|
|
الأساطير المؤسسة لإيدولوجيا التعريب بالمغرب بقلم: محمد أيت بود
نشرت جريدة هيسبريس الالكترونية، في شهر فبراير 2010، مقالا لصاحبه الدكتور محمد بنيعيش، تحت عنوان: «مزاعم أمازيغية: مالها وما عليها»، ولأن المقال تضمن العديد من المغالطات، بالإضافة إلى التحامل المجاني والصريح على الأمازيغ واللغة الأمازيغية، فقد ارتأيت أن أرد عليه من منطلق الآية الكريمة :»يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين». ولأن الأستاذ الفاضل، وكما يبدو ذلك جيدا من أسلوب مقالته، يعبر عن وجهة نظر أحادية الجانب، بمنطق متحجر رافض للآخر المختلف، بناء على مبدأ (من جهل الشيء عاداه) مستندا إلى ذهنية ميتافيزيقية متعجرفة، تفتقد إلى الموضوعية والنسبية والحياد العلمي، وبنفس سجالي عنيف وسطحي جدا، لم يأت بجديد بخصوص موضوع الأمازيغية، لا يزال يجتر نفس المقولات المهترئة حول أصل «البربر» واللغة المقدسة، والوحدة الوطنية، والمؤامرات الأجنبية، والتراث «البربري»، بعيد عن تصنيفه في خانة الأبحاث الفكرية الجادة الهادفة إلى مناقشة موضوع الأمازيغية من منطلق الحياد العلمي النسبي والموضوعي، وبأسلوب فلسفي رصين ومتعمق، فجل الأفكار الرائجة بالمقال متجاوزة وبالتالي فهي قاصرة عن مجاراة التحولات العميقة التي أحدثها الخطاب الأمازيغي في الحقل السياسي والثقافي المغربي، والتي همت بشكل واضح مساءلة السياسة الثقافية السائدة، وترسيخ مفاهيم التعدد والاختلاف، والمواطنة، ويمكن أن أضيف أنها تسائل التعاقد السياسي المبني على الهوية الواحدة المتفردة، وتقترح هوية تتسم بالنبيسة، متعددة في الواقع، بحيث يستدعي ذلك تعدديتها على المستوى القانوني والدستوري والمؤسسي للدولة، فأسلوب المقال، والذي يعود كما أعتقد إلى القرون الوسطى، (أستمسح فضيلة الدكتور على هذا التعبير) تدل عليه كثرة الاستشهادات التي استقى الكاتب أغلبها في معرض كلامه السجالي، حول الأمازيغية من الكتب الصفراء، ورغم التأكيدات التي أجهد صاحبه نفسه من أجل إيهامنا بها على أنه يتوخى الحياد والموضوعية والعلمية، والنزاهة الفكرية،غير أن أفكاره تضمنت، وهي منحازة جدا، وجهات نظر تؤطرها الأيديولوجية العرقية، حاولت جاهدة إخفاء منطلقاتها السياسية تحت عباءة الدين والوحدة الوطنية. لهذا سوف أحاوره على قاعدة منطقه السجالي والحجاجي، ضمانا للتواصل الجيد، ورغبة في ردم الهوة التي قام الكاتب بحفرها بينه وبين مواطنيه الأمازيغ بعناية فائقة، مستعملا لأجل هذه «الغاية النبيلة» كل إمكانياته اللغوية والبلاغية، مستسلما لنزعاته الذاتية بقصد الإثارة، والتشهير بالأمازيغ وتحقير لغتهم، وتخوينهم وشيطنتهم، ونزع صفة الوطنية عنهم. سأحاول أن أناقش الآراء أو الأساطير التي أسس عليها كاتب المقال مزاعمه حول الأمازيغ واللغة الأمازيغية، كما أوردها صاحبها بناء على النسق الخطي لها، هذه الأساطير تشكل في الحقيقة منطلقات كل الأمازيغوبيين بالمغرب، لضرب الأمازيغ واللغة الأمازيغية، والانتقاص من قدرهم في موطنهم الأصلي الذي هو المغرب، وهي منطلقات سياسية وأيديولوجية وعرقية واضحة ومكشوفة تمتطي صهوات الدين والوحدة الوطنية، في محاولة منها لتوجيه ضربات استباقية إلى الأمازيغية من منطلق عقدة الخوف من أن تصبح لغة الشعب اللغة الرسمية لدواليب الدولة والمؤسسات، وثقافته الثقافة المهيمنة على النسيج الثقافي الوطني، هذه الأساطير هي: 1ـ أسطورة أفريقيش، وأصل الأمازيغ: 2ـ أسطورة الظهير البربري وفوبيا الأمازيغية: 3ـ أسطورة تفوق العربية ودونية الأمازيغية: 4ـ أسطورة الوحدة الوطنية، والجهوية: 5ـ أسطورة الخطاب المزدوج تجاه الأمازيغية: 1ـ أسطورة أفريقيش، وأصل الأمازيغ: من الغريب جدا أن يتم البحث دائما عن أصل سكان شمال أفريقيا، كلما طالب هؤلاء بحقوقهم اللغوية والثقافية والسياسية، في حين لا يعمد إلى نفس الإجراء بالنسبة لعرب الجزيرة العربية مثلا من أين أتوا إلى الجزيرة العربية، أو الهنود الحمر من أين جاءوا إلى أمريكا، أو الصينيون من أتوا إلى الصين... الخ. وهذه العملية تكررت مع كل وافد إلى المنطقة، وهكذا فالعرب ادعوا أن أصل الأمازيغ عرب قحطانيون جاءوا إلى شمال إفريقيا من اليمن، والأوروبيون إبان الاستعمارين الفرنسي والإسباني ادعوا أن أصلهم من الشعوب الهندوـ أوروبية، وحاولوا انطلاقا من المنطق التشبيهي الأنولوجي مقارنة بعض الألفاظ من الأمازيغية بمثيلاتها في اللغة العربية واللاتنية، ليخلصوا إلى استنتاج مفاده أن اللغة الأمازيغية فرع من اللغة العربية القديمة أو اللغات الهندوـ أوروبية، وهي محض مقولات