|
الأمازيغية وإشكالية الشرعية الإيديولوجية بقلم: محمد أيت بود (تارودانت) الأمازيغية حركة ثقافية انطلقت من رحم المجتمع المغاربي بحكم التاريخ والجغرافيا والحقيقة العلمية، وإن كانت مساراتها تختلف في البلدان المغاربية باختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المؤثرة، فإن الهدف لاشك يعتبر واحدا هو جعل اللغة والثقافة الأمازيغيتين تتبوآن المكان الذي تستحقانه على المستوى المؤسساتي والعمومي وبالتالي إعادة الاعتبار للإنسان الأمازيغي من خلال إدماج لغته في المنظومة العصرية. لاشك أن الحركة الثقافية الأمازيغية وهي تناضل من أجل انتزاع مطالبها المشروعة في إعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي كمكون أساسي وشرعي من مكونات الهوية في البلدان المغاربية، ارتكزت منذ نشأتها على محددات خطابية من أبرزها المعطى التاريخي ثم المعطى السوسيولوجي وأخيرا المعطى الحقوقي، وقد استطاعت من خلال هذه المعطيات أن تؤصل لخطاب حداثي يتبنى الأطروحة العلمية كأساس مرجعي لإضفاء شرعية النضال على عملها الحركي الذي لم يكن له من متنفس سواء حيال شراسة الأيديولوجية اليسارية القومية في الستينات من القرن الماضي أو تمترس الأيديولوجية الإسلاموية في بداية الثمانيات من نفس القرن. وقد استطاعت الحركة الأمازيغية أن تصمد لعدة سنوات، بل حققت بعض المكاسب ولو أنها تعد متواضعة بالمقارنة مع ما هو مطلوب، غير أن هذه التساؤلات تبقى مشروعة: هل ستصمد الأمازيغية والحركة الأمازيغية أمام التحولات الجسيمة التي صار يشهدها العالم والبلدان المغاربية على جميع الأصعدة؟ هل ستصمد الأمازيغية كحركة ثقافية من دون النزوع السياسي؟ هل ستحافظ على استقلاليتها دون أن تتعرض للاختراقات الأيديولوجية؟ هل تستطيع أن تحقق مطالبها المشروعة في التطور والارتقاء وفرض الذات؟ هل للحركة الأمازيغية مشروع مجتمعي؟ وهل تستطيع أن تفرضه؟ سوف أنطلق من هذه الأسئلة للنفاذ إلى جوهر الإشكالية المركزية التي تعانيها الأمازيغية في الوقت الراهن، ألا وهي إشكالية الشرعية الأيديولوجية، بحيث إن الأمازيغية الآن تعيش في مفترق الطرق، نظرا لاستنفاذ العمل الثقافي لمقوماته النضالية، ونظرا لاكتساح التحالف الأيديولوجي القومجي / الإسلاموي للساحة السياسية المغاربية خاصة بعد انحسار الأيديولوجية اليسارية القومية، وهشاشة الاختيارات التنموية للنخب الحزبية والتقنوقراطية الحاكمة في البلدان المغاربية، وقد صار من المحتم أن تلعب الأمازيغية دورا رياديا في النهوض بالمجتمعات المغاربية في إطار تصور نظري متماسك أو أيديولوجية تقدم بديلا حضاريا، أو مشروعا مجتمعيا، واقعيا، قابلا للتطبيق، يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الاقتصادية والسوسيولوجية للبلدان المغاربية، يؤهلها لأن تنخرط في جدلية الصراع حول الموارد الدائر الآن بين أيديولوجية النخب الحاكمة من جهة وأيديولوجية الأحزاب والحركات الإسلامية من جهة أخرى، بيد أن تحقيق هذه الانجازات لا يمكن أن تتحقق بغير تهيئة المجتمعات المغاربية لهذا التغيير الجذري الذي يستهدف بالدرجة الأولى نقد الأيديولوجية الرسمية للدولة المغاربية، هذه الأيديولوجية المشرقية التي أثبتت فشلها، بل أضحت عائقا كبيرا لانطلاق المجتمعات المغاربية نحو التحرر والديمقراطية والتنمية والحداثة. ولأجل ذلك سأتناول مسارات الحركة الأمازيغية المغاربية من خلال التوجهات الكبرى التي صارت تؤطرها، حتى يتسنى لي الخلوص إلى الخيط الناظم الذي يوحدها ويميزها، للقول بإمكان بلورة مشروع مجتمعي تلعب فيه الأمازيغية دور المحرك، دورا شبيها بالدور الذي لعبته الحركة الإصلاحية البروتستانتية في أوربا في القرون الوسطى، فهل سيتأتى لها ذلك؟ 