|
مستقبل الأمازيغية على ضوء كتابتها بتيفيناغ بقلم: عبد الهادي امحرف (كلية الآدابـ تطوان) بعد مصادقة الملك محمد السادس على اقتراح المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بإقرار حرف تيفيناغ لكتابة الامازيغية، و ذلك بعد استشارته لأهم الفاعلين السياسيين ببلادنا من رئيسي مجلس النواب و مجلس المستشارين و رؤساء الأحزاب السياسية، يحق لنا أن نتساءل عن حيثيات و أسباب هذا الاختيار و عن مدى استجابة خط تيفيناغ لخدمة أمازيغية المغرب. فمن حيث الأسباب, للأسف الشديد لم يصدر المجلس الإداري للمعهد حسب علمنا أية وثيقة إلى الآن تبين دواعي هذا التوجه و تحدد حيثيات إقرار خط تيفيناع كحرف مؤسساتي رسمي لكتابة الامازيغية . إن هذا الاختيار سبقه، كما هو معلوم، نقاش ساخن و عنيف من طرف المتبنين للحرف الأنسب لكتابة أمازيغية المغرب, و هذا النقاش اتسم بالاتهامات المجانية و القذف اللاذع والشك في النوايا، خاصة من الذين يدافعون عن الحرف اللاتيني والذين يدافعون عن الخط العربي. إن أهم الأطراف في ذلك النقاش هي الجمعيات الامازيغية والحزب الإسلامي المتمثل في حزب العدالة و التنمية. و الملاحظ أنه لم ترق مناقشاتهم إلى تبيان الجوانب التقنية و العلمية للحرف الذي يخدم الامازيغية إلا لماما. فالجمعيات الامازيغية في معظمها دافعت عن الحرف اللاتيني باعتباره حرفا كونيا سيسهل إدماج اللغة الامازيغية في نسيج اللغات العالمية و يجعلها تستفيد وتنفتح مباشرة عن الحضارة الكونية. أما الموقف الإسلامي الذي دافع عن الحرف العربي, فدفاعه هذا نابع أساسا من كون هذا الحرف سيقوي الوحدة الوطنية للشعب المغربي و سيثبت الانسجام الديني لمكونات ساكنته و اندماجها في الوطن العربي و الأمة الإسلامية. أما الحرف اللاتيني حسب هذا الموقف فهو حرف استعماري لائكي يخدم المصالح الغربية التي تسعى لتشتيت الوحدة الوطنية المغربية. و إضافة إلى الموقفين المذكورين, كان هناك اختيار ثالث, و هو الذي تبنته الجهات الرسمية المغربية, و كانت تدافع عنه أقلية من الفاعلين الامازيغيين باعتباره حرفا هوياتيا يخدم استقلالية اللغة الامازيغية و يؤدي إلى عدم تبعيتها للغات الأخرى. و هكذا نفاجأ بالمصادقة الملكية على قرار المجلس الإداري للمعهد الملكي باختيار الحرف الأمازيغي تيفيناغ كحرف رسمي لكتابة و تدريس الامازيغية، وهو اختيار أقلية من العاملين في الحقل الامازيغي, إذ النقاش الساخن, كما أسلفنا الذكر, والأصداء التي كانت تصلنا عن أعضاء المجلس الإداري للمعهد، كان يحوم أساسا حول الحرفين اللاتيني و العربي. انطلاقا مما سبق, نستنج بأن هذا الاختيار جاء ليخدم التوازنات السياسية و الاجتماعية بالمغرب, و هذا ما يدل عليه منطوق البلاغ الذي أصدره القصر الملكي و الذي يؤكد بان هذا الاختيار جاء بعد الاستشارة الملكية لأهم الفاعلين السياسيين في بلادنا، بمن فيهم حزب العدالة و التنمية, مما يدل على البحث عن إجماع وطني حول الحرف, خصوصا و أن الاتجاه الإسلامي كان قد هدد بالنزول إلى الشارع لإثارة الفتنة إذا تم إقرار الحرف اللاتيني. فهذا الاختيار إذن, يخدم أساسا الهاجس الأمني والإيديولوجي والسياسي لكون حرف تيفيناغ يمكن أن يكون حرفا محايدا لم تثر حوله كثير من المزايدات المجانية. و الآن, و قد تم الإقرار الرسمي و المؤسساتي لكتابة و تدريس الامازيغية بهذا الحرف, يحق لنا أن نتساءل و نناقش آفاق هذه اللغة على ضوء كتابتها بتيفيناغ على المستوى العالمي والوطني. المستوى