استيعابية واحتوائية، يرغب من ورائها المستعمر أو أي غازٍ جديد في احتواء الأمازيغ في إطار أيديولوجيته، ولقد فند العلم هذه الأسطورة التي يستند إليها الكثيرون ممن يرغبون في نزع صفة السكان الأصليين لشمال أفريقيا عن الأمازيغ، وهي كما يتضح ذلك جليا، من أسسها السياسية، ترمي إلى نزع صفة السكان الأصليين عن الأمازيغ، رغبة في احتوائهم واستيعابهم والقضاء على خصوصياتهم ومقوماتهم اللغوية والثقافية بعد ذلك، رغما عن كل الشواهد التاريخية التي تدل على أن الأمازيغ هم فعلا السكان الأصليون لشمال أفريقيا، فهم لم يأتوا لا من اليمن ولا من أوروبا بل نبتوا كما تنبت البقول في شمال أفريقيا، وحتى لا يكون هذا الكلام مجردا من الحقيقة العلمية تجدر الإشارة إلى أنه ورد في كتاب: «مذكرات من الثرات المغربي الأصيل، المجلد الأول ـ بعنوان : «ميلاد مركز حضاري»، مدير المجموعة: العربي الصقلي، عن دار نشر التاميراـ مدريد ـ Altamira-Madrid. وضمن مبحث بعنوان: «أصل أهالي شمال أفريقيا»، أن المغرب بشكل خاص، ضمن الفترة التي تلت انقراض الديناصورات مباشرة، وبدء ظهور العنصر البشري، أي في الزمن الجيولوجي الرابع، قد عرف ثلاثة أنواع من السلالات هي: الإنسان النيوندرتال ـ الإنسان الكابسي ـ الإنسان الصحراوي، وتؤكد الشواهد الصخرية التي توجد «بعزيب ن كيس « بالكاف فوقها ثلاثة نقط، بالصحراء المغربية هذه الفرضية العلمية، بحيث اكتشفت بها نقوش صخرية تضمنت إنسانا يمتطي أبقارا، كما أكد البحث أن الهجرات التي من المفترض أنها وقعت من اليمن إلى شمال أفريقيا، لم يثبت علميا ما إذا كانت قد حدثت فعلا، في اتجاه اليمن ـ شمال أفريقيا، بل ويحتمل جدا أن تكون وقعت هجرات أخرى في الاتجاه المعاكس، أي من شمال أفريقيا إلى اليمن، وتؤكد دراسة قام بإنجازها فريق بحث أركيولوجي من جامعة بوسطن الأمريكية أن منطقة : «تافوغالت» بالشمال الشرقي للمغرب، تعتبر من أقدم المناطق تأهيلا من حيث السكان، بحيث اكتشفت بها مجموعة من الحلي التي تضعها النساء، تدل على أن السكان الأصليين سكنوا هذه المنطقة منذ أزيد من 80 ألف سنة، كما أن الكتاب الذي عنوانه: «لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين»، للباحث محمد شفيق، تضمن أن المؤرخ الإغريقي هيرودوت أورد أن شمال أفريقيا يسكنه شعب، أورده المؤرخ باسم: «مازكس» أي الأمازيغ Mazix. والثابت علميا أن هجرات وقعت سواء من اليمن إلى شمال أفريقيا خاصة بعد خراب سد مأرب، لكن أفريقيش لم يكن معاصرا لتلك الحقبة، كما أن تسميته هذه: «أفريقيش « وهي منحوتة لغويا من أفريقيا، وهو من الملوك التبابعة كما ادعى صاحب المقال تدل على تهافت هذا الرأي، فالملوك التبابعة عرب، واسم أفريقيش لم يكن أبدا اسما عربيا، مما يدل على أن تلك القصة هي مجرد أسطورة شعبوية من اختلاق العوام، عارية من الحقيقة العلمية، وقد أكد نفس المصدر أعلاه، أن هجرات وقعت من شمال أفريقيا إلى اليمن، تدل على ذلك العديد من أسماء الأعلام الجغرافية ذات التعبير اللغوي الأمازيغي على طول الطريق الرابطة بين شمال أفريقيا واليمن عبر مصر والسودان (الحبشة وإريتريا) مثل: (أسوان ـ أكسوم)، وأن هجرات أخرى وقعت من فلسطين إلى شمال أفريقيا، خاصة بعد انتصار النبي داوود على الملك جالوت، لكن كل هذه المجموعات التي هاجرت إلى شمال أفريقيا، وجدت مجموعة بشرية أصلية فاندمجت معها، واكتسبت خاصياتها العرقية، غير أن أهم الشواهد اللغوية التي تدل بشكل لا يدع أي مجال للشك على أن الأمازيغ هم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، هي الأعلام الجغرافية بالمنطقة ـ La Toponymie والتي تدل بشكل واضح على أصلها اللغوي والثقافي الأمازيغيين، إذ لا يعقل أن يكون هذا الشعب الذي أطلق هذه الأسماء على كل شبر من الأرض التي خلقه الله بها كما خلق كل شعوب الأرض حيث هي الآن، ليس هو الشعب الأصلي لهذه الأرض وهي تحمل أسماء أعلام جغرافية، لها دلالات عميقة في اللغة والثقافة الأمازيغية، وعلى أستاذنا أن يعود لدراسة هذه الأسماء بمنطق المتأمل، المتسلح بالمنطق العلمي النسبي المتجرد، كما أدعوه لتعلم اللغة الأمازيغية إن كان لا يعرفها، والتي يقول عنها إنها تفتقد إلى القواعد النحوية والصرفية، لدرجة تسميته إياها باللغة اللقيطة، حتى يعلم علم اليقين، أن هذه اللغة ليست لغة لقيطة بل هي لغة أصيلة وعبقرية وأنها لغة قائمة الذات، خاصة وأن هذه الأسماء ترتبط أيما ارتباط بالإنسان الذي سكن هذه المنطقة، مثلما ترتبط الأعلام الجغرافية الموجودة بالجزيرة العربية بالإنسان العربي، وتحمل مدلولات لغته وثقافته، وكذلك الفرنسية والصينية...