|
قضية أهالي تملاست: بعد إبادة الأسماء الأمازيغية جاء دور إبادة الأشجار الأمازيغية!! بقلم: محمد حمدوش (كلية الآداب، أكادير) لا يختلف إثنان في كون شجرة أرگان، شجرة عظيمة وفريدة. وعظمتها تستمدها من كونها قليلة، نادرة جدا. فقد ارتبط وجودها بوجود الإنسان الأمازيغي في شمال إفريقيا، خاصة في مراكش، وبالخصوص في منطقة سوس. هذا الإنسان الذي اعتنى بها عناية فائقة وهيأ لها كل الظروف الملائمة لكي تنمو وتتكاثر، فشكلت بذلك مصدر قوته وعيشه. والدراسات العلمية التي أجريت وتجرى على هذه الشجرة المباركة لحد الساعة أكدت وتؤكد، وبوسائل علمية دقيقة، على أنها تحتوي على فوائد جمة، سواء على صحة الإنسان، خاصة زيتها الغني، أو على الحيوان (الأوراق) أو على التربة (الندى). فبدلا من أن تقوم الدولة المغربية بتوفير ميزانيات لتتكفل برعاية شجرة أرگان، وإنشاء معاهد خاصة تكون مهمتها الأولى هي الحفاظ على هذه الشجرة والاعتناء بشتائلها، أنزلت قرارها المشين بقطع ما يزيد على 150 ألف شجرة بمنطقة "تملاست" التابعة لجماعة الدراركة باكادير.
وإذا كان الكلام هنا عاما، فالتخصيص أمر مهم وضروري. وهنا أريد أن أستحضر واقعة مماثلة في أقصى الجنوب الشرقي حيث تسود غابات من شجر "الطلح" أو "أمراد" باللغة الأمازيغية. ولأن السعوديين يلجأون إلى هذه المنطقة للترفيه عن أنفسهم بالطريقة المعلومة تحت اسم الاستثمار المشبوه في ميدان تربية الطيور، خاصة طير "الأحبار" بحيث تقوم الدولة ببيع أراضي القبائل لهؤلاء "الأشقاء" وتكوين ما يسمى "بالحاميات السعودية لتربية الطيور". وتاريخيا تقطن هذه المنطقةَ قبائل أمازيغية كآيت خبّاش وآيت إنزْران وآيت مرغاد وآيت إسفول... هذه القبائل كانت تتصرف في هذه الأراضي منذ عهود موغلة في القدم، خاصة ما يتعلق بالرعي والترحال ومراقبة الغابة... وفي شهر يناير من سنة 2000، قام رجال مم قبيلة آيت إسفول بقطع أغصان يابسة من هذه الأشجار "الطلح" لأن لهم الحق في ذلك لأنهم أولى بها من غيرهم، ولأن طبيعة العرف الذي يحتكمون إليه يقرّ ذلك. الشيء الذي أثار حفيظة "الأشقاء". وهذا ما جعلهم يشتكون إلى السلطات في مدينة "تزكورت" التي لم تتوانَ في تهييء إرسالية "حركة" تأديبية لردع تصرفات هؤلاء "الهمج"، متذرعة بالحفاظ على الغابة وعلى أملاك الغير، أي أملاك السعوديين، فأنزلت عقوبات قاسية في حق هذه الأسر الفقيرة ـ خمس أسر أمازيغية ـ حيث بلغ معدل ما ستدفعه كل أسرة إلى 5300 درهم. وهذا ليس رغبة في الحفاظ على الغابة، وإنما إرضاء للمحميات السعودية وإرضاء للطير السعودي العظيم "أحبار"، وخوفا من انقراضه!!؟؟ لكن لماذا لا تخشى على انقراض أرگان العظيم؟؟ في مقابل هذا نجدها تنزل ـ أي الدولة ـ هذه المرة بالقوة والعتاد، ليس لزجر "البربر" لأنهم يقطعون شجرة الأركان، ولكن لتقوم هي نفسها بهذا العمل. فبعدما وصلهم اليقين على أن التعريب الذي يطال الأسماء والأماكن والإنسان لم يؤت أكله المنتظر منه، أقدموا في مرحلة ثانية من مشروع التخريب، وفي محاولة جادة، على بتر كل ما يتعلق وكل ما يرمز علنا أو ضمنيا إلى هوية وحضارة هذا الإنسان الأمازيغي المتجذر في أرضه. إنه لإرهاب الدولة بامتياز. فمحاكمة أهالي "تملاست" التي استمرت سنة كاملة لا بد وأن تخلق الرعب والخوف والاضطراب النفسي في رجال ونساء وأطفال هذه القرية. أما الإعلام الحزبي والمخزني فقد ضرب حصارا تاما على هذه المجزرة المرتكبة في حق شجرة أرگان المباركة، في حين يخصص صفحاته الأولى لقضايا الغير. ففي كل يوم تطالعنا فيه النشرات المفصلة والجرائد العروبية عن المجازر التي ترتكب من طرف الصهاينة في حق الزيتون الفلسطيني، والليمون الفلسطيني والطماطم الفلسطينية... فهل أصبحت الدولة المغربية تنظر إلى كل ما له علاقة بالإرث الحضاري الأمازيغي على أنه غريب على هذه البيئة، وبالتالي وجب محوه وإبادته؟ فالأبحاث الميدانية التي أجريت في المنطقة التي تنتظر الإبادة الجماعية لشجر أرگان ـ مقابل إنشاء مزبلة كبيرة جدا ـ تؤكد على أنها تحتوي على فرشة مائية مهمة جدا. فهل هذه الدولة لا تعلم أن الحروب المقبلة في العالم ستكون على مصادر الماء كالأنهار الدائمة الجريان والفرشات الباطنية والبحيرات... وهل لا تعلم بأن الفلاحين في سهل سوس منهم من توقف عن مزاولة أعماله الفلاحية بسبب قلة المياه الجوفية وما يرتبط بذلك من عمق الآبار التي يصل بعضها إلى 300 متر؟ أما أنها صماء وبكماء لا تريد أن تسمع ولا تفهم هذه الدراسات العلمية الدقيقة التي أكدت ذلك. بيد أن الحقيقة التي يجب أن تفهم وتستنتج من إبادة شجرة أرگان هي إبادة وقطع كل ما له صلة بالحضارة الأمازيغية وبالإنسان الأمازيغي الذي ما يزال يقاوم كل أشكال الاستبداد والقهر والابتزاز... وفي هذا الإطار جاءت محاضرة المناضل والمحامي الكبير أحمد برشيل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير كشكل من أشكال التعبير الصريح والرافض لسياسة نزع الأراضي بالقوة. فألف تحية وتحية لكافة المناضلين الشرفاء.
|
|