|
|
المغرب، الماروك، المارويكوس... ثم ماذا؟ بقلم:بوغانم خالد (آيت يطف، الحسيمة) "المغرب"، "الماروك" (Maroc)، "المارويكوس" (Marruecos)، وتسميات عديدة أخرى تخترق أسماعنا وآذاننا بكل عنف عشرات المرات أو أكثر داخل مؤسساتنا التعليمية والإدارية، في الإذاعة والتلفزة، في الشارع، في السوق، في المفاوضات الرسمية وغير الرسمية، في المتون الأدبية والتاريخية... لكن لا أحد من مفكرينا ومؤرخينا أثار الموضوع، أو حاول أن يستفز عقله ولو مرة في مشواره الكتابي، يطرح أسئلة بسيطة من قبيل: عماذا تدل كلمة "مغرب"؟ وهل دال هذه التسمية يعبر عن مدلوله؟ وما علاقة تسمية "المغرب" "بالماروك" (Maroc) و "المارويكوس" (Marruecos) و "الموروكو" (Morocco)، مع العلم أن الجهات الرسمية تستعمل كل هذه التقسيمات دونما استثناء أو تمييز؟ وكيف نفسر سماعنا من وزير أول أو من أي مسؤول آخر يتلفظ "المغرب" حين يكون بصدد التحدث بالعربية، "بالماروك" أثناء نزوعه للحديث بلغة بونابارت، وبلفظ "المارويكوس" إن هو اشتاق إلى لغة "سيرفانتس" أو دعت الضرورة إلى ذلك؟؟ فهل استسلم مفكرو وسياسو الوطن لتفوق الغير بقبول أية تسمية يطلقونها علينا وعلى بلادنا التي قدم من أجلها آباؤنا وأجدادنا الغالي والنفيس من أجل استقلالها؟ ألا يعد القبول بمواقف وشعارات الغير استصغارا واستهانة بلإنسان الأصلي لشمال إفريقيا؟ بل والأكثر من هذا ألا يمكن القول بأن الجمع بين تسميات متضاربة، من حيث معناها ومرجعيتها الثقافية، إلى حد التناقض، هو بمثابة غياب للروح الوطنية لدى متبني هذه التسميات كلها؟ إنها الأسئلة التي طالما سكنت بالي وقلبي، واستفزت عقلي وذهني، قبل أن تتاح لي فرصة الإدلاء برأيي فيها محاولا إبعاد جواب مقنع لكل التساؤلات، أو على الأقل ملامسة بعض من جانبها الأساسية والجوهرية، مع ترك المجال مفتوحا أمام كل الذين يعيشون ركوب المخاطر بالمغامرة في البحث عن جذور ومكامن الحقيقة، ويبادرون إلى نزع القداسة عن كل شيء من أجل قولها. فيما يتعلق بلفظ "المغرب"، فهو من الناحية اللغوية ينتمي إلى جذر (غ.ر.ب). نقول: غرب فلان عنا: تنحى. غرب في سفره: تمادى. غرّب: بلغ المغرب، بعد، نزح إلى الوطن. والمغرب: مكان غروب الشمس. ومنها أتت تسمية صلاة المغرب لأنها تكون عند كل مغرب شمس. والمغرب لغويا مقابل للمشرق. فشرقت الشمس شرقا وشروقا: طلعت. وشرّق: اتجه نحو الشرق. والمشرِق والمشرَق والمشرُق: مكان أو جهة شروق الشمس، جمع مشارق. وسميت صلاة العيد ب"صلاة التشريق" لأنها تكون عقب الشروق. وفي القرآن الكريم لا نكاد نعثر على كلمة "مغرب" دون أن تقابلها كلمة "مشرق". يقول سبحانه وتعالى: "قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها أنت من المغرب، فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين" (البقرة، آية 258). ويقول أيضا: "ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثمة وجه الله، إن الله واسه عليم" (البقرة، آية 115). ويقول أيضا: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم من قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" (البقرة، آية 142). ما علاقة "المغرب" كوطن، كدولة، ب"المغرب" ككلمة معجمية؟ من دون شك أن التسمية مأخوذة من المعنى المعجمي الذي تأخذه داخل القواميس والمعاجم اللغوية. فكلمة "المغرب"، حينما أطلقت علينا أول مرة من طرف العرب، لم تكن تطلق على بلادنا لوحدها كما هو الحال اليوم. بل كانت التسمية شاملة وتضم كل بلدان شمال إفريقيا دون استثناء. وسمّوا المنطقة ب"المغرب" لأنها البلاد الأخيرة التي تعرفوا عليها غرب وطنهم الذي انطلقوا منه. فحسب تصورهم، الشمس تشرق من شبه الجزيرة، وهي تغرب من شمال إفريقيا. وقد وردت كلمة "مغرب" في أحد الأحاديث النبوية. فعن مسلم بن الحجاج، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" (صحيح مسلم). ومن حديث سعد بن مالك أن رسول الله (ص) قال: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة". والحديث الشريف لم يكن يعني من تسمية"المغرب" تلك الرقعة الجغرافية المحدودة التي تعرف بها اليوم. ف"المغرب" أو "الغرب" في ذلكم الزمن، كان يشمل كل شمال إفريقيا، وربما أيضا أجزاء مهمة من قارة أوروبا. وحتى حدود اللحظة ما زالت كلمة "مغرب" تثير كثيرا من اللبس والخلط لدى الدارسين والمهتمين بتاريخ منطقة شمال إفريقيا.. فاطمة الرحموني اصطدمت بهذه المشكلة أثناء قيامها بترجمة كتاب الأستاذ محمد شفيق "ثلاثة وثلاثون قرما من تاريخ الأمازيغيين" إلى اللغة الفرنسية حيث وجدت نفسها بخصوص نقل كلمة "مغرب" إلى الفرنسية أمام خيارين إثنين: فإما ترجمتها "Maroc" أو إلى "Grand Maghreb"، الشيء الذي جعلها مضطرة إلى وضع هامش لهذه الكلمة تبرز فيه صعوبة الترجمة، مع إبقائها للكلمة كما كتبت بالعربية: Maghrebا (1). ولم تكن فاطمة الرحموني الأولى التي انتبهت إلى سوء الفهم الذي يحتمل حدوثه للدارس أو القارئ الذي يصطدم بكلمة "مغرب" هكذا بدون قرينة تمكنه من الكشف عن المقصود منها، وإنما تفطن للأمر الكثير من الدارسين، وخاصة دارسو أدب بلادنا. فإذا نحن قمنا بجولة سريعة داخل مكتبتنا وتصفحنا عناوين الكتب والدراسات التي ألفت حول أدبنا وتاريخنا نجد أصحابها يفضلون استخدام "المغرب الأقصى" دون أن يكتفوا بتسمية "المغرب" لوحدها. محمد عباس القباج على سبيل المثال يسمي كتابه "الأدب العربي في المغرب الأقصى" (الرباط 1929). والشيء نفسه فعله أحد النااصري حينما أطلق على مؤلفه اسم "الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى" (البيضاء 1965)، وعبد السلام بن سودة لما سمى كتابه ب"دليل مؤرخ المغرب الأقصى" (البيضاء 1960) وغيرهم من الباحثين. شعراء القرن العشرين هم أيضا لم يكونوا خارج التاريخ، ولم تغب عنهم فكرة استخدام مصطلح أو تسمية "المغرب الأقصى"، لتمييزه عن