الخ. الأمازيغ أطلقوا على أنفسهم اسم: «ئمازيغن» أي الرجال الأحرار، ولغتهم تسمى: «تمزيغت» ولا أدل على ذلك من كون المصطلح ليس ابتكارا حديثا، من كون أحد فروع اللغة الأمازيغية بالمغرب الأوسط، أو الأطلس المتوسط، لا يزال يحمل هذا الاسم، وكلمة «البربر» هي كلمة قدحيه، وعنصرية أطلقها على الأمازيغ الرومان، الذين هزمهم الأمازيغ في أكثر من معركة، إبان الاحتلال الروماني لشمال أفريقيا، وذلك لبسالة الأمازيغ وشراستهم بالرغم من ضراوة المعارك التي خاضوها مع المحتل الروماني، كما أن من طبيعة شعوب الضفة الشمالية لحوض الأبيض المتوسط خاصة الرومان والإغريق الذين عاصرهم الأمازيغ، أن يطلقوا على شعوب الضفة الجنوبية لحوض الأبيض المتوسط نعت:»بربر»، أي الشعوب التي لم تندمج ضمن الحضارة الإغريقية والرومانية، وعندما جاء العرب إلى المنطقة، أخذوا الاسم وكيفوه مع منطقهم اللغوي على هذا الشكل:»بربر»، وحملوه بدورهم نفس المعنى القدحي، بحيث لم يسلم العرب بدورهم من آفة الشعوبية التي كان الرومان يشعرون بها تجاه الأمازيغ، ولقد روى لنا التاريخ مجموعة من الأحداث التي تعبر عن ذلك، وما على أستاذنا إلا أن يعود لقراءة التاريخ بمنطق علمي محايد، ليعلم أن العرب الذين جاءوا إلى شمال أفريقيا لم يأتوا كلهم لنشر الإسلام، بل منهم من جاء بحثا عن المجد وطمعا في الغنائم، وخيرات البلاد، وأن كسيلة والكاهنة لم يكونوا ضد الإسلام بل ضد شعوبية بعض العرب وعنصريتهم واحتقارهم للأمازيغ. وفي نفس السياق، يحاول كاتب المقال دحض أصالة الأمازيغ بقوله إن اليهود هم الأسبق إلى شمال أفريقيا، وهذه النقطة بالذات تبين مدى الجهل الذي يتخبط فيه الأستاذ المحترم، بحيث فاته أن الأمازيغ هم الذين اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية على مذهب دوناتوس للتميز على الكنيسة الرسمية في روما، وفي عهد القديس أغوسطينوس فيما بعد، واعتنقوا الإسلام على المذهب الصفري الخارجي من طرف برغواطة، ثم المذهب العلوي، والمالكي وفق العقيدة الأشعرية في نهاية المطاف، للتميز على المذاهب الشرقية أيضا، والبعد اليهودي هو بعد متجذر في الهوية المغربية، ليس لأن اليهود هم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، بل لأن السكان الأصليين أي الأمازيغ (وهنا يجوز لي بدوري أن أستعمل البرهان بالخلف) هم الذين كانوا معتنقين للديانة اليهودية قبل المسيحية والإسلام. كما أن زعم الأستاذ أن الأمازيغ ارتدوا عن الإسلام، وأنهم لم يسلموا إلا بالقوة، هذا الطرح أولا يسيء إلى الإسلام كدين سمح، من حيث أراد صاحب هذا الرأي إلصاق صفة العنف والعدوانية به، ثم لأنه لم يذكر أن العرب ارتدوا بدورهم في عهد الخليفة أبي بكر، وكأني بالأستاذ قد نسي أو تناسى حروب الردة في الجزيرة العربية،أم أن شعوره الشعوبي تجاه الأمازيغ هو الذي حجب عنه هذه الحقيقة الساطعة، وهنا وجب لي أن أذكره بقوله تعالى: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»سورة النحل الآية 125. 2ـ أسطورة الظهير البربري وفوبيا الأمازيغية: عادة ما يلجأ المعادون للأمازيغية إلى أسطورة «الظهير البربري»، وهكذا فهم مستعدون دائما للنبش في قبره والعمل على استخراج عظامه النخرة ليشهروها في وجه كل من يطالب بأن تصبح لغته لغة وطنية ورسمية في الدستور المغربي، وأن تأخذ ثقافته مكانتها التي تستحقها في ضمن الثقافة الوطنية، وهذه الأسطورة التي تعتبر من مخلفات الاستعمار الفرنسي للمغرب، تم إلصاقها بالأمازيغ بشكل مجاني، بحيث لم يكن للأمازيغ يد في صناعة هذا الظهير، أضف إلى ذلك أن هذا الظهير يحمله البعض فوق ما تحمل، فإذا كان هذا الظهير يروم إلى التفرقة بين العرب الأمازيغ كما يدعي المعادون للأمازيغية الذين اعتقد أن الأستاذ الفاضل يعتبر واحدا منهم، فيجوز تسميته أيضا : «بالظهير العربي»، بيد أنه ليس من صنع الأمازيغ، الذين قاوموه أيضا، أما من الناحية القانونية فهذا الظهير يطلق عليه:»ظهير المحاكم العدلية أو العرفية «، بحيث كانت سلطات الحماية ترمي من ورائه إلى تعزيز سياستها في مجال تنظيم المجال القضائي، بحيث استحدثت لهذه الغاية مجموعة من المحاكم هي: المحاكم الشرعية ـ المحاكم المخزنيةـ المحاكم الفرنسية ـ والمحاكم العرفية التي كانت تروم إلى جعل الأمازيغ يتقاضون في مناطقهم بالإضافة إلى القانون الفرنسي والشرع الإسلامي، بالاستناد إلى الأعراف الأمازيغية المحلية والتي لا تزال سائدة إلى يومنا هذا في العديد من مناطق المغرب، وحتى في المناطق حيث يوجد مغاربة ناطقون بالدارجة المغربية، وممثلو السلطات المحلية في جل مناطق المغرب، وحكام الجماعات المحلية، لا يزالون يلجأون إلى العرف المحلي في فض العديد من النزاعات التي تعرض عليهم، والتي لا يوجد بمقتضاها نص لا في التشريع المغربي، ولا في الشرع الإسلامي، فالنزاعات المتعلقة بالرعي والسقي والجني والدورة الزراعية والحدود بين الملاك...