|
وزارة التربية "الوطنية" متمادية في تحريف تاريخ المغرب في مقرراتها المدرسية بقلم: محمد منيب على إثر الدعوى التي رفعتها حركة "تضاف" ضد وزارة التربية "الوطنية"، بتوقيع من 651 مواطنا ينتمون لمختلف شرائح المجتمع المغربي و63 جمعية ثقافية أمازيغية بسبب الميز العرقي ضد الأمازيغ في المؤلفات المدرسية لوزارة التربية المغربية، وعدت هذه الأخيرة حينئذ بتفادي كل ما قد يزرع بذور الحقد والكراهية بين التلاميذ في مقرراتها مستقبلا بعد انتهاء العمل بالكتب المستعملة مع اختتام السنة الدراسية لسنة 2005-2004. وظننا أن الصفحة قد طويت نهائيا، وأن الوزارة ستتحرى النهج العلمي في ما ستقدمه من مناهج تعليمية للتلاميذ، بتنقيحها وتنقيتها من كل أفكار مدسوسة ومسمومة، تشكل خطرا على الصالح العام وتهدد التلاحم الحاصل بين مكونات الشعب. إلا أنه ما كدنا نتصفح المؤلفات الجديدة وخاصة المتعلقة منها بمادة التاريخ حتى خاب ظننا، واتضح أن دار لقمان بقيت على حالها، وأن الوزارة لم تغير سلوكها البتة، وأنها مصرة على نهج أسلوب التضليل للنيل من الأمازيغ وإن اقتضى منها ذلك التجني على الحقائق التاريخية المعهود إليها بالسهر على احترامها. ولا أدل على ذلك ما أوردته في الصفحة 142 من كتاب التاريخ للسنة الثالثة الثانوية، وبالضبط في الفقرة الآتية: "قبيل وفاة السلطان مولاي يوسف أصدر المقيم العام لوسيان سان (Lucien Saint) ظهيرا (هكذا!!) في 16 ماي 1930". يستفاد من هذه الفقرة أن السلطان مولاي يوسف كان لا يزال حيا في 16 ماي 1930، ولكنه على وشك الرحيل، فأصبح العرش بدون جالس عليه لعجز السلطان عن القيام بمهامه كأمير للمؤمنين ومشرع للبلاد، واستغل لوسيان سان الظرف لإصدار ظهير ما؟ لا تدري الوزارة ما هو، ولا بماذا يتعلق لحديثها عنه بطريقة مبهمة وغير دقيقة. الطرح الذي يثير من أول وهلة عدة أسئلة: ـ ما السر في إقدام الوزارة دون حرج على التطرق بغموض لهذا النص التشريعي؟ ولماذا الحديث عنه للتلاميذ دون تحمل عناء التأكد منه؟ وهل يمكن حصول مثل هذا السلوك اللامسؤول في دولة تهتم بتثقيف ناشئتها تثقيفا صالحا؟ بأية صفة أصدر لوسيان هذا الظهير؟ ـ بصفته مقيما عاما لفرنسا بالمغرب؟ ففي هذه الحالة لا يحق نعت أية وثيقة أصدرها بظهير، وإنما بقرار أو دورية، أو مذكرة، أو غيرها من النعوت التي كانت تطلق على الوثائق التي تحمل توقيعه لأن مهمة إصدار الظهائر داخلة ضمن الاختصاصات التي ينفرد بها السلطان ولا يتقاسمها مع أي كان، واحتفظت له معاهدة الحماية بهذه الصلاحية طبقا للمادة الرابعة منها التي تنص على أن التدابير التي يقتضيها النظام الجديد للحماية يسنها جلالة السلطان باقتراح من الحكومة الفرنسية. وكان يحصل من حين لأخر أخذ ورد بين القصر والإقامة العامة الفرنسية حول هذه التدابير التي يعبر عنها "بالإصلاحات"، وترفع إلى السلطان على شكل مشاريع ظهائر قصد المصادقة عليها وتؤدي أحيانا إلى أزمات. حدث أخطرها في سنة 1951 وتطور الأمر إلى نفي السلطان محمد بن يوسف في غشت 1953 . - أم باسم السلطان؟ إذن، لن يكون هذا الأخير سوى مولاي يوسف الذي أكدت الوزارة وجوده على قيد الحياة في 16 ماي 1930، تاريخ صدور الظهير. ولا بد عند الأخذ بهذا الافتراض أن يحمل الظهير طابع العاهل المذكور وبداخله اسمه، الإجراء الذي يميزه عن سائر الوثائق المخزنية الأخرى، ويجعل منه نصا تشريعيا ملزما للجميع. وبما أن مولاي يوسف كان عاجزا عن القيام بهذه المهمة كما يفهم من الفقرة التي نحن بصددها، لا بد أن يخطر ببال التلميذ التساؤل التالي: أكان بإمكان لوسيان الاستفادة من الفراغ الحاصل في أعلى سلطة البلاد لاختلاس الطابع السلطاني وارتكاب الجريمة المنسوبة إليه بإصدار الظهير؟ إن الواقع تكذب بصفة قطعية ما ادعته الوزارة بتجنيها على الحقائق التاريخية للبلاد في مؤلفها، حيث إن السلطان مولاي يوسف فارق الحياة بسنتين ونصف قبل 16 ماي 1930، حيث توفي سنة 1927، وأن العرش لم يمر بفترة شغور بل كان هناك جالس عليه وهو السلطان محمد بن يوسف الذي اعتلاه في 18 نونبر 1927، خلفا لوالده. وقد أصدر في 16 ماي 1930، الظهير الذي تحاشت الوزارة ذكر اسمه ومارست الحظر عليه. وهذا الإجراء يعتبر إخلالا بالأمانة العلمية وتجاوزا صريحا للمسؤوليات ومساسا بالقانون. ويتعلق هذا النص التشريعي "بتنظيم سير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية التي لا توجد بها محاكم مكلفة بتطبيق الشريعة". وقد نشر بالجريدة الرسمية - الطبعة الفرنسية رقم 918 في 30 ماي 1930 والطبعة العربية عدد 919 بتاريخ 6 نونبر من نفس السنة. وقد أوضح العاهل المغربي الدوافع التي اقتضت صدوره في دباحته، والتي جاء فيها بالخصوص ما يلي: "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره حيث إن والدنا المقدس بالله السلطان مولاي يوسف قد أصدر ظهيرا في 20 شوال 1332 موافق 11 شتنبر 1914 يأمر فيه باحترام ومراعاة النظام العرفي الجاري العمل به في القبائل التي استتب الأمن فيها، وذلك حبا في مصلحة رعايانا واطمئنانا لدولتنا الشريفة. وحيث أصبح الآن من المناسب تعيين الشروط الخصوصية التي ينبغي إتباعها في مباشرة العدلية والقضاء بين من ذكر، مع احترام العوائد المذكورة، أصدرنا أمرنا الشريف بما يلي …" كما توجه إلى الأسر المخزنية بالحواضر، وخاصة بمدن سلا، الرباط وفاس في رسالة بتاريخ 11 غشت 1930، قرأها الأئمة بكبريات المساجد كخطبة يوم الجمعة الذي صادف يوم العيد النبوي، يشجب فيها سلوك أبنائهم الذين قام بعضهم بحملة تضليلية ضد الظهير. نورد منها هذه الفقرة: "قد قامت شردمة من صبيانكم الذين يكادون لم يبلغوا الحلم وأشاعوا ولبئس ما صنعوا أن البربر بموجب الظهير الشريف تنصروا وما دروا عاقبة فعلهم الذميم وما تبصروا …"(1) وهذا كله لم يمنع الوزارة من الإشارة في فقرة أخرى من الصفحة – بلا حياء ولا حشمة وعلى عينك يا بن عدي - بأن الظهير الذي لم تتحقق منه ولا تدري أي شيء عن موضوعه، يعرف "بالظهير البربري" لتركز عليه أطروحتها العرقية الدنيئة التي لازمت الكتاب المدرسي بدون انقطاع منذ أكثر من نصف قرن، وتوهم التلاميذ بأن فرنسا كادت بهذا الظهير الوهمي أن تفصل الأمازيغ عن العرب لفرنستهم وتنصيرهم وإدماجهم، لولا أن هب لإنقاذهم قراء