1- الحركة الأمازيغية في الجزائر: لا يمكن إنكار الدور الريادي الذي لعبته الحركة الثقافية الأمازيغية بمنطقة القبايل في إذكاء روح المطالبة بالحقوق المشروعة للشعوب المغاربية في أن تكون أمازيغية، بيد أن تأثير هجرة أبناء القبائل إلى فرنسا أتاح الفرصة لمجموعة من الأجيال المثقفة التي تحسنت وضعيتها المادية لتأسيس جمعيات أمازيغية بالتراب الفرنسي التي صارت تنشط وتستقطب الشباب المتعطش إلى لغته وهويته الأمازيغية، تم تتويج نضالها بإنشاء قناة فضائية أمازيغية BRTV للتواصل مع الأمازيغ القبايل من جهة وإبراز أوجه الحضارة الأمازيغية بحوض البحر الأبيض المتوسط والبلدان المغاربية بشكل عام، خاصة أمام تعنت الحكم العسكري وعدم رغبته في إفساح المجال للأمازيغية لكي تتطور، علاوة على أن للنخبة الأمازيغية المثقفة بالجزائر الدور البارز في إبراز الهوية الأمازيغية إلى الواجهة وجعلها موضع تساؤل على الأقل أول مرة في تاريخ المنطقة المغاربية منذ العشرينات من القرن الماضي أمثال جون عمروش، طاوس عمروش، وجاءت محطة الربيع الأمازيغي في الثمانينيات لتضع الحكم الجزائري على المحك، وكانت طليعة باحثين مناضلين أمثال مولود معمري، كاتب ياسين وغيرهم ممن حملوا لواء الدفاع المشروع عن الحقوق الأمازيغية،جعلوا الحكم العسكري أمام حقيقة علمية وتاريخية ومجتمعية مستعصية، تم العمل على تخطيها بإنشاء المحافظة السامية للأمازيغية، غير أن إسهام الربيع الأمازيغي لسنة 2000 أو الربيع الأسود (TAFSUT TAVRKANT) في إعادة سؤال الأمازيغية إلى الواجهة بعد الأحداث التي شهدتها منطقة القبايل من طرف الحكم العسكري هو ما يلفت الانتباه، كل هذا ساعد على تكوين قناعة لدى النخبة القبائلية على أن العمل الثقافي لوحده لا يكفي، فتأسست الأحزاب السياسية التي أخذت على عاتقها الدفاع عن الحقوق الأمازيغية منها جبهة القوى الاشتراكيةFFS للحسين أيت أحمد وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD لسعيد سعدي، غير أن المحطة التي شكلت المنعطف في تاريخ الحركة الأمازيغية للقبايل هي أحداث الربيع الأسود لسنة 2000 بحيث تم تسجيل تحول نوعي في إستراتيجية الحركة ألا وهي التنسيق الوطني، فأنشأت تنسيقية العروش التي طرحت مجموعة من المبادئ لعل أبرزها: «الديمقراطية ـ العلمانية ـ المساواة ـ العدالة ـ السلام «. فهل يمكن اعتبار الحركة الأمازيغية في الجزائر تعيش مرحلة الأدلجة والانتقال من آلية المطالبة إلى آلية الاحتجاج؟ وبالتالي مرحلة تبلور المشروع المجتمعي؟ لا يفوتني أن أسجل ملاحظة بهذا الصدد مفادها أن الحركة الأمازيغية بمنطقة القبايل انتقلت بالفعل إلى آلية الاحتجاج، بالارتكاز على خلفية أحداث الربيع الأسود التي لم تكن ثقافية صرفة، لأنها تناولت جانبا من الحيف الاجتماعي والتهميش الذي تعاني منه المنطقة وعدم استفادتها من ثروات وخيرات البلاد. 2 ـ الحركة الأمازيغية بالمغرب: لا يمكن إنكار أن الحركة الأمازيغية بالمغرب قد تأثرت بمثيلتها بالجزائر، فالتأثر بين المغرب والجزائر ليس وليد لحظة معينة بالذات لأنه تأثر تاريخي، يستمد وجوده من الأرض والإنسان والتاريخ. غير أن مسار الحركة الأمازيغية بالمغرب يختلف نوعا ما عن مثيله بالجزائر أولا لاختلاف طبيعة النظامين السياسيين بالبلدين المغاربيين، ثم لاختلاف التجربة التاريخية مع الاستعمار الفرنسي، واختلاف محددات الخطاب بالإضافة إلى عوامل سوسيولوجية وجغرافية لها تأثير قوي على تشكيل وبلورة الخطاب المطلبي لدى الحركتين. ففي المغرب لم تتأسس أول جمعية مطالبة بالحقوق الأمازيغية إلا في سنة 1967 وهي AMREC، أضف إلى ذلك أن الحركة الأمازيغية بالمغرب لم تعرف اصطداما مع السلطة، علاوة على الانفراج الذي ساد المغرب في سنوات التسعينيات من القرن الماضي بحيث استطاعت الأمازيغية أن ترسخ خطابها الجديد في بنيات المجتمع سواء من خلال ميثاق أكادير 1991، أو المذكرة التي وجهت إلى