساع، إنها المحور الأصل في تحريك تجارب الذهن والمخيّلة، في رؤية جميع الأبعاد خلال تعاقب الأزمنة والحقب، تظلّ الكتابة في هذا المضمار هي الباقية. سؤال: الثقافة المغاربية متعددة المشارب. هل توجد علاقة بين المثل الشعبي الأمازيغي اللّسان والعربي اللّسان في الجزائر؟ جواب: يعتبر المثل الشعبي من أكثر فروع الثقافة الشعبية من حيث الثراء في اللغة. والمثل الشعبي الأمازيغي لا يختلف عن المثل العربي في البناء وفي أداء الوظيفة البلاغية والبيانية التي يتوخاها المتكلّم من حيث ضرب أمثاله. فالمثل، تعبير بلاغي بالدرجة الأولى يتّصف بالشمول والعموم بالقياس إلى باقي أساليب التعبير البيانية، الأمثال بالأمازيغية أو بالعربية (العامية) تعبر عن تجربة سابقة تتّخذ نموذجا للتعبير عما يختلج في صدور أفراد المجتمع، غير أنهما (أي المثل الأمازيغي والمثل العربي) متباينان في شيء واحد هو اللغة. سؤال: تعاني الثقافة الشفوية من التهميش وعدم الاهتمام. ماذا تقترحين لردّ الاعتبار لهذا الموروث الحضاري الوطني؟ جواب: لرد الاعتبار لموروثنا من الأدب الشعبي، علينا بالمبادرة السريعة والفاعلة من أجل أرشفة تراثنا، حفاظا على وجه بارز من التاريخ الثقافي للجزائر. كل ما جمعناه لا يفي بالغرض، أقترح إنشاء مواقع إلكترونية خاصة بكل منطقة من مناطق الجزائر؛ فلكل منطقة كنوزها من التراث اللاّمادي، بهذه الطريقة نقدم للآخرين تراثنا بأنفسنا ولا نتركه في متناول العابثين به وبالتالي الحفاظ عليه من الضياع. سؤال: التكنولوجيا الحديثة تهدد كلّ ثقافة غير مكتوبة بالذوبان، والعولمة لا تعترف بالثقافات المحلية، كيف يمكن حماية هذه الثقافات من الاندثار والموت؟ جواب: هذا التراث الشعبي الذي تتوارثه الأجيال مشافهة يواجه العديد من الأخطار؛ أخطار المحو من الذاكرة الشعبية للأجيال الصاعدة، بسبب عوامل عديدة أهمّها التغيّرات الحاصلة في البنية الاجتماعية وفي طرائق الحياة والتفكير المرتبطة بضرورات العصر وما تفرضه من حتميات، إذن الإجابة عند الباحثين والأكاديميين المشتغلين في حقول التراث الشعبي. لنفرض أن الهمّة توفرت والإرادة انعقدت ومضى العزم حتى تمّ لنا تدوين هذا التراث، هل سنستحضره في المناسبات والمعارض، ثم نقبره في مستودعات الأرشيف؟ هل نؤسس مكتبات خاصة به؟. إذن السؤال المهم الذي نطرحه: ماهي القيمة الحقيقية لتراث شعبي شفوي ندوّنه؟! سؤال: تواجه الباحث في الأدب الشعبي عدة صعوبات. من خلال تجربتك، ماهي الصعوبات التي واجهتك عند انجازك لأبحاثك؟ جواب: كنت منذ طفولتي أميل إلى الكتابة الإبداعية؛ سواء شعرا أم نثرا، وكانت كتاباتي تشدّ اهتمام أساتذتي ـ خاصة المشارقة منهم ـ ثم مع الأيام صارت لي مساهمات في الجرائد والمجلات والإذاعة الوطنية، بعدها غرقت في بحر التراث الشفوي لمنطقتي (الأوراس)؛ فاكتشفت كنوزا غالية، كان لا بدّ من نفض الغبار عنها، وكلّما أحاول الخروج من هذا البحر والعودة للكتابة الإبداعية لا أستطيع، لأنني في كل مرة اكتشف أشياء تشدّني أكثر. الكتابة أو تدوين التراث الشفوي والتنقيب عنه يحتاج إلى إصرار وإرادة وثبات من الباحث. وكامرأة تعيش في وسط صعب المراس، أجد صعوبات جمّة في أبحاثي، أهمها عدم تفهّم محيطي للعمل الشاق الذي أقوم به، كما أن التقاليد تقف حائلا دون تمكّني من التنقل إلى عمق الريف الأوراسي والاحتكاك بأهالي الأوراس، خاصة كبار السنّ منهم. هناك من الناس من لم يتعوّد على مثل هذا النوع من الدراسة، مما جعل الاتصال بهم أمرا صعبا ـ خاصة في بداية التعامل ـ لكن مع الأيام تعلّمت طريقة التعامل والتواصل مع كبار السن، وبالذات النسوة المسنّات اللواتي عملت معهن على توثيق الصلة، وذلك للحديث معي بطريقة غير مباشرة في طرح الأسئلة ومحاورتهن لاستقاء المعلومات وتسجيل المادة ثم غربلتها وتصنيفها. والذي يحزّ في نفسي ويؤلمني؛ أنه بعد تطوّر أواصر المحبة بيني وبين سيدة مسنة لفترة طويلة، يصل أجلها لمفارقة الحياة، وهي تحتضر تطلب حضوري لتزويدي بمعلومات جديدة. سؤال: البعض يصبغ نوعا من القداسة على المثل الشعبي، هل المثل الشعبي صالح لكلّ زمان ومكان؟ حواب: يقال باللهجة الشاوية: «أوردجين إمزويرا متى أذينين إنقّورا» ويقابله المثل الشعبي بالعربية العامية: «ما خلاو اللّولين ما يقولوا اللّخرين». تعتبر الأمثال الشعبية من أبرز عناصر ثقافة المجتمع، فهي مرآة عاكسة لطبيعة الناس ومعتقداتهم نظرا لتغلغلها في معظم جوانب حياتهم وتصويرها للمواقف المختلفة، بل تتجاوز ذلك لتقدّم لهم نموذجا يقتدى به في مواقف عديدة، كما أنها تساهم في تشكيل أنماط اتجاهات وقيّم المجتمع. إذن، فهي من مستلزمات الحياة الاجتماعية التي يصنعها الإنسان بتفاعل، لكونها تعيش معنا في يومياتنا وتشكّل سلاحا للأفراد وما يجب أن يفعلوه. سؤال: هناك من يقول بأن المجتمع الجزائري ينتقص من قيمة وحق المرأة. كيف وصف المثل الشعبي الجزائري المرأة الجزائرية؟ جواب: تحتل المرأة في الأمثال الشعبية مجالا كبيرا، باعتبارها محور الحياة الاجتماعية داخل البيت وخارجه، وذلك من خلال الدور الذي تلعبه كزوجة وأم وابنة وحماة... والمتأمل لصورة المرأة في الحياة اليومية، من خلال الأمثال الشعبية يجد لها صورا عديدة متقابلة، تعكس كلّ صورة ملامحها المتنوعة؛ فتتداخل معا لتكوّن في النهاية شكلا عاما للمرأة المتميزة بالأصالة والنشاط وخفّة الروح، إذ لا تحاول الأمثال تقديم صورة عامة للمرأة ككائن جمالي تحدّد خصائصه وتمتدح صفاته، بل تسعى إلى سبر أغوار هذا الكائن الذي يشكّل محورا أساسيا من محاور الحياة الاجتماعية؛ حيث إنّها تحرص على تقديم رؤية واضحة لطبيعة السلوك الإنساني متّخذة من المرأة رمزا لهذا السلوك، يشير إلى شكل العلاقة الاجتماعية القائمة بين المرأة والمجتمع. ومن أشهر الأمثال التي قيلت عن المرأة: - ما يعجبك نوّار الدفلة في الواد عامل ظلايل، وما يعجبك زين الطفلة حتى تشوف لفعايل. - بنت السدّ والمدّ وبنت القصعة والمثرد. - قلّب البرمة على فمها تخرج الأنثى لأمها. - أدّي لبنات على الأمهات وأدّي الخيل على السادات - اللي صبرت دارها عمرت. سؤال: باعتبارك مهتمة بالبحث في الثقافة الشعبية الأمازيغية، ماهي خصائص المثل الشعبي، الأحجية، اللغز والقصة الأمازيغية؟ جواب: إذا كانت الأمثال الشعبية عبارة عن أقوال شفوية، مجهولة القائل وواسعة الانتشار بين العامة والخاصة، فإنّ سر ذيوعها يعود إلى جملة من الخصائص التي امتازت بها وأجمع عليها الدارسون؛ وهي: إيجاز اللفظ، إصابة المعنى، حسن التشبيه وجودة الكناية، إضافة إلى أنها ذات طابع شعبي، تعليمي وشكل أدبي مكتمل، كما أنها سهلة الحفظ والتناقل على الألسنة، وهذا راجع إلى بلاغتها، مثلا نقول «البرد يعلّم لخياطة والجوع يعلّم السقاطة» أو نقول «الخير يللّش والهمّ يكمّش»؛ هنا نجد