العالمي: المغرب هو البلد الوحيد ـ من بين مجموعة من الدول التي تستعمل فيها هذه اللغة ـ الذي رسم كتابة الامازيغية بتيفيناغ. فالجزائر تراوح الاختيار بين الحرفين اللاتيني أو العربي, ومالي تستعمل الحرف الأول لكتابة تاماشيقت Tamachiqt . والبلدان الأوروبية التي اختارت الامازيغية لغة للتدريس و البحث كلها لجأت إلى اللاتينية لكتابتها, مما يجعل المغرب في وضع شاذ غير منسجم مع الاتجاه العالمي الذي سبق و أن اقر حرفا غير الحرف المختار عندنا. إننا أمام حالة جد خاصة, ستؤثر سلبا على الاندماج المغربي في المنظومة الدولية الامازيغوفونية, إذ أن المغرب هو البلد الوحيد الذي أقر نظاما كتابيا فريدا و مغايرا للاختيارات الدولية. ومقارنة مع اللغات الأخرى يستحيل أن نتخيل في المجموعة الفرنكوفونية مثلا, أن تكتب الفرنسية بحروف مختلفة في كل من فرنسا و كندا و سويسرا و بلجيكا الخ... أو ألا تكتب الإسبانية بحرف واحد في كل من إسبانيا و الشيلي والاكواتور و البرازيل الخ ... إن هذا الاختيار سيعيق, لا محالة, استفادة و تعاون المغرب مع الدول التي تدرس فيها الامازيغية على كل الأصعدة, لغويا و ثقافيا و تربويا. و هكذا، و في إطار تبادل الخبرات و التجارب على المستوى الدولي, فبلدنا سيجد نفسه, باختياره لتيفيناغ, معزولا عن المجموعة الامازيغوفونية التي نسعى إلى الاستفادة منها على المستوى التربوي والديداكتيكي والبيداغوجي, التي نريد أن نربط معها علاقات تعاون والاطلاع على تجاربها الرائدة المتراكمة في هذا الإطار , مما سيعطل تبادل الخبرات على جميع المستويات مثل: ـ مجال محاربة الأمية التي تعاني منه بالدرجة الأولى المناطق الامازيغوفونية في بلادنا, إذ لن يسهل هذا الاختيار تعاون المغرب مع باقي الدول التي كان لها السبق في هذا الميدان. ـ التبادل الثقافي مع الدول التي تستعمل فيها الامازيغية من أجل النشر المشترك لأبحاث و كتب و مطبوعات للاستفادة بها بصفة جماعية. ـ تبادل البرامج البيداغوجية و المقررات المدرسية مع البلدان التي راكمت تجارب مهمة في هذا الإطار ، وخاصة منها الأوروبية. ـ تبادل الأطر التربوية بهدف الاحتكاك و الاستفادة من تجارب الآخرين. ـ إعداد تربصات لمدرسي الامازيغية في البلدان المهتمة بهذه اللغة لإعادة التكوين والاطلاع على تجاربها و إعداد برامج بيداغوجية و ديداكتيكية موحد خاصة بهذه اللغة. ـ قطع الصلة مع أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج, خصوصا إذا علمنا بأنها تتكون من أغلبية ناطقة بالامازيغية, و علمنا بان مجموعة من البلدان الأوروبية قررت إدماج هذه اللغة في برامجها المدرسية مكتوبة بالحرف اللاتيني. لهذه الأسباب سنجد أنفسنا نحن المغاربة منغلقين عن الذات ونسير عكس الاتجاه العالمي الذي قررت معظم بلدانه تنميط الامازيغية بالحرف اللاتيني. المستوى الداخلي: هنا سنجد مجموعة من الصعوبات و سنرصد تكاليف إضافية من حيث الكلفة الزمنية و المادية. ـ الكلفة الزمنية , هنا يمكن أن نعد بعض التكاليف الإضافية والمضاعفة المتمثلة في: ـ تخصيص برامج و ساعات متعددة و إضافية لتلقين حرف تيفيناغ للمدرسين الذين سيتكلفون بتدريس الامازيغية و الذين كانوا فد تكونوا بالحرفين اللاتيني و العربي. ـ إضافة حرف ثالث في البرامج الدراسية المغربية والذي يفترض أن تخصص له حصص كثيرة جدا من أجل التمكن به, قبل المرور إلى المراحل اللاحقة المتعلقة بتدريس الامازيغية للأطفال المغاربة, خصوصا إذا علمنا أن الساعات القليلة المتعلقة