القصر في 1996، ونقلت إلى الواجهة التساؤل المشروع حول ماهية الأمازيغية ومطالبها، الشيء الذي جعلها تتعايش إلى حد ما مع التناقضات الداخلية للمجتمع المغربي، وكانت لها لحظة ممتازة من التنسيق الوطني لم تنجح نظرا للاختراقات الكثيرة التي همت الجسد الأمازيغي سواء من التيارات والأحزاب السياسية أو من طرف النظام الذي تدخل بقوة قبيل اجتماع بوزنيقة التاريخي لمناقشة بيان محمد شفيق، الذي كان بمثابة ناقوس الخطر بالنسبة للمخزن لمراجعة أوراقه حيال المطلب الأمازيغي الذي تم احتواؤه بتأسيس IRCAM. غيران تجربة IRCAM الغضة، وانحسار دور الأرخبيل الجمعوي في تنظيم بعض الأنشطة المحتشمة، واحتجاب العديد من الدوريات والجرائد الأمازيغية عن الصدور لأسباب مادية وتقنية وهيكلية، وانسحاب سبعة أعضاء من المجلس الإداري ل IRCAM، سجل تراجعا خطيرا في صيرورة بلورة الخطاب الأمازيغي بالمغرب الذي رغم قوته المحدودة استطاع أن يزاحم الخطابات ذات الترسانة الأيديولوجية القوية خاصة الخطابين اليساري القومجي والإسلاموي قبل تلك الفترة، هذه الهزة أفرزت خطابا جديدا يرتكز على مقتربين: 1 ـ الجنوح نحو تسييس العمل الأمازيغي بتأسيس الحزب الأمازيغي الديمقراطيPDAM لأحمد الدغرني بعدما تأكد أن العمل الثقافي قد استنفذ مقوماته. 2- تبني تيارات جمعوية ( AZTA) على سبيل المثال لا الحصر، لخطاب لا يزال يعتبر في الوقت الراهن إلى حد ما خطابا تقدميا بامتياز، إلا أنه لا يتناغم مع قناعات قطاعات شاسعة من المجتمع المغربي، هذا الخطاب يتبنى محددات ومبادئ لعل أبرزها:» الحداثة ـ العلمانية ـ العقلانية ـ النسبية». فهل هي بداية لبلورة إطار نظري وأيديولوجي للقضية الأمازيغية بالمغرب؟ وهل هي بداية لتأسيس مشروع مجتمعي تمارس فيه الأمازيغية الدور المحرك؟ - Iالخيط الناظم للحركة الأمازيغية بالبلدان المغاربية:لقد أدت التطورات السياسية، والاجتماعية، بالخطاب الأمازيغي إلى محاولة تجديد آلياته، بيد أنه من المعقول أن المبادئ التي ترفعها كلتا الحركتين الأمازيغيتين بكل من الجزائر والمغرب هي نفس المبادئ تقريبا (الحداثة- العقلانية- النسبية- العلمانية)، وإن كانت لا تندرج في إطار نوع من البركماتية الواقعية المنبنية على قراءة المعطيات وفق المصلحة الذاتية، كيف ذلك؟ من المؤكد أن الأيديولوجية الإسلاموية لم تقدم لحد الآن الإطار النظري أو بتعبير آخر نظرية للحكم منبنية على حماية حقوق الإنسان، وترسيخ الديمقراطية، فالإسلاميون ليس لديهم برنامج واضح ومضبوط يناضلون عليه، ليس لديهم بدائل واقعية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المغاربية، اللهم ذلك الحطام الأيديولوجي الذي يرتكز على أسطورة العصر الذهبي وكارزمية القائد العادل، والطامة الكبرى أن منهم من يلجأ إلى الخرافة لتقديم حلول للازمات الخانقة التي تعيشها المجتمعات المغاربية، فعندما تفشل التنظيمات الإسلامية في تقديم مشروع مجتمعي إجرائي، يتضمن مجموعة من التدابير التي تمكن القيام بها المجتمعات المغاربية من النهوض من وهدة التخلف، وتستنجد بالخرافة فهذا هو البراديكم السياسي الذي تمارسه الحركات الإسلامية، وهذه مسألة تعاني منها الشعوب المتخلفة، لذا فالمجتمعات المغاربية تعرف درجة عالية من الأسطرة وانتشارا للخرافة. صحيح أن هذه الحركات تستقطب كل يوم أنصارا جددا، من الفئات الشعبية المهشمة والجاهلة والفقيرة نظرا لسحرية وغموض خطابها الأيديولوجي، لكن هذا لا يعني أنها تستطيع أن تنجح في إخراج البلدان المغاربية من نفق التخلف حتى ولو حازت على السلطة غدا، يبقى أن على الحركة الأمازيغية بفضل خطابها العقلاني / النسبي أن تأخذ زمام المبادرة وتسطر برنامجها الحضاري للنهوض بأوضاع المجتمعات المغاربية، يجب عليها أن تفصح عن توجهها الإيديولوجي بكل وضوح ودون تردد. الإسلام السياسي