الخ لا يمكن على الإطلاق إيجاد حلول لها إلا في نطاق الأعراف المحلية التي لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا في العديد من مناطق المغرب، وبدون الدخول في مناقشة كون المذهب المالكي الذي هو مذهب المغاربة قاطبة، لا يرى أي حرج في اللجوء إلى الأعراف المحلية للشعوب الإسلامية في فض النزاعات التي لا يوجد بمقتضاها نص في الشرع مادامت لا تخالف أي نص من نصوص هذا الأخير، أكتفي بالقول إن العرف في النظرية العامة للقانون هو أيضا مصدر من مصادر التشريع. وعلى هذا الأساس فاللجوء إلى الظهير البربري من أجل نزع صفة الوطنية عن الأمازيغ، أو من أجل التهويل من شأن الأمازيغية، وجعله بمثابة الفزاعة التي يجب على الجميع الخوف منها لأنها سوف تؤدي كما أدت سابقا إلى زرع التفرقة بين المغاربة كذا ...، ما هي إلا مقولة أيديولوجية صرفة تستند إلى خلفيات أمازيغوفوبية، من حيث كونها لا تستحضر الحيثيات السياسية المرتبطة بتلك المرحلة، والتي كانت تتسم بارتباك سلطة الحماية وضعفها، ورغبة الحركة الوطنية في اكتساح الساحة السياسية، خاصة وأن أغلب أطرها هم من أبناء الأعيان الذين تلقوا تعليما جيدا ويقطنون بالحواضر المغربية، في مقابل أقطاب المقاومة المسلحة الذين يقطن أغلبهم في الجبال، والأمازيغ إلى جانب انخراطهم في العمل السياسي في الحركة الوطنية، ومقاومة المستعمر بأسلوب مغاير هو العمل السياسي، هم الذين حملوا السلاح في الجبال والسهول والصحراء وقاوموا المستعمر بشراسة وضراوة، وهزموه في أكثر من موقعة أيضا، بل إنهم هم الذين أرغموه على الانخراط في العمل السياسي، والتخلي عن العمل العسكري. 3ـ أسطورة تفوق العربية، ودونية الأمازيغية: هذه الأسطورة تنطلق من مقولة هشة هي قدسية اللغة العربية، ودنسية ما عداها من اللغات، وهكذا تتعامى هذه المقولة عن جملة من الحقائق الساطعة، من ضمنها أن اللغات البشرية متساوية في الخصائص المورفولوجية، وأنها من العلامات الدالة على وجود الخالق، والقرآن الكريم نفسه الذي لا يستدل به أولئك الذين يبالغون في تعظيم العربية وتحقير غيرها، هو الذي أقر مشروعية مساواة كل اللغات البشرية في التواجد والارتقاء، والذي يهمنا هنا هو اللغة الأمازيغية، كما أنه (أي القرآن الكريم) هو الذي أكد في سورة الروم الآية 22 أن من آيات الله، اختلاف الألوان والألسن»ومن آياته اختلاف ألوانكم وألسنتكم «،بحيث لو شاء الخالق، لجعل الناس أمة واحدة، كما جاء في أية أخرى،»ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة». ونظرا لكون القرآن الكريم نفسه، ومعه الحديث النبوي الشريف، لايتضمنان لأي نص يقصي أية لغة سواء من التداول، أو من التطوير، بحيث حض القرآن على أن المعيار الذي يستند إليه الإسلام في التفاضل بين الناس هو التقوى وليس الجنس أو اللغة، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف ما يلي:»ليست العربية من أحدكم بالأب ولا بالأم وإنما هي من اللسان» وكما أن عليا بن أبي طالب قال:»تعلموا الألسن فإن كل إنسان بلسان»، فإن المعادين للأمازيغية لا يكادون يتطرقون في سجالهم ضد الأمازيغية إلى أي نص قرآني أوحديث نبوي يحرم التحدث بأية لغة غير العربية أو يضعها في ميزان المفاضلة على اللغات البشرية الأخرى، لأنهم لن يعثروا على ضالتهم على الإطلاق، بيد أن الإسلام وهو أكثر الأديان السماوية الذي يحمل في طياته معاني المساواة والتسامح بين أبناء البشر في جميع خصائصهم اللغوية وغير اللغوية، ولم يدع على الإطلاق إلى إماتة لغات الأقوام الأخرى، بل دعا إلى احترامها وتعلمها ضمانا للتواصل مع أولئك الأقوام، كما أنه لم يلزم الأقوام التي دخلت في الإسلام بالتخلي عن لغاتهم، لأنه لم يأت لتعريب الناس بل جاء لأسلمتهم، دليل ذلك بقاء تلك الشعوب متكلمة بلغاتها، كما أكد على ذلك أحد العلماء المغاربة المتأخرين في كتابه : «جواز ترجمة القرآن «، يتعلق الأمر بمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الجعفري، يقول المؤلف: «زعم أن الإسلام ألزم الناس العربية وتعلمها ونبذ ألسنتهم ومنعهم من ترجمة القرآن العظيم، وهذه الشيعة تكفل بردها والتشنيع بها كتابي(جواز ترجمة القران). فقد برهن فيه على