بهذه اللغة أثناء أجرءة تدريس هذه اللغة غير كافية للقيام بهذه المهمة, و نعتقد أنه بمجرد أن ينتقل الطفل المغربي إلى المستويات التي لم تدمج فيها الامازيغية سينسى و يهجر حرف تيفيناغ, لأنه من شروط إنجاح أي حرف هو إعادة استعماله في المؤسسات التربوية و المحيط اللساني من كتب مدرسية ومنشورات مطبوعة و علامات المرور و الملصقات الإشهارية ولوحات المصالح الإدارية و التجارية و الخدماتية الخ ... ـ حرمان فئة عريضة ممن لم تتح لهم فرصة التعلم و التمكن من هذا الحرف من متابعة المنشورات الامازيغية المكتوبة بتيفيناغ, لأن هذا سيتطلب منهم وقتا طويلا وجهودا مضاعفة للكتابة و القراءة بهذا الحرف. ـ الكلفة المادية, العائق الآخر الذي سيعطل مسيرة تثبيت أمازيغية المغرب بحرف تيفيناغ يتمثل في الكلفة المادية الجد الباهظة لتثبيت هذا الحرف الطارئ على الوضع الكتابي بالمغرب, و هنا يمكن أن نتساءل هل هناك إرادة سياسية حكومية ستصاحب تخصيص غلاف مالي كاف من أجل إعداد و تجهيز الأدوات و الآلات و التقنيات الضرورية لتسهيل استعمال تيفيناغ, و بتعبير محمد بودهان في افتتاحية لثاويزا: »«هل هناك ميزانية خاصة و كافية لتغطية ما يتطلبه الحرف الجديد من كلفة مالية زائدة بصفة استثنائية, خصوصا ما يتعلق بتوفير الآلات الكتابية ولوحات المفاتيح Claviers و إعداد الخطوط fonts و البرامج المعلوماتية و كل الوسائل اللوجيستيكية التي يتطلبها الاستعمال المعلوماتي للحرف الامازيغي« ("من معركة الحرف إلى معركة تيفيناغ" ، ع 71 . مارس 2003 ). و حتى إذا افترضنا توفرنا على الأموال الباهظة التي يتطلبها هذا العمل الضخم , هل لم يكن من المستحسن أن تستثمر لاستغلالها في الجوانب المستعجلة الخاصة بالدراسات البيداغوجية و الديداكتيكية والكتب المدرسية والإبداعية و المنشورات المختلفة... الخ و التي ما أحوج الامازيغية إليها لترقيتها إلى مستوى لغة وطنية قادرة على مواكبة اللغات المجهزة لتحديات القرن الحالي؟ خاتمة: تأسيسا على ما سبق, فان اختيار تيفيناغ لكتابة الامازيغية لا يمكن إلا أن يساهم في عرقلة تنمية هذه اللغة وأن يعمل على إيقاف منشوراتها المكتوبة, إنه اختيار صعب وخطير على مستقبل امازيغية المغرب, لان هذا الحرف خرج من نطاق الاستعمال الفعلي الامازيغي منذ قرون ولم تعد له إلا قيمة هوياتية و رمزية و تزيينية. أما النصوص المكتوبة حاليا فهي لا تخرج عن نطاق اللاتينية و إلى حد ما العربية إلا نادرا , و هذا ما كرسته الجمعيات والمبدعون و المنشورات المكتوبة في بلادنا (صحافة, مجلات, كتب إبداعية الخ ... ) وفي كل مناطق العالم التي تنتشر فيها هذه اللغة. إن هذا الاختيار الذي جاء في ظرفية جد حرجة من تاريخ الامازيغية لم يكن اختيارا مبنيا على تبرير علمي رصين و لم يكن نابعا من المواقف والممارسات الكتابية الفعلية لهذه اللغة من طرف مستعمليها وفاعليها, وهذا ما بين بأن هناك تعارضا بين إرادة البحث عن حرف لا يثير مشاكل اجتماعية وسياسية وإيديولوجية و بين إرادة البحث عن حرف سهل الاستعمال والتلقين والنشر والانفتاح عن الآخر, و الحكمة كانت تقضي إيجاد توازن يأخذ بعين الاعتبار كلتا الإراديتين. إن المستقبل هو وحده الكفيل لكي يجيب هل حرف تيفيناغ دخل في الاستعمال الفعلي بدون مشاكل ومعارضة أم لا؟ خصوصا وأن معركة الحرف, كما تبين ذلك مجموعة من المؤشرات ستستمر وسيواصل مجموعة من الامازيغوفونيين في كتابة الامازيغية خارج الإطار المؤسساتي و الرسمي للدولة المغربية.
|
|