يناهض الأمازيغية ويعتبرها كفرا، أو على الأقل يصنفها في خانة الاهازيج الشعبية استعدادا لتهميشها وإقبارها حالما يحوز على السلطة، ثمة إقصاء بالفعل يجب ألا يعامل إلا بالمنطق ذاته، لهذا فالعلمانية بالنسبة للأمازيغية مطلب مشروع، غير أن قراءة موضوعية للحقل السياسي، والتناقضات الاجتماعية تعد ضرورية على الأقل في الوقت الراهن، وبقراءة السياق الغربي سوف نلاحظ أن التغيير لم تقم به أي من الفئتين سواء الكنيسة أو الموناركيات، فعندما قدم لوثر انتقاداته للكنيسة الكاثوليكية كان يقوم بذلك وهو يعلم أن ظهره محمي من طرف الموناركيات الأوروبية التي كانت تناهض الكنيسة، ذلك التحالف الذي تم بين الملكيات والإقطاع لضرب الكنيسة ثم بين الملكيات والبرجوازية الناشئة لضرب الإقطاع هو الذي ساعد على نجاح المشروع الإصلاحي البروتستانتي. أعتقد أن الأمازيغية يمكن أن تقوم بنفس الدور، خاصة وأنها تحمل بذور إصلاح ديني يتوخى تجاوز الإيديولوجية الدينية لتأسيس تعاقد سياسي جديد مبني على عقلنة المجال السياسي وجعله غير متأثر بأمزجة الفقهاء المحترفين، تعاقد اجتماعي يرتكز على صناديق الاقتراع في إطار تصور شمولي يتوخى تغييرا جذريا للعلائق الاجتماعية، لن يبقى ثمة مجال لشخصنة السلطة، لأن المؤسسات سوف تحل محل الكارزمية، والشرعية الديمقراطية ستحل محل الشرعية التاريخية أو الثورية، لاشك أن السياق الغربي ليس هو السياق المغاربي، المتأثر بالتاريخ والفكر المشرقيين، في الغرب انتهج الإصلاح السياسي نسقا متراتبا، اتخذ شكل منحى تصاعدى وصل إلى درجة المأسسة مع تقعيد الحكم على أسس ديمقراطية واختيار الدساتير الجمهورية والملكيات الدستورية. في السياق الإسلامي لا يوجد فكر سياسي، ثمة آداب سلطانية، أو سياسة شرعية ترتكز على نظرية الإمامة، الإشكالية التي لاشك ستواجه الأمازيغية بحدة تكمن هاهنا، المطلب العلماني، كمطلب حيوي للحركة الأمازيغية، يمكن لها المحافظة على مسافة بينها وبين غطرسة إيديولوجية الموارد المغلفة بالرموز الدينية والثقافية والتاريخية، فكيف ستتمكن الأمازيغية من حماية ظهرها وهي تخوض صراعها المرير مع الإيديولوجية الدينية المتغلغلة في وجدان الناس البسطاء، كيف ستواجه تعويمات وتمويهات وتسطيح وديماغوجية الإسلام السياسي / العروبي، الأمر يبدو لي قد يكون أشبه بقضية إحراق العلماء والمتنورين في براميل الزيت المغلى في أوربا القرون الوسطى، وإلصاق أقبح النعوت بهم من طرف الكنيسة والعوام. 1- الإطار النظري للأمازيغية الحديثة: من المعلوم أن النسق السياسي المغاربي لا تزال تهيمن عليه الإيديولوجية المشرقية، المتبناة من طرف قطاعات مجتمعية كبيرة، من الطبقات الحاكمة ذات العلاقة الوطيدة بحكومات البترو دولار، والتقنوقراط سلالة الأسر المورسكية العريقة، والبيروقراطية الإدارية، واللوبيات الاقتصادية المتنفذة، والفئات الشعبية المسحوقة التي تستهلك بدرجة عالية الخطابات المهترئة للأيدلوجية المشرقية ذات الارتباط بمواضيع، الهيمنة الامبريالية، والإرهاب، والقضايا الوطنية وغير الوطنية، واستحضر هنا تحليل باحث فرنسي قال إن البلدان المغاربية تتكون من أربع طبقات اجتماعية هي 1- الحائزون على السلطة في أعلى هرم مؤسسات الدولة 2 -المتحكمون في جهاز الدولة 3- الذين يستفيدون من التحكم في جهاز الدولة 4- الأيتام والأرامل والنساء القرويات والشباب العاطل والفقراء والمهمشون والجهال والمنحرفون... ما يمكن ملاحظته بهذا الخصوص أن هذه النظرية قابلة للتعميم على البلدان المغاربية مع بعض الاستثناءات بالطبع، فكيف تستطيع الأمازيغية جعل هذه الفئات تتبنى خطابها، بمعنى آخر أن تتبنى خطابها وفق مقاربتها للقضية، بيد أن ثمة مقاربة دولتية لتدبير ملف الأمازيغية من طرف الحكام المغاربيين، أو على الأقل من طرف الفئة الرابعة؟ التي تدغدغ عواطفها في الوقت الراهن الإيديولوجية الدينية، لأنها تستخدم آلية الصراع حول الموارد، ولو تحت ستار التدين والدعوة إلى تطبيق الشرع، خاصة وكون هذا الخطاب يعتبر إلى حد ما في الوقت الراهن خطابا تقدميا متعاليا على الاستيعاب الشعبي، على عكس الخطاب الإسلاموي الذي يستغل مجموعة من الأحداث المحلية والإقليمية والدولية لإلهاب مشاعر الناس، والملاحظة البارزة هي أن المسلمين، لا أقول العرب فحسب، يعانون من تضخم التحليل العاطفي على حساب التحليل العقلاني، ثمة مجموعة من العوامل ساهمت في تكريس هذه الحقيقة في وجدان المسلمين في العصر الحديث، صحيح أن النخب تعترف بأهمية هذا الخطاب وتتجاوب معه ولو بتحفظ، غير أنها في المقابل تعمل على نشر المغالطات التي تزيد من غرابة الخطاب الأمازيغي في المجتمعات المغاربية، ولهذا فما لم تتم أدلجة الخطاب الأمازيغي وإنزاله إلى الشارع أعتقد أن الأمر لا يعدو أن يكون خطابا نخبويا متعاليا، وهذا لا يعني أن الأمر لا يخلو من الخطورة، فالتهييج كما قال محمد شفيق أمر سهل، غير أن عواقبه قد تكون وخيمة، أعتقد أن الأدلجة لابد منها وإلا صارت الأمازيغية في خبر كان، موقعها الراهن لا يؤهلها لخوض الصراع كحركة ثقافية، ثمة صراع شرس يكتسي صبغة الصراع على الثروة والموارد، تتصارع فيه الفئات المذكورة آنفا في إطار الأدلجة نفسها، وهو صراع كما قال بيير بورديو يتخذ أشكالا عديدة في البلدان النامية قد يتحول إلى حروب أهلية تحت عدة غطاءات إيديولوجية، والفرقاء في صراعهم من أجل الموارد لا يتورعون عن استعمال وبكثافة الرموز الدينية والثقافية وكل إشكال التعبير المفضية إلى تصفية الخصم السياسي وإلغائه. II- ملامح المشروع المجتمعي للامازيغية: لاندماج الأمازيغية في صراع الموارد وبالتالي اكتسابها للشرعية الإيديولوجية التي تتوخى العمل على بناء دول قطرية قوية في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا، دول حديثة، ديمقراطية، ذات درجة من المأسسة عالية، قوية البنيات الاقتصادية والثقافية، قوية النخب السياسية، قوية الأحزاب والمجتمع المدني، ذات نسب تعلم مرتفعة، ذات نسب نمو مرتفعة، ذات ناتج وطني مرتفع، وبعد بناء الدول القطرية القوية بالارتكاز على كل المكونات والطاقات والخصوصيات، يمكن التفكير في خلق فضاء مغاربي للشراكة الاقتصادية وخلق سوق مغاربية، في إطار اتحاد المغرب الكبير، وهذا لن يتأتي برأيي إلا بإنجاز التصور النظري التالي: 1ـ التوفر على تصور نظري للحكم بالبلدان المغاربية يجيب على كافة التساؤلات الديالكتيكية المرتبطة بعلاقة الدين بالدولة، وطريقة توزيع السلطة، وإنتاج الثروة وآلية إعادة توزيعها، ودور اللغة الأمازيغية والعربية واللغات الأجنبية في بناء المجتمع المغاربي المرتقب، واتخاذ الإجراءات العملية مؤسساتيا على المستوى الثقافي والتعليمي للغاية ذاتها. 2- الحسم في الاختيارات الاقتصادية من خلال تبني نمط اقتصادي مندمج في الاقتصاد العالمي، يتبنى خيار الشراكة المغاربية كأرضية لبناء سوق مغاربية، تمكنه من التعامل كقوة اقتصادية إقليمية مع العالم، هذا الخيار لا رجعة فيه، أما الانخراط في منظومة الشراكة المغاربية أو التذبذب والاندثار، وهذا الخيار لا يتأتى بغير تبني مجموعة من العمليات الإجرائية على المستوى الاقتصادي والإداري والسياسي. 