|
افتتاحية: هل هي بداية نهاية أسطورة أوفقير؟ بقلم: محمد بودهان ليس هذا المقال دفاعا عن أوفقير، كما قد يسهل تأويل ذلك في هذا الاتجاه، لسبب بسيط هو أن أوفقير، باستثناء إتقانه لكل اللهجات الأمازيغية، لم يكن يبدي أي تعاطف حقيقي مع الأمازيغية كهوية وثقافة ولغة، كما أن مشروعه الانقلابي، حسب شهادة أحمد الرامي، كانت تحركه مبادئ وغايات عروبية قومية، مسايَرة لموضة تلك المرحة، وهو ما تؤكده نوعية الإيديولوجية القومانية التي اشتهر بها من شاركوا معه في المحاولة الانقلابية من قادة بعض الأحزاب العروبية كما جاء في رسالة الفقيه البصري. هذا المقال ليس إذن دفاعا عن أوفقير، لكنه دفاع عن الحقيقة، وبالتالي عن الأمازيغية التي كانت دائما هي الضحية الأولى لتشويه وإخفاء الحقيقة واستبدالها بالأساطير الأمازيغوفوبية. مناسبة هذا الكلام هو ما نشرته "الأحداث المغربية" في عددها ليوم 21 فبرائر تحت عنوان: "التفاصيل الكاملة لمحاولة الانقلاب الفاشلة لـ16 غشت 1972" من خلال تسجيل نادر لاستنطاق محمد آيت قدور في سنة 1972 للضابط السابق أحمد الرامي. وهي تفاصيل تتضمن حقائق مذهلة ومزعزعة "للحقائق" المألوفة والمعروفة حول موضوع أوفقير منذ أزيد من ثلث قرن، هذه "الحقائق" التي جعلت من أوفقير، حيا وميتا، ما يشبه أسطورة الغول Amzviw المخيف المرعب الذي يأكل البشر، والذي كان مجرد ذكر اسمه من طرف الأمهات يكفي لتحويل صغارهن المزعجين والمشاغبين إلى أطفال وديعين وهادئين، خوفا من "الأمزيو" الخرافي. لقد تعدّت شيطنة Diabolisation أوفقير كل الحدود المعقولة والواقعية فأصبح بمثابة مفتاح يفسر ويبرر، ليس فقط ما حدث أثناء حياته من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، بل حتى ما وقع بعد اغتياله، مثل القول بأنه هو بنى "تازمامارت" الرهبية لتبرئة المسؤولين الحقيقيين عن هذه الفظاعة التي لا مثيل لها في التاريخ، أو القول بأن عدم إنجاز حكومة التناوب لكل مشاريعها التنموية يرجع إلى وجود جيوب لمقاومة أي تغيير، هذه الجيوب التي تتشكل من تلامذة أوفقير! والذي يهمنا في هذه الشيطنة القصوى لشخص أوفقير، ليس هو تبرير الظلم والفساد والطغيان بتحميل كل ذلك لأوفقير، بل الأمازيغية التي يرمز إليها أوفقير، حسب صانعي أسطورته الشيطانية. وليس من الضروري ربط الأمازيغة بأوفقير بشكل صريح وعلني، كما يفعل الكثيرون مثل علال الأزهر أو اليزيد البركة، بل يكفي ذكر "أوفقير السفاح" ليحيل ذلك، بشكل ضمني وغير مباشر، على الأمازيغية والأمازيغيين، ويصبح بالتالي كل ما يوصف به أوفقير من مساوئ ورذائل وشرور أوصافا للأمازيغية والأمازيغيين. وهكذا أصبحت أسطورة أوفقير مثلها مثل أسطورة الظهير البربري: فكما أن هذه الأخيرة تحيل على الأمازيغية التي تحمّلها ضمنيا مسؤولية ما أقدمت عليه فرنسا من خلال "الظهير البربري" من تقسيم عنصري للمغاربة وتمسيح للأمازيغيين، حسب ما تقوله هذه الأسطورة، فكذلك تحيل أسطورة أوفقير الشيطانية على الأمازيغية وتحمّلها ضمنيا كل الجرائم التي تنسب زورا وبهتانا إلى أوفقير باعتماد منطق تبسيطي يعتمد على مقدمة ونتيجة ورابط منطقي بينهما على الشكل التالي: لقد كان أوفقير مجرما وسفاحا؛ وبما أن أوفقير كان أمازيغيا، فالنتيجة أن الأمازيغية لا تنتج إلا المجرمين والسفاحين من أمثال أوفقير عندما تكون في يدهم السلطة والقرار. لكن ها هي الحقائق التي نشرتها "الأحداث المغربية" تفضح البهتان وتعرّي الأسطورة الأوفقيرية