|
الحركة الأمازيغية بين فكـر التغيير وتغير الفكــر بقلم: شنوان الحسين الحو لنحدد أولا جوهر العنوان والذي يمكن إعادة صياغته بتساؤلات عدة وفق المنهج الآتي: هل يجب على المناضـــــل الأمازيغي أن ينتـج الفكر ليؤسس للتغيير؟ أم أن يجعـــــل من التغيير سابقا لتغيير الفكــر السائـــد والمنظومة الإيديولوجية القائمة؟ الجواب بطبيعــــة الحال لن يكون سهلا، لكن لنحاول مع ذلك فتــــح نقاش علنا نزيل بعض الغموض عن مقاصد واستراتجيــــات المناضل الأمازيغي عموما. عندما يتحدث البعــض عن تغيير الفكر، فهم بدون شك يعتمدون على الذات المفكرة، أي على الإنســان الأمازيغي وإبداعاته، إذن يجعلون من الشخصية الأمازيغية وإبداعها الفكري السبيل الوحيد للتغير، ولكن هذا سيدخلهم في سجـــال لم تستطع الفلسفة ولسنوات عدة حسم النقاش فيه. وهذه الإشكالية تقوم على أساس "أن الثقافة لا تخلق نموذجا واحـــدا للشخصية"، الأمر الذي يـمكن أن نلامسه في طريقــة مقاربــة القضية الأمازيغية داخــل منظومة تغيير الفكــر أو فكــــر الإصلاح. فالبعــض يعتمد أو يجعل من التحزيب السبــيل الأمثل للوصول إلى الكعــكة والبعض الآخر يجعــــل من وزارة الداخلية بمعاهدها السبيل البديل لذلك. لكن لن ندخل في هذا السجال العقيم مادام أن كل الاتجاهات الفلسفية تتفــق علــى "أن الشخص أصبح بذاته المفكر، وبعقله العلمي الأخلاقي يملك ما يمكن تسميته بالكرامة الإنسانية"، وهذا يعني حســب هؤلاء، وأنا معهم، مبدئيا أن الإنسان وباعتمــاده على ذاته وشخصيتــه يمكن أن يحدث تغييرا في المجتمع وفي السلطــة ويقاوم كــل القوانين الإيديولوجيــة والطبيعيــة، إنه ما يسمى بتغيير الفكر أو التغيير من خلال إجبار الآخر على الإنسانيــة والديمقراطية بالمقارعة الفكرية وقوة الحجة والاعتماد على قوة الذات والشخصية المفكرة الخلاقة والعـمليــة. وفــي هذا الباب يؤسس كانط لمفهوم الإنسانية المفكرة حيث يقول "إن كل شيء يخضع لــقوانين خاصة، وهناك كائــن عاقل وحيد يتوفر على ملكة العقل والتأثير في الطبيعة من خلال تمثله لتلك القوانين، أي من خلال مبادئ، بمعنى آخر أنـه يؤثر في العالم بفعل الإرادة"(1). وهذا الاتجاه عبر عنه مرارا وتكرارا بالنضال المؤسســاتي، المعتمد على الاندماج مــن أجل تغييـــر الفكر وتصحيــح المنظومـة من الداخل لأجل إحداث قطيعة مع الإيديولوجية الشوفينية. لكن ليسمح لي ذوو هذا الاتجاه أن أقول لهم إن الحديث عن الاندماج يدخل في باب الإصلاح والتجديد وليس من باب التغيير، لأن التغيير مرادف للتحديث والإصلاح مرادف للتجديد، وشتان بين التجديد والتحديث. إن التجديد ترقيع وإنقاذ لمنظومة محكوم عليها بالزوال، والتحديث ثورة فكرية وإيديولوجية هادفة إلى استعادة الكرامة المهدورة، إن تغيير الفكر، والذي كان من أبرز رواده الأستاذ على صدقي أزايكو، حرف من طرف أناس مشكوك في أمازيغيتهم لأغراض شخصية. وهنا لن أدخل فــي نقاش المعهد الملكي ونخبته، لأن اسم المعهد يدل على طبيعة وأسلوب الممارسة النضالية التي أسس لأجلها. فهو لـم يستطع حتى على مستوى الاسم الخروج من زاوية الثقافة السلطوية التقليدية، وأنا شخصيا اعتبره مؤامرة وإذا ما أسرفنا في نقده ونقاشه عن الحد المعقول سوف تتحول المؤامرة إلى تاريخ وهذا ما لا أريده، فلنقل إن المؤامرة (المعهد) موجودة في التاريـــخ لكنها ليست التاريخ، أي أن مسارا لنضال الأمازيغي لن يتوقف مع نقد النخبة الممخزنة ولكن سوف يستمر بكل اتجاهاتـــه وبسرعة أكبر مما يتوقعه خونـة علي صدقي أزايكو.