3- التخلي عن الخطابات الإيديولوجية الموجهة ضد بعضها البعض من طرف الدول المغاربية، وهذا لن يتأتى إلا بحل كل المشاكل العالقة بين البلدان المغاربية، كقضية الصحراء، وتجاوز الخطاب النخبوي وممارسة الخطاب الجماهيري والمؤسساتي من خلال القنوات الحزبية والجمعوية، وذلك لتمكين المشروع المجتمعي الذي تقترحه الأمازيغية من التوفر على قاعدة جماهيرية واسعة، تستطيع أن تحمل خطاب الاحتجاج إلى أبعد مدى. 1- ايديولوجية الدولة:من المعلوم أن الإيديولوجية الرسمية للدول المغاربية، الإيديولوجية العربية- الإسلامية، وهي مرتبطة بشبكة من المصالح والمنافع السياسية والاقتصادية، تتقاطع مع العقيدة الدينية والسياسية للحركات اليمينية واليسارية على حد سواء، تتغذى من أدلجة الدين لصالح الاستمرارية السياسية للدول المغاربية، واتخاذه مصدرا للشرعية السياسية، لهذا فازدواجية الشرعية السياسية للحكم قي البلدان المغاربية المتراوحة بين الشرعية التاريخية أو الثورية والخلفية الثيوقراطية للذهنية المجتمعية المغاربية، يجعل من العسير التفكير في إيديولوجية بديلة للحكم تراهن على فصل الدين عن الدولة. في السياق الغربي جاء فصل الدين عن الدولة كنتيجة لإفلاس الكنيسة واندحار الإقطاع المتحالف معها من جهة وقوة الموناركيات وتصاعد البرجوازية الناشئة من جهة أخرى، في المجتمعات المغاربية توجد الدولة المركزية ذات الطابع الشمولي في إطار أنظمة سياسية متباينة، ترتكز على اقتصاد العائلات أو ما يسمى باقتصاد الريع، هنا النخب السياسية والاقتصادية تصنع من طرف الحكم لكسب الولاء عن طريق توزيع الثروة من طرفه أو ما سماه ماكس فيبر النمط الباتريمونيالي للدولة، هنا الإيديولوجية الدينية غير متبناة من طرف جهة معينة بالذات، لأن الحكم والأحزاب والجمعيات الدينية تشترك في نفس التصور الديني للحكم، مبني على نظرية الإمامة، أو نظرية الإسلام دين ودنيا. برأيي يجب الإجابة على سؤال العلاقة الديالكتيكية بين الدين والدولة، وتحديد فلسفة الحكم في إطار تصور للعلاقة بين القطبين يؤطرها إعادة فتح باب الاجتهاد، حتى يتسنى للنص الديني الانفتاح على كل القراءات المحتملة والممكنة، والتي تعتبر واقعية، الفقهاء منذ القرن الرابع الهجري جعلوا النص الديني مغلقا على ذاته، غير عابئ بما يدور حوله من تغيرات وتحولات جسيمة على جميع الصعد، يريدون من الناس أن يقرأوا النص الديني وفق بنيته المغلقة وبالتالي استنباط الأحكام المتعلقة بتفاصيل الحياة الاجتماعية منه على ضوء الاحتياجات المستجدة بالمنطق ذاته الذي قرئ به منذ 15 قرنا، وهذا في تقديري خطأ، النص الديني في أصله منفتح على كل القراءات والآراء وإلا لماذا احتوى على الناسخ والمنسوخ؟ ولماذا تعددت المذاهب الفقهية؟ هذه التعددية يخشى منها الأصوليون كثيرا، لأنها تسلبهم احتكار تأويل النص الديني. الدول المغاربية تحت ستار التقليدانية والخلفية الثيوقراطية تمارس نوعا من التحديث، يمكن للأمازيغية المراهنة على هذا التحديث، الحركات الإسلاموية تعمل جاهدة من أجل إلغاء الحكومات الحالية بدعوى أنها كافرة، أو غير شرعية، أو لا تطبق النص الديني بحذافيره، الأوضاع الدولية لا تدع للحكومات المغاربية متسعا تلتقط فيه أنفاسها، فهي بين مطرقة العولمة وسندان الإرهاب، الأمازيغية توجد في الوسط، عليها أن تذهب في دعم جهود التحديث التي تقوم بها الحكومات الحالية إلى أبعد مدى، وأن تحثها على ترسيخ الديمقراطية والجهوية في أنظمتها السياسية، للخروج من نفق هيمنة النخب المناوئة للتحديث على الحقل الديني، والقرار السياسي. 2 – الخيار الاقتصــــادي: من المؤكد أنه لا بديل بالنسبة للبلدان المغاربية عن اتخاذ المغرب الكبير كأرضية لبناء سوق مغاربية مشتركة، تتخذ كقاعدة للتعامل الإقليمي والدولي، في إطار الاندماج في الاقتصاد العالمي عن طريق تبني نمط اقتصاد السوق، والتخلي عن اقتصاد الريع، هذه الأمور تستدعي حربا شرسة مع اللوبيات الاقتصادية المتربعة على عرش الاقتصاد المغاربي، يستحيل في الوقت الراهن التفكير في زحزحتها لارتباطها بشبكات متنفذة في الحكم، ولارتباطها كذلك بالشركات الاحتكارية العالمية الكبرى، الاندماج الاقتصادي المغاربي في الوقت الراهن تعترض سبيله أسوار عالية من عدم الثقة بين الأنظمة المغاربية، المجتمعات طامحة إلى الاندماج وترى فيه خلاصها، المشاكل