وتكشف أن أوفقير كان واعيا تمام الوعي بما يلصق به من تهم لتبرئة النظام المسؤول عنها، وأن دوره الذي كان يقوم به إجبارا واضطرارا »هو خدمة القصر وحماية الفساد«. ولهذا كان يردد على أحمد الرامي: »إن ولائي لوطني وشعبي أكيد، وهو أعظم من كل ولاء، وفي سبيل الأمة لن أتردد عن أية تضحية«. إلا أن النواة الصلبة لأسطورة أوفقير كانت تتمثل في تهمة اغتياله لابن بركة. وهذا الاغتيال الذي ينسب إليه جعل منه لوحده ـ أي اغتيال ابن بركة ـ مجرما وسفاحا، ليس أمام الشعب المغربي فحسب، بل أمام كل العالم. وهذا ما كان أوفقير واعيا به أشد ما يكون الوعي، ويتألم له أشد ما يكون الألم. لهذا فقد قرر أن أول شيء سيفعله لو نجحت محاولته الانقلابية، هو تبرئة نفسه أمام الشعب المغربي من تهمة قتل ابن بركة والكشف عن المسؤولين الحقيقيين عن هذه الجريمة. يقول بصدد هذا الموضوع: »وعندي كل التسجيلات الصوتية وكل الوثائق في خزينتي التي تثبت الإشراف الكامل للملك وللعقيد الدليمي على عملية اغتيال ابن بركة وسأعلن في المستقبل كل ما عندي من أسرار للحقيقة والتاريخ«. بل إن أوفقير، عكس ما ينسب إليه من مسؤولية في مقتل ابن بركة، هو الذي نصح هذا الأخير باللجوء إلى الخارج عندما علم أن قرارا قد اتخذ لتصفيته: »أنا الذي نصحت المهدي بن بركة باللجوء إلى الخارج لأنني شعرت أن الملك بدأ يتآمر عليه«. ولا شك أن النظام كان عبقريا وذكيا جدا في استفادته إلى أبعد الحدود من مسألة اغتيال ابن بركة. فبمقتل هذا الأخير، تخلص النظام من خصمين في نفس الوقت: تخلص من ابن بركة وتخلص في نفس الآن من أي خطر قد يجيء من أوفقير بعد أن ألصقت بهذا الأخير تهمة اغتيال ابن بركة، الشيء الذي أصبح معه أوفقير مرفوضا ومذموما من طرف الشعب المغربي، وهو ما يعني أن أوفقير لن يفكر أبدا في قيادة انقلاب على النظام لأنه لا يعقل لمجرم سفاح قتل أكبر معارض للنظام أن يقبل من طرف الشعب كرئيس للدولة أو عضو هي هيئة رئاستها. فبتحميل مسؤولية اغتيال ابن بركة لأوفقير، اطمأنّ النظام أن حماية أوفقير تمر عبر حمايته هو للنظام، وهو ما يعني أنه لم يبق أمام أوفقير سوى خدمة النظام وحمايته كمصير وحيد وأخير له. وهذا ما فهمه وأدركه أوفقير جيدا. ولهذا جمع وأعد كل الدلائل والإثباتات المادية التي تبرئه من دم ابن بركة وتدين الفاعلين الحقيقيين. لماذا سكت الإعلام الحزبي ـ ناهيك عن الرسمي ـ عن هذه الحقائق الحقيقية، أي المضادة للحقائق الأسطورية، والتي نشرتها "الأحداث المغربية"؟ لماذا لم يصدر أي تكذيب من أية جهة؟ الجواب هو أن الجميع يعرف ـ وكان يعرف ـ هذه الحقائق التي سيكون نفيها مضحكا كنفي دوران الأرض حول الشمس. من شدة تركيز النقاش والإعلام والتفكير على شيطنة أوفقير، لم يتساءل أحد عن أبشع مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت انتقاما من أوفقير الميت. إنها سجن أسرته، وضمنها طفل لم يتجاوز العام الثالث من عمره، في حفر تحت الأرض لمدة عشرين سنة. إن أسطورة أوفقير، مثل غيرها من أساطير تاريخنا القديم والمعاصر، تؤكد »أن تاريخنا، منذ دخول الإسلام إلى اليوم، هو عبارة عن أساطير نرددها في المؤسسات التعليمية ونختبر فيها في الامتحانات والمباريات. وليس هذا هو الأهم، بل الأهم أن وراء كل أسطورة من أساطير تاريخنا قَلْباً وإخفاءً وتحريفاً لحقائق تخص الأمازيغية والأمازيغيين، قلباً للحقائق يجعل من الضحايا الأمازيغيين جلادين، ومن جلاديهم الحقيقيين ضحايا«. |
|