إن المتمعن لمسـار الحركة الأمازيغية، ومن الوهلة الأولى، سيتهــم ذوي توجه فكــــر التغيير بالاندفاعيــة والفوضوية، لكن إن الدفاع والنضال عن الكرامة يستحق الكثير، لقد مات من أجلها الكثير وسجن بسببها الملايين حتى أنها أصبحـت رديفا للشهــــادة (بوجمعة الهباز). ألم تقترن هذه الشهادة بالشهيــد (زايد اوحمـــــاد) وبالرجولة ( عســـو اوبسلام ) وبالإنسانية (محند بن عبد الكبير الخطابي) بـــل بالمروءة (عدجو موحا)؟ ألم يقل المتنبي: عش عزيزا أو مت وأنت كريم؟ أصحاب هذا التوجه يجدون في كتابــــات باسكال سندا قويا لهم. فهو القائل "الإنسان خلق ليفكر، هذه كرامته واستحقاقه". هذه المدرسة أو التوجه إن شئتم يقول إن حق العيش وحـق المواطنة الكاملـــة بكل أبعادها وحق السكن وحـــق التعليـــم الحقيقي اللاإيديولوجي وحق العلاج كلها تصب إلى الحفاظ عن الكرامة. ومادام الإنسان الأمازيغي يعاني في كل هذه المجالات فلا كرامة إذن، ولا مصالحة ولا اندماجية، فلا سبيل ولا بديل إلا إعلان الثورة. ولتظــم مظاهرات ولتعبئ ملايين الشباب تحــت طبــول ونغمات معتــوب لونيس لتزهق المزيـد من الأرواح، فمــــا أجمـــل الشهادة من أجــل الاعتراف للشعـــب بخصوصيتــه الفكريــة والاجتماعية. لكن....?! إن الكرامة تعني قديما السعادة. أما اليوم لدى الإنسان الأمازيغي الثائر فهي تعنــي الحريــة. إن مدرسـة التغيير تستمد مشروعيتها وقوتها من ممارسة السلطـة القوميـة الأمازيغوفوبية والإقصائيــــة. لقد أردو أن يجعلوا من طبيعة العلاقة بين الذات الأمازيغية والذات العربيــة (الآخر) منظومــة متعارضـــة لا سبيـــل للتكامل فيما بينهما. وهذا الاتجاه يعتمد على ديكارت وأفكاره الممجدة للذات، لكن على هؤلاء أن يعلمــوا أن ديكارت لا يمجد أي ذات ولكنه يمجد الذات المفكرة، لكي لا تدخـل الذات ومعها مجتمعها إلى مأزقــا لعزلة الجذرية. ووسط هذه المعمعة من النقاشات الفكرية جاءت تنسيقية آيت غيغوش لتعلن جوابهـا عـن إشكاليـــة فكــر التغيير وتغيير الفكر، وهو الجواب الذي لا أنتظر أن يرضي الجميع ولكنه إلى حد ما سيفتح مجالا أوسع لنقاش جاد. جوابنا هنا يقول إن تغيير الفكر، أو النضال المؤسساتي وتحقيق الطفرة النوعية في العقلية القومية يجب أن يؤسس على أخلاق نضاليـة مبنيـة على الإحساس بالمسؤوليـة التاريخيـة وليـس علـــى تقلبات سوق شراء الذمم وبيع قضايا الشعوب، لأن الإنسان بدون عقـل أخلاقـي عملـي، حســب "كانط"، عبارة عن بضاعة تجارية (سلعة)، وقيمته في هذه الحالة لا تختلف عن قيمــة الأشيــاء والحيوانــات، فهو بذلك خاضع لقوانين سوق التبادل، فعلى هؤلاء أن يجعلوا من كرامة الإنسان الأمازيغي مرادفـــة وموازية لكرامتهـم الذاتية إن كانوا حسب ما يقولون أمازيغ، وبامتلاكهـــم ودفاعهــم عن هذه الكرامــة تكون ممارستهم النضالية محل احترام وتقدير يلزم العدو قبل الصديق. ونقول أيضا لذوي توجه فكر التغيير إن الإفراط في مقولة "تشاؤم الواقع وتفاءل الإرادة" لن يؤسس للتغير لأن شعبا بالملايين يحتاج إلى مئات الشروط من أجل التغيير. إن الإرادة ضرورية لكنها ليست كفيلة وليست قادرة إلا على إحداث فوضى وبلبلة، لكن هذا لا يعني أن فكر التغير يحتضـر أو ليس قادرا عـلـى الإنتاج، لا بل على العكس إنه فقط في حاجة إلى الدراسة وإعادة الصيغة. وفي الختام أقول ما قد يقوله معظم مناضلي ننسيقية ايت غيغوش إننا في حاجة إلى فكـر التغييـر والى تغيير الفكــر وهما التوجهـــان اللذان أجمعهـا في مصطلحــي الإستراتيجيـة (فكر التغيير) والتكتيـــك (تغيير الفكر) وفق نظريـــة أن الإستراتيجية هي المستقبل الذي نريد بناءه بمشاريع يومية تسمى التكتيك. 1 = "أسس ميتافيزيقية الأخلاق" لكانط
|
|