باقي المغارب: المغرب الأوسط، المغرب الأدنى. يقول محمد بن شقرون: فيا ترى ما تحدث الأيام من تقلبات إن بلاد المغرب الأقصى بلاد الغمرات منحدر الشمس(2) ومطلع شموس التضحيات(3) ويقول أحد الشعراء المشارقة: واحسرتاه على صوت يصيح بنا * لمدفع ما هو فيه من بليات صوت من المغرب الأقصى شكايته * غريبة بين أنواع الشكايات(4). ويقول: علي محمود طه وهو مشرقي أيضا: في المغرب الأقصى فتى كمن نورها * قدحت به كف السماء زنادا(5) التسمية نفسها يستعملها محمد كنون ومحمد هاشم العلوي. يقول محمد كنون: فآه ثم آه ثم آه * لشعب المغرب الأقصى المفدى. ويقول محمد هاشم العلوي: فتاة المغرب الأقصى سلاما * أقدمه لمغناك احتراما فتاة المغرب الأقصى أحقا * أردت السير ناشدة أماما(7) الأمثلة كثيرة في هذا لسياق. لكنني سأكتفي بهذا القدر. ولعل الأمثلة المقدمة كفيلة بإبراز مدى تحفظ هؤلاء الشعراء على الاكتفاء بتسمية "المغرب"، وهم أيضا واعون تمام الوعي بالضبابية التي تحوم حول هذه التسمية وبالعواقب التي تترتب عن توظيفها داخل متنهم الشعري منفردة دون صفة أو قرينة مصاحبة لها. في اللغة الفرنسية لا زال لفظ "مغربي" Maghreb يطلق على مجموع دول شمال إفريقيا دون استثناء، محتفظة بتلك التسمية كما أطلقها العرب أول مرة على المنطقة الشمالية للقارة الإفريقية، على الرغم من أن هذا اللفظ أو هذه التسمية يظل استعمالها على نطاق واسع من طرف الفرنكوفيين المحسوبين على "دول المغرب العربي" أو على "دول العالم العربي". بالمقابل نجد الفرنسيين يفضلون تسمية دول الشمال الإفريقي Pays nord-africains، أكثر. لكن، إذا كان العربوفونيون (الناطقون بالعربية)، وحتى عهد قريب، يجدون صعوبة في التعرف على جنسية "المغربي"، أهو تونسي أم جزائري أم... فكيف ولماذا التصقت هذه التسمية اليوم (تسمية المغرب) ببلادنا لوحدها دون غيرها من الدول الشال إفريقية؟ إن ما يبدو واضحا أن تسمية "المغرب" بقيت معممة على دول شمال إفريقيا لفترة طويلة، ولم يتم تخصيصها إلا في فترة متأخرة جدا. طبعا إني لا أستطيع تحديد الفترة الزمنية بدقة. لكن الشواهد الشعرية المقدمة آنفا، والتي تنتمي إلى النصف الأول من القرن العشرين، تدفع إلى القول بأن تسمية "المغرب" بقيت غير مضبوطة بشكل لائق، في هذه الفترة، وأن استعمالها وتداولها كان على ألسنة أناس قلائل. وإلا فما الذي حدا بالشعراء المستشهد بهم إلى الحذر والحيطة من هذه التسمية، واضطرارهم إلى استعمال "المغرب الأقصى" مكان وبديل "المغرب" الذي يسمى به بلادنا حاليا. وأغلب الظن أن تسمية "المغرب" هكذا بإطلاق، لم تترسخ وتتخصص بوطننا دون غيره من بلدان شمال إفريقيا إلا بعد فترة الاستقلال!