أن الدين لا يلزم الأمم التي دخلت في الإسلام التكلم بالعربية، بدليل بقائها إلى الآن متكلمة بألسنها، وما منع ترجمة القرآن أصلا، ولا ورد المنع في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ...» انتهى كلام المؤلف. بل إن الإسلام لم يضع أية شروط للمفاضلة بين العربية وغيرها من اللغات، يبدو من الأكيد أن أولئك الذين يعتبر الأستاذ واحدا منهم، ينطلقون في عدائهم للأمازيغ والأمازيغية من منطلقات ليست هي القرآن والسنة النبوية، بالرغم من كونهم يغلفون خطابهم السياسي والأيديولوجي بتضخيم الخطاب الديني الذي لا يستندون إليه إلا من منطلق تبرير الدفاع عن مصالح سياسية واضحة ومكشوفة. فإذا كانت العربية تعتبر لغة القرآن، وهي كذلك، فإنها لم تعد تنحصر في المجال الديني فقط، بل صارت تنجز بها الأفلام والمسلسلات حتى الخليعة منها، وقد كتب بها الشعر الماجن مع أبي نواس وغيره، ولا يزال يكتب بها، كما تكتب بها الرواية والقصة، وكل ما هو بشري نسبي...، أي أنها تحتمل معنيي الخير والشر، فلماذا السعي إلى حرمان اللغة الأمازيغية من هذه الوظائف؟ إنها ازدواجية غير منضبطة للمعيار الأخلاقي الذي تتبجح بالدفاع عنه، كما أن وظيفة اللغة العربية عند العربي المسلم ليست هي نفس الوظيفة لدى العربي المسيحي مثلا، بالرغم من كونهما يشتركان في نفس الأصل العرقي أو القومي، ولم تكن اللغة أبدا من الأسس التي تنهض عليها وحدة الشعوب، بحيث يمكن توخي منطلقات أخرى يمكن أن تشكل أساس التضامن بين الناس، سواء كما هو الشأن لدى الشعوب الديمقراطية من حولنا والتي كرست التعدد اللغوي والثقافي في دساتيرها وقوانيها بدون أن يشكل ذلك لها أية عقدة أو خوف من الآخر المختلف، وكما هو الشأن مثلا بين العربي المسلم والأمازيغي المسلم، بحيث يصبح الأساس العقدي مهما في تجسير العلاقة بين الطرفين بغض النظر عن الاختلاف اللغوي. إذا كان القرآن قد ساهم في تقوية مركز لهجة قريش التي نزل بها لانتماء النبي إلى هذا الحي من العرب، تجاه لهجات العرب الأخرى التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وإذا كانت قد استفادت من ارتكازها على البعد الديني، وعلى المجهودات التي بذلها العرب المسيحيون خاصة في القرن 20، فإن الأمازيغية بالرغم من عدم توفرها على هذا الغطاء استطاعت أن تصمد لمئات القرون، بحيث انقرضت مجموعة من اللغات التي عاصرتها هذه اللغة العنيدة، التي تتوفر كباقي اللغات على إمكانيات الارتقاء والتطور، لأن الخصائص المورفولوجية التي تتوفر عليها جميع اللغات البشرية هي ما يجعلها قابلة للتطور إذا رغب الناطقون بها في تطويرها، وإذا توفرت لها الشروط الاجتماعية والسياسية لأن تتطور، وليس في عيب أو قصور كامن في جوهر تلك اللغات التي ما الأمازيغية إلا واحدة منها، وإذا كانت العربية قد حملت العلوم والآداب فإن اللغة اللاتنية كانت لغة الثقافة والدين المسيحي في القرون الوسطى، غير أن اندفاع المجتمعات الأوروبية في اتجاه بناء الدولة القومية في القرن 19، أدى إلى نشوء اللغات المحلية للشعوب الأوروبية لتصبح هي اللغات الرسمية لتلك البلدان، في حين كان مصير اللغة اللاتنية هو الانقراض، والاختلافات التي توجد في الأمازيغية الحالية ما هي إلا اختلافات فونيتيكية، بحيث أن لفظ : «تافوكت» أو»تافويت» أو «تافوشت» هي أسماء لمسمى واحد هو: «الشمس» بالعربية، كما أن ألفاظ مثل :»تمطوت أو تمغارت» تدخل في إطار الغنى المعجمي لهذه اللغة، إذ إن النسق اللغوي أو السانطاكس ـSyntaxe بتعبير اللسانيين، يعتبر هو نفسه في تاشلحيت أو تمزيغت أوتريفيت، بحيث تتخذ صيغة:»تايلالت» في أسماء المؤنث، وصيغة:» أيلال « في أسماء المذكر على سبيل المثال لا الحصر، هذا الاستنتاج يبين أن اللغة الأمازيغية لها أصول مشتركة قابلة للتوظيف والاستثمار في سبيل إنجاح عملية معيرتها وإدماجها في التعليم والإعلام والحياة العامة كلغة لجميع المغاربة بدون استثناء. لقد ساهم تطور العلوم الإنسانية في العصر الراهن على إبراز مفهوم جديد للغة غير المفهوم القديم والمتجاوز الذي لا يزال الأستاذ يؤمن به، وهذا المفهوم يؤكد على أن الأمازيغية لغة قائمة الذات، لغة جميلة، وفصيحة أيضا، بنفس القدر من الإعجاب الذي يعبر به الأستاذ عن إعجابه بالعربية، ومن هذا المنطلق يجب التفريق بين مستويين في مقاربة موضوع اللغة كما أكد على ذلك اللسانيون وعلماء الاجتماع، المستوى الأول هو مستوى اللغة المحكية أو الشفهية، هذا المستوى يشكل المعيار الذي يوحد كل اللغات البشرية، المستوى الثاني هو مستوى اللغة المكتوبة، وأستغرب من