اللطيف الذين ما هم في الواقع سوى شردمة من الصبيان كما وصفهم بذلك ملك البلاد محمد الخامس، مسخرين وممولين ومؤطرين من المحميين والمتجنسين المنتمين لأسر ارستقراطية حضرية، كوسيلة لمحاولة استرجاع النفوذ السياسي والاقتصادي المفقود لاستغناء فرنسا عنهم بعد مساعدتهم لها على احتلالها للمغرب. هؤلاء الذين قال عنهم الدكتور محمد كنبيب بإن المحميين والمتجنسين الذين ندد الفقهاء قبل الحماية بسلوكهم وأوصوا بعدم معاشرتهم ومصاهرتهم لوضع طاقاتهم في خدمة أطماع الدول الإمبريالية، هم الذين لعبوا الدور الرئيسي في التحريض ضد الظهير (2). وتساءل عن الدوافع الحقيقية لهذا التحريض. ولم يكن السبب كما يدعون هو غيرتهم على الإسلام وشريعته لأنهم فضلوا الخروج قبل الاحتلال الفرنسي عن طاعة أمير المؤمنين والتقاضي أمام محاكم قنصليات الدول الأمبريالية حاميتهم، وأمام المحاكم الفرنسية أثناء الاحتلال، طبقا للفصل السابع من ظهير 12 غشت 1913، الصادر بإحداثها. ثم إن انتماءهم لدول مسيحية كمحميين أو متجنسين افقد للإسلام سيادته على المغرب(3) بتمكين هذه الدول من التدخل في شؤون البلاد تحت غطاء صيانة مصالح رعاياها، للحصول على امتيازات وإضعاف بلد مسلم ليصبح فريسة الاحتلال، لتنطبق عليهم وعلى من احتمى بالمسيطر الفرنسي الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين". سورة المائدة رقم 51. هذا، وتعتبر الوزارة بأطروحتها هذه، الأمازيغ الذين ساهموا بالحظ الأوفر في صنع تاريخ هذه البلاد وبناء حضارتها وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ضد جيوش الاحتلال الفرنسي التي استغاث البعض بها، ولم يوقفوا نضالهم حتى استرجعت البلاد سيادتها، مجرد أهالً (4)دون حس وطني ولا شعور ديني وفي حاجة إلى وصاية حتى يرقوا إلى مستوى المواطنية (la citoyenneté) وفي انتظار ما ستسفر عنه الدعوى التي عرضتها حركة تيضاف في الموضوع على أنظار الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى، فإن وزارة التربية "الوطنية" قدمت الدليل على إصرارها على أن تبقى مدارس الدولة مراكز للتكوين الإيديولوجي القومي العروبي الشوفيني الذي يجعل من الأمازيغ في بلادهم مواطنين من الدرجة الثانية. وأن موقفها لن يتغير خلال السنوات المقبلة لأن المقررات الدراسية وضعت لخمس سنوات، ولو تحولت الأطروحة إلى مسخرة لا يأخذ بها سوى السذج. ومن أراد أن يسخر، فليسخر مادامت المسخرة كما يقول المثال الفرنسي، لا تقتل صاحبها، فلن تؤثر السخرية على تعنت الوزارة. إحالات: (1) محمد مونيب" الظهير البربري" أكبر اكذوبة سياسية في المغرب المعاصر – دار أبي رقراق للطباعة و النشر ،ص 91. 2 - Mohamed Kenbib-les protèges –imprimerie NAJAH El Jadida p 330
Gilles LAFUENTE- la politique berbère de la France et le nationalisme marocain- l’Harmattan 1999-page 202 (3) –Abdellah Laroui -les origines sociales et culturelles du nationalismes marocain-centre culturel arabe , p 310. (4) - كان الأهالي أو السكان الأصليون في أستراليا تابعين لوزارة حماية الثروات الحيوانية
|
|