، وبعد إعطائها سندا شرعيا وقانونيا بإدخالها في الدستور، وفي المقررات الدراسية، وفي "الجامعة العربية". والحديث عن تخصيص هذه التسمية على بلادنا لوحدها، لا يعني أن الذين قاموا بفعل التخصيص قد تخلصوا نهائيا من الشبهة واللبس اللذين صاحبا التسمية لفترة تعد بالقرون. فالثغرات ما زالت قائمة، والغموض لم يتم إقباره بعد، وإلا فماذا يعني أن نضيف إلى "المغرب" صفة "العربي" (= المغرب العربي)(8)، أو صفة "الكبير" (= المغرب الكبير)، لتعمم التسمية على مجموع دول شمال إفريقيا؟ ولماذا لا يكون الأمر سواء إذا أسندنا نفس الصفات إلى الجزائر أو ليبيا أو تونس؟ أهذا يعني أن بلادنا كانت أكثر بلدان تامازغا عرضة لترويج القوميين العرب لفكرتهم المعروفة التي تقول بوجود أمة موحدة من المحيط إلى الخليج. وبالتالي قبول أصحاب القرار السياسي بوطننا هذه التسمية (تسمية المغرب)، وعدول الدول الأخرى عنها، لأنها أقل تحمسا للفكرة، وأقل عرضة لترويجها داخل مجتمعهم على الرغم من أن "المغرب" كان قد أطلق على كل هذه الدول؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا احتفظت كل دول شمال إفريقيا، على تسميات أمازيغية: الجزائر (دزيار)، تونس، ليبيا، موريطانيا، وعدل "المغرب" عن ذلك، وفضل أن يسمى بتسمية عربية؟! تسمية عربية ولها علاقة بفكرة "العالم العربي" لأنه بمجرد ذكر كلمة "المغرب"، فدون أن نضيف إليه صفة "العربي" فإنها تحضر في ذهن القارئ أو المتلقي، إن هو طرح السؤال: مغرب ماذا؟ وتكون الإجابة أخيرا بأن الأمر يتعلق ب"مغرب عربي" أو "مغرب أرض العرب" مقابلا ل"مشرق أرض العرب". ويا ليته لو اكتفينا بهذه التسمية، ووضعنا حدا للقدسية التي ما زلنا نضفيها، بلهفة وارتعاش إلى حد الهيستيريا، على كل ما يصدر عن الإنسان الذي ينتمي حقا أو مجازا إلى حظيرة "المشرق العربي".. لقد أصبح هذا الشرق بالنسبة إلينا نقطة انطلاق لأية فكرة ولأية محاولة منا لوضع تصور للعالم، إذ أصبح لزاما علينا، بعد ما تنازلنا عن ثقافتنا وقبلنا بجنون لغتهم وثقافتهم، أن نستسيغ كل ما يبدعونه أو يبتدعونه، وأن نأخذ معاني ألفاظ لسانهم دون مراعاة لخصوصيتنا الثقافية والجغرافية. هكذا أخذنا عنهم كل شيء، حتى أضحينا مجرد آليات ومجرد كمبيوتورات لا يصدر عنا إلا ما تم تخزينه داخل مذكرتنا من قبلهم. فصار شمالهم شمالنا دون أن يكون كذلك، وغربهم غربنا زورا وبهتانا. ولم يتركوا لنا فرصة الانتقاد أو على الأقل الانطلاق من البقعة الأرضية والجوية التي منها نستمد الهواء الذي نستنشقه، والرغيف الذي نسد به رمقنا. لقد جعلونا أن نكتب عن أوروبا على اعتبارها "غربا"، من غير أن نخضع يوما تفكيرنا للمنطق، وندرك أننا لسنا مقيمين بالشرق يوما. نحن شمال إفريقية، وأوروبا ما هي إلا واجهة شمالية للقارة الإفريقية ولشمال إفريقيا. وقد دأب على تداول هذه التسمية الكثير من الذين يظنون أنهم "مفكرون" وفلاسفة وأدباء. يقول الشاعر عبد القادر حسن بعد تذكر الرجال الذين صنعوا أمجاد بلادنا أمثال طارق بن زياد وحانبعل(9) وابن تاشفين، واللذين قال عنهم بأنهم هم الذين نقلوا الهدى والنور إلى القارة الأوروبية، يقول: أيها البحر قد علمت مدى