أين جاء الأستاذ بمصطلح :»أقصدار ن ئفرفرن» الذي زعم أنه يعني الطائرة باللغة الأمازيغية، وهنا أدعو الأستاذ مجددا إلى الانفتاح على اللغة الأمازيغية، وألا يعتمد أسلوب إصدار أحكام القيمة بشكل مجانب للصواب، كما أدعوه للاطلاع على المعجم العربي ـ الأمازيغي للباحث المقتدر محمد شفيق، حتى يعلم أن المصطلح الذي أعتقد أنه اقتبسه من بعض زوار الانترنيت المعادين للأمازيغية، لا أساس له من الصحة على الإطلاق، صحيح أنه وقع لها تفاعل مع العربية، لكن في إطار الأخذ والعطاء، بحيث كانت نتيجة ذلك التفاعل الخلاق ظهور لغة تعتبر صنوة للغة الأمازيغية، إنها الدارجة المغربية، هذه اللغة الجميلة والتي يتخاطب بها المغاربة إلى جانب الأمازيغية هي التي تعبر عن تفرد الشخصية المغربية، بحيث تختلف الدارجة المغربية عن لهجات المشرق، بشكل يجعل المشارقة يلجأوون في الغالب إلى الترجمة لعدم تمكنهم من فهم معانيها، بيد أنه وإن كانت بعض ألفاظها عربية فإن نسقها اللغوي والتركيبي هو نسق أمازيغي، ما يؤكد بشكل ثابث علميا لمن لديه الشجاعة على البحث والاعتراف بالحقيقة العلمية، أن المغاربة ما هم إلا أمازيغ عرّبهم التاريخ، ومن هذا المنطلق فإني أعتبر الأستاذ أمازيغيا متنكرا لهويته الأصلية، كما أعتبر أن المغاربة الناطقين بالدارجة المغربية (ليس من المنظور العرقي طبعا بل من المنظور اللغوي) ما هم الا عينة أو ترجمة متطورة ـUne nouvelle version من الأمازيغ فقدت خاصياتها اللغوية والهوياتية نتيجة عامل التعريب الذي تعرضوا له عبر التاريخ، ونتيجة الترويض الأيديولوجي الذي مورس عليهم، أدى ذلك إلى تخليهم عن هويتهم ولغتهم الأصلية، وبدون أن يكون لهم خيار، والتاريخ يذكر استعراب العديد من القبائل الأمازيغية، منها برغواطة الذين كانوا يقطنون منطقة تامسنا (دكالة ـ عبدة ـ الشاوية حاليا)، وغمارة، وجبالة التي اتخذها الأستاذ موضوعا للتنكيت أيضا، والقيم الثقافية وكذا اللاشعور الجمعي للمغاربة هي نفسها سواء ذهبنا إلى سوس أو الصحراء أو الأطلس أو الغرب أو الشمال أو الشرق، فكل المغاربة يلبسون الجلباب والبرنس والقفطان ويأكلون الكسكس والطاجين، ويستعملون نفس أسلوب العيش، والخصائص العمرانية...الخ. والأمازيغية من حيث كونها اللغة الأم لسكان هذا البلد، يجب أن تدرس بحرفها الأصلي تيفيناغ الذي يعبر عن جوهر وعمق وأصالة هذه اللغة، وهو حرف أمازيغي بامتياز كتب به الليبيكيون القدامى والطوارق، وهم أمازيغ، ولا يزالون يكتبون به في صحراء الجزائر(تمنراست ـ الهكار) وفي صحراء مالي والنيجر كذلك، وذلك منذ العصور القديمة جدا، والشواهد التاريخية والاركيولوجية في جنوب المغرب والجزائر تدل على هذه الحقيقة العلمية، بعكس الحرف الذي تكتب به العربية الآن، والذي لم يكن عربيا قط، بل هو حرف آرامي كان يكتب به الآراميون، ونقله إلى الجزيرة العربية التجار العرب الذين كانوا يرتحلون إلى الشمال، كما أنه بدوره كان حرفا هندسيا، بل إن الذي قومه وهذبه على الشكل الذي هو به حاليا هو الحجاج بن يوسف الثقفي، بحيث ابتكر النقط وعدل من شكل بعض الحروف الهندسية وربط بينها، حتى صارت بالشكل الحالي، وإذا كان عاب الأستاذ على الحرف الأمازيغي أنه حرف هندسي فإن الحرف اللاتيني هو أيضا حرف هندسي، لذلك ألا يرى معي الأستاذ أن خاصيته الهندسية قد نفعته كثيرا في ولوجه عالم التكنولوجيا المعلوماتية والرقمية بسهولة؟ 4ـ أسطورة الوحدة الوطنية، والجهوية : ما لا يريد الأستاذ المحترم أن يفهمه هو أن الأمازيغ لا يدعون إلى إقصاء أحد، فاللغة العربية والمكون الثقافي العربي يعتبر جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، ولهذا فالأمازيغ يطالبون فقط بحقهم في أن تعترف الدولة بلغتهم وثقافتهم إلى جانب المكونات الأخرى المشكلة للنسيج الثقافي واللغوي الوطني، والتي يعتبر المكون العربي واحدا منها، وذلك من منطلق مبدأ المواطنة، التي يجب أن تعترف لجميع المكونات بحقها في التواجد والتطور، في إطار مجتمع أكثر انفتاحا وتسامحا، فالتعدد والاختلاف الذي هو السمة الغالبة من سمات المجتمع المغربي، يجب تكريسه على المستوى القانوني والدستوري والمؤسسي للدولة، ومقولة إن منح الأمازيغ لحقوقهم اللغوية والثقافية، من شأنه أن يضعف الوحدة الوطنية هي مقولة أيديولوجية تتخذ مطية سياسية هي الهروب إلى الأمام، إذ لا يعقل أن يحرم مكون أساسي من مكونات الشعب المغربي من حقوقه بدعوى أن ذلك سوف يضعف الوحدة الوطنية، بل إن بخس هذا المكون حقوقه وطمسها عنوة، هو الذي سيؤدي إلى التوتر وتأجيج المشكل الاجتماعي، لأنه يكرس