الحدودية، وبالأخص مشكل الصحراء يلقي بظلاله على الاندماج المغاربي، الحل المغربي يعد خطوة غير مسبوقة، يمكن أن تساعد على فتح شهية الشعوب على المطالبة بالجهوية أو الفدرالية بالمنطقة، مما قد يساعد على حل هذه المشكلة، وتحقيق الدمقرطة، وبالتالي الانطلاق نحو الاندماج، التحدي الذي لا يزال مطروحا بحدة أمام الأنظمة المغاربية، تتزيد من حدته البنية المغلقة للأنظمة المغاربية ذاتها، الروح الاستعمارية التي لا تزال حية في نفوس بعض الدول الغربية الجارة خاصة إسبانيا، واكتساح العولمة وهيمنة شركات النفط الأمريكية العملاقة على بعض الحكومات المحلية، والتنافس المحموم بين الأنظمة المغاربية على الزعامة الإقليمية، وتصدير المواد الأولية، يجعل من الصعب التفكير في الاندماج، الرهان يبقى بالنسبة للمجتمعات المغاربية مفتوحا على احتمال واحد هو: النضال من أجل بناء دول قطرية مغاربية – جهوية أو فدرالية قوية، ترتكز على مفهــــوم الدولة – الأمة، كما تمت صياغته في السياق السياسي الغربي، ومن ثمة التفكير في الاندماج المغاربي، وما لم يتم بناء دول قطرية جهوية أو فدرالية مغاربية قوية، يعد من غير المعقول التفكير في الاندماج المغاربي. الإشكالية الأساسية التي تعاني منها ليس المجتمعات المغاربية فحسب وإنما الإسلامية جمعاء، ألا وهي إشكالية التذبذب بين تطبيق الليبرالية الاقتصادية والتصورات المذهبية الإسلامية، بالإضافة إلى التطبيقات الخاصة لكل بلد على حدة. في الغرب يتم تطبيق الليبرالية الاقتصادية في إطار الفلسفة العامة التي أفرزتها على المستوى السياسي، بما تعني من احترام المبادرة الفردية، ورفع يد الدولة عن النشاط الاقتصادي، في إطار التطبيق الواقعي للنظرية الاقتصادية في البلدان الإسلامية، يستحوذ الحاكم على الثروات في إطار النمط الباتريمونيالي للدولة، بالإضافة إلى الخصوصيات المحلية التي شابت عملية تطبيق الليبرالية الاقتصادية، من تأثير أنظمة اقتصادية محلية، على النمط الاقتصادي للدولة، كنظام الزكوات والأعشار والأوقاف الإسلامية والسياسات الاجتماعية المتباينة وغير الفعالة، هذه العوامل تجعل من الصعب تطبيق الليبرالية الاقتصادية كما تمت صياغتها في السياق الغربي، من المعلوم أن الاقتصاد السياسي في إطار النظريات الاقتصادية التي صاغها كبار المفكرين الاقتصاديين أمثال جون مانيارد كينيز وجون باتيست ساي وادم سميث، هي التي تؤطر النظام الاقتصادي في البلدان المغاربية، بحكم تأثرها بالغرب خصوصا والعولمة عموما، وأنه لا توجد نظرية «للاقتصاد الإسلامي» حتى لو سلمنا بوجود اقتصاد إسلامي ومسيحي ويهودي و... لحد الساعة يمكن أن تقوم بديلا لنظريات الاقتصاد السياسي، كما يدعي ذلك الإسلاميون، غير أن تأثير الخصوصيات المحلية على النمط الاقتصادي الليبرالي المتبنى من طرف الدول المغاربية، هو الذي يحد من فعالية هذا الاختيار، هذا دون الحديث عن تجربة الاقتصاد الاشتراكي التي خاضتها بعض البلدان المغاربية قبل أن تتحول إلى النمط الليبرالي إبان انهيار الاتحاد السوفياتي. 3 - خطاب الاحتجـــــاج: من المعلوم في التاريخ الإنساني أن أية حركة مجتمعية لكي تتحول من حركة مطالبة إلى حركة احتجاج يستدعي ذلك التوفر على مجموعة من المرتكزات: 1- مطالب ملحة وعاجلة يستدعي الأمر تلبيتها 2- إطار نظري للأوضاع السائدة ولما هو مرتقب ومرغوب في إطار إيديولوجية متناسقة 3- قاعدة جماهيرية شعبية لرفع وتيرة خطاب الاحتجاج إلى آذان الحكام، وإسماعه لأصحاب القرار، أو توسيعه أفقيا في الطبقات الشعبية، حتى يستطيع أن يفعل مفعوله إن لم يكن على المدى القريب أو المتوسط فعلى المدى البعيد. كثير من الناس يتساءلون: ماذا يريد الأمازيغيون؟ إحياء لهجات آيلة إلى الانقراض؟ بعضهم يقول: «ماذا يريدون لقد تم تأسيس بعض المؤسسات العمومية تعنى بثقافتهم القديمة، وهاهي الاهازيج الأمازيغية تبث عبر القنوات التلفزية، وأحيانا بعض الأفلام؟. أريد بخصوص هذه المسألة أن أثير ملاحظة ألا وهي أن التواصل مع القاعدة الأمازيغية العريضة من الطلاب والعمال، يستدعي ذلك تبسيط مقترب تناول الموضوع، بيد أن الخطاب الأكاديمي النخبوي، لا أعتقد أنه يستطيع أن ينشر ما نؤمن به ونريد أن نحققه لمجتمعاتنا، لهذا فالتبسيط لا يعني التسطيح والابتذال، بل يعني عرضا للأفكار في قالب ديالكتيكي مبسط وذلك للتواصل مع الجماهير، رائدي في هذه الفكرة الفيلسوف الخبير بمعالجة الديالكتيك جورج بوليتز، مؤسس مدرسة العمال الباريسية، وصاحب اللغة الديالكتية المبسطة والعميقة في آن واحد. أما بعد، أما تطوير لغة مهمشة، فنعم، غير أن للإشكالية أبعادا أخرى، اعتقد أن مجرد النضال من أجل إحياء لهجة لا يستدعي كل هذا العناء، وإلا لماذا لا تريد الأنظمة المغاربية فتح المجال للأمازيغية لتصبح لغة متطورة على الأقل شأنها شأن مثيلتها العربية؟ إذا كان الأمر مجرد وسواس لغوي فالأمر محسوم إذن ولا يحتاج إلى كل هذا العناء، الأمازيغية اليوم لها مشروع مجتمعي، ولها إيديولوجية، والأنظمة المغاربية تعي ذلك جيدا، إدماج الأمازيغية في المنظومة العصرية لا يعني فقط حماية بعض الاهازيج من الاندثار، بالنسبة لهم، إدماج وتطوير الأمازيغية، وإفساح المجال لها، يعني: 1- اندثارا للغة العربية، أو على الأقل تراجعا لدورها السياسي والديني، لأن الشعوب المغاربية أمازيغية بالسليقة، وسوف ترجع إلى معانقة لغتها لو تسنى لهذه اللغة أن تتطور يوما، الأمر مرتبط بشعور لدى الشعوب المغاربية بهوية ضائعة، التساؤل التالي يبقى مشروعا: من نحن؟ يجب الإجابة على هذا السؤال بكل وضوح ودون خوف حتى يتسنى لنا الانطلاق نحو الأمام، كل الشعوب المتقدمة اليوم، أجابت يوما عن هذا السؤال لذلك انطلقت، ما معنى تأسيس الدول القطرية في أوربا والغرب عموما؟ وماذا يعني مفهوم الدولةـ الأمة؟ الذي على أساسه بنيت الدول الأوروبية الحديثة غير الإجابة على هذا السؤال، الأطروحة القومية العربية لم تنجح لأنها لا تريد أن تجيب على هذا السؤال، أو بالأحرى تتجاهل الإجابة المنطقية للسؤال ذاته، النخب الحاكمة تعي جيدا خطورة إفساح المجال للأمازيغية لولوج الحياة العامة، تأسيس الدولة – الأمة في أوربا الذي تم على أساس القوميات الأوروبية كانت نتيجته الحتمية اندثارا للغة اللاتينية، اللغة الرسمية، لغة الحكام والمثقفين ورجال الدين في أوربا القرون الوسطى، لصالح اللغات المحلية للقوميات الأوروبية التي كانت تسمى اللغات الشعبية، اللغة الإيطالية الحالية كانت تسمى لغة الهمج، وتواري قداستها خلف النص الديني الذي كان يؤطر المجال العام لصالح العلمانية. حسب جورج بوليتزر هذه الفرضية لا تستند على مقولة التاريخ يعيد نفسه، لأن المنهج الديالكتيكي لا يؤمن بهذه الفكرة، في تاريخ البشرية جمعاء ثمة صيرورة وجريان وتناقض، حيث النقطة A لا تقابلها بالضرورة النقطةA’ بل تقابلها النقطةA2، وحيث الأحداث تترى على شكل دائرة حلزونية تتمدد أفقيا. 2- اندثار الإيديولوجية الدينية التي على أساسها قامت مشروعية الأنظمة المغاربية، وما يستتبع ذلك من ضياع المصالح السياسية والاقتصادية للفئات الحاكمة المرتبطة وجدانيا بالشرق، بيد أن تقعيد الحكم على أسس ديمقراطية يقلص من حظوظ تلك الفئات في السلطة والثروة والهيمنة، لأن الشعب الأمازيغي الذي هو بالنسبة لتلك الفئات لا يعدو أن يكون مجرد مخلوقات من الحفاة والعراة والبؤساء القاطنين في الأصقاع النائية، سوف يستعيد حريته ويحكم نفسه بنفسه، في إطار الدول القطرية المغاربية ذات الأنظمة الجهوية، وما يستتبع ذلك من زوال الدول المركزية الجاثمة على صدور الناس، وبالتالي زوال الإيديولوجية المشرقية المتخلفة. (محمد أيت بود –تارودانت-)
|
|