|
|
ملاحظات حول أمازيغية حزب التقدم والاشتراكية بقلم: نجيب سيفاو (أكلميم) في مبادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ العمل الحزبي بالمغرب، نظم حزب التقدم ولاشتراكية يوم 21 أبريل الماضي (وهو يأتي مباشرة بعد يوم له دلالته في مسار الحركة الثقافية الأمازيغية، ونعني بذلك الربيع الأمازيغي) ندوة تحت شعار: "المغرب الراهن... وسؤال الأمازيغية"، مستدعيا إليها ثلة من مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية (وهو ما يعني أن الحزب لا يتوفر على مناضلين مهتمين بالأمازيغية كقضية). وكان هذا اللقاء الجماهيري فرصة استمع فيها الحزب إلى انشغالالت واهتمامات الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب بعد عرضه لما أسماه بـ"الاهتمام بالأمازيغية في مشروع أطروحة المؤتمر السادس". وإذا كان حزب التقدم والاشتراكية من بين الأحزاب التي كانت لها مواقف إيجابية حول الأمازيغية، وخصوصا بإصداره في بداية الثمانينات لوثيقة "اللغات والثقافات الأمازيغية بالمغرب جزء لا يتجزأ من تراثنا الوطني"، وفتحه لصفحة خاصة بالإبداعات الأمازيغية بجريدة "البيان" الفرنسية تحت إشراف الأستاذ محمد فرحات، وهي الصفحة التي توقفت منذ مدة خلال هذه السنة لأسباب نجهلها؛ فإن ندوته الأخيرة تدخل ضمنيا في إطار الاهتمام الذي يدّعي الحزب تخصيصه للأمازيغية. بيد أن عنوانها يبقى مثيرا للدهشة والاستغراب في آن، إذ أنه لم ينصف الأمازيغية في كثير من جوانبها، إذ اعتبرها مجرد سؤال ـ دون ذكر هذا السؤال ـ مرتبط بالمغرب الراهن، أي الحالي: أي أن الأمازيغية شيء مستجد لم تمض على ظهوره سوى بضعة أيام! وفي هذا شك مريب في التاريخانية والقدم اللذين تمتاز بهما الأمازيغية، ليس فقط بالمغرب، ولكن بتامازغا ككل. وعندما نأتي إلى توقيت الندوة نجد أنه مرتبط أولا بمرحلة الإعداد لما يعرف بالدخول السياسي المقبل عبر ما يسمى بالاستحقاقات أو الإصلاحات السياسية. وثاينا قبل بضعة أشهر تفصل عن المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي السابق. هنا بالذات نصطدم بنوع من الثقافة التنظيمية السائدة في عمل الأحزاب المغربية، وهي أن مجموعة من القضايا، وفي مقدمتها وطليعتها الأمازيغية لا تصبح شغلا شاغلا إلا عند قرب انعقاد مؤتمراتها، أما بعد فلا شيء يذكر، إذ يمكن أن تصبح مسألة ثانوية تثيرها فئة خارج جدول أعمال المؤتمر، ويمكن كذلك أن تضمحل في معمعة الصراع حول كراسي اللجنة المركزية والتمثيليات الإقليمية والكوطا الحزبوية.. وهذا هو لب المشكل، على الأقل في ما يتعلق بالأمازيغية. فالكثير من هذه التنظيمات المدعوة أحزابا تفتقر لحظة معالجة واضحة للقضية الأمازيغية، إذ لا تجعلها بتاتا مسألة عمل وأفقا للتفكير! لنعد إلى أطروحة الحزب التي خصصت جانبا للقضية الأمازيغية. فيها أولا تحامل واضح واتهامات مجانية في حق الحركة الأمازيغية بذكرها بما أسمته "منزلقات أمازيغية" معتبرا الحركة الثقافية الأمازيغية "مشروعا أصوليا جديدا متسما بالتحجر والتطرف والطروحات السطحية العمياء“ محذرا إياها من "مغبة الانحراف" (هكذا). وهذا كلام مجاني أطلق على عواهنه ولا أساس له من الصحة والرزانة السياسية التي من المفروض أن تسود مسودة أطلق عليها "أطروحة الحزب". وتأويل ذلك أن الحركة الثقافية الأمازيغية، من منظور حزب التقدم ولاشتراكية، حركة جنينية مستجدة ينبغي له ممارسة الوصاية عليها فيحذرها من الانحراف والزيغ عن الطريق المستقيم! فمتى كان الاهتمام بإحياء اللغة والثقافة الأمازيغيتين ـ كإرث إنساني كوني ـ مبادرة أصولية تحمل في طياتها منزلقات خطيرة؟ ثم أليس من الأجدر توجيه الاتهام إلى من كونوا بالفعل أصولية حقيقية هدفها معاداة الأمازيغية وإماتة كل ما يمت إليها بصلة، مشتغلين في إطار "جبهة الأمازيغوفوبيا المغربية"، وهي مؤسسة كبرى تضم مجموعة من رفاق الحزب داخل الكتلة، وأسماء أخرى كبنعمرو والبركة ومن سار على دربهم؟. تعتبر الأطروحة "الأمازيغية لغة وطنية ويجب الحرص على صيانتها والاعتناء بها وإنعاشها دفاعا على الهوية" كلاما عاما في مجمله. فما ورد هنا هو تحصيل حاصل. فما هي الوسائل التي يقترحها الحزب، وبالمقابل يعمل بها، لإعطاء الأمازيغية بعدا مؤسساتيا؟ فهو مثلا لم يدع إلى دسترها. وعلى ذكر كلمة "إنعاش"، من حقنا ـ نحن الأمازيغيين ـ أن نسأل هذا الحزب العتيد المشارك فيما يطلق عليه "حكومة التناوب" عن مصير "إنعاش الأمازيغية" الواردة في التصريح الحكومي التناوبي منذ ثلاث سنوات؟ حزب التقدم ولاشتراكية يوافق على تدريس الأمازيغية، لكن يشترط "الاجتهاد وتكاثف جهود العلماء والمختصين لإيجاد السبل الديداكتيكية والمنهاجية والمعجمية للشروع في مسلسل تدريس الأمازيغية". على الحزب أن لا ينسى أن البرلمان المغربي صادق في بداية الثمانينات، وبالإجماع، على مشروع إنشاء "معهد للدراسات الأمازيغية"، وهو مشروع لم ير النور بعدُ رغم مرور أكثر من عقدين من السنوات. وللعلم فإن هذا الحزب يتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك نظرا لكون نوابه مشاركين في عملية الإجماع تلك، ثم لأنه حزب شارك في حكومات سابقة أنيطت إليها مهمة التنفيذ، لكنها لم تنفذ ولم تنجز شيئا. لهذا فليس غريبا أن لا يدعو الحزب في أطروحته إلى الإسراع لإخراج ذلكم المعهد لأنه مسؤول عن فشل إخراجه. وربما سينتهي التاريخ دون أن يرى هذا المعهد النور! كما أن واضعي هذه الأطروحة التقدميين، الاشتراكيين، العلميين... ينطقون عن جهل، وأتمنى أن لا يكون تجاهلا، بالتراكم العلمي والمعرفي الكبير الذي حققته الحركة الثقافية الأمازيغية. فهم يبحثون عن سبل ديداكتيكية وغيرها، في حين أن الحركة الأمازيغية أنجزت هذا العمل من خلال مجهود جمعياتها، جرائدها، مجلاتها وأعمال علمائها كشفيق، أكيناض، جغايمي، الشامي، قاضي قدور. هكذا إذن، لم تأت أطروحة المؤتمر الوطني السادس لحزب التقدم والاشتراكية بجديد يذكر، اللهم بعض المواقف التي يحيط بها اللبس والغموض ولا تخرج عن نطاق العموميات، وتصب في خندق النفاق السياسي الموجه للاستهلاك الداخلي الإشهاري، لا أقل ولا أكثر. إذا أراد حزب التقدم ولاشتراكية الاهتمام بالأمازيغية، فإنه أولا لن يجعل الأمازيغية مجرد سؤال راهن يطرح بعيد مؤتمر وينتهي دون تحديد إجابة له بعد تمام هذا المؤتمر، بل سيتخذ منها قضية عمل مركزية يشتغل عليها مناضلوه. ثانيا، على مستوى لوجيستيكه الحزبي: ما ذا قدمت مطابع الحزب النضالية لصالح المنشورات الأمازيغية؟ هل يتوفر إعلامه على إرادة حقيقية واقعية لخدمة الأمازيغية إعلاميا بدل الجنوح إلى صفحة يتيمة تظهر وتختفي مثل ثعلب زفزاف؟ وثالثا، وهذا هو المهم، يتوفر الحزب على حقائب وزارية في الحكومة، ما الذي قدمه من مقترحات ومراسيم وزارية ومشاريع حتى يتحقق ـ على الأقل ـ ما يرجوه الحزب للأمازيغية؟ أخيرا، نهمس في أذن الرفاق بحزب التقدم والاشتراكية: شكرا على اهتمامكم، إلى مؤتمر قادم، طورا أداءكم الحكومي بشكل يحفظ للغة والثقافة الأمازيغيتين كرامتهما، ولا بديل عن دسترة الأمازيغية.
|
|