استئثار فئة دون أخرى بنفس الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الجميع، ويقصي مكونا أساسيا من الاستفادة من إمكانيات الدولة بذرائع واهية، هي مجرد هواجس تتغذى من التحليل السياسي لطرف يخشى على مركزه السياسي الذي يقيسه بالمقياس القومي المفرط، مدعيا أن لديه الغيرة على الوحدة الوطنية، الأمازيغ هم أيضا لديهم الغيرة على الوحدة الوطنية لكن ليس على حساب حقوقهم المشروعة في أن يعترف لهم بالوجود، كمواطنين فعليين وليس كمجرد لاجئين سياسيين، يجب أن يتكلموا بلغتهم بكل حرية في الشارع وفي جميع مرافق الدولة بدون مركب نقص، وبدون أن يمنعهم أحد من التحدث بلغتهم، بدعوى أنها غير مرسمة في الدستور، إنها لغة وطنية يتخاطب بها شريحة عريضة من المواطنين، ويجب أن تتوفر لها نفس الحماية القانونية التي للعربية، هذا هومجمتع المساواة والتضامن الذي ينشده الأمازيغ، بحيث يعطى لكل ذي حق حقه، بدون عقد أومركبات نقص، وبدون اللجوء إلى حجب تلك الحقوق تحت يافطات وذرائع، تعتبر من صميم الهواجس التي يشعر بها الطرف المعادي للأمازيغية، والذي يصمت كلما تعلق الأمر بدعوة انفصالية ظاهرة للعيان، فقط لأنها أتت بصيغة الجمهورية العربية، وليس الأمازيغية. إن الخطاب الأمازيغي خطاب ديمقراطي، تعددي، يرتكز على النسبية في تحليل وفهم وطرح مجمل القضايا التي هومنشغل بها، ومن ضمنها المسألة اللغوية والثقافية بالمغرب، هذا الخطاب التقدمي، والحداثي، تجاوز العديد من المقولات المهترئة التي ما فتئ يكررها أعداء الأمازيغية، وقد ناقش بمنطق علمي متجرد، المسألة اللغوية والثقافية، وكغيره من الخطابات التقدمية، فقد خلخل هذا الخطاب العديد من المسلمات والبديهيات التي كانت سائدة في المجتمع المغربي، الشئ الذي لم يكن دعاة التعريب المطلق ليرضوا به لأن ذلك يضر بمصالحهم في الهيمنة والتفوق والتميز، لذلك فجل الردود الصادرة عن هذا الطرف هي ردود أفعال قوية وعنيفة في كثير من الأحيان، لا تعير بالا إلى التحلي بالقدر اليسير من النزاهة الفكرية والإنصاف، بل تطلق العنان للأراجيف والأكاذيب، وتكيل التهم للأمازيغ واللأمازيغية بشكل مجاني، بل منهم من ذهب إلى حد اتهامهم بالعمالة والصهينة ...الخ، وإذا كانت بعض الآراء المحسوبة على الخطاب الأمازيغي تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل، فاإن العديد من المغاربة سواء المحسوبين على الصف السياسي أو بعض الشخصيات المرموقة يتبادلون الزيارات مع إسرائيل، وينظمون المؤتمرات لاستقبالهم، كما أن العرب أنفسهم وهم أصحاب القضية الحقيقيون، قد سبقوا الأمازيغ وقاموا بالتطبيع مع إسرائيل ووقعوا معه اتفاقيات سلام وتعاون اقتصادي وتجاري وثقافي، وفتحوا سفارات إسرائيل في بلدانهم، كما أن من الخطابات المحسوبة على القومية العربية تخلت عن أوهامها القومية وأصبحت تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل، ألم يدع القذافي وهو رائد القومية العربية إلى تأسيس دولة إسراطين؟ إن الجهوية مطلب رسمي تتبناه الدولة المغربية، قبل أن يكون مطلبا أمازيغيا، وقد قام الملك محمد السادس مؤخرا بتعيين اللجنة الاستشارية للجهوية، تحترم الخصوصيات المغربية، ماذا يعني ذلك في نظر الأستاذ المحترم؟ والجهوية من حيث هي مطلب رسمي للدولة المغربية تتدرج على إنضاج شروطه منذ ظهير 1977 المتعلق بالجهوية، هو أيضا من المطالب الديمقراطية للحركة الأمازيغية،بحيث لا يعني منح الجهات المكونة للتراب الوطني قدرا من التسيير الذاتي الانفصال أو الاستقلال عن الدولة الأم، بل يعني دفع هذه الجهات إلى تدبير شؤونها المحلية في إطار حكامة جيدة، تستغل كل الإمكانيات والطاقات التي تتوفر عليها كل جهة معينة من أجل تحقيق الإقلاع الاقتصادي والثقافي المنشود، أي خلق شروط التنمية المستدامة، وإذا كانت فضائل الجهوية تعد من صميم التدبير المجالي والترابي الديمقراطي في المجتمعات الحديثة، فإن هذا الأخير يستدعي تزويد الجهات المكونة للتراب الوطني بالميكانيزمات القانونية والدستورية الكفيلة بجعل مطلب الجهوية مطلبا يساهم في الدفع بعجلة التنمية بتلك المناطق إلى الأمام، وذلك عن طريق آلية نقل اختصاصات الدولة في العديد من المجالات إلى الجماعات المحلية المشكلة للمجال الجهوي، وهذا لا يعني أن التقسيم الترابي والمجالي للجهات يجب أن يرتكز على الاعتبارات اللغوية والعرقية، بل يجب أن يستعمل هذه الخصوصيات في إطار رؤية شمولية ذات بعد استراتيجي، يتحلى بالوطنية والديمقراطية، من أجل جعل الخصوصيات اللغوية والثقافية للجهات قيمة مضافة للعامل التنموي والمجهودات التي تبذل في سبيل النهوض بتلك الجهات، وهذا هو بالضبط ما تدعو إليه الحركة الأمازيغية، وليس إلى الانفصال ولا إلى تكريس النزعات الطائفية كما يدعي الأستاذ، دون أن يأتي على ذكر الجهات الحقيقية التي تدعو إلى الانفصال جهارا، تحت يافطة الجمهورية العربية. 