ما * قد بعثنا للغرب من تبشير وفتحنا للحياة له أفـــ * قا وقدناه للهدى والنور(10). والشاعر، إذا كان محظوظا، في اختيار بعض الأسماء التي صنعت البطولات الوطنية ك"طارق" و"ابن تاشفين"، فإنه سقط في الفخ الذي نحن بصدد الحديث عنه، حينما تحدث عن أوروبا، وكأنها واجهة غربية لشمال إفريقيا. وهو ما يعني أن تفكير شاعرنا قد انفصل عن جسده وجثته لما رسا به بالشرق ليتحدث من هناك عن شمال تامازغا بالنسبة للشرقيين أو المشارقة، ومن دون أن يعلم أننا ما سمّونا بالمغاربة إلا لأن بلادنا تقع في الجهة الغربية من بلادهم. وسأنهي حديثي حول هذه التسمية (المغرب) ببعض الملاحظات التي تلخص أهم الأفكار التي تطرقت إليها بخصوصها: 1 ـ لا تتداول هذه التسمية إلا في اللغة العربية، وهو ما يدل على أنها غير معترف بها إلا من قبل 22 دولة. 2 ـ يشوب هذه التسمية العديد من الغموض والالتباس، كما سبق أن أشرت إلى ذلك. 3 ـ إذا ما كانت تسمية "المغرب" تأتي مقابلا لتسمية "المشرق"، فلماذا لا نجد دولة شرقية تسمي نفسها ب"دولة المشرق". 4 ـ تسمية "المغرب" لم تتوطد إلا بفضل الفلسفة الإقصائية للمشروع القومي العروبي، ولا تمت بصلة إلى دول ما زال الطابع الأمازيغي يطغى على كل مكوناتها الثقافية، الجغرافية (الطوبونيميا، أسماء المدن، أسماء التلال والوديان...) وغيرها... فكيف لعالم أمازيغي من الناحية البشرية والجغرافية والتاريخية يسمى بمسمى عربي؟ هذا إذن كل ما يتعلق بتسمية "المغرب". أما في ما يتعلق بألفاظ Marruecos، Maroc، Morocco، فإنها ـ على اختلاف طرائق نطقها وكتابتها ـ تحتفظ جميعها بمقطع أو كلمة "مور" التي تعني " الأرض" في اللغة الأمازيغية. مع أن النطق الإسباني يقترب أكثر من الكلمة الأمازيغية Murakuc (Marruecos) مع تغيير طفيف على المستوى الفونيتيكي: وضع S مكان C/ش(11) لأن حرف الشين C لا مكان له في اللغة الإسبانية. وقد وقع اختيارها على الحرف S لتعويض حرف الشين في Murakuc، لأن S ينطق شينا في اللغة اللاتينية. وما يثير الانتباه في هذه الكلمة هو أنها تبدو، وفق قواعد اللغة الإسبانية، كلمة في صيغة الجمع لأن S في آخر الاسم يفيد الجمع في اللغة الإسبانية كما في Amigo (صديق) التي تجمع على Amigos و Casa (الدار) التي تجمع على Casas، وغيرها.. وعليه فإننا إذا أخذنا بهذه الفرضية، فإننا سنتوصل إلى نتيجة خاطئة، وهي أن Marruecos جمع لMarrueco. وسبب خروج هذه الكلمة عن القاعدة هو عدم ملاءمة الإسبان لها ـ كما فعل الفرنسيون وغيرهم ـ للقواعد الصوتية للغتهم، ذلك أن الكلمة تم الاحتفاظ بها في صيغتها الأصلية الأمازيغية. لكن الأسئلة التي يمكن طرحها: ما علاقة هذه التسميات ببلادنا ووطننا؟ وما هي الظروف السياسية والتاريخية التي جعلت من هذه التسميات تلتصق به وتلازمه؟ وكيف نفسر الاختلاف النسبي بينها؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة البالغة الأهمية لتقريبنا من الموضوع الذي نحن بصدد تحليله، يقتضي منا الرجوع إلى تاريخ بلادنا، وبالضبط إلى التاريخ الذي يؤرخ للدولة المرابطية. في طور نشوئها كانت عبارة عن إمارة صحرواية صغيرة تمتد حدودها بين "أدرار شنگيط" و "أوداغوست". بعدها، وبخطة من ابن ياسين (أحد زعمائها الروحيين) فكرت هذه الإمارة بعد ان لاحظت تدهور الحالة السياسية للإمارات الزناتية، مع السمعة الطيبة التي لقيتها دعوتها، في توسيع نفوذها. فتطورت من إمارة صغيرة بقلب الصحراء إلى إمبراطورية ضمت كلا من "المغرب الأقصى" وجزء كبيرا من "المغرب الأوسط" والأندلس. واتخذت هذه الإمبراطورية "موراكوش" عاصمة لها، بعد أن بناها يوسف بن تاشفين سنة 1070م/462ه. وكان المرابطون كلما ضموا إمارة من الإمارات، كانوا يحسبونها على مراكش... فعظم شأن هذه المدينة، وأضحى اسمها ساريا على ألسنة كل من ينتمي إلى الإمارات المنضوية تحت حكم المرابطين. ويجوز القول بأن اسم الدولة آنذاك كان يرادف اسم العاصمة والمقر المركزي الذي تختاره أية إمارة أو دولة أو إمبراطورية. لكن، ما علاقة هذا الجرد التاريخي وتسميات Marruecos, Maroc, Morroco؟ لقد بلغت الإمبراطورية المرابطية، أو لنقل الإمبراطورية المراكشية أوجها في غهد يوسف بن تاشفين الذي قام بسحق الإسبان في معركة الزلاقة (1086م/479ه)، بعدما سقطت طليطلة بيد ملك فشتالة، وبعدما طلب ملوك الطوائف من يوسف بن تاشفين النجدة على لسان المعتمد بن عباد. لذا فالإسبان الذين تلقوا صفعة قوية في عقر دارهم، لا يمكن أن نتصورهم جاهلين لتسمية الدولة أو البلاد التي فاجأتهم بهذه الهزيمة الشنعاء.. ولا يمكن أن نتحدث عن تلفظ الإسبانيين لكلمة Marruecos قبل هذا التاريخ، مع أنني قد سبق لي أن أشرت بأن تسمية العاصمة آنذاك كانت تعادل وتساوي تسمية الدولة في وقتنا الحاضر، وأن Marruecos هي نفسها "موراكوش"، وأرجع أن يكون اسم Marruecos قد فرض نفسه بشكل رسمي في اللغة الإسبانية أثناء ضم يوسف بن تاشفين ولاية الأندلس لمراكش، بعدما تأكد له تخاذل بعض ملوك الطوائف الذين كانوا قد اشتركوا معه في القتال، وانضمام البعض الآخر إلى صف الإسبانيين أثناء محاصرة المراكشيين (المرابطون) للإسبان الذين تحصنوا بقلعة "أليط" قرب "موريسيا" سنة 481ه. وقد ظلت العلاقات المراكشية/الإسبانية، حتى فسي زمن ضعف الإمبراطورية، بحيث استعان علي بن يوسف بميليشيات إسبانية لحفظ الأمن بالمناطق التي ما تزال تحت نفوذه ولقمع ثورة الموحدين، وهو ما قوى حضور تسمية Marruecos لدى الإسبانيين. وكل هذه الدلائل التاريخية توحي لنا بأن الإسبان هم أول من نطق بتسمية Marruecos، قبل أن يأخذها عنهم باقي الدول الأوروبية كفرنسا Maroc وانجلترا Morocco، وقبل أن يتوسع استعمالها لتعم بلدان العالم باستثناء الدول المنضوية تحت لواء "العالم العربي". لكن خلافا للإسبانية التي أخذت الكلمة كما ينطقها الأمازيغ تقريبا، حاولت كل دولة من دول العالم