المثل فيه جرس موسيقى نظرا لتناغم ألفاظه وتناسق جمله وتجانس أحرفه، نفس الشيء مع الأحاجي التي تستعمل عادة للسمر وملأ الفراغ والتسلية، فغالبا ما تلتزم بالسجع، كما تدفع بسامعها لتحريك الفكر واختبار العقل لاستنباط المغزى. أما القصة الأمازيغية، فتمثّل قسما هاما من المأثورات الشفوية الجزائرية تنتقل من الكبير إلى الصغير، فيها شيء من طفولة البشر وكذا ملامح وفية لطبيعة الريف، تبدو ذات طبيعة خيالية، تروى بغرض التسلية والترفيه عن النفس بعد عناء الجهد والتعب، فيها لمسات للأصالة بمختلف ألوانها وأشكالها، تصوّر لنا حياة الإنسان الأمازيغي في مواجهته لذاته ومحيطه. سؤال: نجد في الأدب الشفوي: العبرة، الحكمة، البطولة، الحب، الخرافة...بم تتميز الخرافة في الأدب الشعبي الأمازيغي؟ جواب: عدد الأمثال الشعبية والأحاجي يقدّر بالآلاف، بينما عدد القصص الشعبية محدود. تنقسم القصة الشعبية إلى أصناف: القصة العجيبة، الأسطورة، الحكي على لسان الحيوان، والخرافة تدخل في هذا المضمار. تهدف الخرافة إلى التسلية، كما تهدف إلى تقديم الموعظة والعبرة، تصوّر لنا الخرافة العلاقات الاجتماعية والسياسية السائدة، تقدم الخبرة الإنسانية وطبائع البشر، وتمثل أداة فعالة في التربية وتوصيل القيم الخلقية وإبراز الفروق الفردية بين البشر. لو نتكلم مثلا عن حكايات «الأغوال»؛ تلك الحكايات التي ترويها لنا الجدات ليلا، والتي نستنتج منها الصراع الدائر بين الحق والباطل، القوي والضعيف، الخير والشر. سؤال: الأدب الشعبي إبداع جمعي، وهو دليل على عبقرية شعب من الشعوب. مقارنة بالآداب الشعبية العالمية، بم يمتاز الأدب الشعبي الجزائري؟ جواب: أهم ما يميّز الأدب الشعبي الجزائري أنه لا يعبّر عن وجدان فردي، وهو بهذا؛ لا يعبّر عن فكرة الفرد ولكن فكرة الجماعة، وذلك لاقترانه بالقضايا الاجتماعية من خلال تصويره لأحاسيس، آلام وآمال أفراد الشعب، كما أنه يعتمد على الرواية والحفظ في انتقاله من جيل لآخر؛ إذ كانت هذه الرواية سببا في تغيّر بعض عناصره وفقا لطبيعة الجمهور المتلقي. وهو أدب عامي، تقليدي، شفاهي متعدد اللغات، مجهول المؤلف ومتوارث عبر الأجيال. سؤال: إلى جانب اهتمامك بالبحث في الأدب الشعبي، تناضلين في صفوف الحركة النسوية. ماذا عن واقع المرأة الريفية في الجزائر؟ جواب: المرأة الريفية ـ خاصة في منطقة الأوراس ـ لا تزال مهمّشة على الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه إلى جانب الرجل، لا تزال المرأة الريفية تعاني من مشاق الحياة المعيشية، حتى في ظل وجود مجهودات لإنعاش الريف، المرأة الريفية لديها قدرات لو تهيأت لها الظروف المناسبة لحققت الكثير. هنا يأتي دور الجمعيات النسوية التي تهدف إلى تدريب وتأهيل المرأة على حرف يدوية معيّنة تسهم في تحسين مستوى معيشة أسرتها، وأيضا توعيتها وتثقيفها من النواحي الصحية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى مكافحة الأمية بتعليم النساء الأميات وتدريبهن وتأهيلهن للعمل على التخفيف من عبء الفقر، تعريف المرأة بحقوقها المعترف بها في قانون الأسرة، توعيتها للحفاظ على تراثها الشعبي. وأريد أن أقول هنا؛ هذه مشاريع وآفاق أتمنى تجسيدها في إطار انخراطي مع الجمعية الوطنية «جمعية المرأة في اتصال FEC «، ربما أتمكن من مساعدة المرأة الريفية الأوراسية في الخروج من القوقعة التي توجد فيها.
|
|