5ـ أسطورة الخطاب المزدوج تجاه الأمازيغية:يعرض صاحب المقال على الأمازيغ صفقة سياسية مهمة، هي في نظره التخلي عن المطالبة بحقوقهم اللغوية والثقافية في مقابل أن يعترف لهم بفضلهم على العربية والوحدة الوطنية والولاء للعرب، وان يقتدوا بطارق بن زياد ويوسف بن تاشفين، أي اعتناقهم للدين العربي وفق عقيدة الموالي، عندئذ لا بأس من الإبقاء على الأهازيج والفنون الأمازيغية، لأنها في نظره جميلة وتستحق البقاء، ويالها من صفقة سياسية أيها الأستاذ المحترم. أنت تقترح على الأمازيغ أن يتخلوا عن المطالبة بترسيم لغتهم وتطويرها وإدماجها في الحياة العامة والمدرسة والإعلام، التي وصفتها باللغة اللقيطة، وهذه لعلمك شتيمة لا تناسب مقامكم العلمي، فإذا كانت لغة الأمازيغ لقيطة، فمن يكون الأمازيغ إذن؟ تقترح عليهم هذا العرض، لأن نقيضه سوف يضر بمكتسبات التعريب... كذا، ولي أن أطرح عليكم هذا السؤال: ماذا فعل العرب بطارق بن زياد؟ بعد أن أرسلوه ليستكشف أحوال الفردوس المفقود، والتي لم يحافظوا عليها لأنهم كانوا منشغلين بالجواري الملاح والليالي الحمراء والنبيذ الأحمر المعتق؟ لقد قتلوه غيلة وفي ظروف غامضة، بيد أن موسى بن نصير أمر بحبسه في القيروان، بناء على وشاية من أبناء عقبة بن نافع مفادها أن طارق بن زياد يقول للناس إن «البربر» هم من فتح الأندلس وليس العرب، كما أن هذا السؤال يعتبر بدوره مشروعا : أين هو قبر طارق بن زياد؟ أما مقولة الخطبة التي ألقيت بالعربية فهذه أسطورة أخرى من الأساطير العوربية التي لا تنتهي، إذ كيف يعقل أن ينجح قائد الجيوش مثل طارق بن زياد في إقناع أبناء قومه بغير لغتهم الأم، وهو حديث العهد بالعربية والإسلام؟ وكيف يعقل أن تنجح تلك الخطبة في إلهاب حماس الجند الأمازيغ بغير اللغة الأمازيغية وهم حديثو العهد بالعربية، ولا يتقنون التحدث بها ولا فهمها على الإطلاق، لقد تم تنميق هذه الخطبة بالعربية بعد أن تم إخضاعها للترجمة بشكل يجعلها بعيدة جدا عن أن تكون ألقيت بالعربية في ذلك الوقت، بحيث لا تزال العربية تستعصي على العديد من سكان المغرب حاليا، حتى الناطقين منهم بالدارجة المغربية، ناهيك عن الناطقين بالأمازيغية، أما بخصوص يوسف بن تاشفين فإني أدعو الأستاذ الفاضل إلى الاطلاع على ما دونه بشأنه المؤرخون العرب المنحازون جدا للمعتمد بن عباد، بحيث لم تشفع له لا غيرته على الإسلام ولا إنقاذه الأندلس من براثن الإسبان المسيحيين الراغبين بشكل جامح في استردادها من المسلمين، ولا إرجاء سقوطها لأزيد من 400 سنة، خاصة بعد انتصاره على الملك الاسباني الفونصو في معركة الزلاقة، بل إن شعورهم الشعوبي المفرط أدى بهم إلى أن لقبوه»بالملك البربري المتوحش» ولم يكلفهم حسهم كمؤرخين مؤتمنين على الحقيقة العلمية أن يذكروا أن ما قام به من تصرف تجاه المعتمد بن عباد، وإن كان يبدو عنيفا، إنما كان نتيجة غدر هذا الأخير، الذي بعد أن استنجد به لتخليصه من خطر الإسبان، صار يرسل إلى ملكهم طلبا للتحالف معه ضد يوسف بن تاشفين، ثم لنجر مقارنة بين قبري كل من المعتمد بن عباد ويوسف بن تاشفين، فالأول يرقد في دكانة مهملة آيلة للسقوط لا يكاد يراها أو يعلم بها أحد، وفي قلب عاصمته التي بناها أي مدينة مراكش، بينما يرقد الثاني في قبة زاهية في مدينة أغمات، وهي منمقة بأشعاره، يزورها من يحنون إلى الفردوس المفقود في الأندلس. وهكذا، فكاتب المقال وهو يعرض صفقته المذكورة على الأمازيغ، يفعل ذلك وهو يعلم جيدا أن اللغة الأمازيغية إذا لم تلج المدرسة سوف تموت وتنقرض، ففي هذا العصر الذي هو عصر العولمة والمعلوميات والديجيتال، لا مجال بعد للغات والثقافات الشفهية إذا لم تلج المؤسسات، وبما أن اللغة كائن حي يولد وينمو ويتطور إذا توفرت له شروط الحياة والنمو والتطور، ويموت إذا تم إهماله، فإن اللغة الأمازيغية ينطبق عليها هذا المثال، بحيث إنها إذا لم تجد من يعتني بها فإنها معرضة للانقراض، كما أكد على ذلك تقرير لليونسكو صنف فيه اللغة الأمازيغية ضمن اللغات التي من الممكن أن تموت في أفق 2050 إذا لم تبذل الجهود لإنقاذها، فهل نتركها تموت إرضاء لخاطر أعدائها الذين ينادون بإبقائها في خانة التراث والفلكلور حتى تموت وتندثر مثل صنواتها اللاتنية والإغريقية والقبطية...الخ ؟
|
|