ملاءمة التسمية للقواعد الفونيتيكية والصرفية للغاتها. إذن، فالماروك Maroc، والمارويكوس Marruecos، والموروكو Morocco هي تسميات تعود كلها إلى أصل واحد هو مراكش Murakuc التي تعني "أرض الله" في اللغة الأمازيغية. وما على العاملين في إطار الحركة الثقافية الأمازيغية إلا اختيار التسمسة النسب والأقرب إلى لغتنا الأمازيغية... ولا حرج أن نسمي "المغرب" "مراكشا" ما دامت الكلمة أمازيغية قحة، وما دامت التسمية أكثر شيوعا وانتشارا من "المغرب"، وما دامت الجهات الرسمية تستخدم وتقبل بهذه التسمية ، ولو بطريقة غير مباشرة، أي عبر لغات أجنبية. وفي الأخير، أتوجه إلى كل غيور على لغتنا وثقافتنا الوطنية بأن يأخذوا الحذر، كل الحذر، من كل مصطلح، من كل كلمة، من كل اسم وفعل يتبناها عباد المشارقة والإيديولوجية العروبية، التي استهدفت، وما زالت تستهدف كياننا الثقافي واللغوي... نحن لا نريد أن نستشرق (نصير مشرقيين)، ولا نريد الكذب على أنفسنا؛ إننا مراكشيون، إننا أمازيغيوين. الهوامش: ـ انظر الهامش الأول من "Trente trois siècles de l'histoire des imazighen"، Tifinagh n° 9, Mohammed Chafik, trad: Fatima Errahmouni. 2 ـ أظن أن الشاعر قد فهم سبب تسمية "المغرب" مغربا حينما قال بأنه "منحدر الشمس"، أي المكان الذي تغرب منه الشمس. وفي نفس السياق يقول الشاعر أبو الحسن بن أحمد التيجيبي: وشمس على المعنى تطالع أفقنا * فمغربها فينا ومشرقها منّا يستخدم الشاعر "المغرب" في معناه الحقيقي، و"المشرق" في معناه المجازي (الحرية...) 3 ـ إبراهيم السولامي، "الشعر الوطني في عهد الحماية 1912 ـ 1956"، مطبعة النجاح (بدون تاريخ)، صفحة 287. 4 ـ إبراهيم السولامي، المرجع السابق، صفحة 58، ولم يذكر السولامي صاحب الأبيات، واكتفى بالقول بأنه نقلها من مجلة "الفتح" المصرية. 5 ـ نفسه، صفحة 84. 8 ـ إن الحديث عن "مغرب عربي"، يقودنا أوتاوماتيكيا إلى التفكير في مغرب غير عربي. فأين هو المغرب المستتر؟ 9 ـ لقد أصاب الشاعر في اختيار اسم "ابن تاشفين" و"طارق"، لكنه أخفق حينما أرود "حانبل" أو Hannibal، على اعتباره زعيما ينتمي إلى وطننا، لأن هانبال زعيم قرطاجني، وقد اشتهر وذاع صيته خلال الحرب البونيقية الثانية. وكانت الأغلبية الساحقة من جنوده أمازيغيين (ليبيين)، لذلك كان أولى بشاعرنا الجاهل بتاريخ بلاد تامازغا أن يفتخر بجنودنا الشجعان، والتي كانت من بينهم "أسبوتي" العذراء التي سال حولها الكثير من المداد من قبل كتاب يونانيين ولا تينيين. 10 ـ السولامي، المرجع السابق، صفحة 134. 11 ـ هناك كلمة أخرى كان الإسبان يطلقونها علينا وهي "المورو"، وينطقها الفرنسيون Maure، ويعود تاريخ استعمال هذه الكلمة في نظري إلى عصور ما قبل الاتريخ، أيام كانت مملكة "المورو" والتي عاصرت مملكة نوميديا الشهيرة. لكن معنى هذه الكلمة تطور مع تواجد المسلمين بالأندلس فأصبحت تطلق على المسلم بصفة عامة.
|
|